مسئولية الفرد عن الأضرار التي تلحق بالمدنيين أبان النزاعات المسلحة
لم يعترف القانون الدولي التقليدي بمسئولية الفرد الدولية ذلك أن القانون الدولي يخاطب الدول دون الأفراد وكما كان يحول عن ذلك مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات التي يستحيل معها تطبيق مبدأ المسئولية الجنائية الفردية باعتبار أن أحكام القانون الدولي العام لا تخاطب الأفراد الطبيعيين، فكان لا سبيل لمناقشة مسئولية الأفراد الدولية في ظل المواثيق الدولية التي كانت قائمة في ذلك الوقت(1، كما أن مبدأ القصاص والمعاملة بالمثل التي كانت سائدة في ذلك الوقت، والتي كانت الدول تلجأ إليها لمعاقبة الدولة وشعبها حتى ولو لم توجد ضرورة ملجئة إلى ذلك(2)
لم تساعد على مسائلة الأفراد الذين يخالفون التزاماتهم الدولية، ومن ثم ظهرت الآراء التي تنادي بضرورة توقيع الجزاء في نطاق القانون الدولي لمواجهة مثيري حرب الاعتداء، فجاءت الاتفاقيات الدولية بحظرها وذلك بموجب نص المادة 50 من اتفاقية لاهاي الرابعة والخاصة بالحرب البرية لعام 1907 وكذلك بموجب اتفاقية جنيف الأولى لعام 1949 التي نصت على حظر إتيان أعمال من قبيل المعاملة بالمثل ضد المدنيين.
ولصعوبة توجيه التهم الجنائية للدولة اتجه الفقه الدولي مستنيرة بآراء الفقهاء إلى القول بأن المسئولية الحقيقية تكون على من يرتكب الفعل المخالف للالتزامات الدولية باسم الدولة، فكانت أن جاءت أولى الخطوات للمطالبة بمعاقبة الأشخاص الذين يرتكبون جرائم حرب على يد مارشال استالين ومن ثم تبنى أراءه عدة فقهاء، ومن ثم تبنت محكمة نورمبرج من بين مبادئها الرئيسية مبدأ مسئولية الأفراد عما يرتكبون من جرائم حرب والجرائم الدولية الأخرى، وكذلك تبنت محكمة طوكيو ومحكمتي يوغسلافيا وروندا في نظامها الأساسي لهذا المبدأ(1).
أخيراً أصبح بالإمكان توجيه الاتهام لأي فرد يرتكب جرائم حرب ومعاقبته من قبل أي دولة بما فيه الدولة المعادية بصفة خاصة، وإن كان اتخاذ مثل هذا الإجراء ليس مقصوراً على الدول المعادية لأن الاختصاص بتلك الجرائم اختصاص عالمي(2).
ومن ثم نصت عدة اتفاقيات دولية عقدت أعقاب الحرب العالمية الأولى والثانية على مبدأ المسئولية الدولية للفرد الذي يرتكب جرائم حرب حيث نص على هذا المبدأ في معاهدة واشنطن عام 1922 الخاصة باستخدام الغواصات والغازات الخانقة في الحرب، ونص على هذا المبدأ أيضا في مؤتمر القرم وبوتسدام ففي مؤتمر القرم الذي عقد في 11 شباط 1945 استقرت التزامات الدول بأن يتعرض كل مجرمو الحرب للعقوبات العادلة والسريعة ونص مؤتمر بوتسدام الذي عقد في 2 أب 1945 على أن مجرمي الحرب يجب أن يعتقلوا ويقدموا للمحكمة(3) كما نصت على ذلك المادة 25 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وهذا المبدأ أكدتها المبادئ المستخلصة من المحاكمات الدولية والسوابق القضائية التي تم المحاكمة فيها لعدة متهمين بجرائم حرب منها محاكمة الإمبراطور الألماني غليوم الثاني والذي قدم للمحاكمة بموجب معاهدة فرساي المادة 227 وما بعدها، وكذلك محاكمة القادة العسكريين لدول المحور بعد الحرب العالمية الثانية بموجب لائحة محكمة لنورمبرج فى مادته السابعة ولائحة محكمة طوكيو لمحاكمة المتهمين اليابانيين بموجب المادة السادسة من اللائحة.
وبموجب هذه الاتفاقيات والسوابق القضائية الدولية التي حكم بها المتهمين عن جرائم الحرب يمكننا القول بأن المسئولية الدولية الجنائية في جرائم الحرب تطال بجانب منفذي الجرائم ، أولئك القادة السياسيين والعسكريين الذين أصدروا توجيهاتهم إلى القادة الميدانيين الذين قاموا بتنفيذ الجرم المرتكب، ولا يجوز للمتهم الدفع بأن ارتكابه جريمة تمت تنفيذا للواجب العسكري والأوامر الصادرة له من قيادته العليا.
اترك تعليقاً