تنص المادة 526 من القانون المدني على ان (1ـ الثمن ما يكون بدلاً للمبيع ويتعلق بالذمة. 2ـ ويلزم أن يكون الثمن معلوماً بأن يكون معيناً تعيناً نافياً للجهالة الفاحشة). وتنص الفقرة الأولى من المادة 527 من القانون ذاته على أنه (في البيع المطلق يجل أن يكون الثمن مقدراً بالنقد. ويجوز أن يقتصر التقدير على بيان الأسس اتي يحدد الثمن بموجبه فيما بعد). وظاهر مما جاء أعلاه أنه يشترط في الثمن الشروط التالية التي سنبحث كل منها في مبحث خاص.
المبحث الأول : الثمن مبلغ من النقود
يجيز الفقه الاسلامي أن يكون الثمن شيئاً مثلياً من غير النقود.
اما القانون المدني فإنه يشترط أن يكون الثمن مبلغاً من النقود (527/ 2م مدني).
فإذا كان الثمن مبلغاً من النقود كان العقد بيعاً. إلا أنه هنالك بعض الحالات التي يكون فيها المقابل شيئاً من غير النقود، أو قد يكون بعض الثمن من غير النقود، فيما الحكم في هذه الحالات؟
يجب التمييز بين الحالات التالية:
1ـ طبيعة العقد إذا كان الثمن أوراقاً مالية أو بضائع:
يذهب البعض إلى اعتبار العقد بيعاً إذا كان من الميسور تقدير قيمة العوض نقداً، كما هي الحال في الأوراق، المالية والضائع التي تسهل معرفة ثمنها نقداً بالرجوع إلى كشوف التسعيرة. أو إلى البورصة. إلا أن معظم الشراح يخالفون الرأي أعلاه ويقررون بأن العقد في الحالة مدار البحث مقايضة لا بيع، لأنه قد انصب مباشرة على المبيع وعلى الأوراق المالية خاصة وإن الأخذ بالرأي الأول سيؤدي إلى اعتبار المقايضة بيعاً كلما أمكن تقويم احد البدلين بالنقد(1).
2ـ طبيعة العقد إذا كان المقابل التزاماً يعمل:
قد يلتزم شخص بأن يعطي شيئاً لآخر مقابل التزام الأخير بإطعامه وايوائه والقيام بكسوته، فهل يعتبر هذا العقد بيعاً؟ يذهب الفقه إلى أن هذا العقد لا يعتبر بيعاً ولا مقايضة. فهو لا يعتبر بيعاً، لأن العوض ليس نقداً وإنما هو التزام بالقيام بعمل معين هو الاطعام والايواء والاكساء كما أن العقد لا يعتبر مقايضة، لأن المقايضة هي مبادلة مال بمال. في حين أن التزام أحد الطرفين في العقد مدار البحث هو التزام بعمل. ولذلك جرى الشراح على اعتبار هذا العقد من العقود غير المسماة فتسري عليه الأحكام العامة في نظرية الاتزام.
3ـ طبيعة العقد إذا كان المقابل ديناً في ذمة البائع:
يذهب الشراح إلى اعتبار العقد وفاء بمقابل في حالة كون المقابل ديناً في ذمة البائع، كما لو أعطي المدين لدائنه مالاً منقولاً او عقاراً في مقابل دينه إلا أنه نظر لتوافر جميع أركان البيع في هذا العقد، فيجب سريان أحكام البيع عليه. وهذا الرأي ينسجم مع حكم المادة 400 من القانون المدني العرقي التي تنص في هذا الصدد على أنه (يسري على الوفاء بمقابل من حيث أنه ينقل ملكية الشيء الذي أعطى في الدين أحكام البيع وبالأخص ما يتعلق منها باهلية المتعاقدين وضمان الاستحقاق وضمان العيوب الخفية. ويسري عليه من حيث أنه يقضي الدين احكام الوفاء وبالأخص ما يتعلق منها بتعيين جهة الدفع وانقضاء التأمينات).
4ـ طبيعة العقد إذا كان الثمن ايراداً مؤيداً أو مؤقتاً:
اختلف الشراح في هذا الصدد. ففريق منهم يذهب إلى أن العقد في هذه الحالة هو مقايضة على الشيء بحق الايراد أو المرتب لأن الثمن في حالة الايراد المؤقت أو المؤبد لا تتمثل في الاقساط التي يدفعها المشتري، بل في حق الايراد ذاته. ويعتبره آخرون بيعاً، بداعي أن الايراد من النقود من جهة ولأنه يكفي لاعتبار العقد بيعاً أن يكون الثمن من النقود، سواء أكان هذا المبلغ معجلاً أو مؤجلة، وسواء أكان يدفع دفعة واحدة أو كان مقسطاً.
5ـ طبيع العقد إذا كان بعض المقابل من غير النقود:
المبحث الثاني : الثمن مقدر أو قابل للتقدير
لما كان الثمن أحد محلي عقد البيع، فيجب أن يكون مقدراً أو على الأقل قابلاً للتقدير وإلا فلا ينعقد العقد. (526/ 2 مدني). والاصل أن يتم تقدير الثمن باتفاق المتعاقدين غير أن هناك حالات يكون الثمن فيها مفروضاً على البائع والمشتري كما هو الحال في التسعير الجبري الذي تلجأ إليه الدولة في الحروب والازمات. وكذلك التسعير الذي تقرره الدولة بالنسبة للمرافق العامة كالماء والكهرباء والغاز السائل. كما أن هنالك بيوع يتحدد فيها الثمن دون حاجة للرجوع إلى ارادة البائع كبيوع المزاد العلني ونزع الملكية للمنفعة العامة. ولا يشترط لانعقاد البيع اتفاق المتعاقدين على الثمن وقت ابرام العقد بل يكفي لذلك اتفاقهما على الأسس التي يمكن تحديد الثمن بمقتضاها تحديداً نافياً للجهالة الفاحشة ومانعاً من النزاع. (527/ 1م مدني). ويترتب على ذلك جواز اتفاق الطرفين المتعاقدين على احتساب الثمن بإضافة ربح معين إلى الثمن الذي اشتري به البائع أو إلى ثمن الكلفة، أو أن يحسب الثمن على أساس متوسط الأثمان التي باع بها البائع في يوم أو في اسبوع أو على أساس سعر السوق في تاريخ ومكان معينين. إلا أنه لا يجوز للمتعاقدين الاتفاق على أن ينقل البائع ملكية المبيع إلى المشتري مقابل الثمن الذي يساويه، لأن هذا العقد يؤدي إلى النزاع. وكذلك الحكم لو اتفقا على أن يكون الثمن هو ما يقبل ان يشترى به اي شخص آخر، لأن هذا الاتفاق قد يؤدي إلى الضرر والغش بأحد المتعاقدين. فقد يتفق البائع مع شخص آخر على أن يعرض عليه ثمناً مرتفعاً لإجبار المشتري على الشراء بهذا الثمن، أو قد يتفق المشتري مع شخص آخر على أن يعرض على البائع ثمناً بخساً لإجبار الأخير على البيع بهذا الثمن. ولا يجوز ترك تقدير الثمن لأحد المتعاقدين لأن ذلك يجعل المتعاقد الآخر تحت رحمة المتعاقد المفوض بتحديد الثمن والذي يكون قادراً على ابطال مفعول العقد بالامتناع عن تحديده(2). ولكن هنالك من يذهب إلى جواز ترك تقدير الثمن لأحد المتعاقدين بشرط ان يكون الثمن عادلاً، بداعي أنه للطرف الآخر مراجعة القضاء لتحديد الثمن العادل إذا حدد الطرف المفوض بتحديد الثمن ثمناً غير عادل، أو امتنع عن التحديد، كما يرى البعض صحة الاتفاق الذي بمقتضاه يلتزم المشتري بقبول الثمن الذي يحدده البائع. أما الاتفاق الذي بمقتضاه يترك تحديد الثمن للمشتري فيعتبر باطلاً تطبيقاً لنظرية الشرط الارادي.
وكذلك لا يجوز للمتعاقدين تأجيل الاتفاق على الثمن إلى وقت مستقبل وإلا فلا ينعقد بينهما بيع لعدم اتفاقهما على ركن من أركانه.
وينص القانون المدني على ثلاثة أسس يمكن بموجبها تحديد الثمن وهي:
1ـ البيع بسعر السوق:
إذا كان الاتفاق ينص على البيع بسعر سوق في مكان وزمان معين حيث يجب أخذ هذه السوق بنظر الاعتبار عند تحديد الثمن. وإذا لم يحدد مكان وزمان هذه السوق فالسوق هي سوق زمان ومكان التسليم. أما إذا لم يكن في مكان التسليم سوق فالسوق هي المكان الذي يقضي العرف بأن تكون أسعاره هي السارية. (527/ 2 مدني).
والسوق لا تقتصر على الأسواق المنظمة كالبورصات، بل تشتمل كل مكان يجتمع فيه العرض والطلب على نطاق غير ضيق.
2ـ البيع بالسعر المتداول في التجارة أو السعر الذي جرى عليه التعامل بين المتعاقدين:
لا يشترط المشرع تحديد الثمن أو تحديد الاسس التي تؤدي إلى تحديده صريحاً بل هو يجيز للمتعاقدين تعيينه ضمناً. إذ من الممكن أن ينطوي سكوت
المتعاقدين عن تحديد الثمن على انفاق ضمني على ترك تحديده إلى سعر السلعة المداول بين التجار وذلك تبعاً لظروف وملابسات التعاقد. وفي هذه الحالة يعتبر الثمن قابلاً للتقدير. وعند تقدير. وعند تقديره يؤخذ سعر السلعة المتداول بين التجار بنظر الاعتبار. سواء كان هذا السعر هو سعر البورصة أو سعر الاسواق المحلية في مكان تسليم المبيع.
والعبرة ليست بقيمة المبيع في ذاته، بل بسعره المتداول في الأسواق سواء أكان هذا السعر أقل أو أكثر من قيمته الحقيقية. وللقاضي الاستعانة بخبير من التجار لتحديد سعر السوق إذا لم يتبين له وضوح السعر المتداول في الأسواق. كما يلاحظ أن بإمكان المتعاقدين الاتفاق ضمناً على أن يكون الثمن هو السعر الذي جرى عليه التعامل بينهما. وعليه إذا اعتاد تاجر المفرد أن يطلب كل يوم أو كل اسبوع من تاجر الجملة بضاعة معينة دون أن يحدد له الثمن، فيمكن أن يستفاد من ذلك أنه قصد ضمناً أن يكون الثمن هو الثمن الذي جرى به التعامل بينهما سابقاً إلا إذا نبه البائع عملية (تاجر المفرد) برفع هذا الثمن (528م مدني).
3ـ البيع على أساس الثمن الذي اشترى به البائع:
فالمشرع يجوز للمتعاقدين الاتفاق على جعل الثمن الذي اشترى به البائع أساساً لتقدير الثمن كأن يتفقا على أن يكون الثمن هو مثل الذي اشترى به البائع أو أكثر أو بأقل من ذلك. وفي هذه الحالات يتوجب على البائع أن يبين هذا الثمن. وللمشتري أن يثبت أن الثمن الذي بينه البائع يزيد على الثمن الحقيقي، وله أن يثبت ذلك بكافة طرق الاثبات ومنها البينة والقرائن، لأن الاثبات بالنسبة للمشتري هنا اثبات لواقعة مادية لا تصرفاً قانونياً. فضلاً عن أن البيان الصادر من البائع بثمن أعلى من الثمن الحقيقي ينطوي على غش والغش يثبت بجميع طرق الاثبات (530م مدني). وحكم المادة 530 اعلاه مقتبس من الفقه الاسلامي ولا نظير له في القوانين المدنية الأجنبية. ويطلق الفقه الاسلامي على هذه البيوع ـ (بياعات الأمانة). وهذه البيوع هي: بيع المرابحة، وبيع الاشراك، وبيع الوضيعة. والمشتري في هذه البيوع يحتكم إلى ضمير البائع ويطمئن إلى امانته، فيبتاع منه البضائع بمثل الثمن الذي اشترى به البائع أو بأكثر او بأقل من ذلك. والرأي الراجح عندنا يذهب إلى عدم ضرورة حكم المادة 539 أعلاه، لأن في القواعد للعامة ما يغني عنه. فقد سبق للمشرع العراقي أن نص على حكم المادة المذكورة في الفقرة الثانية من المادة 121 من القانون المدني العراقي التي تنص على أنه (ويعتبر تغريراً عدم البيان في عقود الأمانة التي يجب التحرز فيها عن الشبه بالبيان كالخيانة في المرابحة والتولية والاشراك والوضيعة) وما يؤيد الرأي أعلاه هو أن حكم هذه البيوع في القوانين الأجنبية هو نفس الحكم الوارد في المادة 530 من التشريع العراقي رغم عدم وجود نص مماثل في القوانين المذكورة(3).
4ـ ترك تقدير الثمن لأجنبي يتفق عليه المتعاقدان:
تجيز المادة 1592 من القانون المدني الفرنسي للمتعاقدين أن يفوضا أمر تحديد الثمن إلى شخص آخر أو غلى اشخاص آخرين. اختلف الشراح بشأن طبيعة التفويض فاعتبر البعض منها مهمة الاجنبي تحكيماً واعترض عليه لان التحكيم يفترض قيام نزاع في حقوق موجودة بالفعل في حين المطلوب هنا هو تحديد الثمن الذي يعد ركناً من أركان العقد. واعتبره آخرون خبرة إلا أنه اعترض عليه لأن رأي الأجنبي ملزم خلاف رأي الخبير وقضي القضاء الفرنسي في بعض أحكامه بأن عمل الأجنبي لا يعتبر تحكيماً بحتاً أو خبرة خالصة، بل هو يجمع بين التحكيم والخبرة(4) واعتبره في احكام اخرى له وكيلاً عن المتعاقدين(5) اللذين احلا ارادته محل ارادتيهما والتزما باحترامها وهذا الرأي هو الراجح. ومع ذلك يعترض البعض(6) عليه بداعي أن الوكيل ليس له إلا صفة النيابة عن الموكل، في حين أن هؤلاء المفوضين بتقدير الثمن لهم ارادة مستقلة وراي نافذ على المتعاقدين.
وما حكم العقد المشتمل على التفويض؟ يعتبر البعض مثل هذا العقد مجرد مشروع أي عقداً ناقص لا يتم إلا عند تقدير الثمن(7). ولكن الرأي الراجح هو أن عقد البيع ينعقد من تاريخ اتفاق الطرفين على تعيين الأجنبي لتحديد الثمن حتى ولو لم يحدد بعد. فالعقد يعتبر بيعاً معلقاً على شرط واقف هو تحديد الثمن من قبل الأجنبي المفوض بذلك في العقد فإذا تحقق هذا الشرط، لزم البيع وأنتج اثاره بأثر رجعي إلى تاريخ الاتفاق. وإذا لم يتحقق الشرط المذكور أما نظراً لامتناع الأجنبي أو أحدهم عن تحديد الثمن أو بوفاته فإن البيع يعتبر كأن لم يكن في هذه الحالة، ولا يجوز للمحكمة أن تتدخل وتقوم بتحديد الثمن بدلاً عن الأجنبي لأن تدخلها يعتبر تدخلاً في تكوين العقد وهذا أمر ليس للمحكمة أن تفعله.
وراي الاجنبي ملزم للعاقدين وللمحكمة ولكن يجوز الطعن فيه في الحالتين التاليتين وذلك وفقاً للقواعد العامة:
أـ إذا ثبت أن الأجنبي المفوض بتقدير الثمن قد ارتكب تدليساً ضد أحد الطرفين المتعاقدين أو إذا كان هو ضحية تدليس صادر من أحد الطرفين أو إذا كان واقعاً في غلط بين.
ب ـ إذا كان الشخص المفوض بتقدير الثمن قد تجاوز الحدود التي رسمها له الطرفان.
وتخول المادة 319 من القانون الألماني المتعاقدين حق الاعتراض على الثمن الذي يقدره الأجنبي المفوض بذلك في حالة مخالفته للعدالة عند تحديده الثمن مخالفة ظاهرة. ولا يجوز الأخذ به في التشريع الفرنسي لعدم وجود حكم مماثل للألماني(8). أما إذا لم يعين المتعاقدان الاجنبي في نفس العقد بل اتفقا عليه في عدد لاحق، فإن البيع لا يوجد إلا من تاريخ الاتفاق اللاحق، أي تاريخ تعيين الاجنبي. لأن العقد الأول لا يشمل على ثمن ولا على تفويض أحد بتقديره حتى يمكن اعتباره معلقاً على شرط واقف. وإذا اتفق المتعاقدان على تفويض اجنبي بتقدير الثمن ولكن دون أن يحدد في العقد، ثم يتفقا على تسميته بعد ذلك فالبعض يذهب إلى أن ليس هناك من مانع يمنع المحكمة من ذلك، لأن ـ المحكمة في هذه الحالة لا تتدخل في تكوين العقد، بل تعمل على تفسير ارادة المتعاقدين الضمنية(9).
الرأي الراجح فقها وقضاء إلى خلاف ذلك لأن وظيفة القضاء حسم المنازعات ولا يدخل ضمنها معاونة الناس على انشاء العقود، ولا إضافة شروط جديدة على عقود المتعاقدين. فالبيع لا ينعقد لتخلف ركن الثمن إلا أن ذلك لا نفي نشؤ عقد منشئ لالتزامات بين المتعاقدين، بمقتضاه يجب على كل منهما القيام بتعهده وألا جاز مطالبة الطرف المخل بهذا الالتزام بالتعويض. ومع ذلك يذهب بعض الشراح في مصر إلى أنه لا يصح مطالبة العاقد الآخر بشيء، لأن تعهده عبارة عن بيع لم يتم. ولا يوجد مانع، في التشريع العراقي والمصري، يمنع من ترك أمر تقدير الثمن إلى اجنبي من قبل المتعاقدين رغم عدم وجود نص مماثل لنص المادة 1592 من القانون المدني الفرنسي. لعدم وجود نص يمنع المتعاقدين من ذلك من جهة. ولعدم تعارض هذا الاتفاق مع النظام العام والآداب من جهة أخرى خاصة وأن الفقرة الأولى من المادة 527 من التشريع المدني العراقي تجيز اقتصار التقدير على بيان الأسس التي يحدد الثمن بموجبها فيما بعد، ولا ريب أن من بين هذه الأسس هو تفويض الغير بتقدير الثمن
المبحث الثالث : الثمن الجدي
يلزم لانعقاد عقد البيع، أن يكون الثمن جدياً، بمعنى أن البائع ينوي اقتضاءه من المشتري حقيقية.
إلا أن ذلك لا يعني وجوب مساواة الثمن لقيمة المبيع، إذ قد ينقص الثمن عن هذه القيمة وقد يزيد عنها، لأن الثمن هو اليمة التي يقدر المتعاقدان المبيع بها(10).
فالقانون لا يعتد التباين بين الثمن وقيمة المبيع إلا في الحالات التالية.
1ـ حالة الغبن المصحوب بالتغرير إذا تحققت شروط المادة 121 من القانون المدن ويكون العقد، في هذه الحالة، موقوفاً على اجازة المغبون
2ـ حال ما إذا كان أحد المتعاقدين قد استغلت حاجته أو طيشه أو هواه أو عدم خبرته أو ضعف ادراكه فلحقه من تعاقده غبن فاحش طبقاً للمادة 125 من القانون المدني. وفي هذه الحالة، يكون للمتعاقد المغبون أن يطلب رفع الغبن عنه إلى الحد المعقول خلال سنة من وقت العقد. وإذا كان للتصرف الذي صدر منه تبرعاً جاز له في هذه المدة أن ينقضه.
3ـ حالة الغبن الفاحش الذي يصيب المحجور أو مال الدولة أو الوقف التي أشارت إليها الفقرة الثانية من المادة 124 من القانون المدني، حيث يعتبر البيع باطلاً.
فالأصل إذن هو أن القانون لا يشترط في الثمن إلا أن يكون جدياً، أي أنه لا يعني، كقاعدة، بعدم التناسب بين الثمن وبين القيمة الحقيقية للمبيع إلا استثناء وفي الحلات التالية:
1ـ الثمن الصوري
الثمن الصوري هو الثمن الذي يذكر في العقد لمجرد استيفاء العقد مظه9ره الخارجي. فالبائع، على الرغم من تسميته الثمن في العقد، لا ينوي أن يطالب المشتري به ويقتضيه منه كلا أو قسماً.
وصورية الثمن أما أن تكون مطلقة، أو أن تكون نسبية. وتكون الصوري مطلقة إذا اتفق الطرفان على أن لا يلتزم المشتري بالثمن المسمى، وتكون نسبية إذا اتفقنا على مخالفة الثمن المسمى في العقد لحقيقة ما اتفقا عليه فعلاً.
والعقد يكون باطلاً في الحالة الأولى (الصورية المطلقة)، لانعدام ركن من اركانه وهو الثمن. إلا أن بطلانه باعتباره بيعاً لا يمنع من تقرير صحته على اعتباره هبة مستترة إذا توافرت شروطها، وذلك تطبيقاً لنظرية تحول العقد (140م مدني). مع ملاحظة عدم جواز الطعن بالصورية في التصرفات العقارية بعد تسجيلها في دائرة التسجيل العقاري (149م مدني)(11). من قانون التسجيل العقاري. ولا يكفي مجرد خلو العقد من اثبات دفع الثمن عند التعاقد لاعتبار الثمن صورياً، لأن ذلك لا نفي التزام المشتري بدفعة عند المطالبة. كما ان الثمن لا يعتبر صورياً إذا ابرأ البائع المشتري م الثمن أو هبة له في عقد أو في اي تصرف قانوني لاحق لعقد البيع، لأن العبرة بجدية الثمن هي عند ابرام العقد وليس بعد ذلك. فعقد البيع هو عقد صحيح منتج لاثارة، وكل الذي حصل بعد البيع، انما ينشأ عن علاقة جديدة بين البائع والمشتري. ويذهب البعض إلى امكانية الطعن بالصورية في الحالة مدار البحث، إذا تبين ان الطرفين كانا قد بيتا أمر تبرع البائع للمشتري بالثمن قبل أو اثناء انعقاده البيع إذا كان المبيع منقولاً، أو إذا كان عقاراً ولكن العقد لما يسجل بعد في دائرة التسجيل العقاري(12). ويلاحظ بأن رأياً في القضاء والفقه يذهب إلى اعتبار الثمن صورياً متى كان المشتري في وذع لا يمكنه فيه دفع الثمن أو لم يكن هناك من تناسب بين موارده وبين الثمن أو كان البائع عالماً بحقيقة وضع المشتري. لأن هذا الأمر يدل على انعدام نية اقتضاء الثمن من المشتري لدى البائع، وعلى انعدام نية المشتري هو الآخر في الالزام بدفعه(13). ولكن الراجح من انعدام التفاوت المذكور لا يقوم في ذاته دليلاً على جدية الثمن أو جدية البيع، إذ لا تلازم بين حالة الاعسار وصورية العقد، فإذا اقتنعت المحكمة المختصة بأن تصرفاً ما كان صورياً، فعليها أن تحكم بذلك، ولا يتحتم عليها أن تبحث وتدقق المستندات المقدمة من المشتري اثباتاً ليساره ومقدرته على دفع الثمن، لأن هذا الأمر لا يقدم ولا يؤخر. أما إذا كان صورية الثمن صورية نسبية، فإذا العقد ينعقد على الثمن الذي يثبته الطرف الذي يدعي الصويرة فإذا اثبت المشتري أن الثمن الحقيقي أقل من الثمن المسمى في العقد، فإنه يلزم بالثمن الحقيقي الذي اثبته. وإذا ـ أثبت البائع أن الثمن الحقيقي أكثر من المسمى، كان له المطالبة بالزيادة.
2ـ الثمن التافه
الثمن التافه هو الثمن الذي يقل عن القيمة الحقيقية بمراحل، ويكون من القلة بحيث يبعث على الاعتقاد بأن البائع لم يتعاقد للحصول على مثل هذا المقدار التافه، وانما قصد من ذكره بيان رقم ما لتكوين عقد البيع. مع أن غرض المتعاقدين المستور لم يكن المبايعة. ومثال الثمن التافه هو أن يبيع شخص داره لآخر بعشرة دنانير، أو يبيع سيارته لآخر بخمسة دنانير.
وحكم الثمن التافه كحكم الثمن الصوري، أي أن البيع لا ينعقد به، ولكن مع ذلك فهما يختلفان، فالثمن التافه هو مقدار قليل من النقود لا يتناسب أصلاً مع قيمة المبيع، ولكن البائع يحصل عليه رغم تفاهته. في حين أن الثمن الصوري يكون عادة مقداراً من النقود مناسباً لقيمة المبيع، إلا أن البائع لا يقصد الحصول عليه أما كلا أو قسماً.
ولكن هل يمكن اعتبار العقد في الحالة مدار البحث عقد هبة أم لا؟ تذهب محكمة النقض الفرنسية إلى عدم جواز ذلك، بداعي أن الهبة المستترة انما تفترض وجود عقد صحيح يضمها، ولما كان العقد قد بطل بيعاً فلا يمكن أن تقوم الهبة المستترة لوحدها ومن غير الاستتار بعقد صحيح قائم.
إلا أن الفقه يذهب إلى أن العقد لا ينعقد بيعاً، بل هبة مكشوفة غير مستترة لأن نية التبرع واضحة كل الوضوح(14).
3ـ الثمن البخس
الثمن البخس هو الثمن الذي يقل كثيراً عن قيمة المبيع، إلا أنه لا يبلغ من التفاهة مبلغ الثمن التافه. فهو ثمن جدي كان الحصول عليه هو الباعث الدافع على الالتزام بنقل الملكية إلى المشتري، فهو يصلح أن يكون مقابلاً لالتزام البائع ولذلك ينعقد به البيع. ولا يترتب عليه من أثر سوى أن يسمح للبائع بأن يطعن في العقد بالغبن إذا توافرت شروطه. ولكن ما الحكم إذا بيع عقار مقابل ايراد مرتب مدى حياة البائع، وكان الايراد يساوي غلة العقار أو يقل عنها. حيث يأخذ المشتري العقار دون أن يدفع شيئاً من ماله. فهل يعتبر الثمن جدياً يكفي لانعقاد البيع، أم هو ثمن غير جدي لا ينعقد به البيع؟
يذهب القضاء الفرنسي في بعض أحكامه، مؤيداً من بعض الشراح إلى عدم اعتبار الثمن في الحالة مدار البحث ثمناً جدياً لأن المشتري لا يدفع شيئاً من ماله الخاص(15). فاعقد يعتبر باطلاً كبيع ولكنه يصح كهبة مستترة أيضاً. وتذهب أحكام أخرى للمحاكم الفرنسية، مؤيداً من بعض الشراح إلى انه قد تكون للبائع مصلحة في التصرف في عقاره على هذا النحو، وهذه المصلحة ربما تمثلت في التخلص من متاعب ادارة الملك وفي ضمان لحصول على ايراد ثابت بالرغم من التقلبات الاقتصادية. والهلاك الكلي أو الجزئي الذي قد يلحق بالعقار ولذلك يجب اعتبار هذا التصرف بيعاً لأن الثمن المشروط فيه له صفة الجدية ولو كان بخساً. وإذا استطاع المتصرف على هذا النحو أن يطعن في العقد بالغبن فإنه لا يستطيع الطعن فيه بالبطلان لكون الثمن غير جدي. ويؤيد البعض الرأي الأول من أخذ ما تقضي به المادة 149 من القانون المدني بنظر الاعتبار. ويؤيد فريق آخر منهم الرأي الثاني لما في حجة انصاره من صواب ومنهم من يقول بعدم اكان وضع قادة عامة جامدة تطبق على جميع الأحوال، بل لا بد من تقدير كل حالة من أحوال هذه البيوع على حدة(16). ونميل إلى الرأي الثاني، لاستناده إلى أسس واقعية وسلمية، على أن يؤخذ حكم المادة 149 من القانون المدني بنظر الاعتبار والذي يقرر عدم جواز الطعن بالصورية في التصرفات العقارية بعد تسجيلها في دائرة التسجيل العقاري.
_______________________
1- بالنسبة للآراء التي ترد فيما يلي يراجع: الهلالي واحمد زكي ص108 مرقس وامام ص 840 وأنور سلطان ص166.
2- الهلالي واحمد زكي ص110 وعكس ذلك سليمان مرقس ص171.
3- الصراف ص123.
4- ذنون ف130.
5- غني حسون طه ص191.
6- بصدد هذه الآراء يراجع: الهلالي وحامد زكي ص112 و113 و114 السنهوري ج4 ص379 هامش (1). الصراف ص 119 سليمان مرقس ص135، انور سلطان ص175، العامري 86. غني حسون ص191 و192.
7- يراجع بصدد هذا الرأي: الهلالي وحامد زكي ص114 هامش (2) انور سلطان ص77. السنهوري ج4 ص379 هامش (1).
8- الصراف ص118. الهلالي وحامد زكي ص115 هامش3.
9- الهلالي وحامد زكي. انور سلطان ص175 العامري ص870 غني حسون طه ص193. الصراف ص118.
10- الهلالي وحامد زكي ص 103 انور سلطان 1679.
11- السنهوري ج4 ص380 مرقس ف181.
12- العامري ص88، غني حسون طه ص195. السنهوري ج4 ص385 مرقس ص 181 الصراف ص111، 112.
13- السنهوري ج4 ص385. مرقس ص181. غني حسون طه ص195. العامري ص89.
14- السنهوري ج4 ص386. مرقس ص183. غني حسون طه ص196.
15- يراجع بصدد هذه الآراء السنهوري ج4 ص386. الشرقاوي ص113. سليمان مرقس ص186.
16- العامري ص91 حسن علي الذنون ص109 ـ ويذهب الدكتور غني حسون طه إلى وجوب أخذ حكم المادة 149 من القانون المدني بنظر الاعتبار، سواء أخذنا بالرأي الأول أو الثاني ص198.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً