معلومات قيمة عن العقوبات البديلة في القانون المصري
لاشك أن العالم يشهد تطورات عديدة ومتلاحقة في كل مناحي الحياة ومجالاتها .. ولا شك أن القانون بكافة تخصصاته نال نصيباً كبيراً في هذه التطورات لا لشئ إلا لإرتباطه الوثيق بالحياة الإجتماعية إرتباطاً لا يقبل التجزئة أو الإنفصال .. ومن هنا كان لعلم الإجرام والعقاب نصيب الأسد من خلال الأبحاث فيه والدراسات ونشوء العديد من النظريات في هذا المجال ، ومحاولة تطبيق تلك البحوث والدراسات علي الواقع ، وخاصة بعد أن أصبحت السجون مرتعاً ومجالاً خصباً لنشأة أجيال من المجرمين ، فالسجن لا كما يتخيل البعض أنه مدرسة للإصلاح والتهذيب ، وإنما مدرسة لتعليم فن الإجرام ..
لقد بات الإهتمام بهذا الأمر جاداً ، فتطور الحال من اجراء البحوث الى عقد المؤتمرات , فبعد ان كان هدف العقوبة ايلام الجاني والانتقام منه اصبح الهدف اصلاح الجاني ، ومن ثم الى التقليل من العقوبات البدنية وابدالها بالعقوبات السالبة للحرية و اخيرا تبديل العقوبات السالبة للحرية بعقوبات بديلة تحافظ على حرية الانسان وكرامته و عدم الانتقام من الجاني واعادته الى المجتمع بدلا من حبسه ومعايشة المجرمين المحترفين.
ترجع الاتجاهات الحديثة و توحيد العقوبات السالبة للحرية وتقليلها الى اوائل القرن التاسع عشر اي الى المؤتمرات التي كانت تنظمها اللجنة الدولية الجنائية والعقابية وقد اثير الموضوع لاول مرة في مؤتمر لندن 1872م و كذلك بعد ظهورحركة التنوير في اوربا والتي برزت في كتابات الفلاسفة والكتاب خاصة جان جاك روسو ومنتسيكيو وبعض رجال الدين ، حيث برز التوجه نحو معاملة المجرمين معاملة انسانية بما يحفظ ادميتهم ويساعد في الوقت ذاته على تحقيق الغاية من العقوبة ألا وهي تأهيل المحكوم عليه وتهذيبه , وهكذا اصبحت العقوبة في مفهومها الحديث هو اندماج المحكوم عليه في المجتمع من جديد وتقويم المذنب . ولما كان الاجماع بأن السجن ليس بمكان لاصلاح المحكومين ولاسيما المعاقبين بعقوبات قصيرة الامد اتجهت الانظار نحو تبديلها بعقوبات بديلة
اتجهت الكثير من الدول نحو الاخذ بهذا النظام، من ذلك مثلاً : القانون المصري اتجه نحو الاخذ بالعمل للمنفعة العامة كبديل للحبس قصير المدة .
* مفهوم العقوبات البديلة
لم يتفق الكتاب و الباحثين حول تعريف جامع مانع وموحد للعقوبات البديلة .. ولكننا من خلال التعرف علي آراء العديد من الفقهاء .
يمكن تعريفها : على انها تلك العقوبات التي تفرض على المحكوم عليه بدلا من العقوبات السالبة للحرية القصيرة الامد وبموافقته والابتعاد عن مساوئ العقوبات التقليدية (السالبة للحرية) وان لاتخرج عن هدف العقوبة وهي الردع العام والخاص واصلاح وتاهيل المحكوم عليه .
* بدائل العقوبات السالبة للحرية :
للوقوف على ماهية بدائل العقوبات وانواعها بوضوح اكثر، يمكن الاستدلال ببعض الامثلة المعروفة عنها على النطاق العالمي والتي تتلائم مع ظروف المجتمع
1ـ العمل لمنفعة عامة ( الخدمة العامة ) :
كالعمل في مؤسسة اجتماعية او خيرية او حكومية، وكذلك العمل في منظمة خيرية او مؤسسة علمية او كنيسة او دار عبادة او في مسجد … إلخ ، وذلك حسب ثقافة ومؤهل المحكوم عليه
2ـ دفع مبلغ تعويضي للمتضررين و ارضائهم للتنازل عن الحقوق الشخصية ومن ثم شراء فترة سجنه.
3ـ الكفالة الحضورية او التعهد بالحضور كلما طلب منه ذلك، او ايداع مبلغ من المال لدى الخزينة كضمان لاستمراره بتنفيذ العقوبة البديلة و اظهارحسن سلوكه
4ـ النفي او الاقامة الجبرية بعيدا عن مكان سكناه أو اقامته.
5ـ التعليم كأن يطلب منه اكمال مرحلة دراسية اخرى او تطوير امكانياته العلمية او المهنية, كالحصول على دورات معينة كالنجارة او الخياطة .
6ـ التوبيخ والتشهير واللوم كأن يوبخ امام اقرانه او اقاربه او يعلق قطعة امام داره تشير الى قيامه بارتكاب جرم ما بشرط تكون بموافقة المحكوم عليه وبناء على طلبه.
7ـ السجن شبه المفتوح كالايداع في قاعة كبيرة يتسع لعدد كبير من المحكوميين عليهم تلقي عليهم محاضرات تعليمية وبرامج اصلاحية والتدريب على برا مج معينة.
8ـ نظام السجن المتقطع او تقسيط العقوبة وذلك بمراقبة المحكوم عليه حول مدى اصلاحه وادراكه لخطورة العمل الذي قام به ومدى انسجامه مع البرنامج الاصلاحي و الفترة التي قضاها .
9ـ نزع الصفة الجرمية ، عن بعض الجرائم والمخالفات البسيطة وجعلها مخالفات ادارية و معاقبة مرتكبيها بعقوبات ادارية ومالية ( مثال ذلك : المادة 11 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية)حيث نصت [ لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي]
11ـ الحبس اثناء العطلات الرسمية و نهاية الاسبوع وبهذا يستطيع المحكوم عليه التواصل مع عائلته وعدم ترك عمله, وكذلك يتم مراقبته اثناء فترة الحكم فيما اذا قد استفاد من البرامج الاصلاحية التي القيت عليه او التي تم تدريبه عليها و فيما اذا كان قد استفاد من هذه التجربة .
هذه بعض الامثلة للعقوبات البديلة و هي غير واردة علي سبيل الحصر و تختلف باختلاف السياسات الجنائية لكل بلد و الظروف الاجتماعية لكل مجتمع, فقد تكون عقوبة صالحة و جيدة لمجتمع ما ولكنها قد لاتلائم مجتمع أخر و لاتفي بغرضها وهي الاصلاح والتأهيل , فهي قد تختلف باختلاف المكان وفي المكان الواحد باختلاف الزمان .
إن الهدف من العقوبات البديلة .. هو محاولة تجنب مساوئ السجون ,وعوامله السلبية .. ومحاولة إزالة فكرة الإنتقام من الجاني ، وبث روح الغفران والتسامح ، ومحاولة مسايرة الإتجاهات الحديثة لفكرة العقاب ، وأنه وسيلة لتخلص الجاني من ذنبه وإخراجه إلأي المجتمع عضوأ نافعاً ليكون بحق العقاب قد أتي ثماره في إصلاح وتهذيب الجاني وتكفيره عما إرتكبه من فعل .
اترك تعليقاً