للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقدير شهادة الشهود واعتبارها كافية للأثبات غير كافية، وقد نصت المادة 82 من قانون الاثبات العراقي (م 33 بينات اردني) على ان لمحكمة الموضوع تقدير الشهادة من الناحيتين الموضوعية والشخصية ولها ان ترجح شهادة على اخرى وفقا لما تستخلصه من ظروف الدعوى على ان تبين اسباب ذلك في محضر الجلسة (1) ولا تتقيد المحكمة بعدد الشهود، فليس المهم كثرتهم او قلتهم فلها ان تأخذ بشهادة شخص واحد مع يمين المدعي، اذا اقتنعت بصحتها، كما ان لها ان ترد شهادة شاهد او أكثر، اذا لم تقتنع بصحة الشهادة (م 84 اثبات) وبذلك فليس هناك نصاب معين لعدد الشهود وان الاطمئنان الى اقوال شاهد وعدم الاطمئنان الى اقوال آخر مرجعه الى وجدان القاضي وقناعته.
فالقاضي ينظر، أولاً، هل الاثبات بالشهادة في الأحوال التي يجيزها القانون مستساغ؟ اذا كان مستساغا نظر.ثانياً، هل الوقائع المراد اثباتها بالشهادة متعلقة بالحق المدعي به ومنتجة في اثباته؟ وهو في ذلك يتمتع بسلطة تقديرية اوسع مما له في الاثبات بالكتابة، فاذا ما قدر بعد كل ذلك ان يسمع الشهادة، كان له أخيراً، سلطان اوسع في تقدير ما اذا كانت الشهادة التي سمعها مقنعة في الاثبات (2). وقد ينظر القاضي الى اخلاق الشاهد ومدى قوة تذكره واستيعابه وارتكابه وسنه واحترافه للشهادة، والقاضي الجيد يكون له من القابلية ما يميز بين صدق الشاهد وبين احتمال كذبه وتلفيقه او تلقينه الشهادة (3). ويحلل ما ظهر منه اثناء الدعوى من ميل او انحياز الى طرف دون آخر ومن صراحة او اضطراب وسهولة او صعوبة في التعبير عن فكره والى غير ذلك من العوامل (4). فالاطمئنان الى صدق الشاهد مرده الى وجدان القاضي، فهو غير ملزم بأبداء اسباب لتبريره ولا معقب عليه في ذلك (5).
واذا تعارضت اقوال شهود الطرفين المتخاصمين في الواقعة الواحدة، فله ان يرجح بعض الاقوال على البعض الاخر مسترشداً بما يساعده على هذا الترجيح في ظروف سن الشاهد او مركزه الأدبي او العلمي او غير ذلك، شرط ان يبين اسباب الترجيح في محضر تلك الجلسة (6). وليس لزاما على المحكمة ان تطلب من الخصم احضار شهود ليناقض شهود الخصم الآخر بل للخصم نفسه هذا الحق وبموافقة المحكمة (7). ولا يجوز للمحكمة رفض سماع شهود النفي بحجة انها تكتفي بما استنبطته من اقوال شهود الاثبات، لان ذلك يكون من جانبها حكما مبتسرا بصدق شهود الاثبات ويكذب شهود النفي من قبل ان تسمع هؤلاء الاخيرين ومن غير موازنة بين أقوال الفريقين فيكون على المحكمة سماع شهود النفي كما سمعت شهود الاثبات (8)
ونصت المادة 80 من قانون الاثبات على انه اذا احضر احد الخصمين شهودا لاثبات دعواه جاز ان يحضر شهودا لرد هذه الدعوى، كما نصت المادة 85 من هذا القانون على أنه اذا لم توافق الشهادة الدعوى او لم تتوافق اقوال الشهود بعضها مع بعض ، جاز للمحكمة ان تأخذ من الشهادة القدر الذي تقتنع بصحته، فاذا اختلف الشهود في المشهود عليه في جنسه او سببه او نوعه او غير ذلك فلا تقبل شهاداتهم، وكذلك الحال اذا لم تؤيد شهادات الشهود وقوع الاضرار التي يطالب المالك بالتعويض عنها في فترة تملكه للعقار (9)، اما اذا توافقت شهادتان، ووافقت الدعوى فيكتفي بها وان خالفتهما الشهادات الاخرى (10) وللقاضي تجزئة الشهادة والأخذ ببعضها وطرح البعض الاخر، وهذا الجواز يكون بعد ان يستوعب جزءا من شهادة الشهود وعول عليها في بناء حكمه دون ان يستوعب جزءا آخر منها متصلا بجوهر الدعوى، فان تقديره لما عول عليه من الشهادة يكون غير سليم ويشوب حكمه البطلان (11). ولمحكمة التمييز ترجيح شهادة احد الخصمين خلافاً لترجيح محكمة الموضوع اذا توفرت الأدلة والقرائن المعززة لذلك (12).
_________________
1-قضت محكمة التمييز بأن تقدير الشهادة وترجيح احدها على الاخرى هي من المسائل التي تقدرها محكمة الموضوع، القرار المرقم 744/م3/1996 (غير منشور) وانظر المادة 34 بينات اردني.
2-السنهوري، فقرة 165 ص320.
3-النداوي، شرح، ص215.
4-انس كيلاني، الموسوعة القانونية، قانون البينات معلقا عليه، دمشق 1976 ص45.
5-مرقس، اصول الاثبات ج2 فقرة 244 ص4.
6-الصوري، ج2 ص810.
7-القرار التمييزي المرقم 427 / م1 / 1974 في 12 / 3 / 1975 مجموعة الأحكام العدلية، العدد الأول، السنة السادسة ص199.
8-ادوار عيد ج1 ص30. مرقس، اصول الاثبات ج2 فقرة 256 ص40 – 41.
9-القرار التمييزي المرقم 338 / 1 / 1992 في 16/ 1 / 1993 الموسوعة العدلية العدد (16) 1994 ص1-2 وانظر المادة 34/2 بينات اردني.
10-الصوري، ج2 ص830.
11-مرقس، ج3 فقرة 269، ص65. هامش رقم (3).
12-القرار التمييزي المرقم 251 / م1 / 75 في 13 / 8 / 1975 مجموعة الأحكام العدلية، العدد الثالث 1975 ص43.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً