لقد نصت المادة 15 من الاعلان القومي لحقوق الإنسان بانه (1- لكل فرد حق التمتع بجنسية ما 2- لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفا او انكار حقه في تغييرها ) يتبين لنا من نص المادة 15 من وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان انه من حق الانسان ان يتمتع بجنسية أي ان يكون لكل انسان جنسية دولة ما ويستمد الانسان هذا الحق من القانون الدولي الذي يسود في كل دولة من دول العالم باعتبارها السلطة المختصة التي تنفرد بوضع الشروط موضوعية كانت أو شكلية والتي يتم بمقتضاها اكتساب الجنسية فإذا ما توفرت الشروط المتطلبة لاكتساب الجنسية وفق قوانين الدولة المانحة فلهذه الدولة ان تقرر منح الجنسية لهذا الفرد ، وبالتالي فان العدالة تقضي ان يكون لهذا الإنسان الحق في الدفاع عن الجنسية التي اكتسبها وفق قانون الدولة المانحة الداخلي والذي يبين كيفية ممارسة الفرد لهذا الحق من حيث الدفاع عن جنسيته المكتسبة إذا نازعته في شأنها دولة ما (1) الا ان هذا القول قد يصطدم مع نتيجة مفادها ان انفراد الدولة بتنظيم المسائل المتعلقة بالجنسية قد يؤدي إلى حرمان الفرد من حقه في الدفاع عنها خلافا لما تقضي به المادة 15 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان ويظهر ذلك بصورة جلية عندما تكون جنسية الفرد محلا للنزاع بين اكثر من دولتين (أ) و (ب) باعتبار ان (أ) هي الدولة رافعة الدعوى فقد تتنازل لـ ب عن دعواها وتقبل ان يكون الشخص الذي حدث النزاع حول جنسيته ان يكون من رعايا الدولة (ب) ففي هذه الحالة هل يمكن لهذا الفرد ان يتمسك بجنسيته تجاه الدولة المتنازلة ؟ يرى الاستاذ الدكتور هشام علي صادق أنه من الصعوبة (أن يلجأ الفرد إلى قضاء الدولة التي تنازلت عن انتمائه اليها لمنازعتها في شأن قرارها بالتنازل ذلك ان قضاء هذه الدولة لن يستطيع في الغالب ان يفصل في مثل هذا النزاع لتعلق الامر بأعمال السيادة ) (2) .
ويؤكد جانب من الفقه الفرنسي (Maury) أن التجاء الفرد إلى قضاء دولة ثالثة يمكنه من استعادة انتمائه إلى الدولة التي تنازلت عنه وبالتالي الدفاع عن حقه في جنسية هذه الاخيرة لانه بالنتيجة النهائية سيحترم قضاء الدولة الثالثة ارادة الدولة المتنازلة التي ابرمت الاتفاق الخاص بجنسية الفرد رافع الدعوى باعتبار ان الدولة المرفوع امامها النزاع لا تعنيها جنسية هذا الفرد الا بقدر اتصاله بدولة ما وفي حدود الاحترام الذي تتطلبه ارادة الدول أطراف الاتفاق الدولي(3) ومما تجدر الاشارة إليه ان القضاء الدولي الحديث يؤكد حق الفرد في التمسك بجنسيته المكتسبة والدفاع عنها من خلال قضية عرضت امام محكمة التحكيم الامريكية الايرانية تتلخص وقائعها في :
قضية ناصر الاصفهاني الذي ولد في ايران من أب ايراني وثبتت له بالتالي الجنسية الايرانية بحق الدم الابوي وفي سن السابعة عشرة غادر ايران الى الولايات المتحدة الامريكية ليكمل دراسته الجامعية هناك حيث حصل على دبلوم الهندسة من احدى جامعات ولاية اوكلاهوما وبعد ان حصل على الموافقة بالاقامة في امريكا منذ عام 1954 تقدم بطلب الحصول على الجنسية الامريكية وحصل عليها بالفعل في اول اغسطس 1958 كما تزوج بامريكية وانجب منها طفلين وفي عام 1970 عينته شركة هوستن للمقاولات مديراً عاماً لها لمنطقة الشرق الاوسط ونظراً لتردده من حين لأخر على ايران قام بفتح حساب بالريال لدى بنك ايران كما اشترى بعض سندات الخزانة بمقتضى بطاقته الشخصية ، الصادرة له من السلطات الايرانية قبل سفره الى الولايات المتحدة لأول مرة وفي ديسمبر 1978 استبدل المدعو ناصر الاصفهاني تلك الريالات والسندات بالدولار الامريكي لدى بنك ايران الذي حرر لا مره شيكاً بالمبلغ المستحق له ومسحوبا على مصرف ستي بنك الامريكي وعندما تقدم لصرفه من هذا الاخير ، لم يجد له رصيداً حيث امتنع بنك ايران عن الدفع للمسحوب عليه وضل الامر كذلك حتى تم تأميم بنك ايران بمقتضى قوانين التأميم الصادرة في عام 1979 في ايران وامم في بنك التجارة الذي انتقلت اليه كل حقوق والتزامات البنك الاول(4)
وقد رفع ناصر الاصفهاني دعوة امام المحكمة الفدرالية في الولايات المتحدة مطالباً الوفاء بقيمة الشيك ولكن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة الامريكية وتجميدها للارصدة الايرانية في البنوك الامريكية قد حال دون ان تؤتى الدعوة ثمارها(5) وقد عاود رفع دعواه امام محكمة التحكيم الايرانية – الامريكية بعد اتفاق الجزائر عام 1981 مطالباً بنك التجارة بالوفاء بقيمة الشيك على اساس انه من الرعايا الامريكيين الذين تشملهم ولاية المحكمة بخصوص دعواهم ضد ايران وقد ادعت ايران ان تلك الدعوى لا تدخل في اختصاص المحكمة استنادا الى ان ناصر الاصفهاني يتمتع بالجنسية الايرانية واستنادا الى انها لا تعترف بازدواج الجنسية كمبدأ عام فهي لا تقر تمتعه بالجنسية الامريكية ومن ثم ليس من اختصاص المحكمة ان تفصل في منازعات بين ايران واحد رعاياها(6) وكان على المحكمة ان ترد هذا الادعاء وتحدد الانتماء الفعلي للمدعو ناصر فاذا انتهت الى انه ايراني تخلت عن النظر في الدعوى واذا توصلت الى ان الجنسية الامريكية ثابتة له استمرت في النظر في الدعوى ضد ايران (بنك التجارة) للوفاء بقيمة الشيك ، وقد ارتأت المحكمة ان الفيصل في هذا الشأن هو اعمال نظرية الجنسية الواقعية او الغالبة وجاء بحكمها الصادر في 29 مارس 1983 ان صلات ناصر بالولايات المتحدة كانت مستمرة وجوهرية كما هو موضح في بداية القضية ، اما صلات ناصر بايران فقد كانت محدودة الى درجة كبيرة حتى أنه خلال وجوده في ايران في الفترة ما بين 1970 الى عام 1978 مديراً لشركة هوستن كان لا يقيم في ايران غير عدة اشهر في السنة يقضي باقيها في الولايات المتحدة وقد خلصت المحكمة الى القول بان كل تلك الظروف تقود المحكمة الى الانتهاء الى ان الجنسية الواقعية والغالبة لناصر خلال المدة المعتبرة كانت الجنسية الامريكية وان المبالغ المتنازع فيها في القضية المعروضة ترجع اساساً الى جنسيته الامريكية وليس الى جنسيته الايرانية(7) .
يتضح لنا مما تقدم ان حق الفرد في حمل الجنسية والدفاع عنها والذي تمليه المادة 15 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان قد يتعارض مع القوانين الوضعية للدول والسبب في ذلك ان حق الدولة في تنظيم مسائل جنسيتها هو في حقيقته من الحقوق التي تنفرد بها الدول الامر الذي يؤدي إلى هذا التعارض. وتعدّ الجنسية صفة قانونية رئيسية لحياة الفرد(8)‑ويمكن القول ان مبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان لا تتعارض مع مبدأ الواقعية في اكتساب الجنسية والذي اتخذته المحكمة في قضية ناصر الاصفهاني كمعيار في الحكم واعتبار جنسيته الواقعية هي الجنسية القانونية التي استندت اليها المحكمة باعتباره امريكي الجنسية . واهمية الجنسية في الوقت الحاضر لا تقتصر على الدولة فقط بل تمتد إلى الفرد والمجتمع الدولي ايضا بحيث يمتد اثرها من النظام الداخلي إلى النظام الدولي الذي يفرض وجود معيار واضح لتحديد افراد وشعب كل دولة هذا المعيار هو الجنسية وكل دولة حرة في تنظيم جنسيتها وتحديد افراد شعبها وفقا لما تقتضيه مصالحها العليا السياسية والاجتماعية وظروفها الخاصة دون أي تدخل من الدول الاخرى وهذا ما عبر عنه مبدأ حرية الدولة في امر جنسيتها لان مسائل الجنسية تعدّ من الاختصاص المانع للدولة ومن اعمال السيادة وقد اقر فقهاء القانون هذا المبدأ وانه من الصالح العام للجماعة الدولية قبول اعضائها مبدأ ان تكون لكل شخص جنسية والا تكون له الا جنسية واحدة وان المثل الاعلى الذي يجب ان تنشده الانسانية في هذا الميدان هو الغاء جميع حالات انعدام وازدواج الجنسية حيث ان هذه المبادئ الانسانية قد وردت في مقدمة اتفاقية لاهاي لعام 1930(9) .
_____________________
[1]- د. محمد عبد الله محمد المؤيد، احكام تنظيم علاقات الجنسية في القانون اليمني والقانون المقارن ، ط1 ، الافاق للطباعة والنشر ، اليمن ، 1999، ص 19 وما بعدها
2- د. هشام علي صادق ،الجنسية والموطن ومركز الاجانب ، المصدر السابق ، ص 66.
(3) Maury (J) ، Rep. De Droit Int. (par la paradelle et Niboyet) ، Paris ، sirey ، 1931 ، ToMeIx(Notionditp ) ، p.207.
4- د. احمد عبد الكريم سلامة ، الحماية الدبلوماسية ومشكلة تعدد الجنسية ، المصدر السابق ، ص25 .
5- في تلك الاجراءات واثارها في القانون الدولي الخاص انظر:
– Ch. Ggavalda: L’efficacite juiridique en France de L’executive order du President Carter {gelant} lesavoirs officiels iraniens ، cas pal ، tomez ، 1979 ، P. 695 .
– F.Gianviti : le blocage des avoirs officiels iraniens par les Etats ، Unis (executive order du 14 november 1979) .
6- راجع تلك القضية ووقائعها في :
The Iran،U.S.A. Tribunal ، case Esphahanian V. Tejarat Bank ، in Iran،U.S.A. Tribunal Reports ، 1983 Vol.2 P.157،171; Int.L.M.،1983 Vol.3 Case 157، chamber2،award n. 32،211،2.
وراجع نحو الجوانب القانونية لمشكلة تعدد الجنسية في تلك القضية :
E.Mohoney: The standing of dual nationals before the Iran،U.S.A. Tribunal، in Virjinia J.int.L.،1984 P.695،728
7- د. احمد عبد الكريم سلامة ، الحماية الدبلوماسية ومشكلة تعدد الجنسية ، المصدر السابق ، ص27 وما بعدها .
8- Lauterpacht ، International law and Human Rights، London 1963 p.347،348 and Weis ، nationality and state ، lessens in international law، Paris ، 1956 ، p.245.
9- د. غالب علي الداؤدي ، ازدواج الجنسية في القانون الاردني والمقارن ، بحث منشور في مجلة البلقاء للبحوث والدراسات تصدرها جامعة عمان الاهلية ، المجلد الخامس ، العدد الثاني نيسان ، الاردن ، 1998. ص 214 وما بعدها .
المؤلف : يونس محمود كريم النعيمي
الكتاب أو المصدر : احكام التجنس في قانون الجنسية العراقية
الجزء والصفحة : ص31-34
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً