العقود الإدارية
الكاتب :محمد نجيب
للعقود الإدارية خصوصية تتفرد بها وتجعلها مختلفة عن العقود في القانون الخاص، ومن هنا فلقد استقر كل من الفقة والقضاء على وضع الضوابط التي تميز بين كل من العقود الإدارية والخاصة. حيث تم تعريف العقد الإداري بأنه ذلك العقد الذي يكون أحد طرفيه شخصاً من أشخاص القانون العام بقصد تسيير مرفق عام أو تنظيمه وأن تتجه الإداره في إبرامه إلى الأخذ بالقانون العام.
ومن هنا يتضح أنه لكي يكون العقد إداريا أن تتوافر فيه شروط ثلاثة هي:
– أن يكون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام اي يتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة.
– أن يكون الهدف من العقد هو تنظيم أو تسيير مرفق من المرافق العامة.
– أن تأخذ الإدارة حين إبرام العقد بقواعد القانون العام من خلال تضمين العقد شروطا استثنائية.
ويتضح مما سبق، أنه لا يكفي ان يكون أحد طرفي العقد جهة عامة فقط، بل يجب أن تنصرف نيتها إلى الاخذ بشروط استثنائية غير مألوفة في العقود التي تتم بين الأفراد، فالإدارة عندما تقوم على سبيل المثال بتأجير مبنى لاستغلاله للموظفين التابعين لها فإنها تخضع في ذلك للقانون الخاص، أما في حالة العقود الخاصة بالمرافق العامة، فانها تقوم بتضمين شروطا تبرز طابع السلطة فمثلا في حالة إبرام عقد للقيام بأعمال النظافة أو إنشاء طريق أو مبنى عام فأنه يتم اعطاء الادارة سلطات واسعة في الاشراف على تنفيذ العقد أو فرض غرامات في حالة التأخير في التنفيذ أو الاخلال بشروط العقد دون منازعة من الطرف المتعاقد معها، حيث نجد ان كفة طرفي العقد في هذه الحالة غير متكافئة او متساوية بل يتم تغليب المصلحة العامة على المصلحة الفردية مما يعطي للإدارة سلطات واسعة في التنفيذ وتوجيه المقاول والحق في تعديل العقد بالزيادة او النقصان.
وكذلك حق توقيع الجزاءات والحق في فسخ العقد أو انهائه بارادتها المنفردة دون اي منازعة من الطرف الاخر وذلك تغليبا للصالح العام، حيث نجد هنا انه لا مجال لاعمال قاعدة العقد شريعة المتعاقدين والتي تكون ظاهرة بشكل واضح في عقود الافراد .
وان الادارة في ابرام وتوقيع العقود الادارية تلجأ الى التعاقد من خلال المناقصات او المزيدات او الممارسات وهى مقيدة بذلك بالتشريعات القائمة والتي تنظم ذلك .
ومن ناحية مراحل تكوين العقد الاداري، فأنه من المسلم به ان اي عقد لابد ان يمر بعدة مراحل وهي تشمل مرحلة التحضير والإعلان والطرح وتقديم العطاءات والترسية ، وكل هذه اجراءات سابقة على عملية التعاقد ، وان المعول عليه وفي كل الاحوال هنا انه وحسب القانون رقم 37 لسنة 1964 في شأن المناقصات العامة بأنه لا يثبت للمقاول اي حق ، الا بعد التوقيع على العقد حيث ان الادارة لا تتحمل ثمة التزام لمجرد تقديم العطاء او ابلاغ المقاول بالترسية حيث ان المعول عليه من حيث التزام الدولة هو توقيع العقد وصيرورته نافذا ، ومناط ذلك هو المحافظة على اموال الدولة وعدم صرفها في غيرالوجه المخصصة له ، ونجد ان الدولة هنا من حيث كونها لا يترتب عليها اي التزام الا من بعد ابرام العقد ، نجد على العكس من ذلك ان المقاول بمجرد تقديم العطاء يصبح ملتزما به ولا يمكن له العدول عنه لاي سبب وذلك طيلة المدة المحددة لسريان العطاء والواردة في وثائق المناقصة او الممارسة او المزايدة على العكس من الادارة التي تستطيع العدول عنها قبل التوقيع العقد دون معقب عليها او الزامها بتقديم التبرير لذلك حيث انها في ذلك تستهدف المصلحة لعامة .
ذلك لان الشروط العامة والخاصة بالعقود التي يتم طرحها من قبل الادارة وبتقديم المقاول بعد الاطلاع عليها فأنه وعندما يتقدم بعطائه يكون ذلك بمثابة توافر ركن الرضا منه اي الايجاب ويظل ذلك الايجاب الممثل في عطائه قائما ولا ينتج اثره في العقد في مواجهة الادارة الا اذا تلافت ارادة الطرف الاخر وهو الادارة وهو المصادقة عليه من جانبها التي تملك سلطة ابرامه ويعد ما يعرف بالقبول ، وحتى في حالة مصادقة الادارة على ارساء المناقصة فان الادارة تتمتع بسلطة تقديرية في اتمام عملية التعاقد حتى لا يتم فرض التعاقد عليها من مقاول قد لا ترغب في التعاقد معه ومن ثم فأن التزاماتها لا تبدأ لا من تاريخ التعاقد ،
وانه في هذا الشأن فانه من المستقر عليه لدى كل من الفقه والقضاء انه يلزم لانعقاد العقد الاداري توافر شروط الانعقاد وهي التراضي والمحل والسبب والشكل الخاص الذي يتطلبه المشرع بحيث يجب التعبير عن ارادة الادارة من قبل الجهة التي يحددها القانون بالتعبير عن تلك الارادة ومن المفهوم ان العقود الخاضعة لنظام المناقصات العامة وتتعرض لشكليات اكثر قسوة من عقود الافراد ، حيث ان العقد الذي يتم توقيعه في هذا الشأن يتكون من ثلاثة اجزاء هي:
1- العقد الذي يوقعه الطرفان وهو يضم احكاما موجزة خاصة بموضوع العقد.
2- الشروط العامة. 3- الشروط الخاصة.
بل ان الادارة تستطيع حتى في حالة ابرام العقد ان تعدل عنه اذا استدعت المصلحة العامة ذلك على ان يعوض الطرف الاخر التعويض العادل في هذا الشأن وأحيانا تتضمن العقود امكانية انهائها من قبل الادارة وفق شروط محددة ويكون من بينها تعويض الطرف الاخر.
ولقد اكدت محكمة التمييز ذلك ومن احكامها الشهيرة في هذا الشأن الحكم التالي «تنفيذ الالتزامات التعاقدية في عقود القانون الخاص لا يجري على نسق من القواعد التي تحكم تنفيذ العقود الادارية. ففي العقود الادارية تستهدف الادارة اساسا المصلحة العامة وتعمل على تغليبها على مصالح الافراد الخاصة وهي في سبيل تحقيق هذه الغاية تعمل على تضمين عقودها جزاءات مالية تتلاءم مع طبيعة تلك العقود وان كانت غير مألوفة في العقود الخاصة وهي تبغي من تلك الشروط ان تحقق ضغط على المتعاقد معها ليبذل جهده في سبيل تنفيذ التزامه يحدوها في ذلك ما تسعى اليه من تحقيق احتياجات المرافق العامة وضمان حسن سيرها واذا كانت الجزاءات التي تملك الادارة توقيعها على المتعاقد معها اذا ما خالف شروط العقد تستهدف اساسا سير المرافق العامة ولا تقتصر على جبر الضرر الذي يصيب الادارة من جراء تقصير المتعاقد معها ، فانه لا يشترط لتوقيعها اثبات وقوع ضرر اصاب المرفق العام لان ذلك الضرر يكون مفترضا بمجرد تحقق سبب استحقاقها المنصوص عليه في العقد لما ينطوي عليه التراضي في تنفيذ العقد من اخلال بالنظم التي تصنعها الادارة وتحرص على التزامها وفي ذلك من مساس بالصالح العام الذي ينبغي ان يكون دائما محلا للاعتبارات في العقود الادارية ومتى تحققت في الجزاء المالي المتفق عليه في العقد هذه الشرائط فأنه يعتبر من قبيل الغرامات التي توقع بغض النظر عن وقوع الضرر والذي يتمنع معها على المحكمة ان تعمل تقديرها لتحديد مداها…
عرضنا تعريف العقود الإدارية وانتهينا إلى انها العقود التي تتجه فيها الإدارة إلى الأخذ بأسلوب القانون العام لأداء خدمة عامة وتتضمن العقود شروطا غير مألوفة في العقود التي يتم إبرامها بين الأفراد وفقا لأحكام القانون الخاص وان الإدارة تلجأ إلى ذلك من أجل تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في إدارة المرافق العامة.
إلا انه كان الأساس في العقد، أن المقاول المتعاقد مع الجهة الإدارية، يتعين عليه الإلتزام بالشروط التعاقدية دون أن يطلب آي زيادة مالية على العقد، إلا انه قد يصادف التنفيذ أحيانا بعض الظروف الطارئة التي من شأنها أن تضيف أعباء إضافية على المقاول، وهذه الأعباء لم تكن في الحسبان عند التوقيع على العقد، وهو الأمر الذي يستلزم فيما يعرف بإعادة التوازن المالي للعقد.
وفي الحقيقة، ان كل من الفقه والقضاء، هو من خلق نظرية التوازن المالي للعقد والهدف منها إحداث التوازن بين الأعباء التي يتحملها المتعاقد مع الإدارة وبين المزايا التي ينتفع بها باعتبار ان العقد يكون في مجموعه وجوب التلازم بين مصالح الطرفين المتعاقدين وتعادل كفة التوازن بينهما، وذلك من خلال تعويض المتعاقد بناء على أحوال وشروط معينة وحتى وإن لم يوجد اي خطأ من جانب الادارة وأن التعويض في هذه الحالة قد يكون جزئيا وقد يكون كليا وآيا كانت الاسباب والأسانيد التي قامت عليها هذه النظريات والقواعد فأنها ترتد إلى أصل واحد وهو تحقيق العدالة المجردة والتي تعد قوام القانون الإداري.
ولقد أعمل القانون الاداري في كل من فرنسا ومصر، ثلاث حالات، يمنح القضاء الاداري تعويضا للمتعاقد، دونما ان تكون هناك حاجة إلى اثبات الخطأ من جانب الادارة، وهذه الحالات ه :..
– الصعوبات المادية اثناء التنفيذ.
– الظروف الطارئة.
– عمل الأمير.
ونعرض لهذه الحالات على الوجه التالي :.
نظرية الصعوبات المادية
وهذه الصعوبات المادية يجب أن تكون غير متوقعة ويواجهها المقاول اثناء التنفيذ، لأنه من المفترض ان المقاول المتعاقد يقوم بداية بمعاينة موقع العقد والالتزام بالأسعار وغيرها من الشروط المحددة به وحسبما تقضي بذلك نصوص العقد إلا أنه ونظرا لان العقود الادارية يحكمها القانون الاداري وما استحدثه من نظريات تتماشى مع طبيعة هذه العقود وما تستلزمه من ضرورة التعاون بين الادارة والمتعاقد معها من اجل المصلحة العامة، ومن هذه النظريات التي تم استحداثها، نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة، ومؤدى هذه النظرية انه اذا ما صادف المتعاقد اثناء تنفيذه للعقد صعوبات مادية ذات طبيعة استثنائية خاصة ولا يمكن توقعها بحال من الاحوال عند ابرام العقد وتجعل تنفيذ العقد مرهقا ومن ثم يكون من حقه المطالبة بتعويض كامل عما تسببه هذه الصعوبات من اضرار، وهذه النظرية وعلى وجه الخصوص قد تكون اكثر تطبيقا في عقود الاشغال قياسا بالعقود الاخرى حيث انه قد تحدث بالنسبة لها صعوبات مادية استثنائية لم تكن في حساب طرفي العقد وتقديرها عند التعاقد وتجعل التنفيذ اشد وطأة على المقاول وتحميله اعباء اضافية.. وعليه فان العدالة تقتضي تعويضه عن ذلك من خلال زيادة الاسعار الواردة بالعقد لتغطي الاعمال والتكاليف التي تحملها على اعتبار ان الاسعار المتفق عليها تغطي الاعمال العادية المتوقعة بالعقد وتعويض الادارة في هذه الحالة لا يكون جزئيا بل شاملا لكافة الاعباء الاضافية التي تحملها المقاول، ومن ثم فانه يشترط لإعمال نظرية الظروف الطارئة وتعويض المقاول توافر الشروط التالية:
– ان تكون الصعوبات مادية وغير عادية واستثنائية .
– ان تكون الصعوبات طارئة وغير متوقعة ومما لا يمكن او في الوسع توقعه عند التعاقد.
– ان يترتب على هذه الصعوبات نفقات تجاوز الاسعار المتفق عليها عند التنفيذ.
وإذا تخلف شرط من هذه الشروط فانه لا يتم تطبيق هذه النظرية ولا يستحق المقاول اى تعويض تجاه الادارة.
نظرية الظروف الطارئة
نظرية الظروف الطارئة هى تلك الظروف او الاحداث الطارئة التي لم تكن متوقعة عند ابرام العقد وتجعل تنفيذ العقد مرهقا للمقاول المتعاقد مع الادارة وتؤدي الى تحميله خسائر فادحة اثناء التنفيذ وفي هذه الحالة، فانه يحق للمقاول ان يطلب من الادارة تعويضه جزئيا عن الخسائر التي لحقت به.
إلا انه في هذه الحالة، يجب على المقاول الاستمرار في تنفيذ العقد، وعدم التوقف عن اداء التزامه وإلا كان عرضة لتوقيع الشروط الجزائية المنصوص عليها في العقد.
ومما ينبغي مراعاته هنا، ان الخسارة المقصودة التي تلحق بالمقاول هنا، ليست الخسارة الطفيفة بالنسبة الى مجموع عناصر العقد او الخسارة العادية المألوفة في التعامل او كان اثر الظرف الطارئ منحصرا في تفويت فرصة الربح على المتعاقد بإنقاصه كليا او جزئيا، فانه في هذه الحالة لا يكون هناك مجال لتطبيق الظروف الطارئة لتخلف احد شروطها.
نظرية فعل الأمير
ان عمل الامير هو اجراء خاص او عام يصدر من جانب الجهة الادارية المتعاقدة ولم يكن متوقعا عند التعاقد ويترتب عليه الحاجة ضرر خاص بالمتعاقد ولا يشاركه فيه سائر من يمسه الاجراء.
ويتبين من هذا التعريف شروط تطبيق هذه النظرية وهي:
– ان يكون الفعل الضار صادر من جهة الادارة المتعاقدة.
– ان ينشأ عن ذلك الفعل ضرر للمتعاقد ولا يشترط في هذا الضرر درجة معينة من الجسامة.
– ان يكون الاجراء الصادر من الادارة غير متوقع.
– ان يلحق بالمتعاقد ضرر خاص لا يشاركه فيه سائر من يمسه القرار العام.
إلا انه، يلاحظ على هذه النظرية انها غير واضحة الحدود وأحيانا يقع الخلط بينها وبين الظروف الطارئة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً