الأستاذ سمار عبد العزيز
لقد لاحظنا أن الكثير من الناس يستفسرون حول موضوع الرجوع في عقد الهبة ،فنجدهم يطرحون علينا أسئلة عديدة كمثلا وهبت قطعة ارض لإبني و أريد أن أسترجعها، فهل هذا ممكن ؟ أو مثلا وهبت سيارة لأخي و أريد أن أسترجعها، هل القانون يسمح لي بذلك ؟ أو مثلا رجل وهب بيت لزوجته ثم وقع الطلاق بينه و بين زوجته فيستفسر حول إمكانية إسترجاع البيت من زوجته ،هل القانون يجيز هذا الأمر ؟
يتعين علينا في البداية قبل الإجابة عن هذه الإستفسارات أن نعرف الهبة ،فقد عرفت المادة 202 من قانون الأسرة الهبة على أنها تمليك بلا عوض ،فالهبة تدخل ضمن التصرفات التبرعية ،أي أن الواهب يتصرف بإرادته المنفردة و بدون مقابل مالي .
أما فيما يخص موقف القانون الجزائري تجاه مسألة الرجوع في عقد الهبة ،فقد اشارت المادة 211 من قانون الأسرة على أن الوالدين فقط من لهما الحق في الرجوع في الهبة الممنوحة لأبنائهم سواءا كانت هذه الهبة شيء منقول أو عقار ،فالأب إذا وهب أو الأم إذا وهبت أو إذا وهبا كلاهما معا منقول أو عقار لأحد أبنائهم سواءا كان إبن أو بنت أو ابنائهم جميعا ،فإنه في هذه الحالة يحق لهم الرجوع في هذه الهبة مهما طالت المدة الزمنية ،فمثلا الأب يمكنه الرجوع في عقد هبة قطعة أرض حتى لو مر على إبرام عقد الهبة عدة سنوات .
و بالتالي يتضح لنا جليا أن الرجوع في عقد الهبة هو حق أقره القانون الجزائري للوالدين تجاه أبنائهم فقط ،فالزوج لا يمكنه الرجوع في الهبة التي قام بها لفائدة زوجته و الأخ كذلك لا يمكنه الرجوع في الهبة التي أجراه لفائدة أخيه ،
فالزوج و الأخ و غيرهم من الأشخاص يمكنهم اللجوء إلى إبطال عقد الهبة طبقا للقواعد العامة لوجود تدليس أو إكراه مثلا ،و لكن لا يمكنهم ممارسة الرجوع ،فالرجوع كما أشرنا هو حق مقرر للوالدين تجاه أبنائهم فقط ، و قد أخذ المشرع الجزائر في إقرار هذا الحق بموقف جمهور الفقهاء الذي أضفى صفة اللزوم على على عقد الهبة ،و لم يستثني من تلك القاعدة سوى الأبوين فيما وهبا لولدهما .
و تجدر الملاحظة إلى أن الوالدين ليسا ملزمين بتبرير الأسباب التي دفعتهما للرجوع في عقد الهبة ،هذا ما أقرته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17 / 03 / 1999 الذي جاء فيه » المستفاد من القرار المطعون الذي رفض دعوى الطاعن الرامية إلى التراجع عن هبة وقعها لفائدة إبنته حول إيجار محل تجاري بحجة عدم إثبات المناورات التدليسية التي أحاطت بهذا التنازل هو تحليل خاطىء ،لأن المادة 211 من قانون الأسرة لا تشترط إثبات التدليس أو المناورات التدليسية خلال التنازل لإلغاء الهبة ،بل تترك للواهب الحرية التامة للتراجع عن الهبة ……. ( ملف رقم 177428 ) » .
غير أنه يجب أن نعلم أن المادتين 211 و 212 من قانون الأسرة قد نصتا على إستثناءات فيما يخص حق الوالدين في الرجوع في الهبة ،أي أنه هناك حالات معينة لا يمكن فيها للوالدين الرجوع في الهبة ،و هي 04 حالات، وتتمثل فيما يلي :
الحالة الأولى : إذا كانت الهبة من أجل زواج الموهوب له ،فلو وهب الأب مثلا لإبنه مبلغ مالي معين أنفقه الإبن في تغطية مصاريف زواجه ،ففي هذه الحالة لا يمكن للأب الرجوع في الهبة .
الحالة الثانية : إذا كانت الهبة لضمان قرض أو ضمان دين ،فلو وهبت مثلا الأم لإبنها مسكن ،و قام الإبن برهن هذا المنزل من أجل ضمان قرض بنكي ، ففي هذه الحالة لايمكن للأم الرجوع في الهبة ، كما أنه لو مثلا وهب الأب لإبنه مبلغ مالي معين ثم قام الإبن بإستعمال هذا المبلغ لقضاء دين كان قائم في ذمته ،فإنه في هذه الحالة نفس الشيء لا يمكن للأب الرجوع في هبته .
الحالة الثالثة : إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب ببيع أو تبرع أو هلك المال بين يديه أو أدخل عليه ما غير من طبيعته ، فلو وهب الأب لإبنه مسكن مثلا ثم قام الإبن بإعادة بيع هذا المسكن أو تبرع به لشخص أخر، ففي هذه الحالة لا يمكن للأب ممارسة حق الرجوع في الهبة ،و كذلك لو وهبت الأم مثلا لإبنتها سيارة ثم تعرضت هذه السيارة للحرق أو حادث مرور حطم السيارة كليا ،ففي هذه الحالة لا يمكن للأم الرجوع في هبتها ، و أيضا لو قام الموهوب له بإجراء تغيير على الشيء الموهوب ،
كأن يقوم الأب بمنح قطعة أرض لأبنائه ثم يقوم هؤلاء الأبناء ببناء مساكن على هذه القطعة الأرضية ،ففي هذه الحالة لا يمكن للأب الرجوع في الهبة بإعتبار أن الأبناء ببنائهم لتلك المساكن قد غيروا من طبيعة الأرض ،هذا ما أقرته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 11 / 03 / 1998 الذي جاء فيه » حيث أن المستأنف عليهما أدخلا على المال الموهوب ( الأرض ) أعمالا غيرت من طبيعتها و هو بناء مساكن ، حيث أن المادة 211 من قانون الأسرة تستثني في مثل هذه الحالة الأبوين من الحق في الرجوع في الهبة إذا أدخل تغيير على المال الموهوب ….( ملف رقم 153622) « .
الحالة الرابعة : نصت عليها المادة 212 من قانون الاسرة و تتمثل في عدم إمكانية الرجوع في الهبة إذا كانت من أجل المنفعة العامة ،فلا يمكن لا للوالدين و لا لأي شخص الآخر الرجوع في الهبة إذا كانت موجه من أجل تحقيق منفعة عمومية ،
فلو قام مثلا الإبن بمنح قطعة الأرض الموهوب له من طرف والده للبلدية من أجل بناء مدرسة ،ففي هذه الحالة لا يمكن للوالد المطالبة برجوع الهبة ،و حسب إعتقادنا حتى الوقف يدخل في إطار المنفعة العمومية ،فلو وهب الوالد لإبنه قطعة أرض ،ثم قام هذا الإبن بوقف تلك الأرض من أجل بناء مسجد ، ففي هذه الحالة حسب إعتقادنا لا يمكن للأب المطالبة بإرجاع الهبة لأن الوقف العام يدخل في إطار أعمال المنفعة العمومية .
و نشير أن الحق الرجوع في الهبة المقرر للوالدين هو حق لا ينتقل أبدا للورثة ،حتى لو توفي الواهب أثناء مباشرته لإجراءات الرجوع في الهبة ،هذا ما أقرته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 11 / 06 / 2008 الذي جاء فيه » ….أن حق الرجوع في الهبة يخص الأبوين فقط ،و لما تبين في قضية الحال أن الواهب توفي أثناء سير الإجراءات و قبل صدور الحكم و تدخل ورثته في متابعة إجراءات السير في الدعوى و كان طلبهم الأساسي هو إبطال عقد الهبة ،و بإستجابة قضاة الموضوع لطلبهم الرامي إلى إبطال عقد الهبة ،يكونوا قد أخطئوا في تطبيق القانون ،لاسيما المادة 211 من قانون الأسرة ….. ( ملف رقم 367996 ) « .
زيادة على ذلك نشير أنه لا يحق للجد أو الجدة الرجوع في الهبة الممنوحة للأحفاد بحجة أنهم أصول و الأحفاد فروع أي أنهم مثلهم مثل الأب و الأم ،فحق الرجوع هو حق مقرر للوالدين فقط دون إستثناء ،هذا ما أقرته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 21 / 03 / 2007 جاء فيه » حيث أن الواهبة في الدعوى الحالية هي الجدة …..ذلك أنه لا يمكن إعتبار الجدة بمثابة الأم ،فحق الرجوع في الهبة منحه القانون للأبوين فقط ( ملف رقم 357544 ) » .
و نضيف أنه لا يمكن للوالدين الرجوع في الهبة إذا إنتقل الشيء الموهوب لأحفادهم عن طريق الإرث ،فلو وهب مثلا الأب لإبنه قطعة أرض ،ثم توفي الإبن و ترك وراءه زوجة و أولاد ، ففي هذه الحالة لا يمكن للأب الرجوع في الهبة نظرا لوجود ورثة ،هذا ما أقرته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 14 / 06 / 2012 الذي جاء فيه » حيث أن الشيء الموهوب كان قد إنتقل بعد وفاة الموهوب له إلى ورثته ،و من ثم لا يجوز لوالدته الواهبة الرجوع عن الهبة ،و ذلك لثبوت حقهم فيه بالميراث ….. ( ملف رقم 692316) « .
و فيما يخص الإجراءات المتبعة من طرف الوالدين لممارسة حق الرجوع في الهبة ،نشير أن قانون الأسرة لم ينص على إجراءات معينة في هذا المجال ،و في الواقع العملي قد لاحظنا أنه عندما يكون محل الهبة عقار أو محل تجاري فإن الرجوع يكون بواسطة عقد توثيقي أي أمام الموثق ،أما إذا كان منقول كمبلغ مالي مثلا فإن إجراءات الرجوع في هذه الحالة تكون أولا بواسطة المطالبة الودية ثم إذا فشلت المطالبة الودية يتم اللجوء إلى العدالة من اجل الحصول على حكم قضائي يلزم الإبن بإرجاع الشيء الموهوب له ،
علما أنه يجب على الواهب إذا أراد ممارسة الرجوع في الهبة أن يثبت أولا وجود الهبة وفقا للإجراءات القانونية ،فالهبة التي يكون محلها عقار لا يمكن إثباتها إلا بواسطة عقد توثيقي مشهر ،و الهبة التي يكون محلها سيارة تثبت بواسطة الوثائق الإدارية المعدة لهذا الغرض .
هكذا كنا قدمنا لمحة موجزة و واضحة عن أحكام الرجوع في عقد الهبة ،و في نفس الوقت قد أجبنا عن الإستفسارات التي أشرنا لها في بداية مقالنا حول هذا الموضوع .
7 أكتوبر، 2018 at 11:34 م
السلام عليكم استاذ ،
من فضلك عندي سؤال ، إذا كانت البلدية قد قامت بالتسوية للبناءات الفوضوية ، وقامت ببيع العقار لشخص ، سنة 2000 و بعد سنة 2002 قام بعقد هبة العقار لزوجته ،
بعد مدة ظهر شخص يدعي باحقيته للعقار بموجب عقد عرقي مصحح بحكم ، فقام برفع دعوى ىإدارية يطلب بإلغاء العقد الإداري المبرم بين البلدية و الشخص الأول ، فصدر حكم عن المهمة الإدارية برفض الدعوى لعدم التأسيس ، الا أنه قام بالطعن أمام مجلس الدولة فقضى بإلغاء العقد الإداري المبرم بين البلدية والشخص الأول على اساس العبرة بالتاريخ الأسبق هو الأصح . فما مصير عقد الهبة ؟ من فضلك
وشكرا جزيلا