ماهية مبدأ قانونية فرض الضريبة وتطوره
المؤلف : علي هادي عطية الهلالي
الكتاب أو المصدر : تفسير قوانين الضرائب في العراق
نحصر فرض الضريبة في السابق حسب اهواء الحكام ومشيئتهم الا إن التطور الذي أصاب مجالات فرض الضرائب كان من شأنه أن يوجب على الدولة فيما إذا أرادت استخدام سيادتها في فرض الضرائب أن تصدر تشريعا بذلك وبالطريق نفسه إذا أرادت الإعفاء منها . وهكذا فأن مرحلة تحكم الأهواء الشخصية للحكام في مجال فرض الضرائب قد تلاشت ، وأصبحت ممارسة الدول لسيادتها بإصدار القوانين تشمل بالضرورة فرض الضريبة والإعفاء منها كما أن مبدأ رضاء المكلفين على فرض الضريبة قد انتهى وحل محله مبدأ القانونية في فرض الضرائب(1).
ويبدو أن مبدأ قانونية فرض الضريبة قد ارتبط تطوره في فرنسا بالنظرة إلى ملكية الأفراد من جهة وتطور نظام الضرائب من جهة ثانية ، فلقد كانت النظرة إلى الملكية الخاصة على أنها مقدسة الأمر الذي جعل من مبدأ قانونية الضريبة أن يتغلغل إلى حد منع السلطة التنفيذية من وضع اللوائح الخاصة بتطبيق قوانين الضرائب وتفسيرها ، بيد أن تطور النظرة إلى ملكية الأفراد وشيوع فكرة الملكية الفردية وظيفة اجتماعية ، فضلاً عن تعقيد النظام الضريبي الذي جعل من السلطة التنفيذية شريكاً السلطـة التشريعية بوضع لوائح تكون نافذة المفعول دون موافقة البرلمان(2).
وهكذا استقر هذا المبدأ في الدستور الفرنسي النافذ ( 1958 ) الذي أجاز تفويض الحكومة بإصدار مراسيم ضمن نطاق القانون على أن ذلك رَهين بموافقة البرلمان(3). هذا وقد استقر مبدأ القانونية في مصر منذ الدستور الأول (1923) حتى الدستور النافذ (1971) الموجب صدور قانون في إنشاء الضرائب وتعديلها وإلغائها ، بيد أن الدستور نفسه أجاز إصدار لوائح تنفيذية ، وبهذا الصدد يرى جانب من الفقه أن يتم تفسير هذا الاختصاص مع طبيعة القانون الضريبي إذ لا يجوز أن تتضمن تلك اللوائح فرض ضريبة جديدة أو تعديلها أو إلغائها أو الإعفاء منها ، في حين يمكن أن تتضمن شروطاً تفصيلية للأحوال التي يخضع لها مصدر الدخل للضريبة وبالتالي فأن صدور مثل هذه اللوائح ضمن هذا النطاق لا توجد فيه مخالفة دستورية(4).
وحاول جانب من الفقه ربط مبدأ قانونية الضريبة بمبدأ سنوية الضريبة القاضي بأخذ موافقة البرلمان على جباية الايرادات العامة ومنها ايرادات الضرائب(5). ونرى في هذا المجال انْ لا ارتباط بين مبدأ القانونية ومبدأ السنوية لان فرض الضرائب وتحصيلها يستند الى قانون الضريبة ذاته دون حاجة إلى الاستناد إلى قانون الموازنة ولكن يبقى السؤال مطروحاً فيما يخص ماهية عناصر مبدأ القانونية ؟ يبدو لنا عناصر مبدأ القانونية المتفق عليها تتمثل في فرض الضريبة وتعديلها وإلغائها والإعفاء منها ،وقد يقال إن مسألة إلغاء الضريبة لابد أن تتم بقانون ولو لم ينص عليها دستورياً طبقاً لقاعدة الأشكال المتقابلة التي توجب اتباع السبيل نفسه المتبع في فرض الضريبة ، وما دام فرض الضريبة لا يتم الا بقانون فأن الغاء الضريبة يجب أن يتم بقانون أيضا .
بقي ان نتساءَل عن مسألة جباية الضريبة وهل تعد من عناصر مبدأ القانونية ؟ يكاد يتوافق العمل في كل من فرنسا ومصر على أن جباية الضريبة يجب أن يتم بترخيص سنوي ( اقرار الموازنة ) بمعنى أن مسألة جباية الضريبة لا يستند إلى الأساس الدستوري والقانوني القاضي بفرض الضريبة ، بل لابد من صدور ترخيص سنوي بجبايتها من قبل البرلمان(6).
بيد اننا نعتقد إن موضوع جباية ايرادات الضرائب المباشرة لا يتطلب مثل هذا الترخيص ( إقرار الموازنة ) من قبل البرلمان ، بل إن ما ورد بالقوانين التي فرضت هذه الضرائب كاف ، حيث وضحت وقت الدفع ، والجزاء الذي يفرض على عدم مراعاة ذلك الوقت ، وموضوع تقسيط الضريبة ، وضمانات الجباية ، وإجراءات التبليغ .. الخ من الإجراءات المتعلقة بالجباية(7).
______________________
1- وهو المبدأ الذي أعلنه الفيلسوف الفرنسي جان بودان منذ مدة مبكرة في مصنفه عن الدولة إذ أعلن ان فرض الضريبة هو ضرب من ضروب سن القانون … لمزيد من التفصيل أنظر :- د. دلاور علي و د. محمد طه بدوي . أصول القانون الضريبي ، دار المعارف / الاسكندرية ، 1954 ،ص 24 – 25 .
2- د. حسين خلاف . الأحكام العامة في قانون الضريبة ، دار النهضة العربية ، 1966 ، ص 47 – 48 .
3- د. عادل أحمد حشيش . التشريع الضريبي المصري ، مؤسسة الثقافة الجامعية / الإسكندرية ، 1984 ، ص 27 .
4- د. عادل حشيش ، المصدر نفسه ، ص 32 .
5- د. عادل حشيش ، المصدر نفسه ، ص 27 .
6- د. دلاور علي و د. محمد طه بدوي ، مصدر سابق ، ص 29 .
7- أنظر ( الفصل العشرون – المواد من 44 الى 48 ) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل .، وكذلك المواد ( من 21 الى 27 ) من قانون ضريبة العقار رقم (162) لسنة 1959 المعدل ، والتي تنطبق على إجراءات جباية ضريبة العرصات استناداً للمادة (7) من قانون ضريبة العرصات رقم (26) لسنة 1962 المعدل .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً