مفهوم الغبن مع التغرير
لم يعد القانون المدني العراقي التدليس كعيب مستقل من عيوب الارادة فهو ليس سببا كافيا لتوقيف العقد شأنه في ذلك شأن الغبن وان كان غبنا فاحشا فهو ليس عيبا من عيوب الرضا بل هو عيب من عيوب العقد في بعض الحالات وذلك استنادا الى المادة 124 من القانون المدني العراقي رقم 401 لسنة 1951 اذ ان القانون المدني يقتضي ان يترافق الغبن الفاحش مع التغرير حتى يعد عيبا من عيوب الارادة ومن ثم مانعا من نفاذ العقد كما هو الحال مع عيوب الارادة الاخرى كالاكراه والغلط .
وقد عرف فقهاء القانون المدني التغرير على انه (ان يذكر احد المتعاقدين للآخر اموراً ترغبه في الاقدام على التعاقد معه أو ان يقوم باجراءات فعلية تدفعه الى التعاقد معه ) كام يقوم البائع بترغيب المشتري بالبضاعة بان يصور لها ان هناك شحة كبيرة فيها بسبب انقطاع استيرادها وقام المشتري بناء على هذا الادعاء الصادر من قبل البائع بشراء البضاعة .
والتغرير هو نفسه التدليس استنادا الى الفقه الحديث ( وهو استعمال طرق احتيالية توقع المتعاقد الاخر في غلط يدفعه الى التعاقد) وبذلك فان التدليس لايعد عيبا يعيب الارادة ولكن الغلط الذي يثيره التدليس في ذهن المتعاقد الاخر ويدفعه الى التعاقد هو الذي يعيب الارادة وقد يكون ذلك الغلط تلقائيا انزلق اليه الشخص من تلقاء نفسه او قد يكون ناشئا عن استدراج المتعاقد الاخر وتدليسه وفي كلتا الحالتين فان الغلط الناشئ عنهما يشكل عيبا من عيوب الارادة .
اما الغبن كما يعرفه الفقهاء فهو ( عدم التعادل عند تمام العقد بين ما يدفعه المتعاقد وما يأخذه ) وقد يصدر الغبن من البائع الذي يقوم ببيع شيئ الى المشتري بقيمة تفوق قيمته الحقيقية فيعد المشتري مغبونا في هذه الحالة او قد يصدر الغبن من المشتري فيشتري سلعة او مالا باقل من قيمته فيختل بذلك التعادل ويعد البائع مغبونا .
والغبن يكون على نوعين فهو اما ان يكون يسيرا بالمقدار الذي يتسامح به الناس او يكون فاحشا لايمكن ان يعقل او يقبل . وهناك معياران لتحديد الغبن الفاحش الاول : يستند فيه الى ماجاءت بع الفقرة الثانية من المادة الاولى والتي استمدت حكمها من الشريعة الاسلامية وقد حددت الغبن بمقدار(خمس ( 1/5 ) القيمة الواقعية في العقارات ومقدار عشر( 1/10) القيمة في الحيونات .
وفي غير ذلك فان النسبة تكون بمقدار مقدار نصف عشر( 0,5/10) ، ويكون مادون ذلك غبنا يسيرا وهذا المعيار يسمى المعيار الواقعي لان الشريعة الاسلامية التي استمدت المادة اعلاه منها حكمها لم تاخذ بنظرية القيمة الشخصية ( اي قيمة الشيء باعتبار المتعاقد ) لانها نظرية غير منضبطة .
اما المعيار الثاني فيحدد الغبن الفاحش على انه ما لايدخل تحت تقويم المقومين(اهل الخبرة ) اما الغبن اليسير فهو مايدخل تحت تقويمهم فلو بيعت سيارة بمبلغ خمسة ملايين دينار وقدرها بعض اهل الخبرة بمبلغ يزيد عن ذلك وقومها اخرون بمبلغ اقل من ذلك كان الغبن يسيرا اما اذا قومها اهل الخبرة جميعا بما ينقص عن هذا المبلغ ولم يصعد تقويم احد منهم عن ذلك عد ذلك غبنا فاحشا صدر من البائع للمشتري اما اذا اتفق المقومين جميعا على انها تساوي اكثر من خمسة ملايين بحيث لم ينزل احدهم عن هذا المبلغ عد ذلك غبنا فاحشا بالنسبة للبائع .
وقد حددت المادة 121 / الفقرة 1 من القانون المدني العراقي شروط الغبن مع التغرير بقولها : ( إذا غرر احد المتعاقدين بالاخر وتحقق ان في العقد غبناً فاحشاً كان العقد موقوفاً على اجازة العاقد المغبون . فإذا مات من غرر بغبن فاحش تنتقل دعوى التغرير لورثته) ، اما الفقرة الثانية من المادة اعلاه فتنص على : ( ويعتبر تغريراً عدم البيان في عقود الامانة التي يجب التحرز فيها عن الشبهة بالبيان كالخيانة في المرابحة والتولية والاشراك والوضعية).
وبناء عليه فانه لابد من توفر اربعة شروط في الغبن مع التغرير وهي : استعمال طرق احتيالية وهذا الشرط له جانين الاول مادي وهو الطرق الاحتيالية والاعمال والترفات التي تستعمل للتاثير على ارادة احد المتعاقدين على ان تكون تلك التصرفات والوسائل الاحتيالية تنصب على واقعة معينة لها اعتبارها في العقد ولا يعد الكذب من الطرق الاحتيالية كأن يبالغ البائع في مدح بضاعته اذا كان ذلك مالوفا في التعامل والقانون المدني يذهب ان الكذب أو عدم البيان يصلح ايهما لتكوين التغرير في عقود الامانة التي يجب التحرز فيها عن الشبهة ( مادة 121 ف 2 ق.م.ع ) , فلو كذب العاقد في الثمن الذي اشترى به المعقود عليه كان هذا تغريراً سواء لجأ في تأييد الكذب الى طرق احتيالية أو لم يلجأ ، اما الجانب الثاني لهذا الشرط هو العنصر المعنوي ويقد به ( نية التضليل للوصول الى غرض غير مشروع ، اما الشرط الثاني فهو ان يكون التغرير قد صدر من قبل احد المتعاقدين او كان على احد المتعاقدين على علم به اذا كان صادرا من قبل الغير وان يقترن التغرير فضلا عن ذلك بالغبن الفاحش .
ومن الجدير بالذكر ان استظهار وقائع الاحتيال المكونة للتغير تعد مسالة وقائع ترجع الى السلطة التقديرية لقاضي الموضوع اما الفصل فيما اذا كانت تلك الوقائع تعد من الطرق الاحتيالية المكونة للتدليس او لا فانه تعد مسالة قانون تفصل بها محكمة التمييز . وتنص المادة 122 من القانون المدني العراقي على انه (إذا صدر التغرير من غير المتعاقدين فلا يتوقف العقد الا إذا ثبت للعاقد المغبون ان العاقد الاخر كان يعلم أو كان من السهل عليه ان يعلم بهذا التغرير وقت ابرام العقد).
وهذا يعني ان المشرع اشترط لكي يجعل العقد موقوفا وهو الاثر المترتب على عيب الغبن مع التغرير ان لايكون المتعاقد الذي لحقه الغبن قد علم او كان من السهل عليه ان يعلم بوجود الغبن مع التغرير وقت ابرام العقد وفي هذه الحالة فان العاقد المغرور يستطيع ان يطالب بالتعويض من الغير عن الضرر الناشئ عن وقوعه ضحية التغرير استنادا الى احكام المسؤولية الناشئة عن العمل غير المشروع وذلك استنادا الى نص المادة 123 من القانون المدني العراقي (يرجع العاقد المغرور بالتعويض …… إذا اصابه غبن فاحش وكان التغرير لا يعلم به العاقد الاخر ولم يكن من السهل عليه ان يعلم به) .
ويستثنى من شرط مصاحبة الغبن الفاحش للتغرير في حالة كون الغبن الفاحش وقع على مال محجور او كان المال عاما عائدا للدولة او كان احد اموال الوقف وفي هذه الحالة فان العقد يعد باطلا ، وهناك حالة أخرى لا يجوز الطعن فيها بالغبن مع التغرير وهذه الحالة هي اذا تم العقد عن طريق المزايدة العلنية لانها اي المزايدة العلنية تدل على ان السعر الذي رست به هو السعر الحقيقي بالاضافة الى ان البيع بالمزايدة العلنية تنفي كون الدافع الى التعاقد هو التغرير وهذا مانصت عليه المادة 124 من القانون المدني العراقي.
المحامية: ورود فخري
اترك تعليقاً