على المحكم عندها أن يرجع ويقوم بتحديد القانون الواجب التطبيق الذي يحكم المسائل المتعلقة بركن الرضا والأهلية في اتفاق التحكيم، وأن كافة الدفوع المتعلقة بعيوب الإرادة تخضع لسلطة هيئة التحكيم التي يجب عليها أن تتأكد من وجود وصحة اتفاق التحكيم بمختلف أركانه،
أما إذا أثار أحد أطراف اتفاق التحكيم بأنه كان ناقص الأهلية بسبب السن أو توافر أحد عوارض الأهلية (كالسفه والعته والجنون) فتحديد ذلك يكون على هدي (القانون الذي ينطبق عليه) حسب تعبير نص المادة (5/1) من اتفاقية نيويورك لعام 1958.
أي حسب قانونه الشخصي، ولم توضح نيويورك حقيقة المقصود بذلك التعبير في ظل انقسام دول العالم إلى مجموعتين أساسيتين:
دول تعتبر قانون الجنسية هو القانون الشخصي، ودول أخرى تأخذ بقانون الموطن، ومن ثم فقد تركت اتفاقية نيويورك للقاضي الذي ينظر النزاع بيان القانون الشخصي الذي يحكم أهلية طرفي الاتفاق على التحكيم، فإن كان الأمر مطروحا على قاض فرنسي أو مصري مثلا يأخذ نظامه القانوني بقانون الجنسية وجب تحديد مدى توافر أو عدم توافر أهلية الشخص وفقا لقانون جنسيته، أما إذا طرح الأمر على قاض أمريكي يأخذ نظامه القانوني بقانون الموطن فإنه عندئذ يطبق القواعد الموضوعية في قانون موطن الشخص الطرف في اتفاق التحكيم.
ويعيب هذا الحل الذي أخذت به اتفاقية نيويورك أنها لم تتطرق إلى الفرض الغالب وهو كون مسألة الأهلية مطروحة على هيئة التحكيم في صدد منازعة أمامها.
ومن المعلوم إن هيئة التحكيم ليس لديها قواعد إسناد خاصة بها توضح ما إذا كان قانون الشخص هو قانون الجنسية أم قانون الموطن، وللتغلب على هذا العائق ظهر في قضاء التحكيم حلولا أطلق عليها (المبادئ العامة في القانون الدولي الخاص) تستخلصها هيئات التحكيم في أحكامها والتي اعتبر جزءا لا يتجزأ منها الجهل بقواعد القانون الأجنبي، غير المألوفة، ومن المؤكد أن هذا الاتجاه يعكس شعورا عاما لدى المحكمين بأنه ليس من المستحب أن يبرم الشخص اتفاق تحكيم يطمئن الطرف الآخر إلى سلامته، وخلال مراحل التحكيم، أو بعد صدور حكم التحكيم يدعي أحدهما أن اتفاق التحكيم كان منذ البداية باطلا لسبب يرجع إلى انعدام أو نقص أهلية الطرف الآخر[1].
وتجدر الإشارة إلى أن عيوب الرضا تخضع لسلطة هيئة التحكيم ورقابة القضاء الوطني في مرحلة ما بعد صدور حكم التحكيم. والقانون الواجب التطبيق في شأن التحقق من سلامة الرضا هو القانون الذي اختاره الأطراف، وعند غياب الاختيار الصريح أو الضمني للقانون يصير اللجوء إلى تطبيق قانون الدولة التي تم التحكيم على إقليمها[2].
[1] – د. محمد فوزي سامي، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 195-203.
[2] – وهذا الحل هو ما تمليه المادة الخامسة فقرة (أ) من اتفاقية نيويورك لعام 1958، والتي تلزم القاضي الوطني المطلوب أمامه الاعتراف بحكم المحكم أو الأمر بتنفيذه في أي من الدول الأعضاء المنظمة للاتفاقية.