الإدارة المتشابكة و قوانين المنافسة
د. ملحم بن حمد الملحم
أدرك أو يدرك عدد من الدول الاقتصادية القوية أن اقتصادها لكي يكون اقتصادا قويا متينا محفزا هو أن توجد له سوقا حرة بحيث تكون هذه السوق هي الميدان للمشاركين فيه، بحيث تكون هذه الحرية سببا لخلق بيئة تنافسية ينتج عنها ابتكار وتطور في السوق ما سيعود على المستهلك ورفاهيته في النتيجة النهائية.
لذلك نجد أن تلك الدول أو بعضها تحرص على توفير بيئة متنافسة عادلة من خلال قوانين تفرض عقوبات صارمة على المخالفات التي من شأنها أن تؤثر في المنافسة. ليس ذلك فحسب، بل نجد بعض الدول تحاول إيجاد قوانين تسعى في جوهرها لعدم إتاحة فرصة لوقوع مخالفة من مخالفات قوانين المنافسة عن طريق قطع الطريق من بدايته كمفهوم الإدارة المتشابكة.
المقصود بمفهوم الإدارة المتشابكة في ظل قوانين المنافسة هو أن يكون لشركة (أ) مجلس إدارة مكون من عشرة أعضاء على سبيل المثال، ويكون أحد أعضاء مجلس إدارة شركة (أ) كذلك عضوا في مجلس إدارة شركة (ب) على أن تكون شركتا (أ و ب) شركتين متنافستين.
ولعلي أستعرض الولايات المتحدة كمثال على اهتمامها بهذه المسألة، علما أن هذا المفهوم اهتمت به الولايات المتحدة من فترة طويلة منذ 1914 أي قبل ما يقارب 103 سنوات، وقد تطور هذا المفهوم مع مرور الزمن كأي قواعد تتم تجربتها ومن ثم يتم تطويرها مع الزمن. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا المفهوم قد تطور تدريجيا ويمكننا ملاحظة أن هذا المفهوم انطلق من هدف واضح نسبيا وفلسفة متوائمة مع قوانين المنافسة الأمريكية ما يعني أن المفهوم لم يتم إلغاؤه بل كانت المحاولات قائمة على تطويره.
بعد تطور هذا المفهوم في الولايات المتحدة أصبحت تمنع ــ منعا خاضعا لعدد من الاستثناءات والشروط والقيود ــ من وجود عضويات أو إدارات متشابكة بين الشركات المتنافسة عندما يكون إجمالي رأس المال والفائض والأرباح غير الموزعة للشركتين/الشركات أعلى من 32 مليون دولار و 914 ألفا.
هذا الحد الذي من خلاله تتم معرفة ما إذا كانت الشركتان/ الشركات تدخل في الحظر الوارد قد مر بتطورات كما ذكرت سابقا. فمثلا عندما ظهر هذا الحظر لأول مرة كان الحد المالي المقرر هو مليون دولار، وظل هذا الرقم ثابتا إلى عام 1990 حتى تم رفعه من مليون دولار إلى عشرة ملايين دولار قابلة للزيادة كل سنة وفق معايير محددة حتى وصل هذا الحد إلى 32,914,000 دولار في 2017.
وخلاصة المقالة أن مثل هذا النوع من القواعد يهدف لقطع ما يحتمل أن يؤدي إلى ما يخالف نظام المنافسة من بدايته من باب سد الذرائع أو كما اصطلح على تسميته بالقضاء على المشكلة من المهد.
وكما أشرت وأشير دوما إلى أن القواعد عندما تبدأ، فقد يواجهها عدد من الصعوبات أو الانعكاسات وهذا أمر طبيعي، لكن مع وضوح الهدف المقصود بهذه القواعد يمكن التحديث والموازنة بين عدد من العوامل مع مرور الوقت حتى يتم الوصول لقواعد تخدم ذلك الهدف المقصود بشكل عملي فعال ذي آثار إيجابية قوية يمكن وصفها نموذجا يحتذى به من قبل دول أخرى.
اترك تعليقاً