السجن حسب القانون الجزائر
بواسطة باحث قانوني
محاماة نت – مفهوم السجن
وردت الإشارة إلى كلمة السجن في القرآن الكريم في قصة سيدنا يوسف (عليه السلام) عند قوله تعالى ﴿ يَا صَاحِبَيِ السّجْن أأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْر؟ أَمِ اللهُ الوَاحِدُ القَهّار﴾ ( سورة يوسف (الآية 39)، وكانت هذه الآية حول رؤيا لسيدنا يوسف (عليه السلام)، وقوله تعالى أيضا ﴿ قَال رَبّ السجنُ أحَبُّ إليَّ ممّا يَدْعُونَنَي إِلَيْه…﴾ (سورة يوسف (الآية 33).
ومعنى السجن في اللغة هو الحبس، والحبس معناه المنع، ومعناه الشرعي هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، سواء أكان في بلد أو بيت أو مسجد أو سجن معد للعقوبة أو غير ذلك (عزالدين الخطيب التميمي وآخرون،(د. ت)، ص 239)، والسجن بالكبير المحبس، وصاحبه سجان، والسجين المسجون (عبد الفتاح خضر،1984، ص 16).
أما اصطلاحا فيقصد بالسجن تلك المؤسسات المعدة خصيصا لاستقبال المحكوم عليهم بعقوبات مقيدة للحرية (اسحق إبراهيم منصور، 1989، ص 163) وسالبة لها وهي تشترك في ذلك مع الحكم بالأشغال الشاقة والاعتقال، حيث يحرم المحكوم عليهم من الخروج أو متابعة الحياة بشكل عادي وفي أجواء طليقة، والحيلولة دون ممارسة أي نشاط ما، وعادة ما يرتبط بالسجون عدة مفاهيم وتسميات مثل الإصلاحيات أو مراكز التأديب أو دور الإصلاح والتهذيب أو التقويم أو مؤسسات إعادة التربية أو غير ذلك من التسميات (اسحق إبراهيم منصور، 1989، ص 163)، كما يعرف النظام القانوني الجزائري السجن أو المؤسسة العقابية على أنها “هي مكان للحبس تنفذ فيه وفقا للقانون العقوبات السالبة للحرية، والأوامر الصادرة عن الجهات القضائية، والإكراه البدني عند الاقتضاء” (المادة (25) قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين لسنة 2005).
أما السجين فيعرف على أنه “الشخص الذي منعت حريته بقصد تعويقه ومنعه من التصرف بنفسه ونقصد بالسجين هنا الشخص الذي عوق ومنع من التصرف بنفسه سواء كان ذلك من خلال وضعه في بيت أو مسجد أو قبوا كما كان سائدا في الوقت الماضي أو كان ذلك من خلال وضعه في بناء مقفل يوضع فيه الأشخاص المتهمون في انتظار محاكمتهم أو تنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم كما هو سائد ومعمول به في الوقت الحاضر” (عبد الله عبد العزيز اليوسف، 1999، ص 176)، وهو ما يتوافق مع ما ذهب إليه المشرع الجزائري في تعريفه للسجين أو المحبوس والذي يقال عنه أنه “الشخص الذي ارتكب جريمة أو أكثر، مخالفا بذلك نصا في القانون عمدا، ومودعا في إحدى المؤسسات العقابية” (محمد حسن غانم، 1994، ص75)، وهذا التعريف له الخصائص الآتية:
1- ركز على الفرد المرتكب لجريمة أو أكثر.
2- من المحتمل أن يرتكب الفرد جريمة أو أكثر.
3- أن ارتكاب الجريمة يكون بصورة عمدية وليست عفوية.
4- أن المسجون لابد وأن يودع في إحدى المؤسسات العقابية.
ويشترط في السجن أن يكون مكانا لاستقبال كل من كان على استعدادا للإصلاح والتربية والتقويم، لأنه لو يفقد المحكوم عليه هذه القابلية للإصلاح فلن يجدي إيداعه في السجن، وبالتالي وجوب تسليط آلية أخرى لتطبيق الحكم عليه كبديل للإيداع في مؤسسة السجن.
كما أرتبط مفهوم إعادة التربية بمفهوم السجن، الذي هو الآخر مرادف لمفهوم الحبس، ومؤسسات إعادة التربية هي مراكز للتكفل والتأهيل، وهو وصفا لم يكن من قبل، وإنما جاء بعد مراحل، لتحل بذلك “فكرة التهذيب والإصلاح محل فكرة الزجر والردع، وتجاوزت رسالة السجن عن حد وقاية المجتمع من الخارجين على نظمه إلى المساهمة إيجابيا في تقدم المجتمع بتخريج أكبر عدد ممكن من نزلائه إلى الحياة الاجتماعية مهيئين مهنيا وثقافيا واجتماعيا، وصالحين جسميا وعقليا لاستعادة أماكنهم في عملية الإنتاج في المجتمع” (سلوى عثمان الصديقي وآخرين،2002، ص 263)، وبهذا لا فرق بين مؤسسة إعادة التربية والمؤسسة الإصلاحية في التسمية، ذلك أن مراكز إعادة التربية لم تكن سوى بيوتا للإصلاح والتقويم كما عبر عن ذلك السيد رمضان عندما تحدث عن تحول دور السجن من العقاب إلى الإصلاح وأنه “لم يصبح الغرض من إرسال السجين إلى السجن القضاء عليه أو الانتقام منه، وإنما إبعاده عن المجتمع فترة يشعر فيها بالندم، ويعاد علاجه وتأهيله للتعاون مع المجتمع تعاونا مثمرا بناءا” (سلوى عثمان الصديقي وآخرين، مرجع سابق، ص263)، ومن هذا تصبح مؤسسة إعادة التربية (دراسة للباحث منشورة بالشروق اليومي، العدد 660، 2002) مؤسسة علاج، ومؤسسة رعاية، ومؤسسة تأهيل، ومؤسسة إدماج، ونحن هنا نعرف السجون على أنها تلك “المؤسسات المعدة لاستقبال المحكوم عليهم بعقوبات مقيدة للحرية، وعادة ما تسمى بمراكز التأهيل أو الإصلاحيات، هدفها تأهيل السجين اجتماعيا، ونفسيا، وصحيا، ومهنيا، وفكريا، ودينيا،…، حتى يجد نفسه بعدها مندمجا ضمن سياق اجتماعي وتفكير رسمي، متطلعا إلى الارتقاء بشخصيته إلى مرتبة الإنسان الواعي والمسئول”.
2- مفهوم التأهيل:
إن كلمة التأهيل في العربية تعني في الواقع مساعدة الشخص وخدمته، ويقابلها في اللغة الفرنسية كلمة ( Réhabilitation ) والتي تعني مساعدة الشخص العاجز على التكيف ( Adaptation )، أو العمل على إعادة تكييفه ( Réadaptation ) (صالح شيخ كمر،(د. ت)، ص 205)، وهو يعني بذلك عملية تنشئته وإعداده وفق ما تستدعيه خدمته ليتمكن من استعادة قدراته وقواه التي فقدها.
تختلف النظرة للتأهيل حسب اختصاص كل عالم أو باحث، أو حسب نوعية البحث ومجال تموقعه، وفي هذا نجد أن نظرة علماء النفس لعملية التأهيل على أنه “العملية التي يصل بها الراشدون في المراحل المختلفة من مشاعر العجز والاضطراب الانفعالي والتبعية إلى تحقيق استبصار جديد في ما يتصل بأنفسهم، وإلى اكتساب المهارات اللازمة لحالتهم الجديدة، وإلى أسلوب جديد من السيطرة على انفعالاتهم وبيئتهم” (توماس. ج. كارول، 1964، ص132)، والمقصود من هذا هو العمل على تحرير الشخص من كل ما يعتريه من سمات شخصية سلبية مثل العجز واليأس، وبعث فيه روح التمسك بالحياة من خلال الاستناد على ركائز ودعامات قوية للتصدي لأي عارض سلبي.
أما علماء الاجتماع فينظرون إلى عملية التأهيل على أنها “عملية تستند ما وسعها الاستناد إلى قوة الجماعة ومؤازرة الجماعة، ولكنها تشكل بدقة على مقاس الطابع الفرد للشخصية والمشكلات النوعية الخاصة بكل فرد الذي تجرى له عملية التأهيل”(توماس. ج. كارول، 1964، ص133)، وهذا يشير إلى إمكانية تعدد أوجه عملية التأهيل، وفي نفس الوقت أن يكون التأهيل كلا متكاملا، وكما ينبغي أن يبدأ من مقعد المؤسسة التي يودع فيها الشخص، وبذلك تتنوع الإجراءات التي تقوم عليها التأهيل وتعتمد عليها وفق ما تفرضه مبادئ الخدمة الاجتماعية، لأنها كما يرى –ورنهايم- عملية “تهدف إلى مساعدة الأفراد والجماعات عن طريق الأنشطة الموجهة نحو علاقاتهم الاجتماعية، بما في ذلك التفاعل بين الإنسان والبيئة المحيطة، وتؤدي هذه الأنشطة ثلاث وظائف رئيسية وهي علاج يلحق بالأفراد من أضرار في قدراتهم وتقديم الخدمات الفردية والجماعية والوقاية من الآفات الاجتماعية” (أحمد مصطفى خاطر، ط2، 1995، ص 124)، وهنا تكمن الفائدة الفردية، كما أنها توجد مصلحة اجتماعية، مما يجبر المجتمع على تطبيقها (إجراءات التأهيل) قهرا بصرف النظر عن إرادة الجاني(أحمد مصطفى خاطر، ط2، 1995، ص 133)، مثل هذه العملية تستوجب توفر طاقات كبرى لأنها تلقي بأعباء جسيمة على هيئة الأخصائيين، ذلك أن التأهيل الحقيقي هو “علم وفن مما يتطلب سعة في المعرفة والخبرة، كما يتطلب القدرة على منح الحب الناضج، إنها (عملية التأهيل) تتطلب القدرة على تقديم العون، والقدرة على سحب هذا العون في الوقت المناسب بالطريقة المناسبة، فكل عون ينبغي أن يكون عونا في اتجاه الاعتماد على الذات.
إن برنامج التأهيل الشامل إنما هو نسيج مرهف تتداخل فيه المهارات والاتجاهات لصالح الشخصية الكلية(توماس. ج. كارول، 1964، ص133)، ومن هذا فإن التأهيل قبل أن يكون مهمة مسؤولية إنسانية بالدرجة الأولى من تعديل اتجاهات الأفراد المنحرفين وتهذيب طبائعهم وتهيئتهم للحياة العادية، وتعويدهم على احترام النظام، والامتثال لضوابط المجتمع من قانون وعرف وتقاليد…
يمكن القول أن التأهيل الذي قيل عنه أنه عملية دراسة وتقييم قدرات وإمكانات الفرد العاجز، والعمل على تنمية هذه القدرات لتحقيق أكبر نفع ممكن له في الجوانب الاجتماعية والشخصية والبدنية والاقتصادية (أحمد مصطفى خاطر، 1997، ص 265)، هذا التأهيل لا يمثل غاية، بل هو وسيلة إلى هدف نهائي وهو تحقيق زيادة في القدرات الشخصية إلى أقصى حد ممكن، وتحقيق القوة الجسمانية والمعنوية، حتى يقبل على الحياة ويعيش فيها حياة طبيعة، ويشمل التأهيل أنواعا مختلفة منها الجانب الاجتماعي والنفسي والصحي، والتأهيل المهني والتعليمي، والتهذيب الديني والأخلاقي وحتى الخدمات الترفيهية والترويحية التي يكون توفيرها أمرها ضروريا، ونعني بالتأهيل في دراستنا هذه “مجمل الأساليب المتبعة في مؤسسات إعادة التربية، سواء الخاصة بالمنحرفين الأحداث أو البالغين، والمتضمنة في الإجراءات التربوية والاجتماعية والنفسية والصحية والمهنية والتعليمية والتهذيبية وحتى الترفيهية، التي تقوم على أسس الخدمة الاجتماعية التي يقصد من ورائها إصلاح المحكوم عليه وإعادة إدماجه في المجتمع كفرد سوي”.
اترك تعليقاً