التهرب الضريبي
المحامية / منال داود العكيدي
تعد ظاهرة التهرب الضريبي من الظواهر التي تشترك فيها كل دول العالم الا ان درجتها تختلف تبعا للنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى القانوني والاخلاقي في تلك الدول .. وقد توصلت بعض الدراسات الى ان جريمة التهرب الضريبي تعتبر احدى سمات الدول المتخلفة الاقتصادية وواحدة من الاسباب الرئيسة في تدهور واقعها الاقتصادي لاسيما اذا علمنا ان التهرب الضريبي قد يضيع على الخزينة العامة نسبة كبيرة من الايرادات مما يؤدي الى تدنيها وهذا بطبيعة الحال سيترتب عليه تراجعا كبيرا في عملية التنمية الاقتصادية كما انه سيؤدي الى عرقلة سير عمل مؤسسات الدولة من ناحية اخرى .
وفي الواقع ان التهرب من الضريبة قد يكون مرجعه هو عدم العدالة الضريبية اي عدم العدالة في توزيع الاعباء المالية بين المكلفين وهو اي التهرب الضريبي (يرتبط بصورة وثيقة بقدرة المكلف على الاسهام بدخله في تحمل الاعباء العامة ) ويمكن تعريف قدرة المكلف على انها : ( اقصى حد للاسهام بالضريبة ) فاذا اجبر المكلف على الاسهام باكثر من قدرته فانه سيلجأ حتما الى التهرب من دفعها لان نزعة الفرد دائما هي الاحتفاظ بثروته وعدم التنازل عنها لاسيما في حالة ارتفاع سعر الضريبة مقابل عدم وجود خدمات ..
وعموما فانه يمكن تعريف التهرب الضريبي بانه : ( الظاهرة التي يحاول المكلف من خلالها التخلص من دفع الضريبة المفروضة عليه كلا او جزءا مستخدما في ذلك الطرق والوسائل غير المشروعة ) .
وينقسم التهرب الضريبي الى نوعين الاول يكون تهربا مشروعا او مايسمى بتجنب الضريبة والنوع الثاني هو التهرب غير المشروع والذي يمكن ان يكون كليا او جزئيا ويقوم هذا التقسيم اساسا على مدى مخالفة احكام القانون الضريبي او عدم مخالفته فالتهرب المشروع لاتترتب عليه مخالفة احكام القانون الضريبي ويكون ذلك باستغلال ما قد يوجد في القانون من ثغرات او نقص مما قد يؤدي الى اعفاء المكلف من الضريبة او قد يلجأ الشخص المكلف الى عدم القيام باي نشاط مادي او معنوي من شأنه ان يؤدي الى ان تكون الضريبة واجبة عليه وذلك بالامتناع عن مزاولة نشاطه عند وصول دخله الى مستويات معينة هي اقل من الدخول الخاضعة للضريبة وذلك اذا كان السعر الضريبي مرتفعا او ان الفائدة التي تعود عليه من الخدمات متدنية قياسا بمقدار الضريبة المستحقة الدفع الى السلطات المالية ، وفي بعض الاحيان يكون التجنب الضريبي من جانب المشرع مقصودا لتحقيق اهداف اقتصادية او اجتماعية كالاعفاء الضريبي المتحقق على الدخل الزراعي او الاعفاء الذي يرد على الدار اذا كانت معدة للسكن عند نقل ملكيتها باي طريقة كانت .
اما التهرب غير المشروع فيكون بمخالفة احكام القانون الضريبي من قبل المكلف والذي يرتب التزامات قانونية منها الالتزام بتسديد الضريبة المترتبة عليه تجاه الخزينة العامة للدولة لاسيما تلك الالتزامات التي تتضمن اداء مبالغ نقدية وهنا يقوم المكلف بالتهرب من اداء هذا الالتزام بشتى الوسائل قد يكون من بينها الغش والاحتيال او عدم الادلاء بمعلومات دقيقة عن دخولهم الحقيقية مما يؤدي الى ضياع حق الخزينة العامة في اقتضاء دين الضريبة المفروضة عليهم ، وهذا التهرب غير المشروع له تداعيات خطيرة لاسيما تأثيره السلبي على مستوى الايرادات المالية العائدة للخزينة العامة بالاضافة الى الاثار السلبية على نفسية المكلف الذي لا يلجأ الى التهرب من الضريبة والذي يلتزم بدفع ما استحق عليه من مبالغ في موعدها لصالح الخزينة العامة لان ذلك في نظره يعتبر غير عادل لانه يؤدي الى انعدام المساواة في توزيع الاعباء المالية العامة بين المكلفين كافة فيقوم بعضهم بدفع الضريبة المتوجبة عليه بينما يقوم البعض الاخر بالتهرب من ادائها مع تلقي الطرفين مستوى متساويا من الخدمات .
وكما قلنا فان التهرب الضريبي يمكن ان يقع من خلال اخفاء معلومات عن نشاط معين يزاوله المكلف وتستحق عليه ضريبة فيكون الاقرار الذي يقدمه يتضمن معلومات غير حقيقية لا تمثل الارباح الفعلية التي يحققها المكلف خلال السنة المالية او قد يلجأ المكلف الى اخفاء ذلك النشاط نهائيا ولا يظهره في المعلومات التي يقدمها الى السلطات المالية او ان المكلف قد لا يقوم بمسك دفاتر منتظمة تمثل حقيقة نشاطه وبالتالي يكون الوعاء الضريبي المشهر اقل بكثير من قيمة ايراداته الحقيقية المتحصلة من نشاطه وهناك حالة اخرى تؤدي الى التهرب الضريبي وذلك في حالة كون المكلف يتلاعب بالحسابات المقيدة في الدفاتر الحسابية التي يمسكها .. وبصورة عامة فان التهرب غير المشروع يقع في اثناء تحديد وعاء الضريبة وفرضها او في وقت تحصيلها .
والتهرب غير المشروع من الضريبة قد يكون تهربا كليا او قد يقع التهرب غير المشروع على جزء من مبلغ الضريبة ، فالتهرب الكلي يتحقق ( عند تخلص المكلف من اداء مبلغ الضريبة كله ) فيستطيع المكلف من خلال اتباع وسائل احتيالية ان لايسدد مبلغ الضريبة المستحق عليه الى الخزينة العامة كان يقوم بتضييع ضريبة مستحقة الى الخزينة العامة على نوع معين من النشاط او فقدان نوع معين من انواع الضريبة المفروضة عليه مثل تخلص المكلف من دفع ضريبة العقار المستحقة عليه كلها بغض النظر عن مقدار تلك الضريبة وهذا النوع من التهرب الضريبي يرتب اثاراً بالغة الخطورة تتمثل بفقدان الخزينة العامة مبالغ طائلة كما هو الحال بالنسبة للمكلفين الذين يمارسون مهناً حرة مثل الحداد والنجار وغيرهم او التجار الذين يمارسون عملية بيع وشراء السيارات من دون ان يقوموا بنقل ملكيتها لهم ومن ثم لايتم تسجيلها باسمائهم وبذلك يتخلصون من دفع الضريبة المفروضة على الارباح المتحققة من المتاجرة بالسيارات وهذا النوع من التهرب الضريبي هو تهرب كلي.
اما التهرب الجزئي يمكن تعريفه على انه( تخلص المكلف من اداء جزء من مبلغ الضريبة المستحقة بذمته باتباع احدى وسائل الغش والاحتيال التي تشكل مخالفة لاحكام القانون الضريبي والتي يرصد لها المشرع عقابا معينا.
( ويكون ذلك عن طريق محاولة المكلف دفع الضريبة بالتخلص من جزء من مبلغ الضريبة المفروضة عليه وليس كامل المبلغ كما في التهرب الضريبي الكلي ويكون التهرب الضريبي الجزئي من خلال قيام المكلف باخفاء جزء من نشاطه او اخفاء نشاط معين بالكامل اذا كان المكلف يقوم بانشطة متعددة كما في حالة اخفاء المكلف جزءا من مبيعاته وتقييد مبيعات اقل في الدفاتر الحسابية او انه قد يقوم بتسجيل المبيعات باسعار تقل كثيرا عن الاسعار الحقيقية التي باع بها .
وعموما فان التهرب الضريبي يعتبر مشكلة كبيرة ذات تداعيات خطيرة لاسيما انه من الظواهر التي تعاني منها المجتمعات كافة مهما بلغت درجتها من التطور اذ ان ذلك له علاقة بالوعي الضريبي الذي يعتبر ركنا اساسيا في القضاء على هذه الظاهرة والذي يمكن تعريفه اي الوعي الضريبي بانه : ( ان يقتنع كل مكلف بدفع الضريبة المترتبة عليه , وهذا الأمر يتطلب ان تقوم السلطات بترشيد الأنفاق العام , بما يخدم الصالح العام حتى يشعر دافع الضريبة ان الموارد العامة انما تعود عليه في شكل منافع وخدمات مباشرة اوغير مباشرة ) وهذا لن يحصل طالما ان هناك من المكلفين من ينظر الى مخالفة القانون شجاعة والتهرب من الضريبة ذكاء .
ولا يمكن باي حال ان ينفك مفهوم الوعي الضريبي عن مفهوم المواطنة والانتماء والايمان بضرورة الاسهام في الحقوق والواجبات من خلال احساس المواطن بمدى التزام الدولة ومؤسساتها ببرامج التنمية والعمل على تقدم المجتمع ورفاهيته من خلال تحسين مستوى الخدمات العامة المقدمة الى المواطن وبذلك يتوفر لدى المكلف كل شروط الوعي الضريبي في مقابل شعور مؤسسات الدولة بحجم الخدمات العامة المطلوبة وهذه المعادلة ينشأ عنها الشعور بالمسؤولية الاجتماعية من قبل كل الافراد بان الضريبة تمثل واجبا وطنيا وتعبيرا عن استدامة مقومات الحياة ويعمق الشعور بالعدالة كونه سوف يوظف لخدمة المجتمع ككل .
اترك تعليقاً