دراسة وبحث قانوني رائع عن مفهوم الضبطية القضائية في نطاق التشريعات البيئية
دأب البشر منذ الخليقة إلى الإعتداء على الموارد الطبيعية التي منحهم الله سبحانه وتعالى إياها مما يترتب على ذلك إخلال للإتزان البيئي نتيجة تلك الممارسات البشرية الضارة. فالاعتناء بالبيئة والمحافظة عليها وحمايتها يعتمد في الأساس على دور الإنسان في التعامل مع البيئة المحيطة بها والتي يعيش فيها. كما ساهم التطور الهائل في مجال الصناعة والتكنولوجيا إلى تفاقم المشاكل البيئية نتيجة إزدياد وانتشار الملوثات التي تؤثر بالسلب على الصحة العامة فضلا عن ما تسببه من تدهور للنظام البيئي الطبيعي. وإزاء خطورة ظاهرة التلوث والمشاكل البيئية المترتبة على هذه الظاهرة بدأت جهود الدول تتزايد من أجل الحد من الممارسات الضارة والأنشطة المدمرة والتي تؤثر على البيئة بالسلب. ومن ثم عكفت الدول على سن التشريعات اللازمة للمحافظة على البيئة وحمايتها من الأضرار الهائلة التي تلحق بها وتؤثر فيها وتعود عليها بخسائر جمة.
وكان نتيجة لذلك أن تضمنت نصوص هذه التشريعات أحكاما تخول الجهات القائمة على تنفيذ هذه التشريعات منح موظفيها الصلاحيات والسلطات اللازمة للقيام بأعمال الرقابة والتفتيش على المنشآت للحيلولة دون وقوع الأضرار التي تمثل مخالفة لأحكام هذه التشريعات.وعليه تكون الصلاحيات والسلطات التي تمنح للموظفين القائمين على مراقبة تنفيذ قوانين حماية البيئة تسمى (( الضبطية القضائية)). وتجدر الإشارة إلى أن الضبطية القضائية يسبقها إجراءات تسمى (( الضبطية الإدارية)) وهي أعمال وقائية تهدف إلى منع وقوع الجرائم أي هدفها وقائي بحت.
تنقسم هذه الورقة إلى ثلاثة مباحث هي :
ماهية الضبط الإداري والضبط القضائي في نطاق حماية البيئة .
مهام مأموري الضبط القضائي في مجال جرائم الإعتداء على البيئة .
المشكلات التي تواجه مأموري الضبط القضائي المختصين بتنفيذ تشريعات حماية البيئة.
– النتائج والتوصيات
المبحث الأول
ماهية الضبط الإداري والضبط القضائي في نطاق حماية البيئة
تقسيم :
للحديث عن الضبط الإداري وكذلك الضبط القضائي يستوجب الأمر أن نتعرض بداية إلى مفهوم الضبط بشكل عام ثم نتناول الضبط الإداري ومفهومه كأحد نظريات القانون الإداري ، ثم الضبط القضائي بوصفه كإجراء تكميلي للضبط الإداري في حالة إخفاقه في تحقيق أهدافه، ثم نوضح بعد ذلك ماهية كل من نوعي الضبط في نطاق حماية البيئة .
لذلك سنقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب على النحو التالي :
– المطلب الأول : مفهوم الضبط بشكل عام.
– المطلب الثاني : مفهوم الضبط الإداري والضبط القضائي .
– المطلب الثالث : ماهية الضبط الإداري والضبط القضائي في نطاق حماية البيئة.
المطلب الأول:
مفهوم الضبط بشكل عام
يقصد بالضبط بشكل عام بأنه التنظيم الذي تقوم به الدولة في سبيل المحافظة على أمن وسلامة المجتمع، ومن ثم فهو يمثل أحد المهام الرئيسية التي تسعى لها كافة الدول. وهذا التنظيم المحدد من قبل الدولة والذي يطلق عليه نظام الضبط، يقوم على أساس الوقاية لدرء كافة المخاطر والأضرار التي يمكن أن تلحق بسلامة الدولة ونظامها العام. فالدولة في ظل مالها من سلطات تصدر القوانين والقرارات اللازمة لحماية نظامها العام، وتضع التدابير الاحترازية الملائمة، والتي تكفل عدم الإخلال بهذه القوانين والقرارات، والعمل على الحيلولة لوقف أي مخاطر أو اضطرابات يمكن أن تحدث من الأفراد وتمس النظام العام للدولة. وبالتالي يتضح من معنى الضبط بأنه ذو وظيفة تتصل اتصالا مباشرا بالغرض من إنشاء الدولة والمحافظة على أمنها واستقرارها.
المطلب الثاني:
مفهوم الضبط الإداري والضبط القضائي
أولا: مفهوم الضبط الإداري:-
الضبط الإداري هو وظيفة من أهم وظائف الإدارة، تتمثل في المحافظة على النظام العام في الأماكن العامة عن طريق إصدار القرارات اللائحية والفردية واستخدام القوة المادية مع ما يستتبع ذلك من فرض قيود على الحريات الفردية يستلزمها انتظام أمر الحياة في المجتمع. والضبط الإداري نوعان الأول هو الضبط الإداري العام ويكمن هدفه في المحافظة على النظام العام للدولة، والثاني هو الضبط الإداري الخاص ويكون هذا النوع وفق قوانين خاصة لتنظيم بعض أنواع النشاط ، ويعهد به إلى سلطة إدارية خاصة بغية تحقيق أهداف محددة. وتجدر الإشارة إلى أن الضبط الإداري العام يتنوع في بعض البلاد مثل فرنسا إلى نوعين ضبط إداري قومي وهذا النوع يشمل نطاق اختصاصه إقليم الدولة كله ويمارسه رئيس الوزراء والمختصون من رجال السلطة المركزية ، والنوع الثاني هو ضبط إداري محلي وهذا الضبط ينحصر اختصاصه في جزء معين ومحدد من إقليم الدولة كالمحافظة أو المدينة ويمارسه المحافظ أو العمدة. أما بشأن الضبط الإداري الخاص فتمارسه هيئات ومؤسسات خاصة يتم إنشاؤها وتحديد اختصاصاتها بموجب قوانين محددة.
ونخلص مما سلف إلى أن الضبط الإداري ينحصر في كونه مجموعة من الإجراءات الوقائية التي تقوم بها الدولة لمنع وقوع الجرائم قبل إرتكابها من خلال إتخاذ الوسائل والتدابير اللازمة التي تحد من ارتكاب هذه الجرائم. والوسائل التي تستخدمها السلطات المناط بها الضبط الإداري غالبا ما تكون ثلاث وسائل : أولها ما يعرف بلوائح الضبط أو اللوائح الإدارية، وثانيها القرارات الإدارية الفردية، وثالثها القوة المادية، والتي نكتفي بالإشارة إليها عند هذا الحد دون الخوض في هذه الوسائل بالتفصيل حرصا على عدم الخروج عن مقتضيات هذا البحث.
ثانيا:مفهوم الضبط القضائي:-
يتمثل الضبط القضائي في أنه قيام مأمورو الضبط القضائي بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات اللازمة للبدء في التحقيق. والضبط القضائي نظام معروف في كافة التشريعات المعاصرة، وهو في أساسه وليد الضرورة، فالنيابة العامة لا تملك القدرة الفعلية على القيام بنفسها بالتحري عن الجرائم وجمع المعلومات اللازمة عنها وعن مرتكبيها، مما أدى ذلك إلى إسناد هذه المهمة إلى جهاز يعاون النيابة في عملها وهو ما يعرف بسلطة الضبط القضائي. والقائمين بمهمة الضبط القضائي يطلق عليهم القانون أسم مأموري الضبط القضائي ويمكن أن نقسمهم إلى مجموعتين كما يلي :
أعضاء النيابة العامة ومعاونها ، ورجال الشرطة ( ويطلق عليهم مأموري الضبط القضائي ذوي الاختصاص العام).
الموظفين العاملين في الجهات الحكومية والذين يتم منحهم صفة الضبطية القضائية من قبل السلطة المختصة بذلك، لتطبيق أحكام القوانين والمراسيم والقرارات المتعلقة بعمل الجهات التابعين لها هؤلاء الموظفين ( ويطلق عليهم مأموري الضبط القضائي ذوي الاختصاص الخاص).
ويمكننا القول بأن عمل مأموري الضبط القضائي لا يبدأ إلا في حال إخفاق الضبط الإداري ، أي بعد وقوع الجريمة سواء أكانت هذه الجريمة في بدايتها الأولى أي في مرحلة الشروع أم خلال حدوثها أم اكتملت أركانها ، وذلك لجمع كافة الأدلة والبراهين على وقوع الجريمة والتوصل إلى مرتكبيها لتقديمهم إلى الجهات المختصة توطئة لمحاكمتهم.
ومن خلال استعراضنا لكل من مفهومي الضبط الإداري والضبط القضائي نستطيع القول بأن هناك بعض الاختلافات بين كلا المفهومين من حيث خصائص وسمات كل نوع وذلك كما يلي :
هدف الضبط الإداري هو العمل على منع وقوع الجريمة أي أن هدفه وقائي بحث، في حين أن الضبط القضائي هدفه قمعي بحت لأنه ينطوي على إثبات الجريمة والعمل على جمع كافة الأدلة المتعلقة بها وضبط مرتكبيها وتقديمهم للجهات المختصة.
إجراءات الضبط الإداري تكون سابقة على وقع الجريمة أما إجراءات الضبط القضائي تكون لاحقة على نوع الجريمة أو بمجرد الشروع فيها.
يمكن لإجراءات الضبط الإداري أن تستمر حتى بعد البدء في الجريمة أو ارتكابها وتصاحب إجراءات الضبط القضائي إلا أن إجراءات الأخير لا يمكن أن تبدأ قبل وقوع الجريمة ولا تصاحب إجراءات الضبط الإداري.
أعمال الضبط الإداري تعد أعمال إدارية من اختصاص القضاء الإداري أما أعمال الضبط القضائي فهي أعمال قضائية تخضع لرقابة القضاء العادي.
المطلب الثالث:
ماهية الضبط الإداري والضبط القضائي في نطاق حماية البيئة
أولا: ماهية الضبط الإداري في نطاق حماية البيئة:-
يهدف الضبط الإداري كما أوضحنا سالفا إلى حماية النظام العام بعناصره الثلاثة الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة، فغاية الضبط الإداري هنا هو عدم الإخلال بأي عنصر من عناصر النظام العام. والضبط الإداري وفقا لهذا المفهوم يعد ضبط إداري عام. ومما لا شك فيه أن كل عنصر من العناصر المنبثقة عن النظام العام لها ارتباط وثيق بالبيئة. فالأمن العام يتطلب توفير الطمأنينة لكل إنسان وحمايته من أي إعتداء يمكن أن يلحق به ثمة ضرر، فمن ثم تعكف السلطة المختصة على اتخاذ كافة التدابير اللازمة للحيلولة من وقوع أي خطر على الأفراد سواء كان مصدر هذا الخطر أفعال الطبيعة كالفيضانات والزلازل ، أم كان مصدره الإنسان كإشعال الحرائق أو التخلص من المخلفات بطرق غير صحية أو انتشار الأغذية الملوثة، أم كان مصدره الحيوان كتواجد الحيوانات المعدية أو المفترسة في الشوارع والطرق العامة، أو من أي مصدر أخر يمكن أن ينجم عنه خطورة على أمن وأمان الفرد.
والصحة العامة تستهدف الحفاظ على صحة الإنسان من أخطار الأمراض والأوبئة ومن أية أضرار أخرى يمكن أن تعود عليه وتؤثر على حالة الصحة بالسلب.
والسكينة العامة يراد بها المحافظة على الهدوء والسكون في الشوارع والأماكن العامة ومنع كل ما من شأنه إزعاج الناس وتعكير صفو هدوؤهم سواء نتيجة الضوضاء والصخب الناجم من آلات التنبيه في السيارات وأصوات الباعة المتجولين أو استعمال الراديو أو التلفاز أو أجهزة التسجيل أو ما غير ذلك بشكل مخالف للأصول المرعية وتؤدي إلى الإخلال بحريات الغير.
بيد أن هناك نوع آخر من الضبط الإداري بخلاف النوع المذكور سالفا- أي الضبط الإداري العام – وهو الضبط الإداري الخاص والذي يهدف منه المشرع إلى تنظيم أنشطة محددة مثل الرغبة في المحافظة على أنواع معينة من بعض الكائنات المهددة بالانقراض أو حماية الثورة السمكية أو النباتات أو الحد من انبعاث الملوثات من المنشآت الحرفية والصناعية وما غير ذلك.
وعندئذ يصدر المشرع القوانين اللازمة والتي تمكنه من تحقيق أهدافه ، ويسند إلى جهات إدارية محددة مختصة مهمة تطبيق هذه القوانين ومراقبة تنفيذها، ومثالا على ذلك التشريعات الصادرة بشأن حماية البيئة والمحافظة عليها أو على أحد عناصرها.
فالضبط الإداري في نطاق البيئة يهدف إلى تحقيق غايتين رئيسيتين هما:
منع أسباب التلوث.
مكافحة التلوث في حالة حدوثه من أجل إعادة تأهيل البيئة.
ثانيا: ماهية الضبط القضائي في نطاق حماية البيئة:-
أوضحنا في المطلب الثاني من هذا البحث مفهوم الضبط القضائي بوجه عام، وهو مفهوم يتعلق بشأن كافة الجرائم. إلا أن هذا المفهوم يختلف في مجال حماية البيئة لأن جرائم البيئة تختلف عن الجرائم الأخرى كجرائم السرقة أو النصب أو القتل، والتي يكون فيها الاعتداء منصبا على الأموال مثلا أو على الأشخاص.
وذلك لأن جرائم البيئة قد لا تضر شخصا محددا بذاته بل من الممكن أن يضار منها مجموعة من الأشخاص، أو يضار منها المجتمع بأسره، ومن الممكن والجائز أن يضار منها الكائنات الحية الأخرى.
كما وأن جرائم البيئة تتسم بأنها لا تتوقف عند زمان محدد أو مكان معين، فهي ممكن أن تستمر وتستغرق وقتا طويلا وتتجاوز وتعبر العديد من الدول دون أن تفلح الجهود البشرية في وقفها أو السيطرة عليها. فضلا عن أن الفاعل للجريمة من الممكن أن يكون شخص طبيعي أو شخص معنوي – كالمنشآت والمصانع- أو مجموعة من الأشخاص والذي قد يتعذر أحيانا التوصل إليهم ومعرفتهم على وجه التحديد. لذلك فإن الضبطية القضائية في نطاق تشريعات حماية البيئة تتميز بطبيعة خاصة وأهمية بالغة تعتمد بشكل رئيسي على الموظفين الذين يتم منحهم صفة الضبطية القضائية.
إذ يجب أن يكون هؤلاء الموظفين على قدر كبير من التأهيل الفني وأن يتمتعوا بخبرة علمية وعملية فائقة في المجال البيئي بما يمكنهم من أداء المهام المناطة بهم على الوجه الأمثل.
ويكون مأمورو الضبط القضائي في مجال البيئة من الموظفين العاملين في الجهات الإدارية المختصة بحماية البيئة ، ويطلق عليهم عندئذ مأموري الضبط القضائي ذوي الاختصاص الخاص، بالرغم من أنه لا ينفي ذلك حق مأموري الضبط القضائي ذوي الاختصاص العام من ضبط جرائم المساس بالبيئة.
ويمنح مأموري الضبط القضائي ذوي الاختصاص الخاص صفة الضبطية القضائية في بعض الدول كمصر مثلا بموجب قرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص، وفي قانون البيئة المصري رقم 4 لسنة 1994 قد نصت المادة ( 78) منه على اعتبار مندوبي الجهات الإدارية المختصة والممثلين القنصليين في الخارج من مأموري الضبط القضائي فيما يختص بتطبيق أحكام الباب الثالث من هذا القانون في شأن حماية البيئة من التلوث ، فضلا عن أن المادة المذكورة سمحت لوزير العدل بالاتفاق مع الوزراء المعنيين منح هذه الصفة لعاملين آخرين وفقا لما يقتضيه تنفيذ قانون البيئة.
أما في دولة الكويت فتمنح صفة الضبطية القضائية للموظفين من قبل احد المسؤولين والذي يحدده القانون في هذا الصدد ويكون ذلك بموجب قرار إداري منه، فعلى سبيل المثال يمنح المدير العام للهيئة العامة للبيئة صفة الضبطية القضائية للموظفين اللازمين للقيام بأعمال التفتيش التي يتطلبها تنفيذ القانون، وذلك استنادا للمادة ( 11 ) من القانون رقم 21 لسنة 1995 بإنشاء الهيئة العامة للبيئة المعدل بعض أحكامه بالقانون رقم 16 لسنة 1996. ومن جماع ما تقدم نخلص إلى أن الضبطية القضائية في مجال حماية البيئة تهدف إلى القيام بأعمال المراقبة والتفتيش وأخذ العينات وإجراءي القياسات والتحاليل اللازمة لإثبات جرائم الاعتداء على البيئة وفقا للقوانين والقرارات واللوائح الصادرة في هذا الشأن.
وهذا بأكمله يتطلب مما لا شك مواصفات محددة في الشخص الذي يمنح صفة الضبطية القضائية حتى يتسنى له القيام بمهمته بالشكل المطلوب، وغالبا ما يكون مأمور الضبط الإداري هو ذاته مأمور الضبط القضائي، وذلك لكي يتمكن أثناء مباشرة عمله في الرقابة والتفتيش أن يتخذ الإجراءات اللازمة لضبط الجرائم البيئية في حال اكتشافه لها على الفور.
المبحث الثاني
مهام مأموري الضبط القضائي في مجال جرائم الاعتداء على البيئة
يقع على عاتق مأموري الضبط القضائي ذوي الاختصاص الخاص في مجال جرائم الاعتداء على البيئة العديد من المهام والمسؤوليات التي تتطلب منهم القيام بها للوصول إلى الغاية المنشودة – من سن التشريعات البيئية – وهي ضبط الجرائم البيئية والتوصل إلى مرتكبيها، وتقديمهم للمحاكمة لينالوا الجزاء الرادع نتيجة ما اقترفوه في حق البيئة، لكي يكونوا عظة وعبرة لغيرهم ممن تسول لهم أنفسهم انتهاك البيئة والإضرار بها.
ومأموري الضبط القضائي في مجال البيئة يستوجب عليهم أن يكونوا من أصحاب الخبرات ولديهم مؤهلات تمكنهم من أداء عملهم على أكمل وجه، ولهم في سبيل القيام بمهامهم الحق في ممارسة كافة السلطات التي يمنحها القانون لهم صراحة، وضبط الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام القوانين والقرارات البيئية المتعلقة بمجال عملهم، وعليهم التقيد بحدود اختصاصهم المكاني المحدد لهم، ولهم الحق في كشف الجرائم بكافة الوسائل الممكنة طالما كانت هذه الوسائل لا تضر بحقوق الأفراد ولا تقيد حرياتهم، أي أن تكون كافة الأدلة التي توصل إليها مأمور الضبط وكافة ما قام به من إجراءات في نطاق القانون ومبدأ المشروعية.
ويمكننا أن نوجز مهام مأموري الضبط القضائي في مجال البيئة فيما يلي:-
أولا: القيام بأعمال الرقابة والتفتيش :-
بادي ذي بدء نوضح بأنه يمنح غالبا مأموري الضبط الإداري في مجال حماية البيئة صفة الضبطية القضائية، لكي يتمكنوا من ضبط الجرائم البيئية في حال اكتشافها إذا تبين لهم ذلك أثناء قيامهم بأعمال الرقابة والتفتيش المسندة إليهم والمكلفين بها قانونا ( تنص المادة (11) من القانون رقم 21/1995 بإنشاء الهيئة العامة للبيئة بدولة الكويت : بندب المدير العام من الهيئة أو غيرها من الجهات الإدارية المعنية الموظفين اللازمين للقيام بأعمال التفتيش التي يتطلبها تنفي هذا القانون أو اللوائح والقرارات المنفذة له وإثبات ما يقع من مخالفات لأحكامه ويكون لهؤلاء الموظفين صفة الضبطية القضائية ولهم في سبيل ذلك دخول الأماكن التي تقع بها هذه المخالفات وتحرير المحاضر وأخذ العينات وإجراء القياسات والدراسات اللازمة لتحديد مدى تلوث البيئة ومصادر التلوث والتأكد من تطبيق النظم والاشتراطات الخاصة بحماية البيئة كما لهم الاستعانة برجال الشركة إذا اقتضى الأمر ذلك).
فيجب على مأمور الضبط أن لا ينتظر في مقر عمله لحين ورود بلاغ إليه بوجود جريمة في حق البيئة، بل عليه القيام بتفقد المناطق والأماكن التي في دائرة اختصاصه لمتابعة الوضع البيئي فيها. ومن ثم إذا تبين له أن هناك مخالفة لأحكام قوانين البيئة أن يتجرد على الفور من صفته كمأمور ضبط إداري ويبدأ في مباشرة عمله وممارسة اختصاصاته كمأمور ضبط قضائي لضبط هذه المخالفة وجمع كافة الأدلة اللازمة على إثباتها والتوصل إلى مرتكبيها، واتخاذ الإجراءات المقررة قانونا في حقهم.
ثانيا: دخول الأماكن العامة المختلفة:-
يقصد بالأماكن العامة: الأماكن التي يحق لأي شخص الدخول فيها أو المرور بها دون أن يتوقف هذا الحق على إذن من الغير. ومن أمثلتها الشوارع والحدائق والمزارع والطرق والشواطئ العامة. فيقع على عاتق مأموري الضبط القضائي الانتقال إلى الأماكن العامة المختلفة ومطالعة مدى تطبيق التشريعات البيئية في تلك الأماكن للتأكد من عدم وجود أي انتهاكات للبيئة. وبالطبع فإن مأمور الضبط القضائي عند تواجده في الأماكن العامة سيقوم بمهمته المشار إليها سالفا والمتمثلة في الرقابة والتفتيش، وبالتالي يحق له مثلا أثناء تواجده في أي منطقة صناعية أخذ العينات اللازمة من الهواء الخارجي بهذه المنطقة. وإجراء القياسات المطلوبة لبيان مدى جودة الهواء بها والتأكد من عدم تجاوز النسب المسموح بها حسب المعايير البيئية المقررة.
ثالثا: دخول أماكن العمل المختلفة:-
يقصد بأماكن العمل: أي مكان معد لمباشرة نشاط صناعي أو حرفي أو تجاري أو مهني أو سياحي أو طبي أو ما غير ذلك طالما كان عليه الالتزام بتطبيق كل أو بعض أحكام قوانين حماية البيئة واللوائح والقرارات المنفذة لها.
ويحق لمأموري الضبط القضائي دخول أماكن العمل المختلفة بدون إذن صاحب العمل طالما كانت المنشأة غير متوقفة عن العمل، وعليه القيام بالإطلاع على السجلات والبيانات المتواجدة بمكان العمل، وأخذ العينات والقياسات والفحوصات اللازمة التي تمكنه من التأكد من صلاحية وكفاءة بيئة العمل في هذا المكان، وعدم وجود أية أضرار بيئية تؤثر على حق وسلامة العاملين فيه، بالإضافة إلى التأكد من عدم تأثير المكان ذاته على جودة البيئة الخارجية.
رابعا: أخذ العينات والقياسات اللازمة:-
يجب على مأمور الضبط القضائي أن يثبت جرائم البيئة التي يتوصل إليها بكافة الأدلة و البراهين المتحصل عليها بشكل قانوني سليم، فأي إجراء يقوم به مأمور الضبط بالمخالفة للقانون لا يعتد به، ويترتب عليه البطلان. ومن أهم الأدلة التي يتوقف عليها مدى مسؤولية صاحب المنشأة هي نتائج العينات التي تحصل عليها مأمور الضبط القضائي، فلذلك يكون لأخذ العينة وإجراء التحاليل والقياسات المطلوبة أهمية بالغة، لصاحب الشأن الطعن في إجراءاتها ونتائجها إذا تبين له عدم صحتها. ولهذا يتعين على مأمور الضبط القضائي مراعاة الأصول الفنية والعلمية الواجبة الإتباع في هذا الصدد من جانب، وبما يكفل ويحمي حق صاحب المنشأة من جانب آخر.
خامسا: تحرير المحاضر:-
يجب على مأمور الضبط القضائي عند ضبط أي جريمة أن يحرر محضرا بذلك يثبت فيه كافة الإجراءات التي قام بها وما لديه من معلومات بشأن هذه الجريمة، ووقت اتخاذ هذه الإجراءات ومكان حصولها، ويجب أن يشتمل المحضر على اسم وصفة محرره وتاريخ تحريره، وأن يحمل توقيع الشهود والخبراء الذين تم سماعهم، بالإضافة إلى كافة البيانات التي تخص المنشأة المخالفة وصاحبها أو بيانات المخالف والترخيص، وأن يرفق مع المحضر كافة المستندات والوثائق والمخططات إن وجدت والتي يرى مأمور الضبط القضائي أهميتها في إثبات الجريمة ويرسلها بعد ذلك إلى الجهة المختصة قانونا بإجراء التحقيق.
المبحث الثالث
المشكلات التي تواجه مأموري الضبط القضائي المختصين بتنفيذ تشريعات حماية البيئة
إن عمل مأموري الضبط القضائي ذوي الاختصاص العام يتسم دائما بالمشقة والخطورة، ولا يختلف الحال عنه بالنسبة لمأموري الضبط القضائي ذوي الاختصاص الخاص في نطاق التشريعات البيئية. فضبط الجرائم البيئية يستلزم من مأموري الضبط القضائي الصبر والمثابرة وسعة الصدر عند تعاملهم مع أصحاب المنشآت والمخالفين، فضلا عن تحملهم مشقة العمل البيئي وما يترتب عليه من أخطار ومضار، نتيجة التعرض المباشر في أغلب الأحيان لمصادر التلوث، ولأجواء بيئية خطرة تؤثر سلبا على الحالية الصحية لمأموري الضبط.
ورغما عن كل ما يتعرض له مأموري الضبط القضائي من مخاطر، إلا أنه تواجههم مشاكل أخرى لا تختلف في أهميتها عن المخاطر التي يتعرضون لها والمصاعب التي تعيق عملهم، وهذه المشكلات تتمثل بإيجار فيما يلي :
أولا: قلة الأجهزة ومعدات القياس اللازمة:-
إن أجهزة الرصد ومعدات القياس والأدوات اللازمة لإثبات جرائم المساس بالبيئة تشكل أهمية خاصة لمأموري الضبط القضائي لكونها تعد الوسائل التي لا غنى عنها في قيامه بعمله، لأنه قد يتعذر أو يستحيل الكشف عن هذه الجرائم والتوصل إليها بدون استخدام هذه الوسائل. أو يستحيل الكشف عن هذه الجرائم والتوصل إليها بدون استخدام هذه الوسائل. ولكن على أرض الواقع نجد أن هذه الوسائل لا تتوافر بالشكل المطلوب لجميع مأموري الضبط القضائي، مما يترتب على ذلك عدم إمكانية ضبط كافة المخالفات البيئية وعلى الأخص التي تتعلق بتجاوز النسب والمعايير البيئية، والتي تكون أشد في خطورتها وأكثر في أهميتها من المخالفات الأخرى المتعلقة بالنظم والاشتراطات البيئية، والتي يتسنى إدراكها بالعين المجردة وبدون استخدام أدوات أو أجهزة لذلك.
ومما لا شك فيه أن ندرة الوسائل اللازمة لعمل مأموري الضبط القضائي يترتب عليها بلا شك إعاقة لعملهم وتزايد نسب الملوثات المختلفة سواء في البيئة الخارجية أو الداخلية مما يعود على البيئة في النهاية بالسلب.
ثانيا: عدم تعاون أصحاب الشأن مع مأموري الضبط القضائي:-
يواجه غالبا مأموري الضبط القضائي عند دخولهم المنشآت الحرفية والصناعية المختلفة للقيام بأعمال التفتيش اللازمة مشكلة خطيرة تتمثل في عدم التعاون معهم من قبل القائمين على هذه المنشآت، بل أحيانا يحاول بعض العاملين فيها تعطيل وإعاقة دخول مأموري الضبط وتمكينهم من أداء عملهم في يسر وسهولة بمبرر عدم وجود تعليمات بذلك من قبل أرباب العمل. فضلا عن محاولة البعض منهم إخفاء بعض البيانات والمعلومات عن مأموري الضبط القضائي خشية من استخدامها كأدلة للإدانة ضدهم.
وقد يكون مرد هذه التصرفات الجهل بأحكام قوانين البيئة ولوائحها، على الرغم من أن أغلب التشريعات البيئية قد نصت على أحقية الموظفين الذين لهم صفة الضبطية القضائية من الاستعانة برجال الشرطة عند الحاجة لذلك(راجع نص المادة -11- من قانون البيئة الكويتي رقم 21 لسنة 1995 بشأن إنشاء الهيئة العامة للبيئة والمادة -86- من القرار 210 لسنة 2001 بشأن اللائحة التنفيذية للقانون المذكور). كما تضمنت هذه التشريعات عقوبات على من يخالف أوامر مأموري الضبط أو يعيق عملهم(راجع المادة (13/2) من قانون البيئة الكويتي والمادة -89- من اللائحة التنفيذية له). ويلاحظ أنه قد يحدث أحيانا استعانة مأموري الضبط القضائي برجال الشرطة في بعض المواقف التي تواجههم لتمكينهم من أداء عملهم، ولكن لم يجد مأموري الضبط المعاونة الكافية نتيجة تأخر وصول رجال الشرطة أو عدم استجابتهم ووصولهم إلى المكان المطلوب، مما يترتب على ذلك فشل مهمة مأموري الضبط القضائي.
النتائج والتوصيات:
يتضح لنا من خلال موضوع البحث المهام الجسيمة الملقاة على عاتق مأموري الضبط القضائي والتي تمثل أهمية بالغة في إنفاذ التشريعات البيئية، فهذه المهام في حال نجاحها وتنفيذها بالشكل المطلوب ستحقق الغرض من سن هذه التشريعات وهو حماية البيئة والمحافظة عليها. ومن هذا المنطلق نرى ضرورة توفير بعض المتطلبات اللازمة حتى يتسنى توفير الحماية الإجرائية للبيئة بالشكل الملائم والفعال، وبما يمكن مأموري الضبط من أداء مهامهم في يسر وسهولة، حتى تأتي التشريعات البيئية بثمارها التي ستعود على البيئة بالمردود الإيجابي.
ويمكننا تلخيص هذه المتطلبات في التالي:
العمل على تأهيل وتدريب مأموري الضبط بشكل دوري على كيفية تنفيذ التشريعات البيئية وكيفية مواجهة المشاكل الميدانية التي يواجهونها أثناء تأدية مهامهم، وعلى استخدام الأجهزة والأدوات اللازمة لضبط الجرائم البيئية وإثباتها.
ضرورة توفير الأجهزة والمعدات الحديثة لمأموري الضبط القضائي والتي يتم استخدامها في الكشف عن الجرائم البيئية.
إنشاء إدارة مستقلة بوزارة الداخلية تكون مهمتها مصاحبة مأموري الضبط القضائي في جولاتهم وزيارتهم للمنشآت المختلفة أثناء قيامهم بأعمال الرقابة والتفتيش، لتمكينهم من أداء عملهم بأيسر الوسائل وقمع أي إعتداء يقع عليهم.
تضمين التشريعات البيئية بنصوص تلزم أصحاب الشأن معاونة مأموري الضبط القضائي وتسهيل عملهم وتقديم كافة البيانات والمعلومات اللازمة لهم، ومعاقبتهم في حالة الإخلال بذلك.
إثراء الوعي البيئي لجميع شرائح المجتمع ولكافة فئاته بصفة عامة، وأصحاب المنشآت الحرفية والصناعية بصفة خاصة بأهمية البيئة وضرورة المحافظة عليها، مع تزويدهم أولا بأول بالنظم والاشتراطات والمعايير الواجب عليهم التقيد بها وفقا للأنشطة التي يباشرونها.
توسع قاعدة المشاركة الشعبية بإعطاء الجمعيات والمؤسسات الأهلية ذات الصلة بالبيئة المجال في القيام بدورهم في المتابعة والمراقبة ورصد أي تجاوزات تقع على البيئة.
اترك تعليقاً