بين أروقة المحاكم الاقتصادية*
تكاد لا تصدق،* وأنت في بداية الطريق الدائري متجهًا إلي البساتين،* حيث تشاهد مبني فخيمًا حديث النشأة متعدد الطوابق،* أقيم خصيصًا للمحكمة الاقتصادية ليكون سراي للعدالة وساحة رحبة للمتقاضين أمام دوائر ابتدائية واستئنافية في دائرة محكمة استئناف القاهرة،* لتختص بنظر الدعوي الجنائية للجرائم الاقتصادية في القانون،* والمنازعات الأخري المدنية والتجارية التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاقتصادية،* وقد سجل المبني الأنيق افتتاحه* يوم الأربعاء الموافق* 28* أكتوبر* 2009* مع بداية العام القضائي الجديد*..
بعد أن صدر قانون المحاكم الاقتصادية بعام واحد،* وهو القانون نمرة* 120* الذي عمل به اعتبارا من أول اكتوبر* 2008،* حيث رفع لواء تطبيق فكرة القضاء المتخصص ودافع عنها المستشار ممدوح مرعي وزير العدل،* وتعرض لما تعرض له من هجوم ونقد،* حتي نجح في النهاية بعد جهد كبير*.. وحتي كان إنشاء المحاكم الاقتصادية لتري النور*.
المدهش أن مواد القانون ذاته لم تتجاوز* 12* مادة،* لكنه استطاع أن* يقدم تنظيمًا جديدًا لقضاء متخصص ناجز،* دعي إلي الأخذ به قانون السلطة القضائية عام* 72* أي منذ* 36* عامًا،* حتي صدور قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية،* وتخصص قضاة في الفصل في المنازعات الاقتصادية التي حددها القانون حصريًا وتمثل قيمة كبيرة*.. وهامة* .. سواء كان قضاء مستعجلاً* أو أوامر وقتية أو دعاوي جنائية ناشئة عن تطبيق جرائم في قانون العقوبات أو تشريعات اقتصادية،* أو في الدعاوي المدنية التجارية،* لتأتي بنهج جديد نحو التصالح* .. والتحضير* .. وخبراء متخصصين*.. تستهدف السرعة في الفصل في الدعاوي مع الإجادة والتخصص*.
وبعيدا عن اختصاصات المحكمة الاقتصادية والإجراءات أمامها والطعون في أحكامها التي حددها القانون الذي صدر خصيصًا بانشاء المحاكم الاقتصادية بقصد إعلاء قيمة التخصص في القضاء*.. والتيسير* .. والسرعة*.. واختصار الإجراءات وبذل المساعي نحو الصلح بين المتقاضين*.. وإجراءات الطعن*.. وغير ذلك مما* يعرفه المتخصصون*.. إلا أن الملفت للنظر وهو ما* يدعو للإعجاب والفخر حال المحكمة الاقتصادية من حيث الشكل* .. والمضمون*.. والتي تعتبر نموذجًا للعدالة الناجزة*.. شكلاً* وموضوعا*.
تكاد لا تصدق* – مع ذلك التراث لحال المحاكم وما وصلت إليه عبر سنوات طوال* – أنك في مبني محكمة*.. فإذا وصلت إلي مبني المحكمة الاقتصادية* .. فحدث ولا حرج*.. بدءًا من الزي الرسمي للعاملين* .. الأمن* .. والسعاة*.. والحجاب* .. والموظفين*.. وهندسة المبني وأناقته من الداخل والخارج بما* يكشف عن احترام حق التقاضي والمتقاضين*.. واستراحات للمواطنين* .. ولافتات الإرشاد* .. وقاعة الجلسات مدون عليها الجلسات ومواعيد الانعقاد ودليل الدوائر*.. حفاوة الاستقبال*.. مقاعد بالبهو*.. إسراع وانجاز في تقديم الخدمة*.. كل ذلك لا تتصوره*.. كأنك تدخل خدمات فندقية لا تقل عن مستوي الخمس نجوم،* وهو ما لم تعهده من قبل في ساحات المحاكم*!! مواعيد افتتاح الجلسات معلنة مقدمًا* الساعة العاشرة*.. انعقاد الجلسات واحترام مواعيد افتتاحها*.. الأداء والتأهيل والتدريب علي المستوي الإداري والخدمي والفني علي أعلي مستوي*.. وكأن المبني وشاغليه قد أثر كل منهما في الآخر في الإبداع والابتكار*.. الجميع* يعزف سيمفونية متكاملة جمعت بين الشكل والمضمون*.
—
إذا ذهبت إلي المحكمة الاقتصادية قاضيا تشعر بمقام العدالة ومهابتها وعظمتها والاعتراف بقيمة العدل،* وإذا ذهبت متقاضيا فأنت آمن مطمئن*.. وإذا ذهبت زائرًا فإنك تشعر بالزهو والفخر،* وإذا ذهبت متفرجًا فإنك تشعر بأنك بين جنبات قصور ساحات العدالة في مصر*.. صارت المحاكم الاقتصادية واقعًا بعد أن كانت فكرة مجهولة*.. لهذا قهرت العداوة قبل وجودها* .. لأن الإنسان حقا عدو ما* يجهل*!!
القضاء الاقتصادي المتخصص*.. من حيث الشكل والمضمون*.. ينقلنا إلي* غيره من التخصصات*.. ويتطلب الدعم والمؤازرة*.. لأنه في النهاية مظهر للعدالة* .. وشكل للعدل بما* يساعد علي التنمية والانجاز وتحقيق قيم العدل*.. وهي علي قمة القيم العليا*.. منذ قيد الدعوي بالمحاكم وحتي صدور الحكم،* وحتي نقيم ما جري في البلاد علينا أن نعود بالذاكرة للمقارنة بما أصبح عليه حال المحاكم*. حيث تنعقد في أماكن معدة للمساكن الشعبية أصلا*.. تتساقط المياه من أعلي* .. بعيدة عن أعين النظافة ويدها* .. ولعل محكمة جنح الشئون المالية بالجبل الأصفر*.. ومحاكم إمبابة خير شاهد*.. حيث كانت مأساة في حق مصر صاحبة التاريخ العظيم أمام ابنائها أو* غيرهم من المستثمرين الأجانب*.
لكن هذا التطور الهائل لمسايرة التنمية والعلوم*.. علينا أن نطالب باستمرار بذلك التطور والتحديث لأبنية المحاكم* .. لتكون علي ذات الطراز والتطوير*.. من حيث الشكل والمضمون*.. حتي لا* يكون هناك اختلاف بين محاكم ومحاكم*.. وبين قضاة وقضاة*.. وبين قضاء وقضاء*.. وحتي تتساوي الحقوق*.. كما تساوت المسئوليات والسلطات*.
وإذا كانت الإشادة واجبة والتقدير* يفرض نفسه*.. وهي كلمة حق تقال علنًا وعلي الملأ*.. فإن ثمة ملاحظة لابد من الانتباه لها ومعالجتها* – والعلاج سهل وميسور* – .. حتي لا* يتشوه الوجه الحضاري لذلك المشروع القيم*.. فعند إنشاء محاكم في مناطق جديدة أو عن طريق سريع مثل المحاكم الاقتصادية* يتطلب الأمر تيسير المواصلات العامة منها وإليها*.. كذلك من الضروري لتحقيق السلامة والأمان إقامة كوبري للمشأة حتي لا* يعبر أحد الطريق الدائري فتحدث الكوارث والحوادث*.
علينا إذن*.. وقت مغادرة مبني العدالة الفخيم أو قصر العدالة المنيف*.. أن نطالب بأمرين هامين وضروريين*:
أولاً*: تيسير وسائل مواصلات من وإلي المحكمة بسبب موقع المبني علي الطريق الدائري السريع*.. وعدم وجود وسائل مواصلات عامة تصل إلي دار العدالة*.. وتقريب الوصول إليها ومغادرتها*.
الأمر الآخر*: أكثر أهمية من أجل أمان*.. والسلامة ضرورة تشييد كوبري مشاة أو نفق أمام المحكمة الاقتصادية للعبور إلي الطريق المقابل* العودة إلي القاهرة*،* خاصة وأن الطريق الدائري* يشجع السيارات السريعة*.. وقد حدث أكثر من حادث*. حتي أطلق عليه بعض المحامين طريق الموت*.. أو محكمة الموت*.
أمران* يسيران* .. يكملان الصورة الجميلة* .. والتقدم الهائل والعدالة الناجزة في مصر ليعود إلي ابنائها ذلك العهد الجميل بعدالة ناجزة*.. ومقام فخيم*.
اترك تعليقاً