مدى إمكانية قبول الكتابة الإلكترونية وفق قانون البيانات الفلسطيني
المستشار القانوني المساعد
د.إياد سدة
في ظل عملية التطور التي يشهدها العصر الحديث من الناحية التكنولوجية، والتطور الهائل الذي لحق بشبكة الإنترنت وما تتصف به هذه الشبكة بأنها مفتوحة للجميع وتسمح بالدخول إليها بحرية وفي أي وقت لإبرام علاقات قانونية مع أطراف غير معروفين مسبقاً عن طريق إستخدام الحاسب الآلي، حيث أتاحت هذه التكنولوجيا إمكانية تحقق التواصل الإنساني وإنجاز المعاملات بسهولة حيث أوجد استخدامها حسن الرعاية الصحية وتنمية الملكية الفكرية وغيرها من المجالات، ومعطيات الحاسب الإلكتروني والسندات الإلكترونية تخرج عن نطاق الكتابة التقليدية، وما ينبثق عن ذلك أن أدلة الإثبات الإلكترونية لا تنسجم مع القواعد التقليدية للإثبات كتوافر عناصر الدليل الكتابي، وتخزين المعلومات وحفظها واسترجاعها، فإذا طبقنا هذه الضوابط على السندات بالأدلة الكتابية لفقدت الكثير من قيمتها في الإثبات، في حين أن كثير من التشريعات أقرت للحاسب الآلي من حيث أهميته، نجد أن استخدامه أصبح ضرورة لاغنى عنها لدى فئات كثيرة من المجتمع، وهذا ما جعل من مستخرجات الحاسب الآلي البديل للأدلة الورقية في مجالات الحياة المعتمدة على الحاسب الآلي في إنجاز المعاملات.
لهذا وفي ظل غياب عملية التنظيم القانوني للسندات الإلكترونية المستخدمة عن طريق شبكة الإنترنت تثور العديد من المشكلات القانونية لهذه السندات لعدم إمكانية قبولها لدى القضاء، ولأن غاية المشرع هو ثبوت نسبة المستند إلى صاحبه فمن غير المعقول عدم قبول السندات الالكترونية وفق أحكام قانون البينات الفلسطيني، فعلى الرغم من تعامل المشرع مع موضوعي الإنترنت والفاكس في المادة (19) من قانون البينات بصورة تقليدية هي أقرب للتعامل مع الرسائل العادية أو البرقيات مع أن عملية التقدم التكنولوجي في عصر المعلوماتية لاتقتصرعلى التجارة الإلكترونية وتبادل الاتصالات فقط، بل تشمل أيضاً كل تقدم لإستعمال هذه الأدوات، ورغم ذلك من الملاحظ أن القانون الحالي قد يتيح عملياً الأخذ بوسائل الإثبات الحديثة في نطاق استثناءات لا يلزم فيها الكتابة لإثبات بعض التصرفات القانونية، فمثلا نجد أن قانون البينات قد أخذ بمبدأ الإثبات القانوني الحر في مواجهة التجار فيما يقومون به فيما بينهم من أعمال تجارية، كما سمح القانون للأطراف استبعاد نظام الإثبات والإتفاق على طريقة معينة لتنظيم المستندات والوثائق فيما بينهم فكما هو معروف أن قواعد الإثبات قواعد مكملة وليست آمرة أي أن هذه القواعد لا تتعلق بالنظام العام ولا يترتب عليها البطلان في حال اتفاق الأطراف على مخالفتها.
ولهذا لابد من البحث في الحجية القانونية لوسائل الإتصال الحديثة في المواد التجارية ثم في المواد المدنية من خلال إستعراض نصوص مواد قانون البينات:
1- حجية وسائل الإتصال الحديثة في الإثبات في المواد التجارية:
تنص المادة (68/1)من قانون البينات الفلسطيني من أنه (في المواد غير التجارية إذا كان الإلتزام تزيد قيمته على مائتي دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجوده أو انقضائه مالم يوجد إتفاق صريح أو ضمني أو نص قانوني يقضي بغير ذلك). يتضح من خلال النص أن الإثبات في الأعمال التجارية يكون جائزاً بكافة طرق الإثبات وفقاً لمبدأ حرية الإثبات في مواجهة التاجر سواء بواسطة الشهود أو القرائن أو أية طريقة أخرى ومهما بلغت قيمة التصرف، أما غير التاجر فتكون مواجهته بالإثبات إستخدام قواعد الإثبات المدنية، ويترتب على ذلك أن جميع العقود التي تتم بطرق الإتصال الحديثة سواء عن طريق البريد الإلكتروني أو الفاكس أو غيرها بحيث يمكن إقامة الدليل على صحتها بكل حرية في مواجهة أطرافها.
إلا أنه وإن كان الأصل في إثبات العمليات التجارية هو مبدأ حرية الإثبات والذي يسمح بإثبات التصرفات بكافة طرق الإثبات دون أن يقام الدليل عليها.
ولكي يتم تطبيق هذا المبدأ لابد أن يترك القاضي سلطة تقدير قوة الدليل المستمد من الوسائل الحديثة. ولهذا فمساواة السند الإلكتروني بالتقليدي تتصل بضوابط تأمين هذا المستند. ووضع كافة النظم التي تكفل حمايته والثقة فيه فإذا تم إقرار هذه الضوابط ونص المشرع على مثل هذا التنظيم وأقر بقوة السند الإلكتروني سيتمكن من أداء الدور المرسوم له وسوف تتوافر له الثقة في المعاملات ويكون مقبولاً للتعامل فيه.
2- حجية وسائل الإتصال الحديثة في المواد المدنية:
رغم أن المشرع قد إشترط في قانون البينات أن يكون إثبات التصرفات القانونية بالكتابة إلا أنه إستثنى من ذلك عدة حالات أجاز فيها الإثبات بأي وسيلة من وسائل الإثبات، وقد إستحدث هذا المبدأ إستجابة للظروف الخاصة التي تقضي بتيسير الإثبات للخصوم والتخفيف من حدة النظام القانوني للإثبات، وبذلك يمكن تجنب الكثير من الصعوبات الناشئة عن دقة نظام الإثبات. خاصة في حالة إستحالة الحصول على الدليل الكتابي الذي يتطلبه القانون في الإثبات ، وهذا ما نصت عليه المادة(71)من قانون البينات الفلسطيني.
وبالعودة إلى مايتعلق بالوسائل التكنولوجية الحديثة الصادرة عن جهاز الكمبيوتر. فهي تعد بداية ثبوت بالكتابة.حقيقةً من الملاحظ أن المشرع الفلسطيني عامل هذه المستندات معاملة المستندات غير الموقع عليها.
وألحقها بالفصل الثالث من الباب الثاني المتعلق بالأدلة الكتابية وذلك وفق مانصت عليه المادة(27) من قانون البينات الفلسطيني بقولها على أنه (تسري أحكام هذا الفصل على وثائق نظم الحاسب الآلي). حيث أنه ضمن هذا الفصل تم معالجة المستندات غير الموقع عليها كدفاتر التجار والأوراق المنزلية، والرأي الراجح هو إعطاء هذه المستندات قيمة بداية الثبوت بالكتابة وذلك لتوافر شروط مبدأ الثبوت بالكتابة على هذه المستندات ومن أهمها صدور هذا السند عن الخصم المدعى عليه، وعليه يمكن الإستنتاج أن رسائل البريد الإلكتروني والمرسلة بواسطة الإنترنت تعتبر بداية ثبوت بالكتابة يمكن الإحتجاج بها في مواجهة مرسلها. ويمكن تعزيزها بكافة طرق الإثبات كالشهود والقرائن.
ولهذا فقد يقع أحد الأشخاص في موقع يصعب فيه الحصول على سند يثبت التصرف الكتابي كما هو الحال في التعاقد عبر الإنترنت. وبالتالي يتعذر عليه تقديم السند للمحكمة بسبب لايد له فيه، فما المانع من جواز إثباته بالمحررات الإلكترونية. فعلى أساس الفهم الواسع لفكرة المانع يمكن أن تدخل وسائل التقنيات الحديثة ضمن الإستثناء الذي نصت عليه المادة (71) من قانون البينات الفلسطيني.
اترك تعليقاً