مساهمة الحكومة والبرلمان في الاجراءات التشريعية
تعرف معظم انظمة الحكم في العالم مبدأ شهير هو الفصل بين السلطات لانه من جهة مبدأ يكرس الديمقراطية ومن جهة اخرى يعتبر ادة لتقاسم الادوار في الدولة الواحد حتى لا يكون الضغط مركزا على سلطة دون اخرى ولكن الفصل بين السلطات لا يعني الانعدام المطلق للتعاون بينها فهناك علاقات وظيفية تربط بين سلطات الدولة رغم الفصل في المبادئ بينها ولعل من اهم مظاهر هذا الترابط ما يمكن ملاحظته في النظام الجزائري بين السلطة التشريعية ممثلة في البرلمان و السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة ورئيس الجمهورية وفي هذا المجال نتطرق فيما يلي الى بعض من هذه العلاقة الوظيفية في عنصر مساهمة الحكومة و البرلمان في الاجراءات التشريعية.
صحيح ان العمل التشيريعي هو العمل الاصيل للبرلمان ولكن يمكن من ملاحظة بسيطة لعمل كل من الحكومة و البرلمان في المجال التشريعي ان نكتشف التواجد الدوري للحكومة الى جانب البرلمان في جل مسار العملية التشريعية فهي تتواجد في مراحل مشروع او اقتراح القانون بداية من اعداد جدول الاعمال وضبطه كما تشارك في اللجان الدائمة للبرلمان بالمناقشة. نتطرق فيما يلي الى اولى صور مشاركة الحكومة للبرلمان.
ان جدول اعمال الدورة البرلمانية عمل مهم وذو حساسية بالغة ويمر بمراحل تحضيرية تبدا على مستوى هيئة الرؤساء التابعة لكل غرفة ويمكن لرؤساء الغرفتين استشارة الهيئة التنسيقية التابعة لكل منهما حول المواضيع المراد ادراجها ومن هذه البداية أي من جدول الاعمال تظهر مشاركة الحكومة للبرلمان في احدى وظائفه بل يظهر نوعا من التفوق عليه اذ ان المادة 16 من القانون العضوي 99/02 فان الحكومة تتمتع بحق الاولوية في ترتيب جدول اعمال الدورة. ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل يمكن للحكومة تعديل جدول الاعمال بادخال مواضيع جديدة و بالالحاح على استعجاليتها كما يمكن بناءا على طلبها وموافقة مكتبا الغرفتين على تسجيل مشروع او اقتراح قانون في جدول اعمال الجلسات الذي لم تعد بشانه اللجنة المختصة تقريرا في اجل شهرين وو الاستثناء على المادة 55 من القانون الداخلي للمجلبس. كما ان استشارة الحكومة واجبة اثناء ضبط مكتب كل غرفة لجدول اعمال الجلسات التي تتالف منها الدورة البرلمانية وهو ما اكدته المادة 18 من القانون العضوي 99/02 .
مشاركة واسعة اخرى للحكومة تتمثل في امكانية طلب عقد دورة غير عادية سواءا بطلب من رئيس الجمهورية مباشرة او بطلب من رئيس الحكومة يوجه الى رئيس الجمهورية.
ان هذا الدور الممتاز والاولوية التي تحظى بها الحكومة رغم كون العمل التشريعي في الجزائر هو ذو اصل حكومي -( ففي العهدة التشريعية “1997-2002” تمت المصادقة على 59 مشروع قانون واقتراح قانون واحد فقط)- ذلك الدور تنجم عنه اثارا يمكن وصفها بالسلبية على عمل البرلمان منها:
– ان تدخل الحكومة في تحديدها لجدول الاعمال يعتبر افقادا للبرلمان للكثير من الحرية التي يجب ان يتمتع بها نواب الشعب.
– ان تلك الاولوية للحكومة قد تؤدي الى استبعاد مواضيع يرغب البرلمان في اثارتها
– اعتماد تلك الصيغة في تحديد جدول الاعمال قد يزيد من غياب نواب الشعب عن المناقشات طالم ان المواضيع المدروسة ليس هم من يحدد اغلبيتها.
– عدم وجود مسلك اخر لنواب البرلمان يجعلهم مضطرون الى مسايرة الشكليات القانونية رغم قصورها في نظرهم.
وتقترح الاستاذة خرباشي عقيلة وجوب التخفيف من حدة التفوق الحكومي على البرلمان تاسيا بالمؤسس الدستوري الفرنسي في نص المادة 48/03 من دستور 04 اكتوبر 1958 اذ تتمتع كل غرفة بالبرلمان بجلسة كل شهر تدرس فيها المسائل المحددة من قبل في جدول اعمال تكميلي يمثل متنفسا للعمل البرلماني الخالص وتقترح ايضا ضرورة قيام اللجان الدائمة بالبرلمان باعداد تقارير حول المسائل المحالة اليها من اجل اقامة راي واضح يهتدى اليه في اثناء المناقشة لتقليل حظوظ الحكومة في موافقة البرلمان على القانون بالشكل الذي تريده.
صورة اخرى عن المشاركة الوظيفية للحكومة مع البرلمان تكمن في الصلاحيات النسبية للبرلمان في دراسة ومناقشة القانون اذ تشاركه الحكومة في ذلك فمن جهة تشارك الحكومة في دراسة النص القانوني على مستوى اللجنة المختصة وذلك بان تستمع اللجنة الى عرض ممثل الحكومة خاصة لو تعلق الامر بمشروع قانون وتواصل اللجنة في المناقشة بحضور ممثل الحكومة الذي ياول الاجابة على اسئلة النواب ولا يمنع ان تكون امناقشة تنصب على اقتراح قانون من حضور الحكومة للمناقشة في جلسات اللجان الدائمة وفقا للمادة 27 من القانون اعضوي 99/02 التي لم توضح امكانية رفض رئيس اللجنة حضور اعضاء الحكومة.
كما تجدر الاشارة الى انه في مرحلة مناقشة مشروع القانون مادة بمادة وحسب المادة 34 من القانون العضوي 99/02 يمكن فقط لممثل الحكومة او مكتب اللجنة المختصة او مندوب اصحاب الاقتراح تقديم تعديلات شفوية وكذا التدخل للمناقشة اما بقية النواب لا يحق لهم ذلك وهو امتياز صريح للحكومة في مواجهة البرلمان.
دور اخر للحكومة في عمل الهيئة التشريعية يتجلى من استقراء المادة 120 من التعديل الدستوري لعام 1996 ففي حالة وقوع خلاف بين غرفتي البرلمان فان الحل يكمن وفقل للدستور الجزائري في استدعاء لجنة متساوية الاعضاء لحل الخلاف هذه الهيئة جعل المؤسس الدستوري حق استدعائها محصورا في رئيس الحكومة دون سواه ما يعني انه من يملك سلطة الملاءمة ان صح التعبير فيما اذا كان من المجدي استدعاء اللجنة او لا. وقد تطرقت المادة 88 من القانون العضوي 99/02.
وترى الاستاذة خرباشي عقيلة في هذا المجال ان التجربة العملية كشفت ان اللجوء للجنة المتساوية الاعضاء ليس التزاما بالمعنى الحقيقي للكلمة بل صلاحية بيد رئيس الحكومة له حرية تقدير اللجوء اليها من عدمه وتقترح وجوب تحديد اجل معين لرئيس الحكومة لاستدعاء اللجنة المتساوية الاعضاء فواته يؤدي الى انعقادها بقوة القانون.
من خلال ما سبق يمكن ان نرى وبوضوح المشاركة الفعالة للحكومة في الجانب التشريعي بجانب البرلمان بل احيانا التفوق عليه في مجاله الاصيل ولا ادل على ذلك من تفوق اقتراحات القوانين على مشاريع القوانين ولعل هذا الوضع يبرره نقص تكوين النواب في البرلمان اضافة الى قصور الانضباط الحزبي اضافة الى منح المؤسس الدستوري لاولويات معينة لصالح الحكومة في مواجهة البرلمان.
اترك تعليقاً