هل تؤثر صيانة السيارة خارج الوكالة على الضمان؟
المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
يتبادر كثيراً إلى الأذهان السؤال التالي: إن قام مالك مركبة ما بإجراء الصيانة لمركبته في موقع آخر غير الوكيل الذي قام بشراء السيارة منه، فهل يُلغى الضمان المعطى له على السيارة عند شرائها، أم لا؟؟ وفي هذه الزاوية القانونية عبر “أثير” سنقوم بالإجابة عن هذا السؤال من وجهة نظرنا الشخصية مستطلعين في ذلك أحكام القضاء والقوانين السارية في ذلك.
في بداية الأمر لابد لنا أن نقف على ماهية الضمان ونفرق بين نوعين من الضمان الذي تحظى به المركبات، فيعرف الضمان بأنه التزام من قبل الضامن بتحمل التبعة عن الهلاك أو التلف الذي يصيب المركبة أو جزء منها، ويقوم إما باستبداله أو صيانته على نفقته الخاصة وليس على المضمون له، فإنه على سبيل المثال إذا ما أصاب محرك السيارة تلف وكانت السيارة تحت الضمان وذلك التلف لم يكن بسبب تعمد المستهلك في إتلافه وإنما كان نتيجة الاستخدام المقرر للمركبة وفق مسلك الرجل المعتاد فإن الوكيل يكون ملزماً بإجراء الصيانة أو الاستبدال للتلف الذي أصاب السيارة.
وقد تختلف عروض الضمان المقدمة من قبل وكلاء السيارات المعتمدين في السلطنة، وعلى سبيل المثال نأخذ العرض الشائع بأن المركبة عند شرائها يحصل المشتري على ضمان لمدة ست سنوات، إلا أنه بعد مضي خمس سنوات يتفاجأ صاحب المركبة بأن موظفي الصيانة يطالبونه بسداد مبلغ معين على قطعة ما حال طلبه صيانتها، ويتبادر إلى ذهنه ما هي فائدة هذا الضمان، ولكن هذا السؤال سببه أنه لم يكن يعلم بأن الضمان يأتي على صورتين لدى وكلاء البيع، فالأول يكون ضمان الشركة المصنعة وعلى الأغلب الأعم يكون لمدة ثلاث سنوات ويُسمى بـ”ضمان المصنع”، والثلاث سنوات التالية تكون عبارة عن ضمان الوكيل يمنحه بموجب عقد يوقع بينه وبين المشتري ويتضمن شروطاً خاصة يكون مردها العقد الموقع بين طرفيه، وفقاً للقاعدة الفقهية المقررة أن العقد شريعة المتعاقدين.
وهنا يكون الفرق بين الضمانين ففي فترة ضمان المصنع لا يكون للوكيل حق التنصل منه بحجة أن المشتري قام بإجراء الصيانة خارج الوكالة، وذلك متى ما كانت الصيانة التي تمت صحيحة وفق الطرق المرسومة والزمن المحدد لها وبالأدوات المقررة لها، وتمت على يد شخص فني وهذا الأخير قام بإجرائها وفق الأسس المحددة لذلك، فلا يلغى الضمان متى ما تمت الصيانة وفقاً للطرق السليمة، فيقع باطلاً كل شرط يأتي على هذا الضمان لإلغائه إذا ما قام وكيل بيع السيارات بإيراده كشرط في عقد البيع، وهذا الأمر قرره قانون حماية المستهلك الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (66/2014) فنص في المادة (26) على: (يلتزم المزود بضمان الإصلاح والصيانة وفقاً لما هو منصوص عليه في القانون واللائحة.) ونص كذلك في المادة (33) منه على أنه: (مع عدم الإخلال بأحكام قانون الوكالات التجارية، يلتزم الوكيل التجاري بكافة التزامات منتج السلعة خلال فترة الضمان، كما يلتزم بتوفير قطع الغيار وورش الإصلاح للازمة لتلك السلعة.
ويلتزم الوكيل الذي يستغرق في تنفيذ الضمانات المنصوص عليها في الفقرة السابقة مدة تتجاوز (15) خمسة عشر يوماً، أن يوفر للمستهلك سلعة مماثلة يستعملها دون مقابل إلى أن يوقم بتنفيذ الضمانات، وفي حال عدم وجود وكيل في السلطنة يلتزم المزود بجميع التزامات الوكيل المشار إليها في هذه المادة.).
أما بشأن ضمان الوكيل فهنا تبقى الحيرة والخلاف في هذا الصدد، هل خلال فترة الضمان الممدد أو ضمان الوكيل يحق لهذا الأخير أن يلغيه إذا قام صاحب السيارة بإجراء الصيانة لها خارج الوكالة، والإجابة عن هذا التساؤل قد حسمته المحكمة العليا العمانية في حكمها في الطعن رقم (275/2011) والذي قالت فيه: (وحيث، ولئن كان قانون حماية المستهلك ولائحته التنفيذية قد أوردا النصوص التي استندت إليها محكمة الاستئناف، وقد اطلعت عليها هذه المحكمة، إلا أن الحكم المذكور حينما استند على الفقرة رقم (7) من الجدول رقم (3) من اللائحة التنفيذية لقانون حماية المستهلك الصادر بالقرار الوزاري رقم 49/2007م لم يصب .. ذلك أن الفقرة تقول: (قيام وكلاء السيارات بوضع شروط مجحفة تجاه السيارات التي يغطيها الضمان بضرورة إجارء الصيانة خلال فترة زمنية معينة وعدم إجراء أي ضمان خارج الوكالة…) وهذا يعني بجلاء أن من أجل انطباق هذه الفقرة ينبغي أن تكون المركبة (مغطاة بضمان) لكي ينطبق عليها هذا النص … .
ولما كانت عبارة (السيارات التي يغطيها الضمان) الواردة في اللائحة التنفيذية للقانون حسبما سلف ذكره تعني في رأي المحكمة الضمان الأصلي الممنوح للمركبة وليس ضمان … وهو عقد رضائي تعاقد المطعون ضده مع الشركة الطاعنة بعد خروج المركبة من فترة ضمان المصنع، وهو كما أوردت الطاعنة في طعنها بحق عقد ملزم للجانبين لكونهما دخلا عن طواعية ورضا فيه وقد جاءت العبارة التي أوردتها الطاعنة في طعنها في هذا السياق متسقة مع المنطق والعقل إذ قالت بعد نفيها لاستحقاق المركبة أثناء فترة … الحق في الإفادة من النص المدرج بلائحة قانون حماية المستهلك، قالت: “وإلا فما الفائدة التي ترجع على الطاعنة إذا منحت المشتري ضمانة إضافية مدتها ست سنوات بدون تحديد المسافة بدون أي التزام يقع على عاتق المشتري؟ قطعاً لا فائدة” وبالتالي فقد جاء الحكم المطعون خاطئاً متنكباً الطريق السديد عندما استجاب لدعوى المطعون ضده.).
وبهذا الحكم تكون خلاصة القول بأنه يقع باطلاً كل شرط من قبل الوكيل يلغي به ضمان المصنع عن المشتري إذا ما قام بإجراء الصيانة خارج الورش التابعة للوكيل، وأما الضمان الممدد أو الضمان الممنوح من قبل الوكيل فهو جاء بموجب العقد الموقع بين الطرفين ويخضع لشروط هذا العقد فإذا ما تضمن هذا العقد شرطاً يلغي الضمان إذا تمت الصيانة خارج الوكالة فضمان الوكيل هو الذي يُلغى فقط، ولا يكون لمالك السيارة الحق في مطالبة الوكيل بأن يلزم بضمان المركبة.
والقول أعلاه كان صادراً قبل صدور اللائحة التنفيذية لقانون حماية المستهلك الجديدة والتي صدرت بموجب القرار الوزاري رقم (77/2017)، فبصدور هذه اللائحة انتشر كثيراً تداول البند رقم (6) من المادة (20) من هذه اللائحة، والذي ورد في الباب الخاص بالتزامات المزود، وفي ذلك ارتأينا أنه يجب علينا التصدي له بقليل من البيان في هذه الزاوية القانونية لبيان وجه الرأي في تفسيره، فالمادة (20) نصت على: (يعد باطلاً كل شرط من شأنه إعفاء المزود من مسؤوليته المدنية تجاه المستهلك، وأي شرط من الشروط الآتية، سواء وردت هذه الشروط في نماذج عقود، أو وثائق، أو مستندات، أو فواتير الشراء، أو ملاحظات، أو إعلانات، أو مذكرات تتعلق بالعمل التجاري، أو على واجهة المحل، أو مطوبعة على البضاعة: … 6- وضع شروط بضرورة إجراء صيانة أو إصلاح السيارات في الوكالة خلال فترة زمنية معينة، وعدم إجراء أي صيانة أو إصلاح خارج الوكالة. …)
إن هذا الشرط جاء مطلقا، والقاعدة الفقهية تقول بأن المطلق يبقى على إطلاقه ما لم يرد دليل على تقييده، والقيد قد يأتي في ذات النص أو يكون في نص آخر أو يكون يقتضيه المنطق السليم، والبند (6) لم يحدد نوع الضمان المقصود، وعلى ذلك يتبادر للوهلة الأولى أنه جاء عاماً ومطلقاً بقصد أنه يشمل نوعي الضمان الممنوحين من قبل المصنع ومن قبل الوكيل، وهنا نقع في طائل الخلاف، وعلى ذلك نبيّن – من وجهة نظر شخصية وللقضاء القول الفصل في ذلك – بأن هذا البند جاء صريحاً لضمان المصنع، وليس لضمان الوكيل، فإن تقييد وكيل البيع بهذا البند يكون مخالفاً لمبدأ سلطان الإرادة، إذ أي قيد على هذا المبدأ يلزم أن يكون صريحاً وألا يدخل في منطقة خلاف، وعلى ذلك يكون هذا البند موافقاً لما استقرت عليه أحكام المحكمة العليا وفقاً للحكم سالف الإشارة، إلا أنه لابد أن نلاحظ أن الغاية من الالتزام بإجراء الصيانة داخل الوكالة خلال فترة الضمان هدفه هو ضمان إجرائها وفق الطرق الصحيحة، وعلى ذلك يكون الالتزام بإجراء الصيانة لدى الوكالة ليس هدفاً بحد ذاته وإنما هو مجرد وسيلة، وتبعاً لذلك فإذا ما تمت الصيانة خارج الوكالة بالطريقة الصحيحة والمقررة لإجرائها فإن الضمان لا يزول ويبقى الوكيل ملزماً به، وفق قانون حماية المستهلك، وليس في ذلك تعارض مع ما سلف بيانه، إذ كما قدمنا أن وجوب إجراء الصيانة داخل الوكالة ليس هدفاً وإنما وسيلة ضمان لإجراء الصيانة بالطرق السليمة، وكل واقعة تختلف عن الأخرى والقول الفصل في ذلك يكون لأحكام القضاء العماني العدل الذي نستنير بهداه
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً