مذاهب تعريف الجريمة السياسية
ارتبط ظهور اصطلاح الجريمة السياسية بقيام الثورة الفرنسية التي اعتبرت دعوتها إلى مناهضة الحكم المطلق والنظم الاستبدادية في أوروبا نقطة تحول جوهرية بالنسبة لعلاقة الشعوب بنظمها السياسية .
وقد أثار تعريف الجريمة السياسية خلافاً واسعاً في الفقه القانوني الداخلي والدولي على السواء ، ومرجع ذلك هو أنه على الرغم من وجود جرائم لا تكاد تثير إشكالاً من حيث كونها جرائم سياسية ، ونعني بها الجرائم الموجهة ضد النظام السياسي للدولة ، فإن هناك جرائم أخرى توصف بأنها جرائم مختلطة بالنظر إلى أنها تتكون من أفعال تعتبر أصلاً من الجرائم العادية ولكنها ترتكب بدافع سياسي (كجريمة قتل موظف عام بدافع سياسي) ، كما أن هناك نوعاً آخر من الجرائم يعرف بالجرائم المتصلة وهي جرائم عادية يتم ارتكابها في أثناء قيام ثورة أو في حالة حرب (كجريمة سرقة أسلحة أثناء قيام الثورة لاستخدامها فيها) .
وبصفة عامة ، يمكن القول بأن هناك مذهبين في تعريف الجريمة السياسية ، أما المذهب الأول فهو :
المذهب الشخصي :
والذي يذهب إلى اعتبار الجريمة جريمة سياسية إذا كان الباعث على ارتكابها باعثاً سياسياً بصرف النظر عن موضوع الجريمة ، أي سواء أكانت هذه الجريمة تعد بحسب موضوعها جريمة سياسية بحتة أم كانت مجرد جريمة عادة ،
المذهب الموضوعي:
ويشترط هذا المذهب لاعتبار الجريمة جريمة سياسية أن يكون الباعث عليها باعثاً سياسياً كذلك ، وأن يكون الفعل المكون لها– أي موضوعها– سياسياً كذلك ، كالشروع في قلب نظام الحكم أو محاولة المساس باستقلال الدولة ، إلى غير ذلك من الأفعال التي قد تُوجه ضد النظام السياسي للدولة .
والمبدأ المستقر هو استثناء الجرائم السياسية من نطاق قاعدة جواز تسليم المجرمين، ويعد هذا الاستثناء من التطورات الحديثة في فقه القانون الدولي ، وهي التطورات التي أعقبت التغيرات السياسية والدستورية التي ترتبت على قيام الثورة الفرنسية وأفضت إلى تغير النظرة إلى الجرائم التي تُوجه ضد النظام السياسي للدولة ، ومع ذلك ، هناك من الاتفاقيات الدولية ما تجيز التسليم بالنسبة لكافة أنواع الجرائم ودونما تفرقة بين الجرائم السياسية والجرائم العادية ، ومن ذلك مثلاً اتفاقية لاهاي لعام 1970 بشأن مكافحة اختطاف الطائرات ، حيث نصت في مادتها الثامنة على ضرورة تسليم مختطف أو مختطفي الطائرات أياً كانوا ، حتى ولو كان الباعث على الاختطاف سياسياً .
وقد جرى العمل الدولي على معاملة الشخص المتهم بارتكاب جريمة سياسية– أي المجرم السياسي– معاملة خاصة مقارنة بالمجرم العادي ، فعلى سبيل المثال ، إذا كان لا يجوز إطلاقاً لدور البعثات الدبلوماسية وما في حكمها إيواء المجرمين العاديين ، فإن الأمر على خلاف ذلك بالنسبة للمجرمين السياسيين ، فقد دفعت روح العطف التي كان الرأي العام يبديها بالنسبة لهذه الفئة من المجرمين ، منذ قيام الحركات التحررية في الدول المختلفة ، إلى التسامح في شأن إيوائهم حماية لهم من الأخطار التي قد تكون مهددة لحياتهم ، ويصل هذا التسامح أحياناً إلى حد مطالبة السلطات المحلية باحترام حق اللجوء الممنوح لهم وعدم محاولة القبض عنوة عليهم .
اترك تعليقاً