معلومات حول القتل الرحيم من وجهة نظر القانون
الموت الرحيم مصطلح بدأ يفرض نفسه على الأوساط الطبية، وهو يعني إنهاء حياة المريض الميؤوس من شفائه عن طريق إيقاف عمل أجهزة التنفس الاصطناعي أو تخفيف كمية الأوكسجين أو إعطاء المريض أدوية خاصة على مراحل تؤدي الى توقف عمل القلب. ترجع فكرة الموت الرحيم أو القتل بدافع الشفقة إلى بدايات القرن العشرين حين بدأت تصدر دعوات صريحة تنادي بشرعية هذا الفعل انطلاقاً من دوافع إنسانية محضة. وسمي القتل إشفاقاً، كونه يتم بناءً على طلب المريض المصاب بمرض لا أمل بالشفاء منه وبدافع الإشفاق عليه بسبب معاناته الصحية والاجتماعية. وفي بداية القرن العشرين راحت تنادي بهذا النوع من القتل بعض البلدان الغربية كهولندا وبريطانيا، وأمريكا. ومع هذا فحتى الآن لا يوجد تشريع في العالم يبيح ويبرر إقدام أي شخص سواء أكان طبيباً أم غير طبيب على إزهاق روح إنسان حي وإن كان مريضاً ويعاني آلاماً وأوجاعاً غير مُحتملة، وحتى ولو كان ذلك بناءً على طلب المريض. لقد شرّعته بعض الدول وأدانته الأكثرية الساحقة من الدول الأخرى لأنها رأت فيه عملاً يتعارض مع القيم الأخلاقية والاجتماعية. وبما أن حق الحياة مقدس ولا يحق للإنسان المساس به، كان التساؤل حول نوعية هذا الفعل هل هو جريمة أم عمل إنساني؟
شيخ الأزهر: رفض قاطع لفكرة الموت الرحيم
ويعتبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف من أشد الرافضين لهذه الدعوة..
من حين لآخر تطفو على السطح في مصر قضية “الموت الرحيم” وموقف الإسلام منه، ورغم أن الرفض القاطع له أعلن كثيرا من خلال فتاوى لشيخ الأزهر والمفتي، فالمؤيدون لفكرة الموت الرحيم يرون أن موت “جذع المخ”» يعني وفاة المريض حتى لو كان يتنفس، في حين أن المعارضين يرون أن هذا الأمر حتى وإن كان صحيحاً فسيفتح المجال لمزيد من المخالفات التي تجرى باسم “موت جذع المخ”، في حين أنها تكون من الحالات التي تدخل في إطار “الموت الرحيم” المرفوض شرعاً. وكانت الدعوة لإنهاء حياة المرضى باسم “الموت الرحيم” ظهرت في أوروبا وطبقت في دولتي هولندا وبلجيكا، وسرعان ما انتشرت كل دول العالم، إلا أن غالبية الفقهاء أجمعوا على رفضها، وحددوا حالة واحدة – فقط – يمكن للطبيب إنهاء حياة المريض عندها وهي: “وفاة جذع المخ”.
ويعتبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف من أشد الرافضين لهذه الدعوة، ورفضها رفضا قاطعا خلال المؤتمر السنوي ال 23 لكلية طب عين شمس الذي أقيم خلال الفترة من 21 إلى 24 شباط 2000 وقال: “قتل المريض الميئوس من شفائه ليس قرارا متاحا من الناحية الشرعية للطبيب أو الأسرة”، غير أنه أكد أن الأمر قد يختلف مع حالات الوفاة المخية “وفاة جذع المخ” حيث يجوز للطبيب في هذه الحالة – فقط – وقف الأجهزة الطبية عن المريض ليتوقف قلبه إذا تأكد أن عودته للحياة مستحيلة.
وأكد مفتي الديار المصرية د.علي جمعة على هذا التوجه وأكد في أكثر من مناسبة أن الموت الرحيم هو تحايل على المشيئة الإلهية، وقال: “حالة المريض الذي لا يرجى شفاؤه يؤخذ فيها بالأسباب العلاجية إلى أن يقضي الله أمره.
الدكتور فرحات المنجي: الشرع لا يجيزه
ولا يختلف رأي باقي العلماء عن الرأي الرسمي الذي مثله شيخ الأزهر والمفتي، وأوضح الدكتور فرحات المنجي الرئيس السابق لمدينة البعوث الإسلامية في جامعة الأزهر أن الموت والحياة أمور لله سبحانه وتعالى، ولا يجوز لأي إنسان أن يتدخل فيهما أبداً، لأن العمر مرهون بمشيئة الله، وكون الإنسان مريضا، لا يبيح ذلك اتخاذ قرار بإنهاء حياته.
ويتعجب د. المنجي من إطلاق اسم “الرحيم” على هذا الفعل، مستشهدا بأن الشرع لا يجيز أن يقال عند نحر الذبيحة “بسم الله الرحمن الرحيم”، ولكن يقال بسم الله .. الله أكبر، لأن الرحمة لا تتماشى مع إزهاق الأرواح. ويرى الدكتور المنجي أن موافقة أهل المريض على مثل هذا الفعل له مبرران يندرجان تحت ما يمكن تسميته ب “بالجشع”، فإما أن الشخص ثري ويكون استعجال الموت بهدف الميراث،أو للاستراحة من كلفة علاجه.
الشيخ عمر البسطويسي: تدخل في إرادة الله
ويتفق الشيخ عمر البسطويسي الرئيس السابق لقطاع المعاهد الأزهرية مع الرأي السابق، وبلهجة حادة يقول: “لا تسموه بالموت الرحيم، لكن سموه الموت الرجيم” مشيرا إلى أن الرحمة هي لله عز وجل فقط، لكن هذا الفعل ليس رحمة، لكنه استعجال للموت من أجل أغراض دنيوية. ويتساءل: لماذا تريدون أن تحرموا المريض من تكفير ذنوبه، ولماذا – أيضاً – تريدون أن تحرموا أنفسكم من أجر الصبر على المريض؟ مشيراً إلى أن تأخير الحياة قد يكون للتكفير عن ذنوب المريض و لاختبار صبر عائلته وأقاربه، فإذا كان أهل المريض لا يريدون أجر الصبر، فليتركوا المريض وشأنه حتى يؤجر على تحمل المرض. ويختم الشيخ البسطويسي كلامه بالآية الكريمة: “فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون”، والتي تعني أننا لا نستطيع تأخير الموت ، كما لا يسمح لنا باستعجال حدوثه.
الدكتور عبد الله النجار: لو أجزناه لأجزنا الانتحار
يربط الدكتور عبد الله النجار الأستاذ في جامعة الأزهر بين الانتحار والموت الرحيم..
وبرؤية مختلفة يربط الدكتور عبد الله النجار الأستاذ في جامعة الأزهر بين الانتحار والموت الرحيم، ويقول:”كما حرم الله على المريض أن يتخلص من حياته، فقد حرم على غيره أن يقتله، حتى لو طلب المريض ذلك، لأنه لا يملك الروح حتى يأذن لغيره بالقضاء عليها”. ويضيف: هذا يدخل في إطار العدوان على الغير بالقتل، وهذا غير جائز لقوله تعالى: “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق”، مشيراً إلى أن القتل الجائز هو ما كان بالحق، كالدفاع عن النفس والمال والعرض والدين والجهاد في سبيل الله.
جذع المخ قصة أخرى
واتفقت الآراء الثلاثة السابقة على التفريق بين الموت الرحيم الذي يعني تدخل الطبيب بإعطاء المريض دواء يعجل بموته لأن حالته ميئوس منها، وبين الحالات التي يتدخل فيها الطبيب برفع أجهزة الإنعاش عن المريض الذي أجمع الأطباء أنه لن يعود للحياة مرة أخرى بسبب موت جذع المخ، فهذا جائز، لأن بقاء المريض على هذه الحالة يتكلف أموال طائلة دون طائل، ويحجز أجهزة يحتاج إليها غيره، ممن يجدي معه العلاج.
تحصيل حاصل ولا يقل إجماع الأطباء على تجريم هذا القرار عن إجماع علماء الدين إلا فئة قليلة ترى في القرار رحمة للمريض وأهله.. وعن هذه الفئة يقول نقيب الأطباء المصريين الدكتور حمدي السيد: “ليس من الأخلاق أن يتوقف طبيب عن علاج مريض ميئوس من شفائه، لأن “مهنة الطب هي للعلاج، وليس وقف العلاج .” ويرى نقيب الأطباء أن الذين يدعون للموت الرحيم هم في الواقع يتعاملون مع البشر كخيول الحكومة التي تقتل عندما تكبر وتصبح غير قادرة على العمل. ويؤكد الدكتور حمدي السيد ضرورة التفرقة بين أمرين، وهما الموت الرحيم، وموت جذع المخ، فالأول يعني قرارا يتخذ بإنهاء حياة مريض يرى الأطباء أنه ميئوس من شفائه، أما الثاني فيعني وفاة المخ ويصبح عمل باقي الأعضاء باستخدام أجهزة التنفس الصناعي مسألة تحصيل حاصل.
ويضيف: “إذا كنا نرفض الحالة الأولى لعدم أخلاقيتها، فإننا نؤكد أن الحالة الثانية تعني حدوث الوفاة، ويصبح قرار وقف أجهزة التنفس الصناعي في صالح أسرة المريض حتى لا تنفق أموال بلا جدوى.
القانون السوري يجرِّم من يقتل انساناً بدافع الاشفاق وعلماء الدين يعتبرونه مخالفاً للشريعة الإسلامية قال الشيخ محمد صالح في تعليق له على موضوع القتل الرحيم: الحياة حق مقرر شرعاً لكل إنسان ولا يحق لأي بشر مهما كان أن يسلب حق الحياة، لذلك فالقتل الرحيم مخالف للشريعة الإسلامية ولا يمكن إباحته مهما كان نوع المرض وخطورته وشدة آلامه، فالله يمتحن الإنسان بالمرض ليعرف مدى صبره وقوة إيمانه، وكلما صبر المريض زاد ثوابه والصبر درجة من درجات الإيمان. فلا وجود شرعي للموت الرحيم لأن الأجل بيد الله، ولا يجوز لأي إنسان التحكم بهذا الأجل، ولا يجوز التخلص من المريض بالقتل فللصابرين جزاء على ما يصيبهم من آلام، ولا يجوز للأطباء قتل المرضى بدعوة الرحمة بهم لأنهم لا يملكون هذه النفس كي يحق لهم إصدار هذا القرار. القتل الرحيم محرم بكل أشكاله أما الأستاذ الشيخ يوسف غريب فقد فأعطى أدلة شرعية على تحريم الموت الرحيم يقول:هناك أدلة شرعية مثبتة تحرم القتل الرحيم بكل أشكاله ومهما اختلف نوع المرض وحدته، من خلال تلك الأدلة الشرعية يتبين لنا أن الإسلام يحرم القتل الرحيم ويؤكد على قيم الحياة كما أكدت شريعة الإسلام على التداوي من أجل أن يحيا الإنسان حياة طيبة، كما أقرت الشريعة الإسلامية للأطباء بأن يهتموا بالمريض وأن يبذلوا نهاية جهدهم للعناية به وعلى الطبيب والمريض أن يتركا النتيجة على الله سبحانه وتعالى، وعلى الطبيب ألا يستجيب لطلب المريض في إنهاء حياته وإذا استجاب يكون خائناً للأمانة سواء بطلب المريض أو بغير طلبه، والعقاب للطبيب في هذه الحالة يكون حسبما يراه القاضي لكل حالة على حدا.
فعل إجرامي
الموت الرحيم يعتبر تدخلاً في إرادة الله لإنهاء الحياة التي منحها لمخلوقاته..
ومن وجهة نظر القانون السوري يقول المحامي عبد الحميد محمد: يجب تجريم هذا النوع من الجرائم وذلك ضمن الحدود النسبية للعقاب فلكل قضية ظروفها وملابساتها ومهمة القضاء الكشف عن هذه الظروف والدوافع التي أدت إلى ارتكاب هذا الفعل الإجرامي وفرض العقوبة المناسبة فالقتل الرحيم هو اعتداء على القانون وإن وافقت الضحية عليه انطلاقاً من القوانين الحامية للإنسان في جسده ونفسه وهي قوانين تتعلق بالنظام العام لأنها تشكل ضمانة لسلامة الإنسان وحياته التي هي خارج إطار الحقوق التي يمكن للإنسان التصرف بها.
فرضاء المجني عليه بالقتل لا يعتد به القانون وقد أخذ المشرع السوري بذلك فنص بالمادة 538 من قانون العقوبات “يعاقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر من قتل إنسان قصداً بعامل الإشفاق بناء على الحاجة بالطلب” فلم يعفِ القاتل من العقوبة ولم يساوي بينه وبين الذي أقدم على إزهاق النفس البشرية بغياً وعدواناً وأوجب لتطبيق هذه المادة توافر جميع أركان القتل المقصود والبسيط في الواقعة الجرمية وشرطان الأول يخص المجني عليه بأن يكون بناء على طلبه وهو صاحب الاقتراح والمبادرة والثاني يخص الجاني بأن يكون الدافع الذي حمله إلى تلبية المجني عليه هو الشفقة فإذا تبين أن هناك أهداف أخرى لا يستفيد من التخفيف وبتخفيف العقوبة يكون المشرع قد نظر إلى العامل النفسي الذي ساور الفاعل وإلى الدافع الذي حمله على ارتكاب القتل.
الرأي الطبي في الموت الرحيم
الدكتور سعيد نصور… أخصائي غدد صم وأمراض السكري قال: الطبيب يعطي الدواء ويخفف الألم مهما كان سببه، ومهما كانت شدته، ولا يُسمح للمريض أن يتعذب، فيوجد في ترسانة الطبيب أدوية عديدة جداً لتقتل الألم، أما قتل المريض فهذا أمر آخر تماماً. وهو موضوع قديم جداً منذ أيام الإغريق والرومان، لكن وجود الأديان السماوية حد من هذا التقليد، أما عن فكرة
الموت الرحيم فهي مأخوذة من الطب البيطري عندما تقتل الحيوانات لأنها غير منتجة، أو عندما تنتهي صلاحيتها. الجهاد في سبيل الله أو الموت في سبيل الوطن، حالات موت مشروعة، يمكن أن تلاقي لها غطاءاً دينياً، أما نحن كبشر، وأنا كطبيب، لا يمكن أن أتصور نفسي أعطي الموت لأي إنسان، ولا أعرف دواءً ينهي حياة المريض.
الأخلاقيات أهم ما في مهنة الطب ولا يحق لأحد التدخل في أرادة الله
الدكتور حسان ناصر، اختصاصي جراحة قال: ما يسمى بالموت الرحيم يعتبر تدخلاً في إرادة الله لإنهاء الحياة التي منحها لمخلوقاته، والله وحده هو الذي يقرر الموعد الذي يموت فيه الإنسان ولا يحق لمخلوق أن يتدخل في هذا الأمر. هذا النوع من القتل يدل على ضعف الإيمان بالله، فقد يمن الله بالشفاء رغم فقدان كل أمل بالنجاة كما أن الموت قد يخطف حياة المريض رغم ثقة الأطباء بنجاح العلاج. لذلك فإن الأخلاقيات جزء لا يتجزأ من مهنة الطب كما أن الإسلام يحترم النفس الإنسانية ويصونها ولا يسمح حتى للإنسان نفسه بالاعتداء عليها، وهنا أؤكد على ضرورة تدريس أخلاقيات الممارسة الطبية واعتمادها أساساً في مواد التدريس بالطب، وذلك لمعرفة واجبات الطبيب نحو المجتمع ونحو المهنة ونحو زملائه وعلاقة الطبيب بالمريض وبأقارب المريض. وأؤكد على أنه من حق المريض أن يعرف حقيقة مرضه.
وأسلوب علاجه والموافقة على ذلك العلاج وعدم تحول أقارب المريض إلى أوصياء عليه، وهذه قضية خطيرة تؤثر كثيراً في نفسية المريض وحالته العلاجية. الدين المسيحي يحرم الموت الرحيم وينادي بتحمل المرض بصبر وإيمان أما الخوري جورج مطانيوس، فقد تحدث عن تحريم الدين المسيحي للموت الرحيم، قائلاً: لا وجود لتعبير الموت الرحيم في لغة المسيحية، فمن وجهة نظر المسيحي يعد التوقف المتعمد لحياة الإنسان جريمة، فهذا لا يتوافق والقصد الإلهي لان الحياة مسؤولية، ولا نقبل بإيقاف الحياة عمداً لأي مريض ميؤوس منه بل على العكس ننادي بأن يتحمل المريض مرضه بصبر وإيمان. والكتاب المقدس يقول: “ليس لأحد منا أن يعيش لذاته أو يموت لذاته لأننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت وإن عشنا وإن متنا فللرب نحن” فالموت الرحيم يحمل جريمة قتل ويؤذي ليس فقط المجتمع الإنساني بل الذي يمارسه أكثر من الذي يقع عليه الفعل، ولذلك حرمته الشريعة المسيحية، لأن الله هو وحده من يهب الحياة وهو وحده من يستطيع استردادها.. لها
اترك تعليقاً