العقد الاجتماعي
تعتبر نظرية العقد الاجتماعي احدى النظريات التي حاولت تفسير نشوء المجتمعات الاولى و كيف تم تقسيمها الى حكام و محكومين و طبيعة العلاقة بين هذين الطرفين اي انها تبحث اساسا في علاقة الدولة و السلطة بالشعب و الجماعة ، و تذهب هذه النظرية الى ان هناك عقداً ابرمته الجماعة لغرض تشكيل الدولة التي تتولى ادارة شؤونها كافة و حماية امنها الخارجي و الداخلي و حل النزاعات بين افرادها ، و يرى بعض الفقهاء و المؤرخين ان اصل نظرية العقد الاجتماعي ظهرت اساسا في كتابات كل من افلاطون و ارسطو الا انها لم تتبلور على شكل نظرية علمية متكاملة الا بعد وقت طويل من ذلك اذ انها نحت منحى اخر عما كان في كتابات هذين الفيلسوفين .
وبرغم اعتناق هذه النظرية من قبل ثلاثة مفكرين و هم كل من : توماس هوبز و جون لوك و جان جاك روسو ، الا انهم يختلفون في تفسيرها كل حسب وجهة نظرته التي تاثرت بالظروف الاجتماعية و السياسية التي عاصرها .
فيذهب ( توماس هوبز ) الى ان حياة الانسان قبل العقد الاجتماعي كانت عبارة عن حياة فوضوية ينعدم فيها القانون و كان المجتمع يعيش في حالة من الهمجية واللااخلاقية بالاضافة الى انعدام القوانين و سيادة القوة و المصالح الذاتية لذلك كان لا بد للجماعة من التفكير بطريقة تخلصهم من هذه الظروف و ذلك بانشاء مجتمع يسود فيه القانون و النظام فضلا عن التوفيق بين مصالح الافراد المتعارضة و حمايتهم من اي اعتداء قد يتعرضون اليه و العمل على تحسين احوالهم و يذهب هوبز الى ان العقد تم باتفاق بين افراد الجماعة انفسهم اما الفرد الذي اختاروه ليكون حاكما عليهم لم يكن طرفا في العقد فافراد الجماعة تنازلوا عن جميع حقوقهم للحاكم الذي اختاروه لذلك فان للحاكم حرية مطلقة في التصرف بتلك الحقوق من دون قيد او شرط و طالما ان الحاكم لم يكن طرفا في العقد فهو اذن لن يكون مسؤولا امامهم كما ان سلطته تكون مطلقة و ما على الافراد سوى الطاعة و الخضوع للحاكم في جميع تصرفاته وبرر هوبز اتجاهه هذا في تفسير نظرية العقد الاجتماعي الى ان حياة الافراد الجديدة تحت الحكم المطلق ” بعد ابرام العقد “ هي في كل الاحوال افضل من الحياة السابقة عليه و يرجع اتجاه هوبز هذا الى انه تربى باحضان الاسرة الحاكمة في انكلترا لذلك كان من اشد المؤيدين لتقوية سلطة الملوك المطلقة .
اما ” جون لوك ” وهو ثاني انصار نظرية العقد الاجتماعي فتختلف وجهة نظره عن توماس هوبز حيث انه يرى ان الافراد قبل العقد الاجتماعي كان يعيشون حياة طبيعية متمتعين بكل حقوقهم في ظل مبادئ القانون الطبيعي ، و لكن نظرا لتعدد المصالح واختلافها وغموض احكام القانون الطبيعي فقد احتاجوا الى حاكم للفصل في المنازعات التي قد تنشا بينهم لذلك اتفقوا على الانتقال الى حياة افضل من حياتهم الاولى فقاموا بابرام عقد مع الشخص الذي اختاروه ليكون حاكما عليهم كما انهم اي الافراد لم يتنازلوا عن كامل حقوقهم الى شخص الحاكم بل انهم تنازلوا عن جزء منها لذلك فليس من حق الحاكم المساس بالجزء المتبقي من الحقوق والذي لم يتنازل عنه الافراد ، كما انه ونظرا لكون الحاكم طرفا في العقد فانه يجب ان يتلزم ببنوده وان من حق الافراد عزله اذا ما اخل بتلك البنود ليختاروا حاكما اخر او يعودوا الى حياتهم الاولى قبل ابرام العقد ، ان اتجاه لوك هذا يبين انه لم يكن من انصار الملكية المطلقة و ان الحكم يجب ان يكون مقيدا ولذلك كان من مؤيدي ثورة 1688 التي وقعت في انكلترا و اطاحت بالملك ” جيمس الثاني ” لكونه استبد بحكمه و اخل ببنود العقد المبرم بينه وبين الجماعة لذلك فان الافراد كانوا على حق عندما عزلوه .
ويرى ” جان جاك روسو” الذي طالما نسبت اليه نظرية العقد الاجتماعي والذي يعتبر من اشد انصارها حماسة يرى ان الافراد قبل قيام العقد كانوا يتمتعون بحرية كاملة و استقلال الا انهم مع ماكانوا ينعمون به من حياة مستقرة اتفقوا على اقامة نظام جديد يحقق العدالة و المساواة بين الافراد لكون ان مصالحهم المتعددة والمتعارضة ادت الى ظهور نوازع شريرة محبة للسيطرة والتملك وهذا مادفع الافراد الى الاتفاق على اقامة نظام سياسي يخضع لسلطة عليا وبذلك ظهرت الدولة التي تستند الى العقد الاجتماعي الذي ابرمه الافراد وهنا تختلف وجهة نظر روسو عن لوك في ان العقد ابرم بين هيأة عامة تشمل جميع الافراد ويطلق عليها ( الارادة العامة للشعب ).
وهو شخص جماعي مستقل يمثل مجموع افراد الجماعة اما الطرف الثاني فيتمثل كل فرد من افراد الجماعة ووفقا لذلك فان الحاكم ليس طرفا في العقد وانما هو وكيل ( مفوض ) يباشر السلطة نيابة عن الافراد الذين تتكون منهم الجماعة وفي حالة تجاوز الحاكم لحدود التفويض او اساء استخدامه لتحقيق مصالحه الشخصية فان للافراد عزله متى ارادوا ، و بذلك وحسب وجهة نظر روسو ان الحكومة ( هيأة وسيطة بين الرعايا وصاحب السيادة من اجل الاتصال المتبادل بينهما مكلفة بتنفيذ القوانين والمحافظة على الحرية المدنية والسياسية على السواء).
ويرجع الفضل لهذه النظرية في نشر الوعي ضد الدكتاتوريات والنظم المطلقة بالاضافة الى تعميق شعور الشعوب بدورهم في اقامة السلطة و مراقبة تصرفاتها كما ان لاراء روسو الفضل الكبير في التاثير على رجال الثورة الفرنسية الذين استقوا منها قواعد دستورية من اهمها مبدا سيادة الامة ، و بنفس الوقت فقد تعرضت نظرية العقد الاجتماعي الى الانتقادات الكثيرة في مقدمتها انها تقوم على اساس من الخيال اذ ان من الصعوبة ان يجمع الافراد على ابرام العقد حيث يعتبر رضاؤهم ركناً اساسياً لابرام العقد المزعوم وهذا الانتقاد غير ذي قيمة كما يرى روسو امام ما ستحققه هذه النظرية من اهداف سامية.
المحامية: ورود فخري
اترك تعليقاً