الالتزام بالسر المهني في القانونين المغربي والمقارن
إن كتمان أسـرار الغير, واجب خلقـي تقتضيـه مبـادئ الشـرف والأمانة، لأن في إذاعتهـا مساسـا بكـرامة الأشخـاص واعتبارهم، لذا نجـد الشـريعة الإسـلامية قد تنـاولت هذا الموضوع قبل أن ينص عليه في القـانون الوضعـي (1).
وقد سادت هذه القاعدة في التشريعات الوضعية منذ القدم (2)، وكان أول من التزم بها رجال الدين بالنسبة إلى السر الذي اؤتمنوا عليه والخاص باعتراف المذنب لهم، ثم امتدت تدريجيا حتى شملت المحامين والأطباء وغيرهم من الطوائف الأخرى. وعندما تطورت وظيفة الدولة وتزايـدت واجبات موظفيها، وجـدت قاعدة كتمان أسرار المهنة تطبيقات أخرى لها في أعمـال السلطـات المختلفـة في نطاق القضايا والتحقيقات والتوثيق والضرائب وأعمال الصرف وغيرها (3).
ويرى البعض أن الالتـزام بأداء الشهـادة مبدأ مطلق لا ينطوي على أية استثنـاءات، لأن المصلحة العليـا للعدالة تفوق أي اعتبـار ولا تسمح لأي شخص أن يمتنع عن أداء الشهـادة (4)
وفي مقابل هذا الرأي، يـرى البعض أن الإجبار على إفشاء وقائع تمس شـرف الغير في بعض الأحيـان، وقد تتـرتب عليه أضـرار كبيرة، إذ تـوجد التـزامات أخـلاقية وأدبيـة لا يعـوضهـا شـيء آخر، فهناك من الأسرار ما يـرجع إلى العقيـدة الدينيـة، وفي إجبار المودع لديه بإفشاء هذه الأسرار اعتداء على حـريـة عقيدته، ومن الأسرار ما يترتب على إفشائه ضرر كبير بمصلحة الدولة، وأخيرا هناك الأسرار المهنية التي جعل المشرع لها منزلة خاصة، ربما تتجافى مع مصلحة العدالة من حيث النتائج، لكنها على أية حال ضرورة ملحة لأنها تتعلق بما يمس شرف الغير أو اعتباره، وفي تشريع الإفضاء بها – مراعاة للعدالة – مساس لقيم اجتماعية، وفي نفس الوقت إخلال بقيم مهنية (5).
ثم إن هناك الأسرار العائلية التي قد يترتب من إجبـار الشخص على الإفضـاء بها تمـزيق للروابـط العـائلية. والملاحظ أن جميع التشريعات لم تعط تعريفا للسر (6)، حيث يجب الرجوع في ذلك أولا إلى العرف وإلى ظروف كل واقعة على انفراد (7).
فالمسألة تختلف باختلاف الظروف، فما يعتبر سرا بالنسبة لبعض الأشخاص قد لا يعتبر كذلك بالنسبة للبعض الآخر، وما يعتبر سرا في ظروف معينة قد لا يعتبر كذلك في ظروف أخرى (8).
ويرى البعض أن السر قد يكون مشرفا وليس مشينا لمن يريد كتمانه، لكن يترتب على البوح به أن يلحق ضررا بشخص أو بعائلة، إما لطبيعة السر أو لطبيعة الوقائع أو الظروف التي أحاطت بالموضـوع (9).
ولا يعاقب القـانون على تـأدية الشهـادة بإفشاء السر إلا إذا كان المودع لديه قد توصل إلى هذا السر بمقتضى صناعته أو وظيفته أو مهنته.
ويرى البعض أنه يجب أن يكون كل فرد أميـنا بسبب أنه قد تلقى السر بحكم الضرورة وبسبب صناعته أو وظيفته (10)، في حين يـرى فريق ثان أنه يعـد أمينا على السر كل من يقتضي عمله ائتمانـه على سر من الأسرار، إما بحكم الضرورة أو بحكم ممارسة مهنتـه أو صناعتـه (11).
ومن هنا، فإن الشهادة عن طريق إفشاء السر، لا يكون معاقبا عليها أو محرمة بل يجب على الشـاهد تأديتهـا وإلا تعـرض للعقـاب في حالتيـن:
1- إذا أدى الشهادة شخص ليس من الملزمين بكتمان السر، وتلقى هذا السر من صـاحبه بطوعـه واختيـاره.
2- إذا أدى المؤتمن على السر الشهـادة بالنسبـة للأسرار التي لا تدخل في تلك الصناعة أو المهنـة أو الوظيفـة.
ويترتب على إفشاء السـر بالشهادة في غير الأحوال التي يجيزها القانون جزاءات بعضها جنـائي والآخر مـدني (12). وقد حـدد المشـرع المغربي من خلال الفصل 446 من القانون الجنائي السابق ذكره الأشخاص الملزمين بكتمـان الأسرار وهم الأطبـاء والجراحـون وملاحظو الصحة، وكذلك الصيادلة والمولـدات وكل شخص يعتبر من الأمنـاء على الأسرار بحكم مهنتـه أو وظيفتـه (13).
والملاحظ أن التحديد المشار إليه في الفصل 446 من القـانون الجنـائي بخصوص بعض الطوائف الملزمة بكتمان السر هو تحديد وارد على سبيل المثال لا الحصر، بدليل أن المشرع بعد أن ذكر الأطبـاء والجراحين وملاحظي الصحة والصيادلة والمولدات، أخضع لحكمهم أي “شخص يعتبر من الأمنـاء على الأسـرار بحكم مهنته أو وظيفته الدائمة أو المـؤقتة” (14). ولهذا يخضع لحكم الفصل 446 المذكور طائفة المحامين (15) وكذا الموظفون العموميون (16) وجميع الفئـات التي تتمتع بهذا الحق.
وغرض المشرع من الفصل 446 المذكـور، لم يكن هو مجرد العقاب على إفشـاء الأسـرار، وإنما كان الهـدف منه هو معاقبة الأشخاص الذين يفشون الأسرار الخاصة بالمهنـة أو الوظيفة فقط، والذين تقتضي أعمالهم الإطلاع على أسـرار الأفراد بحكم الضرورة أو بحكم عملهم (17).
وقد وضع بعض الفقه شروطا معينة للتمتع بحالة الإعفاء من الشهادة هي:
1- أن تكون محل الشهادة وقائع معروفة في ممارسة بعض الوظائف أو المهن.
2- أن يكون من طبيعـة هذه الوظائف أو المهن الالتـزام بسر المهنة.
3- أن يكون معترفا قـانونا بهذه الوظـائف أو المهن (18).
وسنقتصر في دراستنا للأشخاص الملزمين بكتمان السر على الأطباء والمحامين، ثم الموظفين بمناسبة مباشرة مهنتهم ووظائفهم مع بيان حالات الإعفاء من الشهادة، ثم نتحـدث عن أشخاص تكون صلة القـربى أو الزوجية سببـا في منعهم أو إعفـائهم من أداء الشهادة لاعتبـارات إنسـانيـة.
الأشخاص الملزمون بكتمان السر بسبب وظائفهم أو مهنهم
1- الأطبـاء
يعتبر الطبيب من الأشخاص الذين استثنـاهم الفصل 446 من القـانون الجنائي ومنحهم الحق بأن لا يذيعـوا أسـرار زبائنهم. ويذهب مـأمون الكـزبري في هذا الباب إلى أن ” الحكمـة من كتمـان سـر المهنة في الطـب هي ستر عيـوب المريض التي قد تكون ناشئة عن ارتكاب الخطايا والتي لابـد للطبيب من أن يطلع عليها، فالمريض بلجؤه المرض إلى الطبيب وتقتضيه الضرورة التي ألجـأته أن يبـوح له بسـر نفسـه، فلا يجـوز للطبيب أن يستغـل هذه الضـرورة ويفشـي هذه الأسـرار التي ائتمـن عليها، وإنما يجب عليه أن يـرعاهـا” (19). ونظرا لأن سـر المهنة الطبية من أكثر الموضوعات التي شغلت الفقـه والقضاء المقارن، فإننا سوف نتنـاول التطور الفقهـي والتشـريعي للموضوع في كل من فرنسـا ومصـر على أن نختم بالموقـف في المغـرب.
*
أ- موقف الفقه والقضاء في فـرنسـا
اختلـف الفقـه في فـرنسـا حـول أحقيـة الطبيب في الامتنـاع عن أداء الشهـادة إذا تعـلق الأمـر بسـر مهنـي. فالبعض يـرى أن أداء الشهـادة واجب على الطبيب ولو تعـلق الأمـر بسـر من أسـراره المهنيـة لأن الالتـزام بالشهـادة واجب ولا يجـوز إعفـاء أحـد منه (20)، في حين يذهب آخـرون إلى أن الخيـار بيـد الطبيب، فلـه إفشـاء السـر أو كتمانه، كما يمكن له أن يجيب أو يمتـنع عن الإجـابة عن أي سـؤال موجـه له من طـرف المحكمـة بهذا الخصوص(21)، على أنه ليس من حق الطبيب أن يمتنع عن الامتثـال أمـام المحكمة متـدرعا بالسـر المهنـي (22).
أما الفـريق الثـالث فيحصـر حق الطبيب في الامتنـاع عن أداء الشهـادة على المسـائل الجنـائية فقط، حيث يـؤدي سكـوته إلى نتـائج وخيمـة كبراءة متهم أو إدانـة بـرئ. ومن هذا البـاب تجب التضحيـة بالمصلحـة الخـاصة إذا تعـارضت مع المصلحـة العـامة على أن العكس يتبـع بالنسبة للمسائل المدنية لأن الصـالح العام لا يهتم بذلك، ويجب تغليـب مصلحة الطبيب واحتـرامه لمهنتـه وامتناعـه عن الإجـابة (23).
أما على مستوى القضـاء الفـرنسي، فالاتجـاه الذي كان سـائدا هو إعفاء الطبيب من الشهـادة، وأحقيـته في الامتناع عن أدائهـا ولا يعـاقب إذا أداها أمام القضـاء (24). أما الاتجاه الذي سار عليه القضـاء في فـرنسا في الوقـت الراهـن، فهو أحقيـة الطبيب في الامتناع عن الشهادة، إذا كـان يبـيح بهـا سـرا مـن أسراره المهنيـة وإلا تعـرض للعقـاب (25). فالإعفـاء من الشهـادة يشكـل قـاعدة من النظـام العـام لا يمكن الاتفـاق على مخـالفتها (26)، على أن الأمـر يختـلف إذا تعـلق الأمـر بشهـادة الطبيب أمـام المحكمـة بمناسبة إنجـازه لتقـرير طبـي كلف به إما من طـرفها، أو بصفـة شخصية ففي هذه الحالة لا يحـق للطـبيب أن يمتنـع عن قـول الحقيقة والإدلاء بكل ما من شـأنه إفـادة المحكمة (27).
ولا يحق في جميع الأحـوال معـاقبة الطبيب على إجـابته عن أسئلـة المحكمـة بما يعتبر سـرا من أسـرار المهنـة لأنه لا يكون قد غلب الواجب الأهم على الواجب الأقل أهميـة، لأن القاضي يمثل القـانون والعدالـة (28).
والطبيب هنا ضحـى في سبيـل الصـالح العـام بالمصلحـة الفـردية ويستـند في ذلك إلى نص المـادة 64 من القانون الجنـائي التي تقـرر أنه لا جريمـة إذا اضطـر الفـاعل إلى ارتكـابها تحت تـأثير قـوة لم يستطع مقـاومتها (29).
*
ب – الموقـف في مصـر
يجمع الفقه في مصر على أن الامتنـاع عن الشهـادة يكون حقا لرب المهنة وواجبا عليه في الوقت ذاته، ويظـل هذا الحق وهذا الواجب قائمين مهما طال الزمن، ولو بعد انتهاء العلاقة بين رب المهنة أو صاحب الصنعة وعميلـه (30). ويقوم المشـرع المصـري من خلال المادة 66 من قانون الإثبـات بحماية أرباب المهن وعلى رأسهم الطبيب الذي تعفيـه المـادة المذكـورة من الإدلاء بالشهـادة أمام القضـاء إذا تعلقت بسـر المهنـة.
إلا أنه وفي حـالات خـاصة، أشارت إليها المادة 66 من قـانون الإثبـات (31) يصبح الطبيب معفـى من أداء الشهـادة وليس ممنـوعا منها، وهذه الحـالات هي حالة التـرخيص بإفشـاء السـر أو كـون ما بلـغ إليه كان مقصودا به ارتكاب جنـاية أو جنحـة.
والملاحظ أن صاحب السر وحده هو الذي يجـوز له أن يحـل رب المهنة من هذا الواجب. أما إذا تعدد الأشخاص الذين أسروا إلى رب المهنة بالواقعـة التي يراد استشهـاده عليهـا، تعين أن يكـون إعفـاؤه من واجـب الكتمان والترخيـص بالإفشـاء بمـوافقتهم جميعـا (32). والمحكمـة في الحـالتين معا لا تملـك من تلقـاء نفسهـا أن تحـل رب المهنـة من واجب الكتمـان، لأنها إن فعـلت كانت الشهـادة باطلـة وبطـل تبعـا لها كل ما أنبنى عليها (33).
وقد ذهب القضـاء المصـري في الاتجـاه السـائد تشـريعا وفقهـا، حيث قـرر في العـديد من قـراراته إعفـاء الطبيب من الإدلاء بشهـادته إذا تعلق الأمر بسـر مهنـي إلا إذا رخـص له صـاحب السـر بالإفشاء، فإن امتنـع بعد الترخيـص حـق عليه عقـاب الممـتنع عن الشهـادة (34).
*
ج – الـمـوقـف في المـغـرب
يعتبر الالتزام بالمحافظة على السـر المهنـي من أهـم القواعد الأساسية التي يتوقف عليها عمل الطبيب (35) وهذا المـبدأ تم ترسيخـه من خلال الفصل الرابع من قـانون السلـوك الطـبي المغـربي (36) الذي جـاء فيه ما يلي:
“يلـزم الطبيب بالكتمان المطلـق لكل ما يصل إلى علمـه أو يتوصل إليه خـلال مزاولتـه لمهمتـه نظرا للثقـة التي يضعهـا فيه المـريض “.
وسعيا وراء تدعيـم قـاعدة الالتـزام بالمحـافظة على السر المهنـي، أكدت منظمـة أطبـاء المغـرب في اجتمـاعها العـام المنعقـد بتاريخ 23 يناير 1972 بالربـاط أن:
” المحافظة على مهنة الطب كمهنة حرة، تقتضي بالضرورة المحافظة على المبادئ التقليدية لأخلاق المهنة والمعلن عنها في قانون السلوك الطـبي… ” (37).
وقد فـرض المشـرع الجنـائي من خـلال الفصل 446 من القـانون الجنائي التزاما بالمحافظة على السر المهني للطبيب، وفي نفس الوقت فرض المشرع على الطبيب التـزاما آخر يتعـلق بالتبـليغ (38).
ويرى البعض ” أنه إذا فرض القانون التزاما بالتبليغ على الأمين على الأسرار كان لهذا الالتزام الأولوية على الالتزام بالمحافظة على السر، أما إذا كان الأمين على السر يملك مجرد الحق في التبليغ فإن هذا الأمر متروك لمحض اختياره وتقديره، فإذا ما قام بالتبليغ فإنه يكون قد استعمل حقا مقررا وتمتع بالإباحة ” (39).
*
وهذا ما رسخه المشرع الجنائي في الفصل 446 المذكور بقوله:
” غير أن هؤلاء الأشخاص لا يعاقبون بالعقوبات المقررة في الفقرة السابقة إذا بلغوا عن إجهاض علموا به بسبب مهنتهم أو وظيفتهم، وإن كانوا غير ملزمين بهذا التبليغ، وإذا ما استدعوا للشهادة أمام القضـاء في قضيـة إجهـاض، فإنهم أحرار في الإدلاء بشهادتهم أو عدم الإدلاء بها، دون أن يتعرضوا لأية عقـوبة “.
أما على المستوى القضائي، فقد لاحظ بعض الباحثين أن المحاكم المغربية كانت تتساهل كثيرا مع الطبيب في قضايا المسؤولية، إذ نادرا ما تجعله مسئولا عن أخطاء فادحة، وحتى في حالة ثبوت المسؤولية ضد الطبيب، لاحظ أن المحاكم كانت في غالب أحكامها لا تتشدد في رفع التعويضات إلى القدر المناسب مما عد لديه تعاطفا غير مبرر مع فئة الأطباء (40).
ويؤكد هذا التوجه ما ذهبت إليه المحكمة الابتـدائية بالبيضـاء:
” ليس هناك إفشاء للسر المهني مادام أن الشهادة التي تثبت كون الزبونة مصابة بمرض تناسلي قد سلمت لها بناء على طلبها، بل لا يمكن القول بمسؤولية الطبيب نتيجة إخلاله بالالتزام بالمحافظة على السر المهني مادام المريض قد طلب ذلك، اللهم إلا إذا ثبت في حقه تواطؤ تدليسي أو أي خطأ جسيم” (41).
*
وفي قضيـة أخـرى، تثبت فيها مسـؤولية الطبيب، رأى القـاضي أن المبالغ المطالب بها جـد مغـالى فيها حيث أكـد في حكمـه على ما يلـي: ” إذ التعويض المطلوب (300 ألف درهم) يتسم بالمبالغة وحيث إن المحكمة تتوفر على العناصر الكافية لتقدير التعـويض المنـاسب مراعيـة ما سيلحقـه من أضـرار مـادية ومعنـوية ….. ويتحـدد التعـويض الذي يستحقه الضحية بصفـة إجمـالية في مبلـغ 132 ألـف درهـم” (42).
وعلى العموم، فإن القضاء المغربي في تطبيقه للقواعد القانونية على قضايا المسؤولية الطبية ظل تابعا للقانون الفرنسي بصفة عامة، فعلى أساس اجتهاد قضاته وتفسير فقهائه اعتمد القاضي المغربي للبت في القضايا التي عرضت عليه (43).
*
2- المحـامـون
يدخـل المحـامي ضمن الأشخـاص الذين يعتبـرون من الأمنـاء على الأسـرار(44)، والذين بحكم مهنتهـم لا يجوز لهم إفشـاء سـر من الأسـرار المودعـة لديهم من طرف موكليـهم، وإلا تعـرضوا للعقـاب المنصـوص عليه في الفصل 446 من القـانون الجنـائي السـابق ذكـره.
والحقيقة أن مضمون الفصل 446 يشكل قاعدة عامة يلجـأ إليها في حالة عـدم وجود نص خـاص ينظم المسألة، والحال أن المشرع المغـربي نظم السر المهنـي بالنسبـة إلى المحامين منذ فجر الاستقـلال وبالضبط سنـة 1959.
وقد اهتم المشرع المغربي من خلال الظهـائر المتعاقبـة التي نظمت مهنـة المحاماة (45) بالسر المهني باعتبار “أن أسرار الدفاع هي من الأمور المقدسة الواجبة الاحترام، وهي تستند على قاعدتين راسختين هما حق المتهم الطبي في الدفاع عن نفسه والمصلحة الاجتماعية في تمكين كل شخص من الدفاع عن نفسه في طمأنينة وهدوء.
وهذا يعني أن المحامي حينما يتولى الدفاع عن إنسان لا يدافع عن هذا الإنسان كمجرد عميل أو وكيل، وإنما يدافع عن الشريعة ويحمي قواعد العدالة” (46).
*
وقد اعتـبر المشـرع المغربي التشبث بالسر المهني من بين أهم واجبات المحامي (47)، إذ نص من خـلال المادة 36 من قـانون المحـاماة الجـديد الصادر بظهيـر 10 سبتمبر 1993 (47) على مـا يلـي:
” لا يجوز للمحامي أن يفشي أي شيء يمس بالسـر المهنـي في أي قضية. يتعيـن عليه بصفـة خـاصة أن يحتـرم سـرية التحقيق في القضـايا الجنائية، وأن لا يبلغ أيـة معلـومات مستخـرجة مـن الملفـات أو ينشـر أي مستندات أو وثـائق أو مـراسلات لها عـلاقة ببحث مـازال جـاريا”.
وفي حالة خرق أحد المحامين لمقتضيـات هذه المـادة، فإنه يتعـرض للعقـوبات التأديبيـة النصوص عليها في المـادة 60 من نفـس الظهيـر (48). وقد أعطى المشـرع المغربي عنـاية كبيرة للسـر المهنـي عند المحـامي حينما ضمن له الحمـاية اللازمة حالة إجراء تفتيش في مكتبـه.
نصت الفقرة الثانية من المادة 103 من قانون المسطرة الجنائية الجديد على ما يلي: “يجب في حالة إجراء التفتيـش في أماكن يشغلها شخص يلزمه القـانون بكتمـان السر المهني، أن تتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان احتـرام ذلك السـر”.
وقد سبق لقانون المسطرة الجنائية القديم أن أورد في الفقـرة الأخيرة من الفصل 104 ما نصـه:
“غير أنه يجب عليه -أي قـاضي التحقيق – في حالة إجـراء التفتيش في الأماكن التي يشغلهـا شخص يلزمه القـانون كتمـان السـر المهنـي أن يتخذ جميع التدابير اللازمـة لضمان احتـرام ذلك السـر”. هذا على المستـوى التشـريعي، أما على المستوى القضـائي فنجـد القليل من القـرارات التي تطـرقت للموضـوع (49). ففي قـرار لمحكمـة الاستئنـاف بالبيضـاء صـادر بتاريخ 17 يناير 1975 موضـوع الملف عـدد 3121 اعتبـر فيه:
” أن واجبات المحامي تقتضي أن يقوم بالإطلاع شخصيـا على الوثـائق والمستندات التي يضمها الملف على أن علمه يفـرض عليه الإطلاع على الحجج المدلي بها في الجلسات وتحضير الجواب عنها في الحال دون توقفـه في ذلك على غيره ليساعده، وعلى أن المحـامي الضـرير عندما يساعده الغير على معرفة محتوى المستنـدات يكون مخـلا بما يلزم من المحافظة على السـر المهنـي “.
لكن بعد رفع القضية إلى المجـلس الأعلى قضـى في قـرار له بتاريخ 6 فبراير 1981 بما يلـي:
” ليس هناك أي نص قـانوني يفـرض على المحـامي الاطـلاع شخصيـا على وثـائق الملف أو يمنـع عليه الالتجـاء إلى غيره ليساعده في الجـلسات وأن الإخلال بسـر المهنـة لا يعـاقب عليه القـانون إلا بعد ثبـوت ارتكـابه” (50). وبالتـالي تم نقـض القـرار المطعـون فيه.
*
ونعتقد أن ما ذهب إليه المجلس الأعلى هو عين الصواب، لا سيما متى علمنا أن إطلاع هذا الغير يبقى مسموحا به في إطار ما ينظمه الفصل 25 من ظهير 10 سبتمبر 1993 الذي يتحدث عن مساعد المحامي، هذه الصفة بطبيعة الحال تسمح لصاحبها بالإطلاع على وثائق ومستندات الملفات وهو ما لا يدخل في خانة إفشاء السر المهني (51).
وفي حكم صادر عن ابتدائية سوق أربعاء الغرب بتاريخ 6 فبراير 1986 (52)، تضمن عدم مشـروعية الإنـذار الذي يوجهه مفتـش الضرائب إلى المحـامين في إطار البنـد 12 من الفصول 4 و36 و37 و39 و50 من القانون عدد 30/85 المتعلق بالضريبة على القيمـة المضافة من أجـل الإطلاع على وثائق وسجلات مكتبه، والتحـقق من صحـة إقراراته عن رقم معاملاته خلال سنوات سابقة، وذلك لخرق الفصل 61 من القـانون المنظـم للمهنـة (53).
*
3- المـوظفـون
يعتبر الموظفون العموميون بوجه عام على رأس الطـوائف المقيـدة بكتمان السر المهنـي وذلك بالنسبـة لما يؤتمنـون عليه من أسـرار بحكم وظائفهم.
ينص الفصل 18من النظـام الأسـاسي العام للوظيفة العمومية على أنه:
” بقطع النظر عن القواعد المقررة في القانون الجنائي فيما يخص السر المهني فإن كل موظف يكون ملـزما بكتم سـر المهنـة في كل ما يخص الأعمـال والأخبـار التي يعلمهـا أثنـاء تأديـة مهـامه أو بمنـاسبة مزاولتهـا. ويمنع كذلك منعـا كليا اختـلاس أوراق المصلحـة ومستنـداتها أو تبليغها للغير بصفة مخالفة للنظـام.
وفيما عـدا الأحـوال المنصـوص عليها في القواعد الجاري بها العمـل فإن سلطـة الوزيـر الذي ينتـمي إليه الموظـف يمكنها وحدها أن تحـرر هذا الموظف من لـزوم كتمـان السـر أو يرفع عنه المنـع المقـرر أعـلاه ” (54).
فإذا استـدعي الموظف المنصوص عليه في الفصل السابق لأداء الشهادة عن معلومات لم تكن السلطة المختصـة قد أمرت بنشرها أو بإذاعتها، فليس عليه إلا أن يلبي نـداء القضـاء في الحضـور، وله الحـق أن يبـدي وجهـة نظـره بعد أداء اليمين القـانونية، ثم يمتنع عن الإجـابة، ويمكن للمحكمة أو للخصوم أن يطلبوا من الجهة التـابع لها الشـاهد الإذن له بأداء الشهادة (55).
*
مراجع
(1) لقد أصـل المجمع الفقهي الإسـلامي مفهـوم السـر في الإسـلام مختصـرا بقوله : ” السر أمانة لدى من استودع حفظه، التزاما بما جاءت به الشريعة الإسلامية، وهو ما تقضي به المروءة وآداب التعامل”.
– المؤتمـر الثـامن للمجمع الفقهي الإسـلامي، برونـاي دار السـلام، من 21-27 يونيو1993.
* إن واجب المحـافظـة على سـر المهنـة بـدأ واجبـا أخـلاقيـا نـابعـا من تقـاليد المهنـة في جميع النظـم القـانونية ومن ثم نفـذ إلى أكثر التشـريعات لأهميتـه.
– كمال أبو العيد ” سر المهنة”بحث قدم إلى المؤتمر الثاني عشر لاتحاد المحامين العـرب، بغـداد 1974، ص 5.
(2) يجد مبدأ الالتـزام بالسر المهني أصـله التاريخـي من حيث التقنيـن في قسـم ” أبـي قـراط ” الذي جاء فيه:
” أقسم بـأبولوApollon وأسكـلابيـوس Asklépis وهيجيـا Hygeia وفي ممارستي لعملي فإن كل ما أراه أو أسمعه في حياة الناس مما لا تصح إذاعتـه في الخارج فلـن أفشيـه باعتبار أن كل ذلك يجب أن يظل سرا مكتوما”.
ولم تبـدأ أهميـة كتمان السـر مع التشـريعات الحديثـة، و إنما استمـد جـذوره منذ القـدم حيث ظهـر في جـل التشريعـات القديمـة بـدءا من القبـائل و الطـوائف التي كـانت تمثـل عنـاصر الدولـة في القـديم مـرورا بالقدمـاء المصـريين، ثم عـرفه الرومـان بتطبيقهـم له بمنـاسبة ممـارسة بعض المهـن التي يتلقـى ممـارسوهـا أسـرارا خـاصة. و من بعـد عـرفه القـانون الفـرنسي القديـم وإن لم يقـرر عقـوبة تطبـق عند الإخلال به.
– FAU . Le secret Professionnel et l’avocat , thèse Toulouse , 1912 . P . 10 .
« Les exigences du secret professionnel étaient naguère assimilées à une ( Loi
religieuse ) qui faisait de l’avocat une sorte de confesseur ».
-Yves Avril « La responsabilité de l\’avocat » Ed. DALLOZ , Paris , 1981 –
Supra 135 et s .P.100.
-SACKER (A) « Du secret professionel du banquier » Paris ,librairie générale de
droit et dejurisprudence,1933 – Page . 32.
(3) عبد الرحيـم صـدقي ” الأسـرار المهنيـة في القـانون الجنـائي ” مقـال منشـور بمجلـة المحاكم المغـربية، عـدد 43، مـاي و يـونيو 1986، ص 9 ومـا بعـدهـا.
-LE GRAVEREND ( j.m ) –Traité de la législation criminelle en france – Paris
(4)
charles – buket , 3 éme ED – Tome 1, 1830 – Page 261.
-DAVID (andré) « Témoignage devant la justice répréssive » ,Paris , Rousseau,1902 Pages 46 ets.
(5) عرف المجمع الفقهي الإسلامي السر بأنه :
” أ- هو ما يفضي به الإنسان إلى آخر مستكتما إياه من قبل أومن بعد ويشمل ما حفت به قرائن دالة على طلب الكتمان إذا كان العرف يقضي بكتمانه، كما يشمل خصوصيات الإنسان وعيوبه التي يكره أن يطلع عليها الناس.
ب-هو أمانة لدى من استودع حفظه، التزاما بما جاءت به الشريعة الإسلامية وهو ما تقضي به المروءة وآداب التعامل.
ج-الأصل حظر إفشـاء السر، وإفشاؤه بدون مقتضى معتبر موجب للمؤاخـذة شرعا “.
– قرار رقم 83/10/د8 ، المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن، بروناي، دار السلام، من 21 /27يونيو1993.
(6) محمد أوغـريس ” مسـؤوليـة الطبيـب في التشـريع الجنـائي ” سلسلـة الدراسـات القـانونية، الطبعـة الثـانية، 2002، دار القـرويين بالـدار البيضـاء، ص 107 وما بعدها.
– محمد عبد الظاهر حسين ” المسؤولية المدنية للمحامي اتجاه العميل “دار النهضة العربية،القاهرة 1966، ص 122.
– أحمد أمين” شرح قانون العقوبات الأهلي ” القسم الخاص، مطبعة دار الكتب المصرية، الطبعة 1924، ص 595.
(7) محمـود مصطفـى ” مـدى المسـؤولية الجنـائية للطبيب إذا أفشـى سـرا من أسـرار مهنتـه ” مقـالة منشـورة بمجلـة القـانون والاقتصـاد المصـرية – السنـة 11، العدد الأول، السنة 1941, ص 659.
(8)
GARCON(Emil « Code pénal annoté »Paris, sirey, Tome2 ,1956-N° 30 –Page 520.
(9) أحمـد أميـن، مـرجع سـابق، ص 596 .
(10)
Garraud® « Traité théorique et pratique de droit pénal Français »Paris ,sirey, 1901 – Tome 5 – N° 2066 – Page 350.
(11) فيما يتعلق بالجزاءات الجنائية، فإن المشرع المغربي حدد العقـوبات التي تتـرتب عن إفشـاء بعض الأشخاص للسر عن طريق الشهادة، وذلك بمقتضى الفصل 446 من القانون الجنائي الذي ورد في فقـرته الأولى ما يلي: ” الأطباء والجراحون وملاحظو الصحة، وكذلك الصيادلة والمولدات وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى سرا أودع لديه، وذلك في غير الأحـوال التي يجيـز لـه فيها القـانون أو يـوجب عليه فيها التبليـغ عنـه، يعـاقب بالحبـس من شهـر إلى ستـة أشهـر وغـرامة مـائة وعشـرين إلى ألـف درهـم “. في حيـن حـدد المشـرع المصـري في المـادة 310 عقـوبات الجـزاء في الحبـس لمـدة لا تـزيد علـى ستـة أشهـر أو بغـرامة لا تتجـاوز خمسيـن جنيهـا.
أمـا المشـرع الفـرنسي فحـدد العقـوبة في الفصـل 378 عقـوبات التي يستحقهـا المؤتمنـون على الأسـرار حـالة إفشـائهم لهـا في غيـر الأحـوال المـرخص بها قـانونـا بالحبـس من شهـر إلى ستـة أشهـر وبغـرامة من 500 إلى 3000 فرنـك، مع العلـم أن الغـرامة كانت محـددة من 100 إلى 500 فرنك وزيـدت بالمـادة 7 من قـانون 29 دجنبـر 1956 لتصبح على شكلهـا الحـالي.
أما الجـزاءات المـدنية، فإن إفشـاء كل واقعـة للسـرية يستتـبع التـزاما بتعـويض الضـرر الذي أحـدثه طبقـا للفصـل 77 من قـانون الالتـزامات والعقـود الذي جـاء فيـه بـأن: ” كل فعـل ارتكبـه الإنسـان عن بينة واختيـار ، ومن غير أن يسمـح له به القـانون ، فأحـدث ضـررا ماديا أو معنويا للغير ، ألـزم مرتكبه هذا الضـرر ، إذا ثبت أن ذلك الفعـل هو السبب المباشر في حصول الضـرر. وكل شـرط مخـالف لذلك يكون عـديم الأثـر”.
وكذلك بالنسبـة للمشـرع المصـري الذي حـدد الأسـاس القـانوني فيما يتعـلق بالمسـؤولية المتـرتبة عن إفشـاء السـر في المـادة 163 من القـانون المـدني التي تنـص على أن: ” كل خطـأ سـبب ضـررا للغير يلـزم من ارتكبـه بالتعـويض “.
حـول الأسـاس القـانوني لإفشـاء السـر، انظـر:
– محـمد عبد الظـاهر حسيـن ” المسـؤولية المـدنية “مـرجع سـابق، ص 134 وما بعدهـا.
– حمدي علـي عمـر ” المسـؤولية دون خطـأ للمـرافق الطبية العـامة ” دار النهضة العـربية، القاهرة، 1995.
* أما الأسـاس القـانوني المعتمـد في القـانون الفـرنسي فيتمثـل في المـادتين 1382 و 1383 من القانون المـدني”
وتنص المـادة 1382 على مـا يلـي :
« Tout fait quelconque de l’homme , qui cause à autrui en dommage , oblige celui , par la faute duquel il est arrivé à le réparer ».
أمـا المـادة 1383، فقـد جـاء فيهـا ما نصـه :
« Chacun est responsable du dommage qu”il a causé non seulement par son fait , mais encore par sa négligence ou par son imprudence »
حـول أسـاس الالتـزام بالسـر في التشـريع الفـرنسي، انظـر :
-Plamenta Louis « Le secret professionnel de l ‘avocat » Ed . Pedon – Paris , 1937 ) P. 32 et s.
-Capitant « Cours de droit civil Français »Ed. Paris – Tome 18 éme ,n° 9 bis.
(12)أما بخصـوص النصـوص المقـابلة في القـانون المقـارن، فنلاحـظ أن المشـرع المصـري من خـلال المـادة 310 عقـوبات قد أحـال على مقتضيـات المـادتين 65 و 66 من قـانون الإثبـات بعد إلغـاء المـواد من 202 إلى 205 من قـانون المرافعـات .
نص المشـرع في المـادة 310 من قـانون العقـوبات المصـري على أن: ” كل من الأطبـاء و الجـراحين أو الصيـادلة أو القـوابل أو غيرهم مودعـا إليه بمقتضـى صنـاعته أو وظيفتـه سـر خصـوصي ائتمـن عليه فأفشـاه في غير الأحـوال التي يلـزمه القـانون فيها تبليـغ ذلك، يعـاقب بالحبـس مـدة لا تـزيد على ستـة أشهـر أو بغـرامة لا تتجـاوز خمسمـائة جنيـه مصـري. ولا تسـري أحكـام هذه المـادة إلا في الأحـوال التي لم يـرخص فيها قـانونا بإفشـاء أمـور معينـة كالمقـرر في المـواد 202، 203، 204 و205 من قـانون المـرافعـات المـدنيـة و التجـاريـة “.
هذا وقد جـاء في المـادة 65 إثبـات ما نصه: ” الموظفـون والمكلفـون بخـدمة عـامة لا يشهـدون ولو بعد تـركهم العمـل عما يكون قد وصـل إلى علمهم في أثناء قيـامهم به من معلـومات لم تنشـر بالطـريق القـانوني، ولم تـأذن السلطة المختصـة في إذاعتها، ومع ذلك فلهذه السلطة أن تأذن لهم في الشهـادة بنـاء على طـلب المحكمـة أو أحـد الخصـوم”.
أما المـادة 66 إثبـات فتنـص على أنـه : ” لا يجـوز لمن علـم من المحـامين أو الوكـلاء أو الأطبـاء أو غيرهم من طـريق مهنتـه أو صنعتـه بواقعـة أو بمعلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمتـه أو زوال صفته، ما لم يكـن ذكرها مقصـودا به ارتكـاب جناية أو جنحة. ومع ذلك يجب على الأشخاص المذكـورين أن يؤدوا الشهـادة على تلك الواقعـة أو المعلومات متى طلب منهم ذلك من أسـرها إليهم، على أن لا يخـل ذلك بأحكـام القـوانيـن الخـاصة بهـم”.
أما المشـرع الفـرنسي فقـد نـص في المـادة 378 من القـانون الجنـائي على أن :
« Les médecins chirurgiens et autres officiers de la santé ainsi que les pharmaciens, les sages-femmes et toutes autre personnes dépositaires ou permanentes, des secrets qu’on leur confie qui, hors le cas ou la loi les oblige ou les autorise à se porter dénonciateurs, n’auront révélé ces secrets, seront punis d\’un emprisonnement d’un mois à six mois et d’une amende de 500 F à 3000 F ».
وتجـدر الإشـارة إلى أن المشـرع الفـرنسي قد أضـاف فقـرة ثـانية للمـادة 378 بالمرسـوم الصـادر في 29 يوليو 1939 بموجب المـادة 90 منه حيث أجاز للأطباء وغيرهم من أصحـاب المهـن أن يبوحوا بما لـديهم من أسـرار عن حـوادث الإجهـاض إذا دعـوا للشهـادة دون أن يتعرضـوا للعقـاب، ثم صدر عقـب ذلك القـانون رقـم 75/17 في 17 ينـاير 1975 الذي ينـص على ذلك بالمـادة 12 منـه.
« Toute fois, les personnes ci-dessus énuméreés, sans être tenues de dénoncer les avortements pratiqués dans les conditions autres que celles qui sont prévues par la loi, dont elles ont eu connaissance à l‘occasion de l’exercice de leur profession, n‘encourent pas si elles les dénoncent, les peines prévues au paragraphe précédent; citeés en justice pour une affaire d’avortement elles demeurent libres de fournir leur témoignage à la jusitice sans s’exposer à aucune peine ».
كما أضـاف المشـرع الفـرنسي فقـرة أخـرى بالقـانون رقـم 71/446 في 15 يـونيو 1971 تنـص على أن نفـس الأشخـاص المنصـوص عليهـم في المـادة 378 لا يتعرضـون للعقـاب عند تبليغـهم السلطـات الطبيـة أو الإدارات المكلفـة بالشـؤون الصحيـة أو الاجتمـاعية عن سـوء معـاملة أو حرمـان الأشخـاص القاصـرين أقـل من 15 سنـة، ولهم الحـق في تـأدية الشهـادة عن هذه الوقـائع أمـام القضـاء .
« Les mêmes personnes n encourent pas les peines prévues à l’alinéa 1er lorsqu’elles informent les autorités médicales ou administratives chargeés des actions sanitaires et sociales des services ou privations sur la personne de mineurs de quinze ans et dont elles ont eu connaissance à l’occasion de l’exercice de leur profession; citeés en justice pour une affaire de services ou privatisations sur la personne de ces mineurs , elles sont libres de fournir leur témoignage sans s’exposer à aucune peine » .
(13) سعيـد الفكهـاني وآخرون : ” التعليق على قـانون المسطـرة المـدنية المغـربي في ضـوء الفقـه والقضـاء ” الجـزء الأول، الطبعـة الثـانية، 1993، الدار العـربية للموسـوعات، القـاهرة،ص 454.
– موسى عبود ومحمد السماحي “المختصر في المسطرة المدنية ” مطبعة الصومعة، 1994، ص 14
(14) يخضع المحامون لحكم قانون خاص هو قانون المهنة، حيث جاء في المادة 36 من ظهير 10شتنبر 1993ما نصه : ” لا يجوز للمحـامي أن يفشـي أي شـيء بالسـر المهنـي في أي قضيـة. يتعيـن عليـه بصفـة خـاصة أن يحتـرم سـرية التحقيـق في القضـايا الجنـائية، وأن لا يبلـغ أية معلومات مستخرجة من الملفـات أو ينشـر أية مستـندات أو وثـائق أو مـراسلات لها عـلاقة ببحث مـا زال جـاريا”.
ويمنع كذلك منعا كليا اختلاس أوراق المصلحة ومستنـداتها أو تبليغهـا للغيـر بصفـة مخـالفة للنظـام وفيما عـدا الأحـوال المنصوص عليها في القـواعد الجـاري بها العمـل، فإن سلطـة الوزيـر الذي ينتمي إليه الموظف يمكنها وحـدها أن تحرر هذا الموظف من لزوم كتمان السر أو أن يدفـع عنه المنع المقرر أعـلاه”.
(16) نعتقد أنه لا داعي لأن يصدر المشرع قوانين خاصة بفئات معينة يلزمهم من خلالهـا بكتمان السر باعتبار أن الفصل 446 يشمل كل الأشخاص المؤتمنين على الأسرار بحكم وظيفتهم أو مهنتهم، إلا أنه حينما يريد المشرع أن يعفـي فئـة معينـة من الالتـزام بكتمـان السـر ولا يجـد في نصـوص القـانون الجنـائي ما يسعفـه ، فلـه أن يصـدر قـانونا خـاصا بهذه الفئـة المعينـة.
(17)
CUBAIN ( R ) “Traité de la procédure devant les cours d’assises “Paris, Auguste Durand , 1851 – N° 459 – Page 280.
(18) مأمون الكزبـري ” شـرح المسطـرة المـدنية مطابع دار القلم، بيروت،1973 الجـزء الثـاني، ص 291.
– أحمـد ادريـوش ” مسـؤولية الأطباء المـدنية بالمغرب” مطبعة الأمنيـة، السنة 1989، ص36 وما بعدها.
– محمـد أوغـريس “مسـؤولية الطـبيب….” مرجـع سـابق، ص 107.
(19)
LACAS ( marie-jeanne) ” Les obligations du médecin ” Thèse – Paris , librairie générale de droit et de jurisprudence , 1938 , N ° 312 ets.
(20)
MANCHE (Emil lucien ) “ La responsabilité médicale au piont de vue pénal “ Thèse (20 Paris , sirey , 1913 – Page 264 ets
(21)
GARRAUD ( R ).traité théorique et pratique de droit pénal français.– Tome 5 – N° 2069 (21 Pages 353 ets
(22)
MANCHE – OP . CIT – Page 265
(23)
في هذا البـاب يذهب كـارو إلى القـول بـأن :
« La dispence de témoingner n\’ implique pas necessairement le caractère pénal de la violation du secret professionnel …………. ».
– GARRAUD – OP.CIT – Tome 2 – Page 392 .
* أما بخصـوص الاجتهـادات القضـائية التي تجـسد هذا الاتجاه فيـرجع إلى :
-Paris 6 Mai 1897 . sirey 1901 – 1 – 161 .
-Paris 18 Decembre 1902 .Dalloz 1903 – 1 – 93 .
(24)
« L’ obligation au secret professionnel s’impose aux médecins comme un devoir de leurétat ; elle est générale et absolue , et il n’ appartient à personne de les en affranchir ; ils sont ; dès lors , fondés à s‘en prévaloir pour refuser de déposer en justice sur des faits dont ils n‘ont eu connaissance qu’ à l‘occasion de l‘exercice de leur profession » .
(25)
Crim , 8 Mai 1947 , D.1948 . 109 , note de M. Gulphe .
-Crim , 25 Janvier 1968 , D.1968 . 153 , rapport costa .
-CHAMBON ( Pierre)-« Le juge d”instruction »4° édition –Dalloz. Delta .1997.
supra 209 -Pages 137 ets .
(26)
« Le secret imposé au médecin par l‘article378 ne met pas obstacle à la saisie par le juged’instruction d’un dossier contenant des renseignement médicaux sur l‘admission et , le séjour dans un hopital d’un inculpé dont ce magistrat a ordonné l”examen par les experts pour savoir si son état était ou non simulé ».
(27)
Crim 24 Avril .1969 ,D.1969.637 rapport de M. chapar .
-Trib . grand inst .Paris . 29 Avril . 1972 , D 1972.426 . note de M . le roy .
-MANCHE–OP. cit – Page 264.
(28) تنـص المـادة 64 من القـانون الجنـائي الفـرنسـي علـى أنـه:
« Il n’ya ni crime ni délit , lorsque le prévenu était en état de dénoncer au temps de l’ action ou lorsqu il à été contraint par une force à laquelle il na pu résister » .
(29) محمـد عبد الظاهـر حسين “المسـؤولية المدنية للمحـامي ” مرجـع سابق، ص128 وما بعدها.
* للتوسع أكثر حـول ما إذا كان الالتـزام بالسر واجبا أم حـقا ، انظر :
– منذر الفضل ” المسـؤولية الطبية في الجـراحة التجميلية ” مطبعة دار الثقافة ، الطبعة الثـانية ، السنة 1995.
– سليمـان مـرقس ” الـوافي في شـرح القـانون المـدني ،الطبعة الخامسة،1991، الجـزء 13 ، ص 54.
– عز الدين الدناصوري وحامد عكـاز “التعليـق على قانون الإثبـات” الطبعة الثامنة ، ص486 وما بعدها.
(30) تنـص المـادة 66 من قـانون الإثبـات المصـري على هـذه الحـالات الخـاصة بقـولهـا:
” لا يجوز لمن علم من المحـامين أو الوكـلاء أو الأطبـاء أو غيرهم من طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو معلومات أن يفشيـها ولـو بعـد انتهـاء خـدمته أو زوال صفتـه ما لم يكـن ذكـرها مقصـودا به ارتكاب جناية أو جنحة. ومع ذلـك يجب على الأشخـاص المذكـورين أن يـؤدوا الشهـادة على تلـك الـواقعة أو المعلـومات متى طلـب منهم ذلك من أسـرها إليهم على ألا يخـل ذلك بأحكـام القـوانين الخـاصة بهـم “.
(31) سليمـان مـرقـس، مـرجع سـابق، الجـزء الثـاني عشـر، ص 55.
– محمد العشمـاوي” قواعد المرافعات”المطبعة النموذجية،1958، الجـزء الثـاني، ص 546 وما بعـدها.
(32) الدنـاصـوري وعكـاز، مـرجع سـابق، 486 وما بعـدها.
– أحمـد نشـأت ” رسـالة الإثبـات ” دار الفكر العربي،1972، الجـزء الأول، ص 569 ومـا بعـدهـا.
(33) ذهبت محكمـة النقـض المصـريـة في قـرار لهـا إلى أنـه:
” لا عقـاب بمقتضـى المـادة 310 من قـانون العقـوبات على إفشـاء السـر إذا كان لم يحصـل إلا بنـاء على طـلب مستـودع السـر، فـإذا كان المـريض هو الذي طـلب بـواسطـة زوجتـه شهـادة عن مرضـه من الطبيـب المعـالج فـلا يكون في إعطـاء هذه الشهـادة إفشـاء لسـر معـاقب عليه”. وفي قـرار آخـر لمحكمـة النقـض المصـرية جـاء فيـه مـا يـلـي:
” قـد جـاء أنـه لا يعفـى الشـاهد من الإدلاء بكـل ما يعـلم ولا يكتم منـه إلا في الأحـوال الخـاصة التي بينهـا القـانون، ومنها إفشـاء لسـر من أسـرار المهنـة المنصـوص عليه في المـادة 207 من قـانون المـرافعـات (قـديم) مـا لم يطـلب من أسـره إليـه إفشـاءه ، فيجب على الشـاهد عنـدئذ أداء الشهـادة عمـلا بالمـادة 208 من ذلك القـانون الذي يدل نصهـا على أن تحـريم الشهـادة في هذه الحـالة ليس تحـريما مطلقـا”.
– نقـض جنـائي مـؤرخ في 2 يـونيـو 1953، المنشـور بمجمـوعة 25 سنـة الجنـائية، رقـم 3.
(34) أحمـد أدريـوش، مـرجع سـابق، ص 22 ومـا بعـدهـا.
– إدريـس الفاخـوري ” الأسـس القـانونية والأخـلاقيـة لمـزاولـة مهنـة الطـب الحـر ” مقالة منشـورة بالمجلـة المغـربية للاقتصـاد والقـانون، العـدد الرابـع – السنـة 2001 ، ص 75 ومـا بعدهـا.
(35) قـانون السلـوك الطـبي صـادر بمقتضـى القرار المقيمـي في 8 يونيـو 1953 والمنشـور بالجـريدة الرسميـة عـدد 2121 بتاريخ 19يونيـو 1953، وهذا القـانون يتضـمن 78 مـادة موزعـة على ستـة أبـواب، الباب الأول تطـرق للواجبـات العـامة للأطبـاء، والبـاب الثـاني لـواجبات الأطبـاء اتجـاه المـرضى، أما البـاب الثـالث والـرابع فواجبـات الزمـالة، والباب الخـامس تطـرق لواجبـات الأطبـاء اتجـاه أعضـاء المهـن الصحيـة الموازيـة و المسـاعديـن الطبييـن، وأخيرا البـاب السـادس وفيه مقتضيـات عـامـة.
وتجـدر الإشـارة إلى أن القـانون المنـظم لمزاولـة مهنـة الطـب هو القـانون رقـم 94/10 الصـادر بتنفيـذه الظهيـر الشـريف رقـم 123-96-1 بتـاريخ 21 أغسطـس 1996 والمنشـور بالجـريدة الرسميـة عـدد 4432 بتـاريخ 21 نوفمبـر 1996.
(36)
Bulletin coorporatif des médecins du secteur privé ( B.C.M.S.P )- N° 54 – Mars 1972 -Page 11.
(37) نص الفصل 446 على استثناء للحكم الوارد به وهو ” ما أفشاه الطبيب في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ “ويراد بالتبليغ هنا التبليغ عن وقوع جريمة، وهذا يعني أن هناك حالات يباح فيها للطبيب إفشاء السر بطريق التبليغ متى علم حامل السر بوقوع الجريمة عن طريق مهنته أو وظيفته، ومن هذه الحالات حـالة التبليغ عن إجهاض.
– محمد أوغريس “مسؤولية الطبيب ” مرجع سابق، ص108 وما بعدها.
* لقد اعتبر المجمع الفقهي الإسلامي أن الأصل في إفشاء السر في المهن وخاصة المهن الطبية هو الحظر، وأشار إلى أنه تستثنى من هذا الأصل حالات يمكن إفشاء السر فيها إذا حققت مصلحة مرجحة على مضرة بسبب كتمانه. وهذه الحالات في نظر المجمع الفقهي المذكور على ضربين:
أ- حالات يجب فيها إفشاء السر بناء على قاعدة أهون الضررين لتفويت أشدهما، وقاعدة تحقيق المصلحة العامة التي تقضي بتحمل الضرر الخاص لدرء الضرر العام إذا تعين ذلك لدرئه. وهذه الحالات نوعان:
– ما فيه درء مفسدة على المجتمع.
– وما فيه درء مفسدة على الفرد.
ب- حالات يجوز فيها إفشاء السر لما فيه:
– جلب مصلحة للمجتمع.
– أو درء مفسدة عامة.
وهذه الحالات يجب الالتزام فيها بمقاصد الشريعة وأولوياتها من حيث حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال).
– قرار 83/10/د8 بشأن السر في المهن الطبية، صادر عن المجمع الفقهي الإسلامي في دورة مؤتمره الثامن، بروناي دار السلام، من 21 إلى 27يونيو 1993.
(38) الفكهـاني ” التعليـق عل القـانون الجنـائي المغـربي في ضـوء الفقـه و القضـاء ” مطبعـة الدار العـربيـة للموسـوعات، الطبعـة الأولـى، السنـة 1992 – 1993، الجـزء الثـالث، ص 171.(39) أحمـد ادريـوش ” مسـؤولية الأطبـاء المـدنية ” مـرجع سـابـق ، ص 174.
* الملاحـظ في السنـوات الأخيرة، أن هناك تشـددا في تقدير أخطـاء الأطبـاء من قبل القضـاء المغربي، مع التخفيف على المـريض من عبء الإثبـات، وهذا يعد تخـليا عن التعـاطف مع الأطبـاء.
– أحمـد ادريـوش “تطـور اتجـاه القضـاء في موضـوع المسؤولية الطبية ” سلسلة المعرفة القانونية، العدد 1، السنة 1995، الطبعة الأولى 1995، ص70 وما بعدها.
(40) حكـم ابتـدائية البيضـاء الصـادر بتـاريخ 16 مـارس 1936، المنشـور بكـازيت محـاكم المغـرب، عـدد 660 الصـادرة بتـاريخ 9 مـاي 1936، ص 139.
(41) حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة رقم 701، الصادر يتاريخ 23 ماي 1977 في القضية المدنية عدد 11/75(قرار غيرمنشور).
(42) أحمـد أدريـوش، مـرجع سـابق، ص173.
(43) إن إجراء مقارنة بين السر المهني عند المحامي وعند الأشخاص الآخرين الملزمين به، سيتبين أن السر المهني عند المحامي هو الوحيد الذي احتفظ بطابعه المطلق، فالأطباء كما رأينا لم يعد بإمكانهم كتمان كل ما يعلمونه عن الحالة الصحية لمرضاهم باعتبار أن المشرع ،ومن خلال الفصل 446 من القانون الجنائي، أجبر الطبيب على التبليغ عن جرائم الإجهاض وعن الاعتداءات الواقعة على القاصرين دون سن الثامن عشرة دون أن يعتبر ذلك إفشاء للسر المهني.
للمزيد من الإيضاح حول هذه المسألة، انظر :
– محمد لهمادي “السر المهني ووسائل الاتصال الحديثة” مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 86، يناير/فبراير2001،ص122.
(44) صـدر أول ظهيـر منظـم لمهنـة المحـاماة بتـاريخ 10 ينـاير 1924 وهو منشـور بالجـريدة الرسميـة بتـاريخ 15 يناير 1924، وهذا الظهير لم يتطرق لمسألة السر المهني لكن من خـلال الظهيـر الشـريف رقـم 1.59.102 المؤرخ في 18 مـاي 1959 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 2431 بتـاريخ 29 مـاي 1959 الصفحـة 1659 ، بـدأ المشرع المغربي يهتم بالسر المهني للمحـامي ، إذ من خـلال الفصل 52 من هذا الظهيـر عاقـب المشـرع حسـب الشـروط المقـررة في الفصل 54 وما يليه من نفس الظهير تأديبيا:
” كل مخـالفة ناجمـة عن مـس المحـامي بسـر التحقيـق و لاسيمـا بإبـلاغه معلومـات مستخـرجة من الملـف أو نشر مستنـدات أو وثـائق أو رسـائل تتعـلق بالتحقـيق الجـاري”.
وكذلك فعل المشرع المغربي من خـلال الفصل 52 من قانون 19 دجنبـر 1968 والفصل 69 من قـانون 8 نوفمبر 1979 وكذا الفصل 36 من قـانون المحـاماة الجـديد الصـادر بموجـب ظهيـر 10 سبتمبر 1993.
والملاحظ أن التشريعات المقارنة عملت على تقنين السر المهني عنـد المحـامي في قـوانينهـا. فبالرجـوع إلى القـوانين الخـاصة بقانون المحـاماة المصـري نجـد أن المادة 33 من القـانون رقـم 135 لسنـة 1939 و هو نفـس النـص الـوارد في المـادة 33 من القـانون رقـم 98 لسنـة 1944 قد جـاء فيها ما يلـي:
” استثناء من حكم المـادة 206 من قانون المرافعات بأن للمحامي أن يمتنـع عن أداء الشهـادة عن الأمور والتوضيحات المنصوص عليها في المادة 205 من القـانون المذكـور إذا طلب منه ذلك من بلغهـا إليه إلا في حالة ارتكاب جناية أو جنحـة، ولا يجوز تكليف المحـامي بأداء الشهـادة في نـزاع وكـل أو استشير فيه “.
ونصـت المـادة 34 من القـانون رقـم 96 لسنـة 1957 على مـا يلـي:
” استثنـاء من حكـم المـادة 208 مرافعـات ( السـابق ) للمحـامي أن يمتنـع من أداء الشهـادة عن الأمـور والتـوضيحـات المنصـوص عليها في المادة 207 إلا إذا كان ذكـرها لـه بقصـد ارتكـاب جنايـة أو جنحـة، ولا يجـوز تكليف المحـامي بـأداء الشهـادة في نـزاع وكـل أو استشيـر فيـه”.
وجـاء في المـادة 131 من القـانون 61 لسنـة 1968 بـأنـه:
” للمحـامي بـأن يمتنـع عن أداء الشهـادة عن الوقـائع و المعلـومات التي عـلم بهـا عن طـريق مهنته إلا إذا كـان ذكـرها لـه بقصـد ارتكـاب جنـاية أو جنحـة “.
وأخيـرا ورد في المـادة 65 من قـانون المحـاماة 17 لسنـة 1983 عـلى أنـه:
“على المحامي أن يمتنـع عن أداء الشهـادة عن الوقـائع أو المعلـومات التي عـلم بهـا عن طـريق مهنتـه إذا طـلب منه ذلك من أبلغهـا إليه إلا إذا كـان ذكـرها لـه بقصـد ارتكـاب جنـاية أو جنحـة”.
وجاء في المـادة 79 من القانون رقم 98لسنة 1992 ما يلي:
“على المحامي أن يحتفظ بما يفضي إليه موكله من معلومات ما لم يطلب منه إبداؤها للدفاع عن مصالحه…”.
وعلى المستوى القضائي ذهبت العـديد من القـرارات إلى التذكير بالتشبت المهني والحفـاظ عليه إلا في حـالات خاصة ومن هذه القـرارات ما يلي:
– نقض جنائي بتاريخ 2 يونيو 1953 المنشور بمجموعة الخمس والعشرين سنة الجنائية رقم 2 ص 27 جاء فيه :
” قد جاء أنـه لا يعفى الشـاهد من الإدلاء بمـا يعلم ولا يكتـم منه إلا في الأحوال الخـاصة التي بينهـا القـانون، ومنها حظـر الشهـادة إفشاء لسر من أسـرار المهنـة المنصوص عليه في المادة 207 من قانون المرافعـات (قـديم) ما لم يطلب من أسره إليـه إفشـاءه فيجب على الشـاهد عنـدئذ أداء الشهادة عملا بالمـادة 208 من ذلك القـانون الذي يدل نصها على أن تحريم الشهادة في هذه الحـالة ليس تحريما مطلقا”.
وفي قـرار آخـر عن محكمـة النقـض المصـرية ورد فيـه مـا نصـه:
” تـوجب المـادة 208 من قـانون المـرافعـات على المحـامين والوكـلاء والأطبـاء أو غيـرهم أن يـؤدوا الشهادة عن الوقائع التي علموا بها من طريق مهنتـهم أو صنعتهـم متى طلب منهم ذلك من أسرها لهم”. – طعـن رقـم 21 سنـة 31 قضـائية، جلسـة 9 نوفمبـر 1925 ، س 16، ص 1001، منشـور بمجمـوعة أحكـام ومبـادئ النقـض في مـائة عـام – مـرجع سـابق، الجـزء الثـاني، ص 546.
أما قـانون المحـاماة الفـرنسي رقـم 71، 1130 المـؤرخ في 31 دجنبـر 1971 فجـاء في مـادته 66-5 المعـدلة بقـانون رقـم 2-93 بتـاريخ 4 ينـاير 1993 مـا نصـه:
“En toute matière les consultations adressés par un avocat à son client ou destineés à celui-ci et les correspondances échangeés entre le client et son avocat sont couvertes par le secret professionnel”.
وقد ذهب الاجتهـاد القضـائي الفـرنسي في نفـس اتجـاه المشـرع حيث رسـخ مبـدأ التشبـت بالسـر المهنـي في العـديد من قـراراته، ففي إحـداهـا جـاء فيـه:
Sur la distiction du secret professionnel et du devoir du réserve , ce dernier ne dispensant pas de l’bligation de deposer.
-Guin – 6 juillet , 1977 – D, 1977 . IR . 408 .
وفي قـرار آخـر أكثـر دقـة قـررت محكمـة النقـض الفـرنسيـة مـا يـلـي:
Ne viole pas le secret professionnel l’avocat qui , lors d\’une instance en divorce , dépose sur des faits par lui connus hors de l’exercice de sa profession
-CIV . 2° , 6 décembre 1978 – Bull . civ II –N° 267 .
-CIV . 2° ، 21 juin 1973 – D . 1974 . 16 .
(45)عبد الرحيم صـدقي ” الأسـرار المهنيـة في القانون الجنـائي ” مقال منشور بمجلة المحـاكم المغـربية، العدد 43، مـاي ويـونيه لسنة 1986، ص9.
– للمزيد من التـوضيح حـول السـر المهنـي عند المحـامي انظـر الدراسـات التـالية:
– محمد بلهـاشم التسـولي ” رسـالة المحامي عبـر التـاريخ ” المطبعة و الوراقـة الوطنية بمـراكش ، الطبعة الأولى ، السنة 1991، ص 241 ومـا بعدهـا.
– عبد الجليل أبو سلهام ” المحاماة بالمغرب” مطبعة النجاح الجديدة بالبيضاء، الطبعة الأولى، السنة 1993، ص 51.
(46) يظهر ذلك من خلال عنوان الفرع الأول من الباب الرابع من القسم الأول لقانون المحاماة لسنـة 1993، حيث عنونه المشـرع المغـربي هكذا ( الباب الرابع: واجبات المحامي . الفرع الأول: التشبـث بالوقار والسر المهني ).
* ويذهب بعض الفقه حـول هذه النقطة إلى التـأكيد على أن “مراعـاة المحـامي للسر المهني وعـدم إفشائه هو التزام لا يجد مصدره في العلاقات التعاقدية التي تربط بينه وبين الزبـون فقط وإنما يتعـدى هذا الإطـار، ذلك أنه بموجب المـادة 12محـاماة المتعلقة باليمين القانونية وكذا المادة 36من نفس القانون بمراعاة السـر المهـني “.
– الحمزاوي موحى “مسؤولية المحامي في التشريع المغـربي “مكتبة إديـال، الطبعة الأولى، السنة 1994، ص97.
(47) ظهير شريف تحت رقم 162 .93 . 1 ، نشر بالجـريدة الرسميـة عـدد 4222 بتاريخ 29 شتنبـر 1993.
(48) تنص المـادة 60 من قـانون المهنـة على ما يلـي : ” العقـوبـات التـأديبيـة هي:
– الإنـذار.
– التـوبيـخ.
– الإيقـاف عن ممـارسـة المهنـة لمـدة لا تـزيـد عن ثـلاث سنـوات.
– التشطيـب من الجدول أو من قـائمـة التمـرين أو سحـب الصفـة الشـرفيـة.
يمكـن أن يتضمـن المقـرر الصـادر بالإنـذار أو التـوبيخ أو الإيقـاف عقـوبة إضـافية يتعلـق منطـوقه بكتـابة الهيئـة لمـدة معينـة”
(49) حـول هذه الاجتهـادات، انظـر: – الطيب بن المقـدم “مجلـة المحـاماة في مبـادئ الأحكـام والقـرارات” السنة 1992، ص61 وما بعـدها.
(50) يـؤخذ من محتـوى القـرار المطعـون فيه الصـادر من محكمـة الاستئنـاف بـالدار البيضـاء بتـاريخ 17 ينايـر 1977 أنـه سبـق لعـائشة الزهـرة أن تقـدمت إلى مجـلس نقـابة المحـامين بطـلب يهـدف إلى تسجيلهـا في لائحـة المحـامين المتمـرنين غير أن المجـلس أصـدر مقـررا بـرفض طلبهـا لعـلة أن المعنيـة بالأمـر فـاقدة للبصـر، وهذا ما يحـول دون ممـارستها لمهنتهـا حسـب ما قـرر الفصـل السـادس من مرسـوم 1968 المنظـم لمهنـة المحـاماة ،
وأنه بعـد استئنـاف الحكـم المذكـور من طـرف الطـاعنـة قـررت محكمـة الاستئنـاف إلغـاءه ، والحكـم من جـديد بقبـول تسجيلهـا في لائحـة المحـامين المتمـرنين بالربـاط، غير أن هذا القرار الذي وقـع فيه الطعـن أمـام المجـلس الأعـلى من طـرف مجـلس الهيئـة قد نقـض، ثم بعد إحـالة ملـف النـازلة على محكمـة الاستئنـاف بالبيضـاء صـدر القـرار المؤرخ في 17 ينـاير 1975 القـاضي بقبـول الاستئنـاف شكـلا وبـرفضه موضـوعا وبتـأييد القـرار المطعـون فيه الصـادر عن نقـابة المحامين بالربـاط بتاريـخ 31 يوليـوز 1970. هذا القـرار تم الطعـن فيـه بالنقـض من طـرف السيـدة عـائشـة الزهـرة أمام المجـلس الأعـلى بتاريخ 14 دجنبر 1976 انتهى بنقضه من طرف المجلس بتاريخ 6 فبراير 1981.
– قرار عدد 29 مؤرخ في 6 فبراير 1981 منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى – المادة المـدنية السنة 1966-1982- منشورات جمعية تنميـة البحوث والدراسـات القضـائية-السنـة 1985، ص 679 وما بعدها.
وقد عـلق محمـد بلهـاشمي التسـولي على هذا القـرار بقـوله: ” إن ما اعتمـده القـرار المذكـور يبقـى محـل تسـاؤل، ذلك أن عمـل المحـامي هو الدفـاع عن موكلـه وهذا يستوجب الاطـلاع على الملف بكل ما به من وثـائق ومستنـدات.
والمحـامي الضـرير لن يتـأتى له ذلك إلا بمسـاعدة غيره ، وبالتالي فالاطلاع على أسـرار الموكل لا محـالة حـاصلة من طـرف الغير”.
– ” رسالة المحامي عبر التاريخ” المطبعة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى 1991، ص 245.
(51) تنـص المـادة 25 من قـانون المهنـة لسنـة 1993 على مـا يلـي: ” يمكن للمحامي أن يمارس مهنتـه وحده أو مع غيره من المحامين في نطاق المشاركة أو بصفتـه مسـاعدا”.
(52) حـكم رقم 42/89 موضوع المـلف رقـم 256/88 منشـور بمجـلة المحـاكم المغـربية، العـدد 58، السنـة ينـاير، فبـراير 1989، ص 99 ومـا بعـدهـا.
وقـد جـاء في حيثيـات هذا القـرار مـا نصـه:
” وحيث إن المحكمـة بعد الاطـلاع على أوراق الملف ومختلف مستنـداته وكذا تقييمها للنصوص المستدل بها سواء من طرف المدعى عليها تجد الفصل 14 من القانون الداخلي لمهنة المحاماة في فقرته الثانية تنص على أن إعطاء المعلومات المتعلقة بالمهنـة للعموم من حق النقيب وحده، ويكون بالتـالي قد حـرم المحـامي من إعطـاء هذه المعلـومات ثم إن الفصل 61 من ظهيـر 8/11/79 المنظم لمهنـة المحـاماة يقضي بدوره بأنه يتعين على المحـامي أن يقدم حساباته كل مـا طلب منه النقيـب ذلك، كمـا يتعين عليه أن يقدم دفـاتره وكنانيشـه ووصولاته كل ما طالب به الرئيـس الأول لمحكمة الاستئنـاف وهو ينظر في نـزاع يتعلق بالأتعاب أو الأداءات بالنسبة للنقيـب أو المحـامي مما يجعـل الـرد الذي أثـاره المـدعي وبينه له ما يبرره من الوجهة القانونية.
وحيث إنه بالإضافة إلى ما ذكـر، فإن الفصـل 39 من قـانون 30/85 بشـأن الضـريبة على القيمـة المضـافة، يعطـي الحـق لإدارة الضـرائب في الاطـلاع على السجـلات والوثـائق التي تقـر إمسـاكها القوانين الجـاري بها العمـل فيما يتعـلق بالأشخـاص الطبيعييـن أو المعنـويين المـزاوليـن لنشـاط خـاضع للضـريبة المبـاشرة إلا أنه لم يجعـل ذلك إطـلاقا دون استثنـاء، بل أضـاف بأن حـق الإطلاع لا يمكن أن يشمل عمـوم المكـلفين فيما يتعـلق بالمهـن الحـرة التي تستـلزم المحـافظـة على السـر المهنـي، وعليه فإن هذا الاستثنـاء يتمـاشى ومضمـون الفصـلين 14 و 61 أعـلاه، مـادام المدعـي يمـارس ويتعـاطى المهنـة الحـرة وتتطـلب مـزاولتهـا المحـافظـة على السـر المهنـي.
لهـذه الأسبـاب : في الشـكـل : الحـكم بقبـول الطـلب.
في الموضـوع : التصـريح بعـدم مشـروعية الإنـذار المـؤرخ في 8/11/88 والحكـم تبعـا لذلك ببطـلانه وإبقـاء الصـائر على الطـرف الخـاسر “.
(53) ينـص الفصـل 61 من قـانون المحـاماة لسنـة 1979 علـى مـا يلـي: ” يتعيـن على المحـامي أن يقـدم حسـاباته كلما طـلب منه النقيـب ذلك. يتعيـن عليـه أن يقـدم دفـاتره وكنـانيش وصـولاته كلما طـلب منه ذلك من طـرف الرئيـس الأول لمحكمـة الاستئنـاف وهو ينظـر في نـزاع متعـلق بالأتعـاب أو الأداءات بالنسبـة للنقيـب أو المحـامي.
يعتبـر تقـديم دفتـر ممسـوك بصفـة غير صحيحـة بمثـابة عـدم تقـديمـه. يمكـن لمجـلس الهيئـة أو لمحكمـة الاستئنـاف أن تلـزم المحـامي بتقـديم دفـاتر وكنـانيش الوصـولات عنـد وجـود متـابعة تـأديبية على أن تـرد إليه في ظـرف ثمـانية أيـام من يـوم تقـديمهـا.
(54) ظهيـر شـريف رقـم 1.58.008 المـؤرخ في 4 شعبـان 1377 المـوافق لـ 24 فبـراير 1958 والمنشـور بالجـريدة الرسميـة رقـم 2372 بتـاريخ 11 أبريـل 1958، ص 631.
(55) المـلاحظ أن المشـرع المصـري نـص صـراحـة من خـلال المـادة 65 إثبـات على نفـس ما أشـار إليه الفصـل 18 من النظـام الأسـاسي المغـربي المذكـور إذ جـاء فيهـا مـا يلـي: “الموظفـون والمكلفـون بخـدمة عـامة لا يشهـدون ولـو بعـد تـركهم العمـل عمـا يكون قد وصل إلى علمهـم في أثنـاء قيـامهم به من معلـومات لم تنشـر بالطـريق القـانوني ولم تـأذن السلطـة المختصـة في إذاعتهـا ومع ذلك فلهذه السلطـة أن تـأذن لهم في الشهـادة بنـاء على طـلب المحكمـة أو أحـد الخصـوم”.
وفي فرنسـا، وإن كان الموظفـون العمـوميون ملـزمون بكتمـان الأسـرار المتعلقـة بالأفـراد، إلا أنهم لا يعفـون من الالتـزام بتـأدية الشهـادة لـدى القضـاء في حـالة استدعائهم، حيث إن سر المهنـة بالنسبـة لهم موضـوع إداري لا يمكن التمسـك به أمام القضـاء وعليهم الإدلاء بأقـوالهم دون تحفـظ في حالة استـدعائهم لأن المـادة 378 عقـوبات لا تشمـل الأسـرار الحكـومية.
– انظـر في هذا الموضـوع :
DAVID ( André ) “Témoignage devant la justice répressive ” Paris , Rousseau – 1902 Page65.
اترك تعليقاً