مما لاشك فيه أن مسؤولية الطبيب تقام تجاه مرضاه عندما يتجاوز رضاهم بالتدخل الطبي أياً كان نوعه، لكن السؤال الذي يثار في هذا المجال هو:
ما أساس هذه المسؤولية ؟!
كي نحدد أساس مسؤولية الطبيب عن عدم حصوله على رضاء مرضاه، لابد أن نبين فيما إذا كان التزام الطبيب بالحصول على رضاء المريض في تنفيذ العقد الطبي التزاماً بوسيلة أم التزاماً بنتيجة؟! ابتداءً لايمكننا القول بأن التزام الطبيب بالحصول على رضاء مرضاه هو التزام بنتيجة بشكل مطلق، أو أنه التزام بوسيلة، وذلك لتنوع الأعمال الطبية واختلاف طبيعتها، ومن اجل تحديد طبيعة التزام الطبيب بالحصول على رضاء مرضاه ونتيجة لغياب تنظيم قانوني ورأي فقهي حول هذه المسألة نجد من الضروري أن نميز بين حالتين:
الحالة الأولى:-
إذا كان العمل الطبي المزمع القيام به من قبل الطبيب هو من النوع البسيط كأن يكون المريض مصاباً بمرض الأنفلونزا على سبيل المثال، فعند مراجعته للطبيب المختص وبعد ابداء رضاه في الفحص والتشخيص يكون دور الطبيب بهذه الحالة هو وصف العلاج المناسب للحالة المرضية المعروضة أمامه، إذ أن الطبيب لا يستطيع أن يقوم بالعمل الطبي (الفحص والتشخيص، وصف العلاج) مالم يحصل على رضاء المريض، لذلك لابد لنا أن نعد التزامه بالحصول على رضاء المريض في هذا الفرض التزاماً ببذل عناية، فاذا لم يبذل العناية اللازمة (عناية الشخص المعتاد) بذلك يكون قد أخطأ تجاه المريض فتنهض مسؤوليته وخطؤه هذا يعد خطأ ثابتاً إلا أنه يستطيع أن ينفي عنه المسؤولية وذلك بأن يثبت أنه قد بذل الجهد والعناية اللازمة منه أو باثباته للسبب الأجنبي أو خطأ المريض ذاته.
الحالة الثانية:-
إذا كان العمل الطبي من النوع الذي ينطوي على مخاطر، أي يدخل تحت نطاق الأعمال الجراحية، فاننا نرى ضرورة عد التزام الطبيب بالحصول على رضاء المريض في هذه الأعمال التزاماً بنتيجة أي بتحقيق غاية، فاذا لم تتحقق النتيجة أي إذا لم يحصل الطبيب على رضاء المريض والذي غالباً يكون مكتوباً في هذا النوع من الأعمال الطبية، نهضت مسؤوليته نتيجة لخطئه المفترض، وهذا الخطأ لا يقبل إثبات العكس ومن ثم ليس بأمكان الطبيب أن يدرأ عنه المسؤولية إلا بالسبب الأجنبي الذي حال دون الحصول على رضاء المريض. وبهذا فان التزام الطبيب بالحصول على رضاء مرضاه يكون التزاماً بوسيلة إذا كان العمل الطبي من النوع البسيط ويكون التزاماً بنتيجة في نطاق الأعمال الطبية التي تنطوي على مخاطر كالعمل الجراحي. كل هذا يدعونا إلى وضع نص مقترح بهذا الخصوص آملين من مشرعنا أخذه بنظر الاعتبار يقضي بما يأتي: (أ. يلتزم الطبيب تجاه مرضاه: 1. بالحصول على رضائهم الحر المستنير بنوع التدخل الطبي. 2. إذا أخلَّ الطبيب بالتزامه هذا نهضت مسؤوليته إما على أساس الخطأ الثابت أو الخطأ المفترض وفقاً لنوع العمل الطبي. ب. تستثنى من ذلك الحالات التي قد يفرضها الواقع العملي لهذه المهنة). بهذا قد وضع النص المقترح مبدأً عاماً يقضي بضرورة الحصول على رضاء المريض بأي تدخل طبي مهما كان نوعه علاجياً أو جراحياً باستثناء حالات لم يحددها النص حصراً، إنما تخضع في تقديرها لقاضي الموضوع وللواقع العملي لمهنة الطب فتعفي الطبيب من المسؤولية إذا تجاوز رضاء مرضاه. كما أنه بيَّن لنا الأساس الذي تقوم عليه مسؤولية الطبيب عند عدم الحصول على رضاء مرضاه، فتارةً جعل الأساس هو الخطأ الثابت وتارةً أخرى استند إلى الخطأ المفترض في إقامة هذه المسؤولية وذلك وفقاً لنوع العمل الطبي. بعد أن حددنا أساس مسؤولية الطبيب عن مجاوزته لرضاء مرضاه، لابد أن نشير إلى أن هناك بعض الأعمال الطبية التي يُّهدر فيها رضاء المريض ومع ذلك تبقى مشروعة ولاتقام مسؤولية الطبيب عنها وهي إجراءات الوقاية الصحية والتطعيمات الجبرية. وهذا ما يحصل للتقصي المبكر من الأمراض المنتشرة بين طلبة المدارس ومتابعة الحالة الصحية للتلاميذ والوقاية من تفشي الأوبئة فالقيام بهذا العمل الوقائي لا يتطلب من الأطباء الحصول على رضاء الخاضعين له أو حتى رفضهم. وحتى في نطاق الأحوال الشخصية هناك بعض الفحوصات الطبية اللازمة التي يجريها المتقدمون للزواج لتأييد سلامة الزوجين من الأمراض السارية والموانع الصحية وذلك بهدف تفادي التشوهات الخلقية الوراثية. فهذا الفحص الإجباري السابق على الزواج يستمد مشروعيته من نص المادة (10/ ف 2) من قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ إذ جاء فيها ما يأتي: (يسجل عقد الزواج في المحكمة المختصة بدون رسم في سجل خاص وفقاً للشروط الآتية:1. ………. 2. يرفق البيان بتقرير طبي يؤيد سلامة الزوجين من الأمراض السارية والموانع الصحية وبالوثائق الأخرى التي يشترطها القانون 3… 4……) فهذا النص ألزم أطراف عقد الزواج تقديم تقرير طبي يؤيد سلامتهم من الأمراض دون الالتفات إلى إرادة ورضا الخاضعين له. وحتى المرأة الحامل يُفرض عليها في مدة الحمل اتخاذ بعض اللقاحات للمحافظة على صحة الجنين وسلامته دون عبرة لرضاها وذلك من أجل تحقيق مصلحة عامة وهي حماية الجنين من بعض الأمراض التي قد تؤثر فيه سلباً خلال حياته المستقبلية. هذا ما يتعلق بالوقاية الصحية، أما عن التطعيمات الإجبارية فمن اجل حماية الصحة العامة قد تفرض الدولة بعض أنواع التطعيمات على مواطنيها ضد الأمراض الوبائية التي تعد الوقاية منها أقل تكلفة من علاجها كالتطعيم ضد مرض الجدري أو مرض شلل الأطفال، فهذه التطعيمات تعطى للخاضع لها دون عبرة لرضاه أو رفضه ومع ذلك تبقى مشروعة ولا تقام مسؤولية الأطباء عن فرضهم لهذه التطعيمات أو اللقاحات على الأشخاص وذلك تغليباً للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً