مفهوم التحكيم في بعض القوانين العربية و انواعه
أ/ حنين نصار
تعريف التحكيم
يُعرَّف التحكيم بأنه إتفاق أطراف علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية على أن يتم الفصل في المنازعة التي ثارت بينهم بالفعل أو التي يحتمل أن تثور ، عن طريق أشخاص يتم إختيارهم كمحكمين ، حيث يتولى الأطراف تحديد أشخاص المحكمين أو أن يعهدوا لهيئة تحكيم ، أو إحدى هيئات التحكيم الدائمة أن تتولى تنظيم عملية التحكيم وفقاً للقواعد أو اللوائح الخاصة بهذه الهيئات أو المراكز .
ويتجه فريق آخر من الفقه إلى تعريف التحكيم بأنه “نظام قضائي خاص ، يختار فيه الأطراف قضاتهم ، ويعهدون إليهم بمقتضى إتفاق مكتوب ، بمهمة تسوية المنازعات التي قد تنشأ أو نشأت بالفعل بينهم بخصوص علاقاتهم التعاقدية أو غير التعاقدية والتي يجوز حسمها بطريق التحكيم ، وفقاً لمقتضيات القانون والعدالة وإصدار قرار قضائي ملزم لهم\ ” .
ونظراً لأهمية تعريف التحكيم ، فقد حرصت بعض القوانين على إدراج ذلك التعريف في نصوصها .
فقانون التحكيم الفلسطيني رقم 3 لسنة 2000م عَرّف التحكيم في المادة الأولى منه بأنه : “وسيلة لفض نزاع قائم بين أطرافه وذلك بطرح موضوع النزاع أمام هيئة تحكيم للفصل فيه” ، أما مجلة الأحكام العدلية فقد عرفت التحكيم في المادة 1790 بقولها : “التحكيم هو عبارة عن إتخاذ الخصمين حاكماً برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما” .
أما قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 فلم يُعرِّف التحكيم بشكل مباشر ، بل أظهر عناصر التحكيم في تعريفه لإتفاق التحكيم في الفقرة الأولى من المادة العاشرة من القانون المذكور ، وترك تعريف التحكيم للقضاء ، فقد عرّفته محكمة النقض المصرية في أحد أحكامها بأنه : “طريق إستثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طريق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات ، ومن ثم فهو مقصور على ما تنصرف إرادة المحكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم” .
وفي حكمها الصادر بتاريخ 17 ديسمبر 1994م ، عرّفت المحكمة الدستورية العليا المصرية التحكيم بأنه : “عرض لنزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باختيارهما ، أو بتفويض منهما ، على ضوء شروط يحددانها ، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة ، مجرداً من التحامل ، وقاطعاً لداء الخصومة في جوانبها ، التي أحال الطرفان إليه ، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية” .
أما القانون الأردني فقد ترك تعريف التحكيم للقضاء ، فعرّفته محكمة التمييز بأنه : “طريق استثنائي يلجأ إليه الخصوم لفض ما ينشأ بينهم من منازعات بموجب إتفاق قائم بينهم بقصد الخروج عن طريق التقاضي العادية”.
فالتحكيم إذن هو عبارة عن وسيلة قانونية أفسح المشرع لها المجال للفصل في المنازعات المتفق على عرضها على التحكيم كنظام موازٍ للقضاء لا يخلو من مزايا ، حيث ينتهي إلى حكم يتقيد به الفرقاء ويؤدي إلى حسم النزاع الذي شجر بينهم ، شأنه في ذلك شأن القضاء ولكن بسرعة ملحوظة وبقدر أقل من الجهد.
والتحكيم قوامه إرادة الأطراف ، إذ تهيمن هذه الإرادة على نظام التحكيم بأكمله بدءً من الإتفاق على المبدأ ذاته ، مروراً باختيار المحكمين وتحديد عددهم وإختصاصهم ، وتحديد الجهة التي تتولى الإشراف على التحكيم وتحديد الإجراءات واجبة التطبيق ، والواجب إتباعها لحل النزاع ، والقانون الذي يحكم ذلك النزاع ، مما يُشعر الأطراف بأنهم يشاركون في عملية التحكيم .
وقد أدى ذلك كله إلى تزايد إقبال الأفراد والمؤسسات والشركات على اللجوء إلى التحكيم كأسلوب لحل منازعاتهم ، خاصة في مجال المعاملات ذات الطابع الدولي ، حيث يكون القاضي أجنبي عن كل أو بعض الأطراف ، وكذلك شأن القانون الذي يحكم النزاع سواء كان يحكم موضوعه أو إجراءاته .
ورغم أن التحكيم ينشأ عن إرادة الخصوم ، وأن هذه الإرادة هي التي تخلق التحكيم وهي قوام وجوده ، إلا أنها تعتبر غير كافية ، إنما يتعين على المشرع أيضاً أن يُقر إتفاق الخصوم . وبعبارة أخرى ، إذا لم ينص المشرِّع على جواز التحكيم وجواز تنفيذ أحكام المحكمين ، ما كانت إرادة الخصوم وحدها كافية لخلقه أو إيجاده.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه يجوز الإتفاق على الت حكيم في العقود النهائية ، ويجوز كذلك في الوعد بالعقد باعتباره عقداً ، بل إن بعض الفقه يرى أنه يجوز الإتفاق على التحكيم في مجال أوسع من ذلك ، فليس بالضرورة أن تكون العلاقة المالية ناجمة عن عقد ، بل ربما تكون ناشئة عن أي مصدر آخر من مصادر الإلتزام المختلفة المعروفة ، كأن تكون ناشئة عن فعل ضار (عمل غير مشروع) أو فعل نافع (إثراء بغير سبب) أو إرادة منفردة (التصرف الإنفرادي) ، أو القانون ، لكن في كل هذه الأحوال يجب الإتفاق على إحالة النزاع للتحكيم ، على أن يتم ذلك بعد نشوء سبب الإلتزام ، ولا يتصور غير ذلك عملاً
أنواع التحكيم
لا يعتبر البحث في تقسيم التحكيم بالنسبة لمكان إجرائه – خصوصاً عند البحث في إجراءاته – من المسائل النظرية البحتة كما يبدو للوهلة الأولى ، وإنما هو من المسائل الأساسية التي يترتب عليها نتائج بالغة الأهمية خصوصاً عند معرض الحديث عن تنازع ال قوانين في إجراءات التحكيم والتي لا تثور إلا بصدر أحد أنواع التحكيم وهو التحكيم الدولي . ونعرض للتقسيمات الرئيسية للتحكيم من تحكيم محلي وتحكيم دولي وتحكيم أجنبي كل على حده وذلك على النحو الآتي :-
1- التحكيم المحلي :
يُعرِّف الفقه التحكيم المحلي أو التحكيم الداخلي بأنه ذلك التحكيم الذي يتعلق بنزاع وطني في جميع عناصره ، أو أن يصدر الحكم فيه وفقاً لإجراءات وتشريع وطني ، وبمعنى أدق يكون التحكيم محلياً إذا اتصلت جميع عناصره بدولة معينة دون غيرها .
وقد حدد قانون التحكيم الفلسطيني رقم 3 لسنة 2000م المقصود بالتحكيم المحلي وذلك في المادة الثالثة منه بقوله : “لغايات تطبيق هذا القانون يكون التحكيم :- أولاً : محلياً إذا لم يتعلق بالتجارة الدولية وكان يجري في فلسطين …” فيكون المشر ع الفلسطيني في هذا النص قد إعتمد على معيار محدد لإعتبار التحكيم محلياً ، وهو أن لا يتعلق بمسائل التجارة الدولية وأن يجري في فلسطين ، فالتحكيم المحلي هو التحكيم الذي ينتمي بكل عناصره إلى فلسطين ، فهو يجري بداخل أراضيها ، والمنازعة التي يتعلق بها التحكيم فلسطينية موضوعاً وأطرافاً وسبباً ، ويطبق في شأنه القانون الفلسطيني .
2- التحكيم الدولي :
ويقصد بالتحكيم الدولي ذلك التحكيم الذي يرتبط في أحد عناصره بعوامل خارجية ، بعيداً عن مفهوم التحكيم الذي ينصب على حل المنازعات الدولية والتي تخضع للقانون الدولي العام . فالهدف من هذا التحكيم هو طمأنة المتعاملين في مجال التجارة الدولية ، الذين قد يخشون من طرح منازعاتهم أمام المحاكم الوطنية وتطبيق القانون الوطني ، والذي عادة لا يكونون على دراية بأحكامه وقواعده .
وقد وضع الفقه عدة معايير لتمييز التحكيم الدولي عن التحكيم المحلي ، مثل موضوع النزاع ، وجنسية المحكمين ، وجنسية محل إقامة الأطراف ، ومكان التحكيم ، والقانون المطبق على الإجراءات ، أو القانون المطبق لحسم النزاع ، وبغض النظر عما وُجه من انتقادات لمعايير تمييز التحكيم الدولي عن التحكيم المحلي ، فإنه يمكن حصرها في ثلاثة معايير رئيسية :-
أ- معيار جغرافي : ويتمثل في مكان التحكيم ، أو المكان الذي يصدر فيه حكم التحكيم .
ب- معيار قانوني : ويتمثل في القانون واجب التطبيق على إجراءات التحكيم أو حتى على موضوعه ، إذ يكفي أن تتصل العلاقة القانونية التي نشأ عنها النزاع المطروح على التحكيم في أحد عناصرها بأكثر من نظام قانوني لكي يعتبر التحكيم دولياً .
ج- معيار إقتصادي ، ويتمثل في تعلق العقد الذي يجري تسوية منازعته عن طريق التحكيم بالتجارة الدولية ، أو بمعاملة دولية ، فإذا كان هذا العقد عقداً دولياً فإن التحكيم في منازعاته يكتسب صفة الدولية بطريق التبعية . أما عن تعريف قانون التحكيم الفلسطين ي للتحكيم الدولي ، فقد جاء في المادة الثالثة منه ما يلي :- “لغايات تطبيق هذا القانون يكون التحكيم … ثانياً :- دولياً إذا كان موضوعه نزاعاً يتعلق بمسألة من المسائل الإقتصادية أو التجارية أو المدنية وذلك في الأحوال الآتية :-
1- إذا كانت المراكز الرئيسية لأطراف التحكيم تقع في دول مختلفة وقت إبرام إتفاق التحكيم ، فإذا كان لأحد الأطراف أكثر من مركز أعمال فالعبرة بالمركز الأكثر إرتباطاً
بإتفاق التحكيم ، أما إذا لم يكن لأحد الأطراف مركز أعمال فالعبرة بمحل إقامته المعتاد .
2- إذا كان موضوع النزاع الذي يشمله إتفاق التحكيم مرتبطاً بأكثر من دولة .
3- إذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل طرف من أطراف التحكيم يقع في نفس الدولة وقت إبرام إتفاق التحكيم وكان أحد الأماكن الآتية يقع في دولة أخرى :
أ- مكان إجراء التحكيم كما عينه إتفاق التحكيم أو أشار إلى كيفية تعيينه .
ب- مكان تنفيذ جانب جوهري من الإلتزامات الناشئة عن ا لعلاقة التجارية أو التعاقدية بين الأطراف .
ج- المكان الأكثر إرتباطاً بموضوع النزاع …” . فكل تحكيم يتعلق بالتجارة الدولية ويجري في فلسطين ، ولو كانت عناصره الأخرى فلسطينية يعتبر تحكيماً دولياً حسب نص المادة المذكورة ، كما أن كل تحكيم يتحقق فيه أحد الضوابط التي حددها المشرع في المادة المذكورة وكان متعلقاً بمسألة من المسائل الإقتصادية أو التجارية أو المدنية يعتبر أيضاً تحكيماً دولياً .
ويلاحظ أن المشرع الفلسطيني وفي المادة الثالثة من القانون المذكور لم يحصر التحكيم الدولي في التحكيم الذي يكون موضوعه نزاعاً متعلقاً بالتجارة الدولية فقط ، بل توسع في ذلك وشمل جميع المسائل التي يجوز فيها التحكيم سواء كانت تجارية أو إقتصادية أو مدنية متى توفر ضابط من الضوابط المذكورة في النص .
وبالنسبة لقانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994م ، فقد وضح الحالات التي يعتبر فيها التحكيم تحكيماً دولياً في المادة الثالثة أيضاً ، وهي في جميعها حالات تتقابل مع ما هو موجود في قانون التحكيم الفلسطيني ، بإستثناء حالة واحدة إنفر د القانون المصري بإضافتها ، ومنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة والتي تنص على الآتي :- ” … ثانياً :- إذا إتفق طرفا التحكيم على اللجوء إلى منظمة تحكيم دائمة أو مركز للتحكيم يوجد مقره في داخل جمهورية مصر العربية أو خارجها” ، مع ملاحظة أن مصدر كلا المادتين سواء في قانون التحكيم المصري أو قانون التحكيم الفلسطيني هو القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي uncitral
3- التحكيم الأجنبي :
يرى الإتجاه الغالب من الفقه القانوني أن التحكيم الأجنبي هو التحكيم الذي يشتمل على عنصر أجنبي سواء كان ذلك العنصر هو القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع أو كان القانون واجب التطبيق على الإجراءات التي تُسيّر عملية التحكيم ، أو كان ذلك العنصر إختلاف جنسية الخصوم أو مكان التحكيم ذاته .
وقد إعتمد قانون التحكيم الفلسطيني على معيار واحد لتمييز التحكيم الأجنبي ألا وهو معيار محل التحكيم ، فتنص المادة الثالثة على أن التحكيم يكون “… ثالثاً : أجنبياً : إذا جرى خارج فلسطين” . فالمعيار الوحيد الذي تبناه المشرع الفلسطيني لإسباغ صفة الأجنبي على التحكيم هو المعيار الجغرافي المنصب على مكان إجراء التحكيم ، فإذا كان يجري خارج فلسطين يكون تحكيماً أجنبياً ، إضافة إلى أن المشرع قد وضع في النصوص اللاحقة أصول وضوابط خاصة في تنفيذ قرار التحكيم الأجنبي تختلف عن تلك المتعلقة بالتحكيم المحلي والدولي .
أما قانون التحكيم المصري فقد حدد الحالات التي يُعتبر فيها التحكيم أجنبياً وذلك في المادة التاسعة منه ، فيكون حكم التحكيم أجنبياً وفقاً لهذه المادة المذكورة إذا توافر فيه شرطان مجتمعان وهما :- – صدور حكم التحكيم خارج جمهورية مصر العربية . – أن يطبق على النزاع قانون أجنبي . غير أن جانباً من الفقه يرى أن التحكيم يعتبر أجنبياً حتى ولو صدر داخل الدولة نفسه
التي يراد تنفيذه فيها ، أي حتى ولو صدر داخل مصر مادام أن القانون الذي طبق على النزاع هو قانون أجنبي.
اترك تعليقاً