حقوق الطفل في التشريع المغربي المستجدات والتحديات
د ميلود العطار
حظيت حقوق الطفل بالتفاتة واعية من المشرع المغربي وهو يعيد النظر في المقتضيات القانونية المنظمة للرابطة الأسرية وما يترتب عنها من آثار اتجاه الأطفال.
تنص على ذلك المادة 54 من مدونة الأسرة المغربية التي جاء فيها بأن:
« للأطفال على أبويهم الحقوق التالية :
1. حماية حياتهم وصحتهم من الحمل إلى بلوغ سن الرشد.
2. العمل على تثبيت هويتهم والحفاظ عليها خاصة بالنسبة للاسم والجنسية والتسجيل في الحالة المدنية.
3. النسب و الحضانة والنفقة طبقا لأحكام الكتاب الثالث من المدونة.
4. إرضاع الأم لأولادها عند الاستطاعة.
5. اتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال بالحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم وقاية وعلاجا.
6. التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيم النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل واجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي والمعنوي والحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الطفل.
7. التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية والعضوية النافعة في المجتمع. وعلى الآباء ان يهيؤا لأولادهم قدر المستطاع الظروف الملائمة لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني .
8. عندما يفترق الزوجان،تتوزع هذه الواجبات بينهما بحسب ما هو مبين في أحكام الحضانة.
عند وفاة احد الزوجان أو كليهما تنتقل هذه الواجبات إلى الحاضن والنائب الشرعي بحسب مسؤولية كل واحد منهما .
يتمتع الطفل المصاب بإعاقة، إضافة إلى الحقوق المذكورة أعلاه، بالحق في الرعاية الخاصة بحالته ،ولا سيما التعليم والتأهيل المناسبان لإعاقته قصد تسهيل إدماجه في المجتمع.
تعتبر الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون.
تسهر النيابة العامة على مراقبة تفنيد الأحكام سالفة الذكر .»
و قد خص المشرع المغربي كل حق من هذه الحقوق بتنظيم تشريعي وافر متجاوزا القصور الذي أسفر عنه تطبيق النصوص القديمة.
حيث إن حق الطفل في التسجيل في الحالة المدنية منظم بمقتضى قانون الحالة المدنية رقم 99-37 المؤرخ في ثالث أكتوبر 2002، وفي الفصول من 21 الى220 من ق.م.م. وفي المادة الخامسة من قانون كفالة الأطفال المهملين.
ولما كانت الأسرة هي البيئة الطبيعية التي يتلقى فيها الطفل تكوينه ويكتسب فيها العديد من مهاراته وعلى ضوئها يتحدد ميوله ، وإذا كان الأصل ان ينشا الطفل في رحاب الأسرة التي توفر له الرعاية والحماية وتضمن له تنشئة سليمة، فقد يجد العديد من الأطفال أنفسهم محرومين من دفئ أسرهم، سواء كانوا معروفي أو مجهولي النسب.
وقد حرص المشرع على التقديم الأفضل لهؤلاء الأطفال من خلال القانون رقم 01/15 الصادر في 13 يونيه 2002/10 شتنبر 1993 )
و في إطار تدعيم حقوق الطفل اعتبر المشرع النسب والبنوة والكفالة والزواج، وعدم بلوغ سن الرشد القانوني محددا أساسيا للتمتع بالجنسية الأصلية، واكتساب الجنسية المغربية أو فقدانها الفصول ( 3-6-9-10-18-20-21) من قانون الجنسية رقم 6206 (تعديلات 15 ابريل 2007).
كما ادخل تعديلات مهمة على حق الطفل في النسب في الحضانة، وأوجد ضمانات إضافية كحقه في النفقة من حلال، الكتاب الثالث من مدونة ألأسرة. و بدأ المشرع في تشديد الحرص على حق الطفل في الرضاعة من خلال المواد 161 إلى 165 من مدونة الشغل. بالإضافة إلى المادتين 168 و201 من مدونة الأسرة.
و حفاظا على حق الطفل في التوجيه الديني اعتبر المشرع الإسلام شرطا أساسيا لإسناد كفالة الطفل المهمل لطالب الكفالة.
أما الحق في التعليم فهو منظم من خلال الظهير الشريف المؤرخ في ثالث عشر نونبر 1963 بشان إلزامية التعليم الأساسي. الذي ينص في فصله الأول على أن: « التعليم الأساسي حق وواجب لجميع الأطفال المغاربة ذكورا وإناثا البالغين ست سنوات. تلتزم الدولة بتوفيره لهم مجانا في أقرب مؤسسة تعليمية عمومية لمكان إقامتهم ويلزم الآباء والأولياء بتفنيده إلى غاية بلوغهم تمام الخامسة عشر من عمرهم.»
في حين أولى المشرع عناية خاصة للطفل المعاق من خلال المدونة.
إنه ثراء تشريعي على مستوى النص القانوني. لكن ما هي الضمانات التي أوجدها المشرع المغربي حتى ينعم أطفالنا بهذا الثراء ؟ وما هي حدود مساهمة القاضي المغربي في الحفاظ على هذا الغنى وما هي الاكراهات والتحديات التي تجعل هذه الحقوق مجرد أحلام تنكسر على عتبة النزاع الأسري ؟ سنعالج هذه الإشكالية من خلال محورين نتناول فــي الأول: الضمانات التشريعية لحقوق الطفل وفي الثاني: التحديات التي تحول دون تمتع الطفل بالحقوق المنصوص عليها قانونا.
المحور الأول:المستجدات التشريعية في مجال حقوق الطفل.
كان المشرع المغربي حريصا من خلال الامتداد التشريعي السابق الإشارة إليه على تصحيح مدونة حقوق الطفل بمقتضيات حمائية جريئة اعتبر نسب الحمل أو الولد المزداد أتناء الخطبة لاحق بالخاطب إذا توافرت في الخطبة الشروط المنصوص عليها في المادة 156 من مدونة الأسرة حيث عرفت أقسام قضاء الأسرة فيضا منقطع النظير من الطلبات الرامية إلى أتبات النسب في إطار المادة 156 من مدونة الأسرة ، قضى وفق الطلب في العديد منها، فانقد العديد من الأطفال من رحلة الاغتراب التي كانوا يعانقونها في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة. حيث كانوا يعانقونها بمجرد نزع آبائهم للحمة التي تجمع بينهم،
وأورد المشرع مجموعة من المقتضيات الجديدة في باب الحضانة فأخذ بحضانة المؤسسة إذا لم يوجد بين مستحقي الحضانة من يقبلها أو وجدوا ولكن لم تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في المادة 173 من مدونة الأسرة وذلك طبقا للمادة 166 من المدونة، كما جعل زواج الأم الحاضنة غير مسقط لحضانتها:
1. إذا كان المحضون صغيرا لم يتجاوز سبع سنوات أو يلحقه ضرر من فراقها.
2. إذا كانت بالمحضون علة أو عاهة تجعل حضانته مستعصية على غير الأم.
3. إذا كان زوجها قريبا محرما أو نائبا شرعيا للمحضون.
4. إذا كانت نائبا شرعيا للمحضون.
واعتبر المشرع تكاليف سكنى المحضون مستقلة في تقديرها عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما وألزم الأب بان يهيئ لأولاده محلا لسكناهم ، أو ان يؤدي المبلغ الذي تقدره المحكمة لكرائه، وأعطت للمحكمة الصلاحية في ألاستعانة بالمساعدة الاجتماعية في انجاز تقرير عن سكنى الحاضن وما يوفره للمحضون من الحاجيات الضرورية المادية والمعنوية طبقا للمواد 168و 172 من المدونة وأوصى المشرع على مجموعة من الضمانات التشريعية والقضائية لضمان تنفيذ حق المحضون في السكنى حين نص في المادة 168 على انه « لا يفرغ المحضون من بيت الزوجية الأ بعد تنفيذ الأب للحكم الخاص بسكنى المحضون. على المحكمة ان تحدد في حكمها الإجراءات الكفيلة بضمان استمرار تنفيذ هذا الحكم من قبل الأب المحكوم عليه » وحين نص في المادة 119 من المدونة على ان المحكمة تحدد وسائل تنفيذ الحكم بالنفقة ، وتكاليف السكن على أموال المحكوم عليه .
و يبدو المشرع دقيقا في تنظيم حق زيارة المحضون، فبعدما كان يخصص لهذا الحق فصلا واحدا في م.ا.ش. الملغاة هو الفصل 111 الذي كان يعطي لغير الحاضن من الأبوين الحق في زيارة المحضون أو طلب نقله إليه للزيارة مرة واحدة في الأسبوع خصص له بابا خاصا في مدونة الأسرة المواد من 180 إلى 186 وفتح المجال لإرادة الأبوين من اجل تنظيم أوقات الزيارة لغير الحاضن منها طبقا للمادة 181 من المدونة ، بعدما أقرت المادة 180 يحق لغير الحاضن من الأبوين حق زيارة واسترداد المحضون وفي حالة عدم اتفاق الأبوين تحدد المحكمة في قرار إسناد الحضانة فترات الزيادة ،وتضبط الوقت المكان بما يمنع قدر الإمكان التحايل في التنفيذ .وتراعي المحكمة في ذلك ظروف الأطراف والملابسات الخاصة بكل قضية ويكون قرارها قابلا للطعن طبقا للمادة 182 وإذا استجدت ظروف أصبح معها تنظيم الزيارة المقرر باتفاق الأبوين أو بالمقرر القضائي ضارا بأحد الطرفين أو بالمحضون أمكن طلب مراجعته وتعديله بما يلاءم ما حدث من ظروف طبقا للمادة 183 من المدونة
و نلاحظ انه حفاظا على حق غير الحاضن من الأبوين في زيارة المحضون فرض المشرع جزاء قاسيا على الحاضن الذي يتحايل في تنفيذ حق الزيادة يتمثل في إسقاط حقه في الحضانة طبقا للمادة 168 من مدونة الأسرة، وحفاظا على الدفء العائلي الذي يجب ان يقع على الطفل المحضون بالرغم من انتهاء العلاقة الزوجية جعل المشرع لأول مرة حق زيارة المحضون ينتقل بصفة تلقائية لوالدي غير الحاضن لمدعي المحضون في حالة وفاته طبقا للمادة 155 من المدونة . ونسجل ان القضاء كان دقيقا بدوره في تحديد أوقات الزيارة مراعيا أوقات فراغ الأب غير الحاضن وأوقات دراسة الطفل المحضون وبعدما كان يفتقر في م.ا.ش الملغاة ،على منح غير الحاضن من الأبوين الحق في هذه الزيارة مرة كل أسبوع تبتدئ من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة السادسة مساء وكذلك كل ثاني يوم عيد والنصف الثاني من كل عطلة مدرسية، على ان يحضر طالب صلة الرحم لتسلم المحضونين من الحاضنة ويعيدهم إليها عند انتهاء وقت صلة الرحم.
و من الضمانات الإضافية التي متع بها المشرع حق الحاضن من الأبوين في زيارة الطفل المحضون إمكانية تضمين مقر إسناد الحضانة أو قرار لاحق منع السفر بالمحضون خارج ارض الوطن دون موافقة نائبه الشرعي طبقا للمادة 179 من مدونة الأسرة وقد صدرت مجموعة من الإحكام في هذا السياق.
و نص المشرع على ضمانات إضافية بالنسبة لحق الطفل في النفقة حين أعطى للمحكمة صلاحية تحديد وسائل تنفيذ الحكم بالنفقة وتقرير الضمانات الكفيلة باستمرار الملزم بها مع إمكانية اقتطاع النفقة من منبع الربح أو الأجر الذي يتقاضاه هذا الأخير كما اعتبر الحكم الصادر بالنفقة يبقى ساري المفعول إلى ان يصدر حكم آخر يحل محله أو يسقط حق المحكوم له في النفقة.
و اهتم المشرع المغربي اهتماما بالغا بحقه في الرضاعة وجعل اجر الرضاعة مستقل عن أجرة الحضانة وعلى واجبات النفقة طبقا للمادة 167 من المدونة. وجعل اجر رضاعة الولد على المكلف بنفقته لما أعطى المشرع للام الأجيرة الحق في ان تتمتع يوميا على مدى اثني عشرة شهرا من تاريخ استئنافها الشغل اثر الوضع باستراحة خاصة يؤدى عنها الأجر باعتبارها وقتا من أوقات الشغل مدتها نصف ساعة صباحا ونصف ساعة ظهرا .لكي ترضع مولودها خلال أوقات الشغل . وتكون هذه الساعة مستقلة عن فترات الراحة المعمول بها في المقاولة وذلك في المادة 161 من مدونة الشغل، لما ألزم المشرع كل مقاولة يشتغل فيها ما لا يقل عن خمسين أجيرة تتجاوز سنهم ستة عشرة سنة بتجهيز غرفة للرضاعة داخلها أو على مقربة منها مباشرة وتتولى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل شروط قبول الرضع وغرف إرضاع المواليد وشروط حراسة الامكنة،وتوفير مستلزماتها الصحية وذلك طبقا للمادة 162 من مدونة الشغل ويكون كل اتفاق مخالف لهذه المقتضيات باطلا بقوة القانون حسب المادة 164 من مدونة الشغل .وقد اولى المشرع اهتماما خاصا لحق الطفل في التعليم فنص في الفصل الثالث من ظهير 13 نونبر 1963 بشان إلزامية التعليم،على انه يجب على كل شخص مسؤول عن طفل ان يطلب تسجيله بمؤسسة للتعليم في السنة التي يبلغ فيها الطفل سن السادسة .
ويجب عليه بالإضافة إلى ذلك ان يسهر على تردد الطفل بصفة منتظمة على المؤسسة التي سجل فيها.
تعمل الدولة في حدود الإمكانيات المتوفرة لديها على توفير وسائل النقل والمطاعم المدرسية بالنسبة للأطفال البعيدين عن المؤسسات التعليمية بالمناطق القروية وتدعيم مراكز إيواء التلاميذ عند وجودها مع توفير المناطق الضرورية.
وتحدد شروط التسجيل وكيفيات مراقبة المواظبة بقرار من وزير التربية الوطنية.
وفي حالة عدم قيام الأشخاص المسؤولين عن الطفل بتسجيله وفقا للأحكام هذا القانون تقوم الإدارة بذلك تلقائيا»
ويعتبر أشخاصا مسئولين حسب مفهوم هذا القانون:
أ- الأب وعند عدم وجوده أو فقدانه للأهلية الأم.
ب- الوصي أو الكافل أو المقدم شرعيا.
ت- مديروا أو متصرفوا أو مسؤولوا كل مؤسسة ترمي مهمتها إلى حضانة الأطفال الأيتام أو المهملين ورعايتهم باستمرار »
بل اعتبر المشرع حق التعليم مبررا موجبا لاستمرار الأب في النفقة على أولاده إلى إتمام السنة الخامسة والعشرين طبقا للمادة 198 من مدونة الأسرة.
ولعل أهم ضمانة لحماية هذه الحقوق هو اعتبار الدولة مسؤولة على اتخاد التدابير ألازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون، وتخويل النيابة العامة مهمة السهر على مراقبة الحاضن عندما يكون شخصا معنويا كمؤسسات الرعاية الاجتماعية المنصوص عليها في المادة الثامنة من المسطرة المدنية وفي مواجهة الدولة.
ان أبهى صور سهر النيابة العامة على احترام هذه الحقوق هو إقامتها للدعوى العمومية في مواجهة من يخل بهذه المقتضيات متى وصل هذا الإخلال حد الفعل الجرمي الذي يعاقب عليه القانون الجنائي ذلك ان حق الطفل في حماية حياته وصحته منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد محمي بمقتضيات النصوص من 449 إلى 458 المنظمة لجرائم الإجهاض والعقوبات المقرة لها وفي الفصول من 459 ال 467 التي تعاقب على ترك الأطفال وتعريضهم للخطر.
والفصول من 471 إلى 478 من القانون الجنائي المنظمة لجرائم خطف القاصرين وعدم تقديمهم .
وحق الطفل في تثبيت هويته يحمى بمقتضيات الفصول من 468 إلى 470 من القانون الجنائي التي تعاقب على الجنايات والجنح التي تحول دون التعرف على هوية الطفل كما ان حق الطفل في النفقة والرعاية والتوجيه والتربية السليمة مضمون بمقتضيات الفصول من 479 إلى 482 من القانون الجنائي التي تعاقب على جرائم إهمال الأسرة بمقتضيات الفصول من 483 إلى 504 التي تعاقب كل من يرتكب فعلا يعد انتهاكا للآداب أو إفساد الشباب. كما ان من صور سهر النيابة العامة على احترام هذه الحقوق إعطاء الطرف الرئيسي في العديد من قضايا الأسرة كقضايا الحضانة المواد 105 – 177 – 179 والمادة 461 وقضايا الأطفال المهملين المواد الرابعة والخامسة والمادة 26 وفي اختيار اسم أبوين للطفل المهمل المواد 16 و46 من قانون الحالة المدنية 99-37.
المحور الثاني : التحديـات والاكراهـــــــــــات
أول إكراه يواجه الباحث في حقوق الطفل هو عدم وجود مدونة خاصة بحقوق الطفل، بل ان القوانين المنظمة لحقوق الطفل مبعثرة بين فروع القانون لدرجة تشكل تحديا حقيقيا في مواجهة المتخصص ناهيك عن المخاطبين بمقتضيات هذه النصوص لذلك ندعوا المشرع إلى العمل على إصدار مدونة خاصة بحقوق الطفل تتضمن جميع القوانين الصادرة في هذا المجال.
أولا: تعارض المقتضيات القانونية: تعارض المادة 54 مع 329
إن للطفل على أبويه حق النفقة، وحق توفير بيت للأسرة باعتبار المحيط الذي يتمتع فيه بجميع حقوقه المادية والمعنوية. وان حدث ان تنتهي رابطة الزواج بين الزوجين فيتخلى كل واحد منهما عن حضانة الطفل وعن توفير سكن له ففي هذه الحالة تحل الدولة محل الأبوين في توفير مقر يأوي هذا الطفل، لكن أركان الدروب المظلمة تؤكد خلاف ذلك حين تقذف ما في بطنها من أطفال ضحايا التشرد والذي يجدون أنفسهم مطاردين من طرف الشرطة ومتابعين من اجل جنحة التشرد. فهل في هذه الحالة ينبغي تحميل الطفل مسؤولية التشرد أم والديه والدولة، لقد سبق للنيابة العامة بمدينة الجديدة ان تابعة طفلا من اجل جناية السرقة الموصوفة والتشرد وإحالته على السيد قاضي التحقيق باستئنافية الجديدة فقضى بتبرئة ساحة الحدث من جنحة التشرد وكذلك ما انتهت إليه بمقتضيات المادة 54 من المدونة جاء في حيثياته:
تنص المادة 54 من مدونة الأسرة على ان للأطفال على أبويهم الحق في النفقة ومن مستلزمات النفقة توفير بيت للأسرة فالطفل وهو كل شخص لم يبلغ 18 سنة شمسية كاملة يبقى القيام بشؤونه من واجبات ذويه أو المؤسسات الاجتماعية أو الخيرية تحت مسؤولية الدولة وان مقتضيات المادة 54 كانت تستوجب إلغاء الفصل 329 من القانون الجنائي الذي ينص على انه :«يعد متشردا ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر من ليس له محل إقامة معروف ولا وسائل للعيش ولا يزاول عادة أية حرفة أو مهنة رغم قدرته على العمل إذ لم يثبت انه طلب عملا ولم يجده هو انه عرض عليه عمل باجر ورفضه » فقد سبق ان توبع ثلاثة أحداث بمدينة الجديدة من اجل جناية السرقة الموصوفة والمشاركة في السرقة الموصوفة والتشرد طبقا للفصول 509 – 114 -122 و 329 من القانون الجنائي وقد اعترف الأحداث بعدم متابعة هذا الحدث من اجل جنحة التشرد وقد جاء في التعليل:« وحيث وان اعترف الحدث…بأنه ليس له مقر معلوم ولا مأوى إلا الشارع العام بعد ان أصبحت أمه تقبع مع زوج آخر بالديار الفرنسية وبعد زواج والده بامرأة اخرى بمدينة مراكش، فيكون من المتعذر متابعته بجنحة التشرد باعتباره قاصرا لا يكلف بالإنفاق على نفسه أو بإيجاد شغل أو سكن يقبع فيه ويبقى ذلك من واجبات ذويه أو المؤسسات الاجتماعية أو الخيرية تحت ضمان ومسؤولية الدولة كما جاءت به الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 54 من م. الأسرة و قضى بعدم متابعة الأول بجنحة التشرد قرار رقم 43/04. م.عدد8 »
ثانيا: تعارض الحق في زيارة المحضون مع حقه في الرضاعة
سبق الإشارة إلى ان المشرع منح للمحكمة صلاحيات واسعة في ضبط أوقات الزيارة وسبقت الإشارة إلى ان الإحكام الصادرة بانتهاء العلاقة الزوجية تقضي لغير الحاضن من الأبوين الحق في زيارة المحضون مرة واحدة في الأسبوع من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة السادسة مساء وفي اليوم الثاني من كل عيد ديني، وفي النصف الثاني من العطلة المدرسية، وتجدر الإشارة إلى ان العمل القضائي بأقسام القضاء بمراكش سار في هذا الاتجاه بصرف النظر عن سن المحضون وعما إذا كان رضيعا أم لا ويحدث في كثير من الأحيان ان يذهب الأب رفقة المفوض القضائي لتسلم الابن الرضيع من اجل الزيارة راغبا في الاحتفاظ به من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة السادسة مساء ، أو طيلة اليوم الثاني من العيد الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على حق الطفل في الرضاعة فهل يحق في هذه الحالة للحاضنة المرضعة الامتناع عن تسليم الطفل الرضيع لطالب صلة الرحم وهل تشفع لها المادة54 من مدونة الأسرة في ذلك، وان تقدم الأب بشكاية في إطار الفصل 477 من القانون الجنائي الذي ينص على انه « إذا صدر حكم قضائي بالحضانة وكان نهائيا أو نافدا بصورة مؤقتة فان الأب أو إلام أو أي شخص يمتنع عن تقديم القاصر إلى من له الحق في المطالبة بذلك … يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مأتين إلى ألف درهم » وإثارة الحاضنة المرضعة مقتضيات المادة 54 من مدونة الأسرة عند تقديمها أمام النيابة العامة .هل توقف هذه الأخيرة الدعوى العمومية ؟ بل وقبل إثارة المتابعة إذا ضمن المفوض القضائي المحضر الذي أنجزه في الموضوع بان المرضعة الحاضنة تمتنع عن تسليم الرضيع في الرضاعة ، هل تمارس النيابة العامة الدعوى العمومية في هذه الحالة ؟ خلال الأسابيع الماضية تقدم الأب طالب صلة الرحم بطلب تسلم ابنه الذي لا يتجاوز عمره أربعة أشهر فامتنعت الحاضنة وطلبت منه ولوج منزلها لرؤيته لبعض الوقت حتى لا يتأثر حقه في الرضاعة فطلب من المفوض القضائي انجاز محضر امتناع، المفوض ضمن المحضر مقتضيات المادة 54 وما زالت الحاضنة لم تتوصل بأي شيء.
وتشير إلى ان حق الطفل في الرضاعة لا يتمتع بأية حماية في الفترة السابقة على الطلاق.
إذ بمجرد عرض النزاع على قضاء الأسرة غالبا ما ينتزع الطفل من والدته وقد يكون رضيعا، ولا تسعف والدته المقتضيات القانونية المنضمة لحق الحضانة ولا المنضمة للحق في الرضاعة ، في استرجاع طفلها ليتمتع بحقه في الرضاعة اذ ترد دعواها بعلة ان الحضانة من واجب الأبوين ما دامت العلاقة الزوجية قائمة طبقا للمادة 164 من المدونة وغالبا ما تتقدم هذه الزوجة بشاكية إلى وكيل الملك من اجل استرجاع أبناءها فتبادر النيابة إلى استدعاء الزوج لتقنعه بضرورة تسليم الابن لوالدته لكن اذا رفض الزوج فليس لها إلزامه.لان المقتضيات القانونية لا تسعفها في ذلك وقد سبق للنيابة العامة في مدينة ابن احمد ان قضت باعتقال الزوج لمدة 48 ساعة بناء على شكاية تقدمت بها الزوجة تزعم بأنه انتزع منها أطفالها الثلاثة فأوضح الزوج عند تقديمه أمام وكيل الملك ان الزوجة هي التي غادرت بيت الزوجية ، دون موجب قاهر وقد استصدر في مواجهتها حكم بالرجوع إلى بيت الزوجية امتنعت عن تنفيذه وقد أدينت من اجل جنحة إهمال الأسرة وانه يسهر على تربية أبنائه وتعليمهم مدليا بشواهد المدرسة المثبتة لذلك ومع ذلك قضت النيابة العامة باعتقالها ونعتقد ان هذا الاعتقال غير مبرر من الناحية القانونية خصوصا وانه بعد إحالة الملف على الجلسة برأت الزوج من جنحة اختطاف أطفال.
كما تجدر الإشارة إلى غياب ضمانات حماية حق الطفل في الرضاعة بالنسبة للمرأة الأجيرة بالرغم من إلزام المشرع المقاولة التي تشغل ما يزيد عن 50 امرأة يفوق سنها 16 سنة بتجهيز غرفة للرضاعة، فإننا نتساءل عن الضمانات لتنفيذ ذلك ما دامت العقوبة محددة سلفا في غرامة مالية تتراوح بين 10000 و20000 درهم طبقا لمقتضيات المادة 105 من مدونة الشغل.
ومن بين الاكراهات التي تحول دون تفعيل حقوق الطفل واستقرارها عدم الانسجام والتكامل بين المقتضيات القانونية ونمثل لذلك بتعارض الفصل 479 من القانون الجنائي الذي يعاقب في فقرته الأولى على فعل اختطاف القاصرة أو التغرير بها ، إذا كانت بالغة وتزوجت من اختطفها أو غرر بها ، فانه لا يمكن متابعته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب لبطال الزواج .ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان مخلا فالمشرع نظر لاعتبارات واقعية وأخلاقية في حق النيابة العامة في متابعة مختطف القاصرة التي يتزوج بها لان الزواج بمثابة إسدال الستار على العلاقة في جانبها غير الشرعي. لكن مقتضيات هذا الفصل تصطدم بمقتضيات المادة 39 من مدونة الأسرة.
ذلك ان المادة 20من مدونة الأسرة تستلزم لزواج القاصر ذكر أو أنثى صدور إذن بذلك من طرف القاضي الأسرة المكلف بالزواج . وقد حصل في العديد من القضايا ان كانت القاصرة ضحية اختطاف وعند متابعة مختطفها من طرف النيابة العامة يعرب عن رغبته في الزواج ويتوجه أفراد عائلته لخطبتها وتعرب عائلة القاصرة عن رغبتها في هذا الزواج ولكن عندما نراجع قاضي الأسرة في إطار المادة 20 من مدونة الأسرة . للإذن بزواج هذه القاصرة فانه يرفض بعلة مرور فترة الاستبراء للتأكد من خلو رحم المرأة القاصرة ، وان قاضي الأسرة يتمسك بموقفه بالرغم من أننا عززنا في كثير من الحالات طلب الإذن بزواج القاصرة بشاهدة طبية وتحاليل تؤكد خلو رحم القاصرة . وبطبيعته فان المختطف الذي يقضي مدة أربعة أشهر في انتظار مدة الاستبراء غالبا ما يعدل عن فكرة الزواج.
وتجدر الإشارة إن المشرع كان شديد الحرص على الحفاظ على حق الطفل في التوجيه الديني من خلال القانون رقم 01-15 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين حين اشترط في المتكفل ان يكون زوجان مسلمان أو امرأة مسلمة متى توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة التاسعة من ق.ل.م بحيث لا يمكن لغير المسلمين التكفل بطفل مهمل مغربي مسلم كما لا يمكن للمغربي المسلم المتزوج من كتابية ان يتكفل بطفل مهمل. لكننا نتساءل عن القيمة الفعلية من هذا الشرط أمام تدفق طلبات الأزواج الأجانب والنساء الأجنبيات الرامية إلى التكفل بأطفال مهملين مغاربة. والذي بمجرد علمهم بهذا الشرط يبادرون إلى انجاز عقد الإسلام ولو كانوا غير صادقين في إيمانهم. وهل اعتناق الإسلام بهذه الكيفية من شانه الحفاظ على حق الطفل في التوجيه الديني . خاصة وان الأجانب يتوجهون بالطفل إلى بلدهم الأصلي حيث يصعب على القاضي المكلف بشؤون القاصرين إجراء أية رقابة مباشرة على تربية الطفل بل يظل يمارس عن بعد الولاية على المكفول. بل ان الأجانب المتكفلين بالطفل قد يعمدون إلى تحويل الكفالة إلى تبني تام أو عادي وفق قانون بلدهم الأصلي.
فمن سيكون احرص على توجيه الطفل توجيها دينيا صحيحا. هل المغربي المسلم المتزوج بكتابية أم المرأة المعتنقة للإسلام أم الزوجين المعتنقين للإسلام بغاية استيفاء الشروط المنصوص عليها في المادة التاسعة من ق.ل.ا. خاصة إذا كان هذا الزوج يقيم إقامة اعتيادية مع زوجته في التراب الوطني. فما ما هي حدود رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين على هذا الطفل والذي لا يقوم حتى بختانه إذا كان ذكرا.لأن قوانين العديد من الدول الغربية ومنها فرنسا تمنع القيام بذلك وتعتبره بثرا جسديا يعاقب عليه القانون الجنائي.
7 ديسمبر، 2017 at 7:33 م
السلام عليك
هل يمكن افادتي بمعلومات او مراجع في بحتي الذي مفاذه جزاكم الله خيرا.