معنى الغش نحو القانون و الانتقادات الموجهة اليه
المطلب الأول ׃ معنى الغش نحو القانون .
الغش نحو القانون هو ذلك الدفع الذي يتمسك به في مواجهة الأشخاص لاستبعاد القانون الأجنبي الذي عمدوا إلى إخضاع تصرفاتهم إليه بخلقهم ظروفا خاصة تسمح بإسنادها إليه بدلا من القانون الوطني الواجب التطبيق أصلا و العمل بأحكام هذا القانون في النهاية .
فمن المحتمل مثلا أن يذهب الأشخاص في سبيل التخلص من أحكام قانونهم الوطني إلى بلد آخر غير بلدهم حيث يقومون بتحرير عقودهم – كالهبة و الزواج مثلا- بحسب الشكل المقرر في قانون هذا البلد نظرا لبساطته إذا قيس بالشكل المعقد الوارد في قانونهم الأصلي و اعتبار الشكل صحيحا وفقا لقاعدة الإسناد الوطنية القائلة بان شكل التصرفات خاضع لبلد تحريره , كذلك من المحتمل أن يحرم القانون الأصلي على الأشخاص حقوقا معينة كحق الطلاق مثلا فيعمد الأشخاص إلى تغيير الظروف كان يتجنسوا بجنسية دولة أجنبية تبيح هذا الحق أو يتوطنوا فيها و يصبحون بذلك متمتعين به طبقا لقانون الجنسية أو الوطن الذي تشير بتطبيقه قاعدة الإسناد الوطنية , ففي هذه الأمثلة و غيرها يستبعد القانون الأجنبي و يظل القانون الوطني محافظا على سلطانه , إذ لا يصح أن يسود الأول على الثاني لان أساسه الغش و من المعلوم أن الغش يفسد كل شيء .
المطلب الثاني ׃ نطاق الغش نحو القانون و آثاره.
هل يمكن التمسك بمبدأ الغش نحو القانون, بفرض توافر شرطيه, في كل الأحوال ؟ أو بالنسبة لحالات معينة فقط ؟ يرى بعض الكتاب قصر هذا المبدأ على المسائل المتعلقة بشكل التصرفات و يرى البعض الآخر قصرها على مسائل الطلاق و الانفصال الجثماني . أما الرأي الراجح فيقضي بشمولها لكافة المسائل و قد اخدت بذلك المحاكم في مختلف الدول فعلا و هو القول الذي يتمشى مع منطق الأمور .
فإذا تبت الغش نحو القانون و كان الأمر مرفوعا إلى المحكمة الوطنية التي تحايل الأفراد على قانونها , فإنها تستبعد القانون الأجنبي و تطبق قانونها هي حتى تستطيع أن تفوت عليهم غرضهم بإبطال النتائج التي قصدوا تحقيقها و فقا للقانون الأجنبي و التي لا يعترف بها قانونها أو يبطلها . و إذن ففي حالة تغيير الجنسية أو الموطن لا تتعرض المحكمة للجنسية الجديدة أو للموطن الجديد و لا تنكرهما, إنما تنكر النتائج التي أريد الحصول عليها من وراء هذا التغيير.
ولكن من يراجع أحكام المحاكم في هذا الصدد يجد أنها لم تكلف نفسها هذا العناء فلم تبحث في النيات و اكتفت بالعناصر الموضوعية المادية المعروضة أمامها و هي عناصر ملموسة يمكن تقديرها بسهولة بعكس العناصر الشخصية التي يصعب الوقوف عليها.
و على هذا فقد يكون إنشاء الحق وفقا لقانون أجنبي يتعارض مع النظام العام في بلد القاضي على حين أن ذات الحق إذا نشا في دولة أجنبية فلن يكون الاحتجاج بآثاره متعارضا مع النظام العام في بلد القاضي. و مثال ذلك إذا أراد زوج في فرنسا الزواج بأخرى فسيعتبر القاضي الفرنسي أن إنشاء هذا الزواج في فرنسا يتعارض مع النظام العام لمخالفته للأسس التي يقوم عليها النظام الاجتماعي للدولة. على حين أن إقدام هذا الزوج على الزواج بأخرى في مصر وفقا للقانون المصري سيترتب عليه إمكان الاحتجاج بآثار هذا الزواج في فرنسا و على هذا فيمكن لزوجته الثانية مطالبته بالنفقة إذا امتنع عن الإنفاق عليها في فرنسا مثلا.
المطلب الثالث ׃ الانتقادات الموجهة إلى فكرة الغش نحو القانون .
تتلخص الانتقادات الموجهة إلى فكرة الغش نحو القانون فيما يلي ׃
*أن الشخص الذي يقيم في بلد أو يتوطن فيه أو يتجنس بجنسيته ثم يجعل تصرفه وفق الشكل المقرر في تشريع هذا البلد أو يقوم بتصرف من التصرفات المباحة في هذا التشريع باعتباره القانون الشخصي مثلا أو قانون موطنه يعتبر عمله صحيحا حتى و لو انتقل أو تجنس أو توطن في هذا البلد لهذا الغرض فقط لأنه إنما يستعمل حقا و من يستعمل حقه لا يضر أحدا .
*انه للتمسك بهذه الفكرة يجب إثبات نية الغش أي إثبات أن الغرض الوحيد الذي دفع الأشخاص إلى سلوكهم هذا المسلك هو الهروب من تطبيق القانون الذي كان يخضع له التصرف أصلا , و لا شك أن اثباث هذه النية – و هي أمر باطني – أمر صعب إن لم يكن مستحيلا , فضلا عن انه من المحتمل أن يكون الطرف الآخر في التصرف حسن النية , فإذا قلنا بإبطال التصرف فإننا نسيء إليه دون سبب كما انه يحتمل أن نسيء إلى الغير حسن النية .
*القول بصعوبة إثبات نية الغش لا يمكن أن يكون سببا لاستبعاد الفكرة إطلاقا فهذه الصعوبة ليست إلا في الشاذ الناذر من الحالات , و فضلا عن ذلك فان مسالة النية و البحث عنها أمر مفروغ منه من القانون الداخلي الجنائي و المدني على حد السواء , ففي المسائل الجنائية نبحث عن النية التي دفعت إلى ارتكاب الجريمة و عين الحال في المسائل المدنية أيضا , فنظرية السبب تقوم أساسا على نيات المتعاقدين فبيع العقار أو شراؤه لمزاولة القمار فيه عملية لا يمكن الادعاء بإبطالها أو بعدم مشروعيتها إذا استندنا على الموضوع ما دام هذا الموضوع محلا للتجارة و إنما تصبح هذه العملية باطلة بفضل نية المشتري حيث يريد أن يستخدم العقار لغرض يحرمه القانون .
و يمكن الاستخلاص مما سبق أن فكرة الغش نحو القانون سليمة في جوهرها و يجب التمسك بها في القانون الدولي الخاص إن توفرت شروطها , فقد عرف القانون الإداري فكرة التعسف في السلطة , حيث يمارس الموظف العمومي سلطاته وفق النصوص الحرفية للقانون و لكن لغرض آخر غير الغرض الذي أعطاه القانون من اجله هذه السلطات . و نفس الأمر في القانون الدولي الخاص فقد اعترف للإفراد أيضا ببعض السلطات فلهم حق تغيير الجنسية و استغلال الموطن…لا بقصد الحصول على نتيجة ما كانوا يستطيعون الحصول عليها لو ظلوا على جنسيتهم الأولى أو في موطنهم القديم , و من تم فكما أن تصرف الموظف العمومي يعتبر غير مشروع في عرف القانون الإداري فكذلك يجب أن يكون الأمر بالنسبة لتصرفات الأفراد في ميدان القانون الخاص الدولي
منقول –
اترك تعليقاً