السند العرفي واختصاص رئيس المحكمة التجاريـة
القرار موضوع هذا التعليق حاول الإجابة عن سؤال حول مدى اختصاص رئيس المحكمة الابتدائية العادية في استصدار أمر بالأداء بناء على سند عرفي كلما تضمن دينا قائما بين تاجرين، وبصدد أعمالهم التجارية:فمن المختص إذا ؟
1- صورة النازلـــة :
تقدمت شركة تجارية إلى السيد رئيس المحكمة الابتدائية بمقال بالأمر بأداء مبلغ معين من المال مؤسس على اعتراف بالدين لم ينازع فيه المدين أمام قضاة الدرجة الثانية.
ولقد قضت محكمة الاستئناف العادية بتأييد الأمر بالأداء الصادر عن السيد رئيس المحكمة الابتدائية. وهو موضوع الطعن بالنقض أمام الغرفة التجارية بالمجلس الأعلى :
ولقد عاب الطاعن عن القرار الاستئنافي خرقه المادة 22 عن قانون إحداث المحاكم التجارية، لان السند العرفي يفيد أن الدين محل الالتزام مترتب من تاجرين وبصدد معاملاتهما التجارية.
وعليه فان الاختصاص منعقد لرئيس المحكمة التجارية لا لرئيس المحكمة الابتدائية.
ولقد قضى المجلس الأعلى بنقض القرار الاستئنافي بالعلة التالية :
“حقا أن النزاعات القائمة بين التجار بمناسبة القيام بأعمالهم التجارية تندرج ضمن اختصاص المحاكم التجارية بموجب المادة 5 من القانون المحدث للمحاكم التجارية، وأنه بالرجوع إلى وثيقة الالتزام موضوع الأمر بالأداء فإنها تشير إلى أن الدين موضوع الالتزام مترتب عن معاملات بين الطاعن وشركة داركون غاز ونشأ عن معاملة تجارية عملا بالفقرة الثانية من الفصل الخامس المشار إليه أعلاه، ولاسيما أن المطلوبة أقرت ضمن الإنذار – الذي وجهته إلى الطاعن والمدلى به أمام قضاة الموضوع -بان الدين المطالب به ناتج عن معاملة تجارية بينهما وينعقد بشأنه الاختصاص للمحاكم التجارية، وأن المحكمة الاستئنافية كما قضت بخلاف ذلك تكون قد خرقت القانون وعرضت قرارها للنقض”.
2- التعليـق :
إن الحقوق كيفما كانت طبيعتها تمنح تراضيا، ولا يلجأ إلى القضاء إلا في حالة نكران الحق عن صاحبه أوالمنازعة فيه.
والأصل :أن المنازعات في الموضوع ينظرها قاضي الموضوع، وفي حرمه يتناضل الخصمان ويقرعان الحجج في إطار مسطرة تواجهية حضورية قد يطول مداها بحسب طبيعة النزاع وخصوصيته.
لكن إرادة المشرع تدخلت وابتدعت مساطر تشريعية تقطع فيها المراحل، ويصل فيه أحد أطراف النزاع إلى استصدار سند تنفيذي يمكنه من استخلاص دينه الثابت والحال وغير المتنازع فيه، بمجرد طلب الأمر بالأداء يرفعه إلى الرئيس ليستصدر أمرا بالأداء خاصيته انه لا يقبل الطعن بالتعرض من جهة، ويصدر في غيبة الأطراف من جهة أخرى.
ومسطرة الأمر بالأداء مسطرة استثنائية، حدد المشرع نطاق سماع الأمر بالاستجابة للطلب أو رفضه. إذ نظمتها المادة 22 من قانون إحداث المحاكم التجارية. كما سبق أن ضمنت في الفصل 155 وما يليه من قانون المسطرة المدنية.
ومناط سماع الأمر بالأداء أمام رئيس المحكمة التجارية هما السند الرسمي والأوراق التجارية.
والقرار موضوع التعليق يدفعنا إلى التساؤل حول حصرية مناط مسطرة الأمر بالأداء من عدمه ؟ وبعبارة أخرى هل يمكن أن تؤسس مسطرة الأمر بالأداء على غير السند الرسمي والأوراق التجارية ؟
وقبل معالجة هذا السؤال على ضوء القرار موضوع التعليق، يجب التذكير باستئنائية هذه المسطرة. فالمدعى يمتلك سلطة الخيار بين سلوكها أمام الرئيس أو الركون إلى قاضي الموضوع، باعتباره صاحب الولاية العامة للنظر في موضوع النزاع من غير أن تمتلك محكمة الموضوع أن ترفض النظر لفائدة رئيسها.
والعلة من إقرار هذه المسطرة، كونها تتلاءم مع بعض القواعد التي تجعل المنازعة في دائنية طالب الأمر بالأداء تبدو غير جدية لطبيعة السند (رسمية السند أو إعمال قواعد القانون الصرفي مثلا).
وتتميز هذه المسطرة بكون الاستجابة لطلب الأمر بالأداء، وتأييده استئنافيا بعد رد الطعن بالاستئناف انه لا يكتسب أية حجية أمام الموضوع. إذ المحكوم عليه في إطار هذه المسطرة الاستثنائية أن يرجع إلى قاضي الموضوع ليقيم مناقشة حضورية بشان الدفوع التي يعتزم التمسك بها، لان قضاة الدرجة الثانية ينظرون كقضاة لمسطرة استثنائية يقدرون مدى جدية المنازعة عن عدمها ولا ينظرون كقضاة الموضوع خلاف ما ذهب إليه القرار موضوع التعليق.
وعليه فان الدفوع التي سبق التمسك بها أمام قاضي الدرجة الثانية من مستأنف الأمر بالأداء فان نظره لها ليس كقاض للموضوع، وهو خلط وقع فيه القرار موضوع التعليق مما يفيد أن صياغة القرار تنقصه الدقة والضبط المفاهمي والمرجعية المسطرة.
ذلك أن محكمة الاستئناف تنظر كجهة استئناف في مسطرة الأمر بالأداء، تتقيد بمناطها، وشروطها وتستأثر بالسلطة التقديرية لتقدير مدى جدية أو عدم جدية الدفوع المتمسك بها.
إذ لو كانت فعلا وحكمه موضوع لما حق لها أن تحيل الأطراف على المحكمة لتنظر في الموضوع وفقا للإجراءات العادية، ولما حق لها أن تلجا إلى إجراءات التحقيق وهي صلاحية متعذرة اللجوء إليها والتماس الجوهري المطروح منذ بداية العمل بالمحاكم التجارية هو هل المادة 22 من قانون الإحداث تشكل مناط مسطرة الأمر بالأداء أم قاعدة اختصاص نوعي خاص برئيس المحكمة التجارية، وبالتالي اختصاصه قد يتجاوز اختصاص محكمته في الموضوع ؟
بعبارة أخرى هل المادة 22 تحدد موضوع ومناط مسطرة الأمر بالأداء لبث رئيس المحكمة التجارية ويتقيد في ذلك بالاختصاص العام بمحكمته في الموضوع أم تضع قاعدة اختصاص نوعي من الدرجة الثانية ومن نوع خاص لفائدة محكمة الرئيس؟
لقد سبق لرئيس المحكمة التجارية باكادير أن رفض أمرا بالأداء ولم يقض بعدم الاختصاص، بعلة أن الطلب وان هو مؤسس على سند رسمي فيلزم بالإضافة من ذلك أن يكون النزاع من اختصاص محكمة في الموضوع. وعليه، فان الأمر بالأداء بناءا على رسم زواج لأداء مؤخر الصداق ثابت بالدخول ومضمن في سند رسمي لا يكفي لسماع الأمر به أمام المحكمة التجارية، والاستفادة بالتالي من القوة التنفيذية للسند.
نخلص إذا : أن استئنائية هذه المسطرة، تجعل مناط الأمر بالأداء في المادة التجارية محدد حصرا إذ لا يمكن في اعتقادنا أن يبنى إلا على سند رسمي أو ورقة تجارية.
وعليه، فان الورقة العرفية، ولو تعلق الأمر بدين تجاري قائم بين تاجرين، وان هو في اختصاص المحكمة التجارية في الموضوع، فانه لا نتصور أن يعرف طريقه إلى سماع الأمر بأدائه في إطار المادة 22 من قانون إحداث المحاكم التجارية.
وعليه، ففي هذا الشق فان ما سار إليه المجلس الأعلى غير وجيه ومنتقد.
المأزق الذي أوصلنا إليه القرار موضوع التعليق هو كالآتي :
لا فقه ولا قضاء سوف يسلمان بوجاهة ما ذهب إليه القرار موضوع التعليق.
المستفيد من دين تجاري ثابت بمقتضى سند عرفي هو أمام خيار وحيد وهو المطالبة بدينه أمام قاضي الموضوع لدى المحكمة التجارية.
أما سلوك مسطرة الأمر بالأداء في إطار المادة 22 من قانون إحداث المحاكم التجارية، فان طرق باب الرئيس، رده هذا الأخير وهو بذلك لا يلام.
فان رجع إلى رئيس المحكمة الابتدائية في إطار الفصل 155 من قانون المسطرة المدنية، فقد يكون مآل طبله هو الآخر رفض الطلب بعلة أن السند العرفي الذي تؤسس عليه مسطرة الفصل 155 من ق/م/م/ يستلزم من باب أولى أن يكون النزاع في الموضوع من اختصاص المحكمة الابتدائية. وإلا فان محكمة الاستئناف العادية على افتراض قبوله من طرف الرئيس، سوف تعمل على إحالة النزاع وفقا للإجراءات العادية أمام المحكمة التجارية إن هي قضت بقبول الاستئناف والتصدي من جديد برفض الطلب.
اترك تعليقاً