تفاصيل قانونية هامة عن مسطرة الأمر بالأداء في التشريع المغربي
تحتل مسطرة الامر بالأداء موقعا متميزا داخل المساطر الخاصة بالإستعجال المنصوص عليها في القسم الرابع من قانون المسطرة المدنية، حيث منح المشرع المغربي بمقتضى الفصل 158 من ق.م.م لرئيس المحكمة الإبتدائية سلطة البت في مقالات الأمر بالاداء، وتعتبر مسطرة الأمر بالأداء مسطرة إستثنائية جعلت تحت تصرف الدائن ليطالب بدينه وفي غياب خصمه ( المدين)، وذلك للحصول في أقرب وقت وبسرعة وبأقل المصاريف على دينه دون سلك المسطرة العادية التي قد تعيق الدائن وتستنزف طاقته المادية والمعنوية على مبلغ هو مستحق وثابت، ويمكن الإعمال بهذا الطلب في كل مطالبةبأداء مبلغ مالي لا يقل عن 1000 درهم مستحق بموجبه سند أو اعتراف بدين ( ف 155 من ق.م.م)،
إذن فهو طلب يوجه لرئيس المحكمة الابتدائية الذي إذا أصدر أمرا بقبول الطلب يلزم المدين بأداء الدين في حالة تجاوزه للمدة القانونية للأداء التي حددت في 8 أيام من تاريخ تبليغ الامر بالاداء ( الصادر عن رئيس المحكمة)، ولكي يقبل الطلب وجب توفر الدائن على مجموعة من الشروط للإستفادة من هذه المسطرة.
أولا: الشروط الواجب توفرها في طلب الاستفادة من مسطرة الأمر بالأداء
قيد المشرع إستفادة الدائن من مسطرة الامر بالاداء بتوفر طلبه على مجموعة من الشروط، جعلها محدد لرئيس المحكمة في قبول الطلب أو رفضه، وهذه الشروط هي:
1- أن يكون المطلوب في الطلب هو مبلغ من النقود:
ينصب طلب الأمر بالأداء على المال دون غيره، وانتفاء هذا الشرط يؤدي لرفض الطلب لإنعدام شرط جوهري للإستفادة من مسطرة الأمر بالأداء، وبذلك أخرج المشرع جميع المعاملات الاخرى التي لا تنصب على النقود بشكل مباشر، والتي يبقى النزاع حولها خاضع للمسطرة العادية، لأنها تحتاج تحقيق وتدقيق ووثائق ومستندات وأحيانا شهود وخبرة لتفصل هيئة المحكمة فيها، خاصة ان مسطرة الامر بالاداء مسطرة إستثنائية كما سبق ذكر ذلك مقيدة بشروط محددة تكون فاصلة إن توفرت في الطلب المقدم، وبالتالي فهي لا توازي المسطرة العادية في التشعب والإجراءات.
2- أن يتجاوز المبلغ المطلوب 1000 درهم:
إن كل طلب أمر بالاداء يقل عن ألف درهم يكون مصيره الرفض لعدم توفر شرط جوهري نص عليه كذلك الفصل 155 من ق.م.م وهو تجاوز قيمة الطلب 1000 درهم، وكل مبلغ يقل عن ذلك يبقى للدائن فيه سلك المسطرة العادية ( قسم قضاء القرب بالمحكمة الإبتدائية المختص بالبت في القضايا ذات القيمة الهزيلة والتي لا تتجاوز 5000 درهم)، فالقيمة المحددة في تجاوز 1000 درهم شرط ضروري -لقبول طلب الامر بالاداء- للنظر في مدى توفر الشروط الاخرى.
3- أن يكون مبلغ الدين ثابتا ومحددا
أوجب المشرع ضمن الشروط الواجب توفرها في طالب مسطرة الامر بالاداء أن يكون مبلغ الدين المطالب به تابتا ومحددا، بمعنى أن ينص في سند الدين على مبلغ واضح ومحدد لا يشوبه أي غموض من حيث قيمته ولا يحتمل الترجيح أو البينية ( بين 2000 درهم و 2500 درهم )، ولأن مسطرة الامر بالاداء سريعة وإستثنائية فكان لزاما على المشرع تقييدها بهذا الشرط الذي له أهمية في التخفيف من الطلبات التي لا يتوفر فيها عنصر الدقة في قيمتها والتحديد في مبلغ الدين فيها، وبالتالي تحتمل التنازع بين الدائن والمدين حول القيمة الحقيقية للدين، وهو ما يمكن التوصل إليه عبر المسطرة العادية أمام المحكمة الابتدائية أو داخل قسم قضاء القرب حسب معيار القيمة في النزاع.
4- أن يكون الدين مستحقا
يعني قد جاء أجل الوفاء بالدين ولم يريد المدين أداءه بعد طلبه من طرف الدائن وبعد إخطاره بحلول آجل استيفاء الدين، فلا يقبل طلب الأمر بالأداء حول دين لم يأتي اجل إستحقاقه، لأن ذلك يهدد الذمة المالية للمدين الذي من الممكن أن يكون في علاقة مديونية أخرى هو فيها الدائن ومرتبط أجل إستحقاقه للدين فيها بأجل إستفاء الدين الأول في علاقته بالدائن.
5- أن يتوفر المدين على موطن بالمغرب
لا يقبل طلب الدائن الذي يطلب استيفاء دين مدين يقطن خارج التراب الوطني وليس له موطن معروف بالمغرب (الفصل 157 من ق.م.م)، لذلك كل طلب إستيفاء دين من مدين ليس له موطن بالمغرب يكون مصيره الرفض والإحالة على المحكمة المتخصصة وفق الإجراءات العادية لإنعدام أحد شروط الإستفادة من المسطرة الاستثنائية المتعلقة بالأمر بالأداء، فلا يمكن ان يلاحق القضاء شخص على دين خارج التراب الوطني، بمعنى آخر ان الدائن هنا سيتحمل مسؤولية ثقته في شخص ليس له موطن في المغرب وتبعات هذه الثقة على صعوبة إستفاء هذا الدين وفق المسطرة العادية.
ثانيا: تقديم طلب الأمر بالأداء
يقدم طلب الامر بالأداء بواسطة مقال إلى رئيس المحكمة الإبتدائية وفق للقواعد العامة للمقال الإفتتاحي وفق الفصول ( 31-32 من ق.م.م)، إذ يجب أن يبين فيه أسماء الدائنين ومهنتهم وموطنهم، ويصدر رئيس المحكمة في الطلب إما أمرا بأداء المبلغ المطالب به وإما يقوم بإحالة الطلب على محكمة متخصصة وفق الإجراءات العادية والمعيار الفاصل في ذلك هو مدى إحترام الشروط السابق ذكرها، إذ في حالة رفض الطلب لا يقبل أي طعن فيه (الفصل 158من ق.م.م)، لكن يبقى لطالبه الذي رفض طلبه أن يعيد الطلب مرة أخرى، ولكن بتقويم النقط التي علل بها الرئيس أمره الأول برفض الطلب.
أما في حالة إستيفاء جميع الشروط والحكم وفق الطلب بالأداء، فإنه تبلغ نسخة من الأمر بالأداء ( يصدره رئيس المحكمة الإبتدائية) ونسخة من سند الدين ( المثبتة للدين ) إلى المدين الذي عليه أن يدفع المبلغ المحكوم به عليه في ظرف 8 ايام من تاريخ التبليغ، وهي المدة القانونية نفسها التي يسمح له فيها أن يستأنف الامر بالاداء إن كان لديه وسائل دفاع يريد إستعمالها سواء فيما يخص الاختصاص أو الموضوع، إذ بمرور هذه المدة دون إستعمال هذا الحق يصبح هذا الامر مشمولا بالتنفيذ المعجل ( الفصل 161 من ق.م.م) ويجبر على الأداء بكل الطرق القانونية وخاصة بطريق حجز أمواله المنقولة ( الفصل 160 من ق.م.م).
والمشرع المغربي سمح باستيناف الأمر بالأداء ولو كان المبلغ المطلوب داخلا في نصاب الإنتهائي للمحكمة الإبتدائية، هذا النصاب التي حدده الفصل 19 (من ق.م.م ) وهي قيمة مالية تتمثل في 20.000 درهم هي محددة للتمييز بين الاختصاص الابتدائي للمحكمة الابتدائية وإختصاصها الانتهائي، إذ أقل من هذه القيمة تبث المحكمة الإبتدائية ابتدائيا وانتهائيا أمام غرفة الاستئنافات الابتدائية، في حين أن الطلبات التي تتجاوز هذا المبلغ يبت فيها ابتدائيا فقط مع حفظ حق الإستيناف امام محكمة الإستيناف، لكن هذا المعيار لا ينطبق على طلبات الامر بالأداء، ذلك أنها تستأنف في جميع الحالات مع إحترام الأجل السابق ذكره أمام محكمة الإستئناف.
إذ في حالة أثير هذا الطلب امام محكمة الإستيناف فإنها تقضي بقبول الإستيناف شكلا، وتأمر بإلغاء الأمر المستأنف وإحالة القضية على المحكمة الإبتدائية لتبت فيه طبقا للقواعد العامة، وتتصدى استثناءا محكمة الإستيناف لموضوع الطلب في حالة واحدة وهي أن يدلي المطالب بالأداء بما يفيذ أنه سبق له الأداء أو وقوع صلح حول الدين المطالب به، حيث في هذه الحالة تلغي الأمر بالأداء وتحكم بعد التصدي برفض الطلب.
وفي حال تبت لمحكمة الإستيناف ان المستأنف قصد من خلال إستينافه المماطلة والتسويف قضت عليه بالإضافة إلى الدين المطلوب بغرامة لفائدة الخزينة العامة تتراوح بين 10 في المائة و 25 في المائة من هذا المبلغ ( الفصل 164 من ق.م.م)، كما أن الأمر بالأداء لا ينفذ معجلا بقوة القانون بمجرد صدوره، ولا يقبل التنفيذ إلا في حالتين يريد عليهما إستثناء وحيد، والحالتين هما:
الحالة الاولى: إذا مر عليه أجل الإستيناف ولم يستأنف،
الحالة الثانية: الحالة التي يرفض فيها الإستيناف أو الحكم برفض الطلب.
لكن يكون هذا الامر معجلا أي مشمول بالنفاذ المعجل بقوة القانون بمجرد صدوره وهو ما نصت عليه الفقرة الاولى من الفصل 162 مكرر من (ق.م.م)، وذلك في حالة ما إذا كان طلب الأمر بالأداء مبنيا على أوراق تجارية وسندات رسمية سواء صدر الأمر بالأداء عن رئيس المحكمة الإبتدائية أو صدر عن رئيس المحكمة التجارية ( المادة 22 من القانون التجاري )، لكن يمكن لمحكمة الاستيناف أو غرفة الاستينافات إستنادا للمعيار القيمي أن توقف التنفيذ جزئيا أو كليا حتى في هذه الطلبات المبنية على أوراق تجارية وسندات رسمية في مواضع محددة وبقرار معلل ( الفقرة الثانية من الفصل 162 مكرر من ق.م.م).
ثالثا: تقادم الأمر بالأداء
تبقى الأحكام الصادرة بالأمر بالأداء قابلة للتنفيذ خلال 30 سنة من اليوم الذي صدرت فيه وتسقط بإنصرام هذا الأجل، حيث تدخل في زمرة الاحكام التي نص عليها الفصل 428 من ق.م.م، وتطبق عليها نفس القواعد المنصوص عليها في هذا الفصل.
وختاما نبرز أن مسطرة الأمر بالأداء جاءت لحماية الدائن من تماطل المدين وتسويفه في أداء ما بذمته من دين مستحق وبموجب سند، فكان لزاما على المشرع النص على مسطرة إستثنائية تكفل هذه الحماية وتمتاز بالسرعة والفعالية، فكانت الاجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية في هذا المجال تحمي الدائن وفي نفس الوقت تقدم ضمانات للمدين لأداء ما بذمته، ومن أبرز هذه الضمانات منحه مدة للأداء وإمكانية منحه لآجال جديدة للأداء وفق قناعة رئيس المحكمة، إذ ينص في الامر والقرار على ذلك، كما منحه المشرع الحق في إستيناف الامر بالأداء داخل أجل 8 أيام، وهو ما يمكن إعتباره حماية أفردت له تتلاءم ووضعه كمدين على كاهله أداء ما بذمته داخل أجل إن لم يحترمه ألزم على الأداء.
اترك تعليقاً