استقرت احكام القضاء الاداري في فرنسا منذ زمن بعيد على تقرير حق الموظف الذي يلغى قرار انهاء علاقته الوظيفية في العودة إلى الوظيفة التي كان يشغلها عند صدور القرار وتشددت في تحقيق هذا الاثر ايا ما كانت الظروف والاعتبارات.(1) والزمت الادارة بذلك ايا ما كانت الاسباب التي قام عليها حكم الالغاء اذ لا يشفع في التحلل من هذا الالتزام القول بان القرار سليم من الناحية الموضوعية وان الالغاء قد استند على مجرد عيب في الشكل او عدم الاختصاص.(2) كما لا يجوز للادارة الامتناع عن اعادة الموظف إلى وظيفته استنادا على اسباب متعلقة بسير المرفق العام او مقتضيات الدفاع والامن القومي.(3) وقد استقرت احكام مجلس الدولة الفرنسي على التشدد في ضرورة اعادة الموظف إلى وظيفته التي كات يشغلها قبل صدور قرار انهاء علاقته الوظيفية ثم امتد ذلك التشدد ليشمل شاغلي الوظائف غير القابلة للعزل كالقضاة على اساس ان المفاضلة عند تطبيق هذه القاعدة تكون لصالح من عزل بقرار باطل لا لمن حل محله خلال فترة عزله.(4)وبعد ان اخذ هذا التطبيق يكشف عن قسوة في الاثار المترتبة على الحل بدا مجلس الدولة الفرنسي يتجه في قضائه اتجاها مغابراً وذلك بتقرير امكان اعادة الموظف إلى وظيفة مماثلة للتي كان يشغلها وقد بدا هذا الاتجاه بحكم المجلس الصادر في 3/1/1958 في قضية (Dejean) ثم تاكد ذلك في حكمه الصادر في 16/10/1959.(5)
اما في مصر فقد قضت المحكمة الادارية العليا بانه (.. لا يكفي ان يقتصر تنفيذ الحكم على مجرد اعادة الموظف إلى الخدمة ولكن في مرتبة ادنى ودرجة اقل…. ولا مندوحة للادارة والحالة هذه من تدبير الوسائل الكفيلة باعادة الحق إلى نصابه نزولا على حكم الالغاء ومقتضاه وازالة العوائق التي تحول دون ذلك، اما بتخلية الوظيفة التي كان قد فصل منها.. وتعيينه فيها ذاتها او بتعيين المدعي في وظيفة اخرى شاغرة من نفس المرتبة والدرجة واعتباره فيها قانونا منذ تسريحه الاول لو ارادت الادارة الابقاء على الموظف الشاغل لوظيفة المدعي الاصلية…).(6) ويتضح من هذا الحكم انه يكفل حق الموظف في العودة إلى وظيفته التي كان يشغلها قبل صدور قرار انهاء علاقته الوظيفية حتى لو كانت مشغولة من موظف اخر لكنه اجاز للادارة الابقاء على الموظف المعين خلفا له واعادة الموظف الذي حكم بالغاء قرار انهاء علاقته الوظيفية إلى وظيفة اخرى مماثلة وبذلك لا يتحتم فصل الموظف الخلف الا عندما يكون الوسيلة الوحيدة لايجاد وظيفة شاغرة للموظف المحكوم له. وبهذا يكون مجلس الدولة المصري قد ساير نظيره الفرنسي في محاولة التوفيق بين مقتضيات تنفيذ حكم الالغاء وبين رعاية من عين محل المحكوم لصالحه فهذا الاخير لا ينبغي ان يكون ضحية خطا لا يدله فيه ، ومن جانبا ودون الخوض في تفاصيل مدى تاثر الموظف الخلف باي من الحلول التي سلكها القانون الفرنسي او المصري لانها قد تخرجنا عن صلب الموضوع نؤيد الاتجاه الذي لا يقيد الادارة باعادة الموظف المحكوم له إلى الوظيفة نفسها التي كان يشغلها قبل صدور قرار انهاء علاقته الوظيفية حتما ومهما كانت الظروف بل نؤيد الحل الذي يقيد الادارة بذلك متى كان هذا الحل ممكنا والا يكون بامكانها اعادته إلى وظيفة مماثلة. اما اذا استحالت اعادته إلى الوظيفة لسبب قانوني او لاخر كأن يكون قد بلغ سن الاحالة على المعاش فلا باس من قبول التسوية النظرية لوضعه دون استلزام اعادته فعلا إلى عمله وهذا ما سار عليه مجلس الدولة الفرنسي.(7) والادارة غير ملزمة بمدة معينة لتنفيذ حكم الالغاء الا ان ذلك ينبغي ان يتم خلال مدة معقولة تحتاجها لاعادة ترتيب الاوضاع القانونية بما يتفق ومقتضيات الحكم(8).
وفي العراق وتاسيسا على قاعدة ان ما يترتب على الالغاء القضائي للعقوبة الانضباطية انهاؤها باثر رجعي من تاريخ صدورها فتصبح وكانها لم تكن في مواجهة اطراف الدعوى وفي مواجهة الكافة لكون حجية حكم الالغاء حجية مطلقة(9) يمكننا القول ان الادارة تكون ملزمة باعادة الموظف إلى وظيفته وكان قرار فصله او عزله لم يكن قد صدر. وفي تقديرنا ان ذلك يسري حتى في حالة حكم مجلس الانضباط العام بتخفيف العقوبة إلى اية عقوبة انضباطية اخرى غير الفصل لان فرض عقوبة غير منهية للعلاقة الوظيفية يعني ضمنا الغاء للعقوبة المنهية للعلاقة الوظيفية وبذلك تكون الادارة ملزمة باعادة الموظف إلى وظيفته وتطبيق العقوبة التي قضى بها مجلس الانضباط العام بحقه. هذا وقد جرى العمل في الدوائر الحكومية في العراق على الغاء العقوبة الانضباطية المطعون فيها باثر رجعي عند صدور قرار من مجلس الانضباط العام بالغائها.(10) ولا يكتفي القضاء العراقي باصدار حكم الالغاء بل يتدخل احيانا بترتيب اثاره ولمجلس الانضباط العام عدد من القرارات في هذا الشان ومنها قراره المرقم 2/35 الصادر في 7/1/1935 والذي الغى فيه قرار قصدت منه الادارة فصل احد الموظفين بنقله إلى وظيفة ملغاة حيث ورد فيه (.. وحيث ان الموظف الموما اليه مثبت في وظيفته وتابع لاحكام قانون الانضباط فلا يجوز والحالة هذه فصله ولذلك اعتبره المجلس موظفا إلى يوم اعادة تعيينه إلى وظيفته الحالية…)(11) وفي قرار اخر لمجلس الانضباط العام قرر فيه الغاء قرار انهاء العلاقة الوظيفية لاحدى الموظفات وعدها مستمرة في خدمتها السابقة.(12)
___________________
1- حكم مجلس الدولة في 30/11/1900 ص491.
2- حكم مجلس الدولة في 18/2/1955 . ص491.
3- حكم مجلس الدولة الصادر في 6/2/1961 . ص492.
4- من احكام المجلس في هذا الشان حكمه الصادر في 27/5/1949 ص493.
5- الحكمان مشار اليهما في المصدر نفسه ص495.
6- حكمها الصادر في 26/4/1960. منشور في المصدر نفسه ص496-497.
7- د. عبد المنعم عبد العظيم جيرة: اثار حكم الالغاء، دراسة مقارنة في القانونين المصري والفرنسي/ دار الفكر العربي/ القاهرة 1971 ص500.
8- د. حسني سعد عبد الواحد/ تنفيذ الاحكام الادارية/ مطابع مجلس الدفاع الوطني المصرية 1984 ص224.
9- د. علي محمد بدير ود. عصام عبد الوهاب البرزنجي ود. مهدي ياسين السلامي: مبادئ واحكام القانون الاداري / جامعة بغداد 1993ص464.
10- شفيق عبد المجيد الحديثي: النظام الانضباطي لموظفي الدولة في العراق/ رسالة ماجستير/ جامعة بغداد 1973، ص207.
11- منشور لدى د.محمود خلف حسين/ الحماية القانونية للافراد في مواجهة اعمال الادارة في العراق/ رسالة دكتوراه/ جامعة بغداد 1986 ص354 وما بعدها.
12- منشور في مجلة القضاء/ العدد الثاني/ السنة السادسة والعشرون 1971 ص209.
المؤلف : مهدي حمدي الزهيري
الكتاب أو المصدر : اثر الجريمة التي يرتكبها الموظف العام انهاء علاقتة الوظيفية
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً