معلومات قانونية حول دائرة إشهار الذمة المالية
أين دائرة إشهار الذمة المالية ؟
د. ليث كمال نصراوين
بدأت الأوساط السياسية والإعلامية هجومها مبكرا على حكومة الدكتور عبد الله النسور وفريقه الوزاري، حيث تناقلت وسائل الإعلام خبرا مفاده أن اثنين من الوزراء في الحكومة الجديدة يشغلون عضوية مجالس إدارة عدة شركات وذلك بشكل مخالف لأحكام الدستور. فالمادة (44) من الدستور تحظر على الوزير أثناء وزارته أن يكون عضوا في مجلس إدارة شركة ما، أو يشترك في أي عمل تجاري أو مالي أو يتقاضى راتبا من أية شركة.
إن مثل هذه التهم يجب ألا تمر مرور الكرام خاصة في ظل غياب الجهة الرقابية السياسية على الحكومة الممثلة بمجلس النواب الذي يملك وحده الحق الدستوري في حجب الثقة عن الحكومة بكاملها أو عن أي من الوزراء العاملين فيها. بالتالي فإذا ما ثبت أن هذين الوزيرين قد خالفا أحكام الدستور، فإن عليهما أن يتقدما باستقالاتهما الفورية من الحكومة.
إن المشرع الأردني يفترض أنه قد أنشأ جهة رقابة مستقلة على مصالح الوزراء ومنافعهم المالية وذلك في قانون إشهار الذمة المالية رقم (54) لسنة 2006 الذي أسس دائرة مختصة هي دائرة إشهار الذمة المالية في وزارة العدل لتكون مهمتها الأساسية متابعة تنفيذ أحكام القانون من خلال إلزام المكلفين الخاضعين لأحكامه من وزراء ونواب وأعيان وغيرهم من الإفصاح عن ذممهم المالية الخاصة بهم بغية ضمان احترام تطبيق أحكام الدستور والقانون. فعلى الرغم من التسريبات الصحفية السابقة، إلا أن دائرة إشهار الذمة المالية لم تحرك ساكنا للتثبت من حقيقة مخالفة الوزيرين المعنيين لأحكام الدستور. فما زال القائمون على إدارة الدائرة يمارسون البيروقراطية القانونية المتمثلة في إرسال نماذج إشهار الذمة المالية وانتظار الوقت القانوني لاستلامها من المكلفين، فإذا ما تلطف أي من هؤلاء المكلفين بتنفيذ أحكام القانون من وزراء ونواب وأعيان بإعادة هذه النماذج، فإنها تكون في ظروف مغلقة وتوضع في خزانات خاصة في وزارة العدل لا يمكن فتحها إلا بعد التقدم بشكوى خطية بحق أي منهم وبعد اتباع إجراءات قانونية معقدة.
إن دائرة إشهار الذمة المالية تملك الوسائل القانونية اللازمة للتثبت وعلى وجه السرعة من حقيقة مخالفة هؤلاء الوزيرين لأحكام الدستور من خلال عضويتهما في مجالس إدارات شركات مختلفة أثناء عملهم الوزاري، بالتالي يجب عليها ألا تنتظر أن يتم الاستعانة بسجلات مراقب الشركات في وزارة الصناعة والتجارة لإثبات التهم، ليبادر من بعدها هذان الوزيران إلى تقديم استقالاتهما الخطية من مجالس إدارات هذه الشركات ويطوى الملف إلى غير رجعة. فمثل هذا الأمر إذا حدت من شأنه أن يلغي الدور الأساسي الذي من أجله أنشئت دائرة إشهار الذمة المالية المتمثل في متابعة تنفيذ أحكام القانون، وألا يترك للمكلفين أنفسهم فرصة تطبيقه على أنفسهم في الوقت والشكل الذين يرونه مناسبين.
كما يظهر تقاعس دائرة إشهار الذمة المالية عن تنفيذ بنود أحكام قانون إشهار الذمة المالية من خلال عدم متابعة تقديم الوزراء السابقين لكشوفات ذممهم المالية بعد تركهم منصبهم الوزاري. فالفقرة (ب) من المادة (5) من القانون تلزم المكلفين من وزراء ونواب وأعيان بتقديم إقرارات الذمة المالية الخاصة بهم وبزوجاتهم وأولادهم القصر بصورة دورية خلال شهر كانون الثاني الذي يلي انقضاء سنتين على تقديم الإقرار السابق وذلك طيلة مدة خضوعهم لأحكام القانون وعند تركهم الوظيفة أو زوال الصفة عنهم شريطة أن تتضمن هذه الإقرارات مصدر الزيادة في الذمة المالية.
لقد شهد الأردن خلال الأعوام القليلة الماضية انتشار ظاهرة تغيير الحكومات بصورة دورية وحل مجالس النواب المنتخبة وإعادة تشكيل مجلس الأعيان، وهو ما يعني تخريج المئات من الوزراء والنواب والأعيان السابقين الذين يلزمهم قانون إشهار الذمة المالية بالاستمرار في تقديم كشوفات إقرار الذمة المالية الخاصة بهم وبزوجاتهم وأولادهم القصر بعد زوال الصفة الوظيفية عنهم. إلا أن إغفال دائرة إشهار الذمة المالية عن تطبيق أحكام القانون لا يقتصر فقط على المكلفين الحاليين من وزراء ونواب وأعيان الذين يضربون بعرض الحائط كافة النداءات والشعارات التي ترسلها لهم الدائرة المختصة بضرورة إعادة نماذج إقرار الذمة المالية في وقتها القانوني، بل أنه يمتد ليشمل الوزراء والنواب والأعيان السابقين الذين يستمرون في مسلسل تجاهلهم لدائرة إشهار الذمة المالية الذي ابتدأوه عند شغلهم لمنصبهم الحكومي أو البرلماني. فلم نسمع يوما عن مطالبات أو إنذارات أو حتى تهديدات وجهتها دائرة إشهار الذمة المالية بحق هؤلاء الأشخاص من أصحاب المعالي والسعادة من وزراء ونواب وأعيان سابقين لعدم التزامهم بأحكام القانون من خلال تسليم كشوفات الذمة المالية الخاصة بهم بعد تركهم الوظيفة وزوال الصفة عنهم.
ولا يرد القول بأن قانون إشهار الذمة المالية قد جاء قاصرا عن توفير الردع الجزائي للمتخلفين عن تنفيذ أحكامه، ذلك أن القانون على الرغم من السليبات الكثيرة في طياته، إلا أنه قد تضمن عقوبات رادعة بحق كل من يتخلف عن الالتزام بأحكامه ونصوصه. فقد فرضت المادة (12) من القانون عقوبة الحبس أو الغرامة أو بكلتا العقوبتين على أي شخص مشمول بأحكام القانون وتخلف من دون عذر مشروع عن تقديم اقرارات الذمة المالية رغم تبليغه بذلك. كما عاقبت المادة (13) من القانون كل من تخلف عن تقديم اقرار عن ذمته المالية وذمة زوجته وأولاده القصر خلال المدة القانونية بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.
إن دائرة إشهار الذمة المالية لها دور محوري وأساسي في الوقاية من الفساد ومكافحته لا يقل أهمية عن دائرة مكافحة الفساد، كونها الدرع الأول الذي يحول دون استغلال المسؤولين الحكومين لوظائفهم العامة لخدمة مصالحهم الخاصة والرقابة على ذممهم المالية، بحيث إذا ما وجدت الدائرة أن زيادة قد طرأت على ثروة أحد المسؤولين المالية أو على ثروة زوجته أو أولاده القصر وكانت هذه الزيادة لا تتناسب مع مواردهم المالية، فإنه يجب عليها أن تتحقق من الأمر من خلال الطلب منه تقديم البيانات والإيضاحات اللازمة لبيان أسباب هذه الزيادة ومصدرها. فإذا ما تبين للدائرة وجود دليل كاف على إثراء غير مشروع من قبل أحد المسؤولين الحكوميين فعليها أن تحيل الأوراق ونتائج فحصها وتدقيقها الى الجهات القضائية المختصة، وهو الإجراء الذي من شأنه أن يحد من انتشار الفساد في السلطة العامة أو على الأقل أن يقلل من نطاقه وحجمه.
اترك تعليقاً