نقاش قانوني حول مدى حاجة الاردن الى محكمة دستورية
المحامي جمال الخطاطبة
يعرف الدستور أو (النظام الأساسي ) بأنه مجموعة القواعد الأساسية التي يقوم عليها تنظيم من التنظيمات ابتداء من الأسرة و الجمعية و النقابة و انتهاء بالدستور العام للدولة ، وهو بالمفهوم القانوني مجموعة القواعد القانونية المتعلقة ببنية الدولة و طريقة ممارسة السلطة السياسية فيها فهو يشمل كل ما يتصل بالدولة في أساسها و تكوينها و شكلها وعلاقتها بمواطنيها وكل ما يتعلق بوجود الدولة و مقوماتها و عناصر تكوينها و وبيان حقوق المواطنين وواجباتهم . ويعتبر الدستور أهم القوانين السارية في الدولة، بل أساس هذه القوانين وهو بذلك يتربع على رأس الهرم القانوني ويسمو على كل ما سواه من القوانين والأنظمة والتعليمات ويراد بسمو الدستور إن النظام القانوني للدولة بأكمله يكون محكوماً بالقواعد الدستورية ، بحيث إن آية سلطة من سلطات الدولة لا يمكن أن تمارس إلا السلطة التي خولها إياها الدستور وبالحدود التي رسمها. ويعتبر مبدأ السمو من المبادئ المسلم بها في فقه القانون الدستوري حتى في حالة عدم النص عليه في صلب الوثيقة الدستورية.
و هذا السمو للقواعد الدستورية على ما سواها من القوانين يمتد إلى السمو الموضوعي والشكلي أما السمو الموضوعي فيعني أن القواعد الدستورية التي تبين وتنظم طريقة ممارسة السلطة في الدولة، و تبين وتحدد الفلسفة والأساس الذي يقوم عليه النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، فهي بذلك توجب أن يكون نشاط الحكام وهيئات الدولة المختلفة محكوماً بذلك الأساس في كل ما يصدر عنها من قوانين وأنظمة وقرارات ، ويعتبر الخروج عنها مساساً بجوهر الدستور وانتهاكا لسموه الموضوعي أو المادي .
أما السمو الشكلي فيعني أن الإجراءات المتبعة في تعديله تختلف عن إجراءات تعديل القانون العادي، وهذه الإجراءات تكون أشد صعوبة وأكثر تعقيداً من تلك المتبعة في تعديل القانون العادي. ولا يتحقق السمو الشكلي إلا بالنسبة للدساتير الجامدة فقط، لان صفة الجمود هي التي تسبغ على الدستور سموا شكلياً على القوانين العادية إضافة إلى السمو الموضوع ويجـرى وضع الدسـتـور عادة عن طريق سلطة أعلى من السلطة التشريعيـة، وتسمى السلطة التأسيسية .
إن تفعيل مبدأ سمو الدستور ومشروعية القوانين التي تعني عدم مخالفة نصوص القانون الأدنى للقانون الأعلى بحاجة إلى جهة رقابية مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية والتشريعية تتولى حماية النظام القانوني للدولة وضمان انسجامه مع الدستور وعدم الخروج عن قواعده ونصوصه وضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وتكفل سيادة القانون وتحقق العدالة والمساواة في المجتمع الديمقراطي وهذه الجهة الرقابية هي المحكمة الدستورية .
بالنسبة للنظام القانوني الأردني في الرقابة الدستورية فقد نص قانون محكمة العدل العليا الساري المفعول على اختصاص محكمة العدل العليا فـي الطعـون التي يقدمها أي مـتضرر بطلب إلغاء أي قـرار أو إجراء بمـوجب أي قانــــــون يخـالـــف الدستور أو القانون كما تختص فــي الطعـون التي يقدمـهـــا المتضرر بطلــب وقف العمل بأحكام أي قانون مــــؤقت مخالف للدستور آو نظام مـخالف للــقانون أو الدستور ويوجد سابقة قضائية صدرت عن هذه المحكمة متعلقة بقانـون الـمطبوعـات والنشـر الذي صدر كـقانون مـؤقت في وقت غاب فيه مـجلس النواب والذي تضمن التشديد فــــي العـقوبات علـى العمـل الصحفي وبعد الطعن بعدم دستورية هـذا القانــون قررت المحكمة عدم دستورية هــذا القانــون أما ما يتعلق بالقضاء النظامي يستطيع مراقبة دستورية القوانين حيث يأخذ بمبدأ يسمى الدفع الفرعي والذي يعني انه في حال عرض عليها نزاع معين وقام احد الخصوم بالطعن بعدم دستورية القانون المطبق على النزاع فإذا وجدت المحكمة أن هذا الدفع صحيح تصدر قرار بالامتناع عن تطبيق هذا القانون لمخالفته لأحكام الدستور ولا تملك صلاحية إلغاء هذا القانون أما الدفع الأصلي الذي تأخذ به بعض الدول .
فإذا وجدت المحكمة الناظرة في الدعوى أن القانون المطبق على النزاع مخالف للدستور فتملك تلك المحكمة الصلاحية بإصدار قرار بإلغاء هذا القانون ويعتبر قرارها بالإلغاء واجب التطبيق . إن لوجود المحكمة الدستورية في أي نظام قانوني له ميزات وايجابيات ولا يخلو من سلبيات ومحذورات وأوضح ذلك على النحو التالي : ميزات وجود المحكمة الدستورية
أولا : إن من أهم واجبات المحكمة الدستورية كهيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها الرقابة القضائية على دستورية القوانين والأنظمة واللوائح.فهي تتولى النظر في مطابقة القرارات والتشريعات الصادرة عن السلطة التشريعية والتنفيذية لبنود الدستور وهي بذلك تشكل حماية للنظام القانوني والتأكيد على مبدأ سيادة القانون من خلال الحكم بالمسائل الدستورية وفرض تطبيق فقرات الدستور، وتجعل من الدستور وثيقة حية تقوم بتشكيل وتوجيه ممارسات القوى السياسية.
ثانيا : وضع أسس وضمانات لحماية حقوق الإنسان والحريات العامة من خلال رقابتها الدقيقة على التشريعات التي تصدر واتخاذ قرار بإلغائها إذا ما شكلت عدوانا أو افتئاتا أو انتقاصا من الحقوق التي قررها الدستور للمواطنين أو أقامت تمييزا غير مبرر فيما بينهم في التمتع بهذه الحقوق علي قدم المساواة .
ثالثا : الاضطلاع بمهام تفسير النصوص القانونية السارية و التي يصعب على القضاء تفسيرها أو تطبيقها على مقاصد المشرع ، والعمل على التطبيق السليم للقانون وتوحيد الاجتهاد القضائي و تطوير دور القانون بطريقة تدعم المؤسسات الديمقراطية .
رابعا : النظر في الطعون المتعلقة بصحة نتائج الانتخابات النيابية والبلدية والنقابية وإصدار القرار المناسب في هذا الطعون وتملك الصلاحية بإلغاء عضوية أي مرشح شاب انتخابه عيوب أو مخالفات قانونية وإصدار قرارات بإعادة الانتخابات في منطقة معينة أو في كل المناطق وهذا المنهج سارت عليه بعض الدول المجاورة للأردن مثل مصر والكويت والبحرين أما الأردن فقد افرد نص خاص في الدستور هو المادة 71 للطعن في عضوية أعضاء مجلس النواب وفرض شروط صعبة لإلغاء عضوية أي مرشح شاب انتخابه عيوب أو مخالفات كما أعطى الحق لمجلس النواب إصدار مثل هذا القرار وهو يشكل الجهة المطعون في عضوية احد أعضائها مما يجعل منه الخصم والحكم ، أما الطعن في الانتخابات البلدية فانه بموجب القانون يوجه إلى محكمة البداية والتي يعتبر قرارها قطعيا .
خامسا : يمكن للمحكمة الدستورية أن تكون منارة للقانون وقائدة للتطوير والتحديث وإرساء مبادئ العدالة والمساواة ، وبث الطمأنينة في نفوس المواطنين ، وتلعب دورا هاما في التطوير القضائي للدولة ، ومصدر مهم لاستلهام النصوص التشريعية التي لا تتعارض مع الدستور ومبادئ الدولة ، وان تكون الملجئ لحل القضايا القانونية العالقة سواء بين الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين أو الحكومة وإداراتها والنظر في الشكاوى الفردية حول التصرفات الغير دستورية للجهات الحكومية أو شبه الحكومية .
سادسا : النظر في تعيين المرجع في حالة الخلاف عليه بسبب صدور أحكام أو قرارات متناقضة بين محكمتين أو سلطتين وحسم الخلاف لتجنب الأضرار بمصالح المواطنين ومؤسسات الدولة ، والنظر في القضايا التي تحال إليها من المحاكم الأخرى أو من المؤسسات العامة لإسباغ الصفة الدستورية في حال الخلاف على النص القانوني وموافقته للدستور ، ويمكن إن تعطى صلاحية محاكمة المسؤولين و الحكام المخالفين للقانون من رؤساء وزارات ووزراء واعيان ونواب وقادة الجيش والأمن والمخابرات وكل شخص يملك صفة حكمية بدرجة يتم تحديدها بقانون المحكمة أو قوانين أخرى .
السلبيات التي قد ترافق إنشاء محكمة دستورية
أولا : إن السلطة الممنوحة للمحكمة الدستورية بإعلان عدم دستورية تصرفات الحكومة والقوانين التي تصدرها هي سلطة لاعتراض الأشياء ومنعها من الانجاز إذا ما تركت مطلقة . لذلك من الواجب ممارستها بتحفظ وباحترام للفروع السياسية للحكومة. ويمكن أن تحرف السلطات الواسعة المبهمة التي تعطى للمحكمة الصوت الديمقراطي، مما يجعلها تتجاوز سلطاتها وتتصرف بطريقة لا ديمقراطية .
ثانيا : إن التركيز على القضاء الدستوري ومنحه سلطات واسعة قد يكون له أثار سيئة تؤدي إلى إهمال النظام القضائي برمته .
وربما تستحوذ المحكمة الدستورية على خيرة رجال القانون لمجرد كونها أعلى سلطة قضائية .
ثالثا : يمكن للمحكمة الدستورية أن تصبح أداة ة للصراع السياسي ومعيقة للديمقراطية وذات تأثير على تطوير النظام القضائي ويمكن أن يزج بها في الصراعات السياسية و تصبح مشاركة في جدل المشرعين والسلطة التنفيذية وتتخلى عن حياديتها وهدفها الأساسي وهناك أمثلة عدة على تورط المحاكم الدستورية في بعض الدول في الصراعات السياسية مما أدى إلى انحراف قضاء المحكمة الدستورية عن مسارها الطبيعي .
رابعا : أن السيطرة على المحكمة الدستورية من أي جهة كانت سوف تؤدي إلى كارثة تحل بالنظام القانوني للدولة وتؤدي إلى إهدار الحقوق والحريات العامة وتصبح وسيلة لبسط الهيمنة وتمرير القوانين وإسباغها بالصفة الدستورية .
خامسا : إن إنشاء محكمة دستورية يحتاج إلى تعديلات على النصوص الدستورية التي تتصف بصفة الجمود وبالتشديد والتعقيد كما أن هناك عقبات كثيرة تتمثل في تحديد صلاحيات المحكمة الدستورية وطريقة تشكيلها وأسلوب تعين قضاتها والجهة المسئولة عن هذا التعين وفترة ولاية قضاتها ومدى إلزامية قراراتها وسهولة أو صعوبة إبطال قراراتها .
سادسا : قد تتداخل صلاحيات المحكمة الدستورية مع صلاحيات سلطات الدولة وتؤدي إلى نشوب الصراع حول مسائل قانونية وتشريعية وتنظيمية ينتج عنها فوضى تشريعية وقانونية كالتدخل في سير العمليات الانتخابية والاستفتاءات الشعبية والقرارات السيادية والاتفاقيات الدولية .
ومع الأخذ بعين الاعتبار لكل هذه المعطيات فان إنشاء المحكمة الدستورية في الأردن يحتاج إلى جهد تشريعي وقانوني كبير وخاصة مع وجود خروقات كثيرة للنصوص الدستورية في بعض التشريعات التي خلقتها فوضى القوانين المؤقتة التي ابتعدت كل البعد عن حالة الضرورة المنصوص عليها في الدستور الأردني ، ويتطلب إنشاؤها قانون يضمن أتباعها منهج حياديا وبعيدا عن أي صراعات سياسية أو تجاوز الصلاحيات المحددة لها والاستفادة من الايجابيات التي توفرها هذه المحكمة للنظام القانوني وبذات الوقت تجنب السلبيات التي قد ترافق وجودها .
اترك تعليقاً