إذا كنت مواطنا في دولة ما فهذا أمر طبيعي، لكن إن لم تكن تمتلك جنسية أي دولة فهذه قضية أخرى.
والجنسية هي علاقة قانونية بين الفرد والدولة، يترتب له بموجبها حقوق ويصبح عليه واجبات، تشمل كافة مناحي الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية.
وفي مصر، وافق مجلس الوزراءيوم الأربعاء على مقترح بتعديل القانون رقم 26 لسنة 1975، الذي ينظم الجنسية المصرية.
ويتضمن التعديل توسيع حالات سحب الجنسية المصرية، لتشمل حالة جديدة تتعلق بـ”كل من اكتسبها عن طريق الغش، أو بناء على أقوال كاذبة، أو صدر بحقه حكم قضائي يثبت انضمامه إلى أي جماعة، أو جمعية، أو جهة، أو منظمة، أو عصابة، أو أي كيان، أيًا كانت طبيعته أو شكله القانوني أو الفعلي، سواء كان مقرها داخل البلاد أو خارجها، وتهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة، أو بأية وسيلة من الوسائل غير المشروعة”.
ويرى خبراء قانونين وحقوقيون أن هذا التعديل غير دستوري، ويندرج ضمن استخدام النظام الحاكم للأدوات التشريعة والقانونية كوسيلة لمعالجة مشكلات سياسية، واستهداف معارضين.
بينما ترى الحكومة وبرلمانيون أنه ضرورة للحفاظ على الأمن القومي المصري، في فترة تخوض فيها مصر حربا على الإرهاب.
كما يشمل التعديل إضافة حالة جديدة لحالات إسقاط الجنسية، تتعلق بـ”صدور حكم بالإدانة في جريمة مضرة بأمن الدولة من جهة بالخارج أو الداخل”.
كما ينص التعديل على “زيادة المدة التي يجوز خلالها سحب الجنسية المصرية من الأجنبي، الذي اكتسبها بالتجنس أو بالزواج، لتكون عشر سنوات بدلا من خمس سنوات، وزيادة المدة التي يكتسب بعدها الأجنبي الجنسية المصرية تبعا لوالدته لتكون سنتين بدلا من سنة، وحذف اكتساب الأولاد البالغين للجنسية تبعا لذلك، والاكتفاء بالأبناء القصر”.
“غير دستوري”
يقول الدكتور عصام عدوي، محامي أمام محكمة النقض والدستورية العليا في مصر: “هذا القانون غير دستوري، وسيسقط في حال إقراره مهما طال الوقت”.
ويضيف: “القوانين الحالية المنظمة للجنسية المصرية، منذ عهد الملكية وبما فيها القانون 26 لسنة 1975، كافية تماما لمعالجة هذا الموضوع، وهي تشترط أن يكون الشخص قد استخدم القوة والعنف لتغيير نظام الحكم، أو انخرط في أعمال خيانة، أو تجسس، أو ما شابه، لكن مجرد الانضمام لجماعة ليس مسوغا لسحب الجنسية”.
ويقول أحمد مفرح، محامي وباحث حقوقي في منظمة “لجنة العدالة” في جنيف: “القانون الدولي يمنع سحب الجنسية، فالمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، يحظران سحب الجنسية”.
ومن المتوقع أن يناقش البرلمان المصري مشروع القانون مطلع أكتوبر تشرين الأول المقبل .
ويضيف: “هذا التعديل يأتي في سياق محاولة النظام المصري قمع معارضيه واستهدافهم، ولا يتوافق مع القانون الدولي والاتفاقيات التي وقعت عليها مصر”.
“ضمانات قوية”
لكن مؤيدون لمقترح التعديل يرونه دستوريا، بل ضروريا.
ويقول اللواء محمد عقل، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري: “القانون لا يستهدف أي معارض ينتمي لفصيل أو جماعة ما، وإنما يستهدف من يثبت عليه بحكم قضائي تورطه في العبث بالأمن القومي القومي المصري، الذي نعتبره خطا أحمر”.
ويضيف عقل: “هناك ضمانات قوية لسلامة ودستورية القانون، وذلك من خلال المسار الذي سيمر منه عبر الأمانة العامة لمجلس النواب، ثم اللجنة التشريعية، والجلسة العامة للمجلس، ويُعرض بعد ذلك على المحكمة الدستورية العليا”.
وتابع: “الضمانات الدستورية والقانونية موجودة، وتطبق على كل القوانين التي تصدر عن البرلمان، ناهيك عن اشتراط صدور حكم قضائي، وتلك ضمانة في حد ذاتها، حيث إننا نمتلك نظاما قضائيا نزيها”.
ومن المقرر أن تبدأ مناقشة التعديل القانوني المقترح مع بدء دور الانعقاد القادم للبرلمان المصري، في مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وإذا أقر البرلمان القانون المقترح، يُرسل بعد ذلك إلى رئيس الجمهورية ليصدق عليه، ثم يُنشر في الجريدة الرسمية ليصبح بعدها ساري التنفيذ.
“يزيد التطرف”
ويرى معارضون ونشطاء حقوقيون أن هذا القانون المقترح فضفاض للغاية من ناحية الألفاظ والأهداف، وسيجري استخدامه كوسيلة لعقاب معارضين سياسيين، ولن يساعد مصر في مكافحة الإرهاب.
ويقول نور خليل، ناشط حقوقي: “من المرعب أن نجد مقترح تعديل القانون فضفاضا، ويتحدث عن الانضمام لجمعيات وجماعات دون أن يحدد معنى تلك الألفاظ”.
يتخوف حقوقيون من أن يكون مشروع القانون موجهاً ضد معارضي النظام ومن ضمنهم الرئيس المعزول محمد مرسي .
وأضاف: “نحن الآن في حرب على الإرهاب، فكيف لك أن تسقط الجنسية وتنزع الحقوق عن أشخاص مدانين؟ فماذا تنتظر منهم بعد ذلك؟ هذا لن يساعد على مكافحة الإرهاب”.
وتابع: “هذه العقوبة ستجعل الشخص المدان أمام طريق واحد، وهو طريق التطرف، بينما من حقه أن يُمنح الفرصة بعد قضائه عقوبة السجن للتأقلم والعيش في المجتمع”.
“يشمل مرسي”
ويقول مفرح: “السلطات المصرية منذ عام 2013 تلاحق معارضيها بالداخل والخارج، وطلبت من الشرطة الدولية (الإنتربول) تسليم العديد منهم لكنها أخفقت في ذلك، ومن ثم فهذه وسيلة جديدة لقمع المعارضين”.
ويضيف: “كل المعارضين مستهدفون بهذا القانون المقترح، بمن فيهم الرئيس المعزول محمد مرسي وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك النشطاء الحقوقيون داخل مصر وخارجها، المتهمون في قضايا تلقي تمويل أجنبي، والذين قد ينطبق عليهم هذا القانون”.
يُذكر أن محكمة النقض المصرية قد أيدت قبل أيام حكما، على الرئيس المعزول المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، بالسجن المؤبد مدة 25 عاما بتهمة “التخابر مع دولة قطر”، وذلك في حكم نهائي وبات غير قابل للطعن عليه.
اترك تعليقاً