الواقعة المنشئة للضريبة :

نظرا لأهمية الواقعة المنشئة لأنها تعتبر من المسائل غير القابلة للانفصال من وعاء الضريبة(1). لذا يقتضي الأمر بيان المقصود بها واهم الآراء التي قيلت فيها . لقد تناول الفقه المالي الواقعة المنشئة بتعريفات عديدة نذكر منها أنها (عبارة عن تحقيق الشروط العامة التي حددها القانون لاستحقاق الضريبة ، كوجود ربح صافٍ في ختام السنة المالية للمؤسسات التجارية والصناعية بالنسبة لضريبة الدخل)(2). وكذلك عرفت بأنها (المناسبة التي تتيح للدولة التدخل لأجبار المكلفين على التنازل عن جزء من الوعاء الذي تم اختياره أساسا لفرض الضريبة)(3).بينما ذهب البعض إلى(ان السبب الذي ينشىء علاقة قانونية هو أمر يستجد فيحدث تعديلا في العلاقات القائمة هذا الأمر يسمى ،الواقعة فإذا كان من شأن هذا الواقعة أن تنتج أثرا قانونيا كالالتزام بدفع الضرائب ، سميت بالواقعة القانونية)(4).وعرفت ايضا بأنها (الشرط أو الشروط التي لابد من توافرها متى يتولد دين الضريبة في ذمة المكلف)(5) .ويرى جانب اخر من الفقة أن الواقعة المنشئة للضريبة هي ( الظروف الموضوعية والشخصية التي تؤدي إلى ظهور الالتزام بالضريبة)(6) .ومن كل ماتقدم يتضح أن جميع التعريفات لا تخرج عن كون الواقعة المنشئة شروطاً عامة او مناسبة تحدث فتنشأ الالتزام بدفع الضريبة في ذمة المكلف ونحن نرى أن الواقعة المنشئة هي: عمل قانوني صادر عن السلطة المالية يؤدي إلى انشاء مركز قانوني جديد وهو الالتزام بدفع الضريبة . وعموما فان الشخص لا يعد مدينا بالضريبة بمجرد صدور القانون (التشريع ) الضريبي ، بل يجب حتى ينشأ الالتزام في ذمته أن تتحقق عند هذا الشخص الواقعة المنشئة للضريبة(7) . وتتوافر هذه الواقعة بمجرد تحقق الظرف الذي يظهرها . والسؤال الذي يطرح نفسه هو متى ينشأ دين الضريبة في ذمة المكلف وتكون الخزانة صاحبة الحق فيه ؟ للإجابة عن ذلك هناك رأيان :

الرأي الأول :-

يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن مصدر الالتزام بدين الضريبة هو الواقعة المنشئة للضريبة ، أي أن الالتزام بدين الضريبة لا يتطلب سوى تحقق الواقعة المنشئة للضريبة ، بمعنى أن دين الضريبة لا يحتاج إلى أعمال قانونية كالقرار الإداري لكي يصبح دينا يشغل ذمة المكلف ،بل أن تلك الأعمال القانونية لا تعد سوى إدارة تنفيذية لدين الضريبة الذي نشأ قبل صدورها(8) . ويعتقد بعض الكتاب أن هذا الرأي هو الذي تسير عليه الإدارة المالية الفرنسية وأحكام محكمة النقض الفرنسي ويرى أن توافر الظروف التي استلزمها القانون في كل مكلف بالذات كاف لإنشاء دين الضريبة في ذمته(9) . ويستند أصحاب هذا الرأي إلى أن مصدر الالتزام بدين الضريبة هو القانون ، إذ يرى الأستاذ الدكتور السنهوري في الالتزام بالضريبة (انه يرجع في تعيين أركانه وبيان أحكامه إلى القوانين المالية الخاصة بالضرائب ، فهو ينظر إلى أن الالتزام بالضريبة هو التزام إيجابي ، نظرة القانون إلى الأمة كجماعة واحدة، فأنشأ التزامات في ذمة أفرادها تجاه الدولة من أهمها الآلتزام بدفع الضرائب )(10). فالعلاقة تحكم كل من المكلف والسلطة المالية المتمثلة بالخزينة العامة مستمدة من حكم القانون، والالتزام بأداء الضريبة تكليف قانوني نشأ نتيجة تحقق ربح عن ممارسة نشاط معين، لذا فإن الواقعة المنشئة للضريبة هي توافر الشروط التي يتطلبها القانون في شخص معين حتى تتمكن السلطة المالية من ممارسة اختصاصها الإلزامي ، فتقرران هذا الشخص مدين بمبلغ معين للخزينة مقابل ضريبة معينة(11). ونحن نؤيد هذا الرأي .

الرأي الثاني :-

ذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن دين الضريبة بصفة عامة لأينشأ في ذمة المكلف الا بعد إتخاذ موظفي الإدارة الضريبة لبعض الإجراءات ، وبالذات بعد ربط الضريبة وصدور (ورد)(12). بها يحدد مبلغها الواجب على المكلف دفعهِ(13). وطبقا لما ذهب اليه أنصار نظرية (الورد المنشئ لدين الضريبة) فإن دين الضريبة بصفة عامة لا ينشأ في ذمة المكلف إلا إبتداء من اللحظة التي يدرج فيها اسمه في ورد ويكون هذا الورد وحده هو القرار الذي يخلق دين الضريبة . فإذا ما أغفل إصدار قرار باسم أحد المكلفين أصبح من غير الممكن إخضاعه للضريبة حتى لو تحقق الظرف الذي أظهر الواقعة المنشئة للضريبة لذلك المكلف. والواقع أن ربط الضريبة وصدور الورد بمقدارها لا يخلق دين الضريبة في ذمة المكلف ، فليس للورد أية قوة خالقة ، ومن ثم لا يمكن عده مصدرا للالتزام . ويقتصر دور عملية الربط وصدور الورد على مجرد تحديد مقدار دين الضريبة وهو دين موجود فعلاً وقد نشأ في ذمة المكلف بمجرد توافر الواقعة المنشئة للضريبة قبل صدور الورد . فدين الضريبة موجود قانوناً قبل صدور الورد ويقوم ذلك الورد بتعيين مقداره حتى يصبح واجب الأداء وهناك فرق كبير بين نشوء الدين وتحديد مقداره ، إذ أن تحديد مقدار الضريبة ليس لازماً لنشوء الدين ، وان كان لازماً لتأكيد وجوده ولإمكان المطالبة به أي لاعتباره واجب الأداء(14) .إذاً بمجرد تحقق الواقعة المنشئة ينشأ الالتزام بدين الضريبة في ذمة المكلف دون انتظار لصدور القرار الإداري بتحديده . وهذا مايترتب عليه التزام المكلف بتقديم إقرار يتضمن الدخل الذي حصل عليه وما يحمله من تكاليف في سبيل الحصول على ذلك الدخل للوصول الى الدخل الصافي الذي تحقق له ومن ثم مقدار الضريبة المستحقة على هذا الدخل والذي يلتزم بسدادها الى السلطة الضريبية قبل صدور القرار الإداري بتحديدها . وبالرغم من أن دين الضريبة مصدره القانون فإن هذا لا يعني عدم الاهتمام بالدور الذي يؤديه القرار الإداري إذ أن كل مجتمع منظم يوجد فيه تنظيم قانوني يتكون من عنصرين الأول : مجموعة القواعد القانونية التي تحكم المجتمع المعني وتنظيم علاقاته ، والثاني : الأحوال القانونية للأفراد أي مراكزهم وأوضاعهم تجاه القانون(15) . لذلك لابد من صدور قرار إداري(16) ، يعين مقدار الضريبة الواجبة الاداء من قبل المكلف . وهذا القرار هو بمثابة سند تنفيذي ، وقرار مطبق لمركز قانوني عام على مكلف معين بذاته(17) . والجدير بالذكر ، ان جميع الاجراءات التي تقوم بها الإدارة الضريبية لا يقصد منها سوى تحديد دين الضريبة لا مكان المطالبة ، ومن ثم يجب التفرقة بين نشوء دين الضريبة وتحصيل ذلك الدين(18) . فدين الضريبة ينشأ بمجرد توافر الواقعة المنشئة له طبقاً للقانون ويكون المكلف ملزماً به ، فإذا ما أخل المكلف بالتزامه كلاً أو جزءاً ، تقوم الإدارة الضريبية باتخاذ الاجراءات لتحصيل دين الضريبة فتصدر قراراتها حتى يتسنى لها المطالبة به وما القرار الاداري الذي تصدره الإدارة الضريبية إلا أداة تنفيذية لتحصيل الضريبة وإن كانت الاخيرة واجبة قبل إصداره(19) .ومن جهة أخرى لايعقل أن تقوم الادارة الضريبية بتحصيل دين الضريبة بصورة مؤقتة أو بتوقيع حجز احتياطي على أموال المكلف قبل نشوء دين الضريبة في ذمته بغض النظر عن تحديد مقداره(20) ، وبذلك يكون القرار الاداري الصادر بتحديد دين الضريبة هو قرار كاشف وليس منشأ للدين ويترتب على الصفة الكاشفة للقرار الاداري إن العبرة تكون بلحظة تحقق الواقعة المنشئة لدين الضريبة وليست بتاريخ صدور القرار الاداري .

_____________________

[1]- د. محمد محمد عبد اللطيف (الضمانات الدستورية في المجال الضريبي) مطبوعات جامعة الكويت ، ط1، 1999 ، ص20 .

2- د. عبد الحفيظ عبد الله عيد (حساب وربط ضريبة الدخل في الكويت وفق أحكام مرسوم ضريبة الدخل رقم (3) لسنة 1955)، مجلة الحقوق ، السنة (18) ، العدد (1) ، مجلس النشر العلمي ، جامعة الكويت ، 1994 ، ص258 .

3- د. طاهر الجنابي (علم المالية العامة والتشريع المالي) دار الكتب للطباعة والنشر ، جامعة الموصل ، بت، ص144 .

4- كمال الجرف (مصدر الالتزام بدفع الضرائب على الايراد) بحث منشور في مجلة إدارة قضايا الحكومة ، المطبعة القانونية ، القاهرة ، العدد(2) ، السنة (10) ، 1966 ، ص44 .

5- د. نوح محمد عبد الرحيم (المحاسب الضريبي) ، ط1 ، مطابع دار الكتب ، بيروت ، 1971 ، ص113.

6- د. حسين خلاف (الاحكام العامة في قانون الضريبة) ، مصدر سابق ، ص155 .

7- د. عادل الحياري (الضريبة على الدخل العام) مصدر سابق ، ص150 .

8- حسين خلاف (الاحكام العامة في قانون الضريبة) مصدر سابق ، ص153 ؛ د. كمال الجرف (مصدر الالتزام بدفع الضريبة على الإيراد) مصدر سابق ، ص48 .

9- مقال Morange عن تولد دين الضريبة في مجلة القانون العام ، 1943 ، ص ص319-348 وسنة 1944 ص ص 133-157. نقلاً عن د. حسين خلاف (الاحكام العامة) مصدر سابق ، ص152 .

0[1]- د. عبد الرزاق أحمد السنهوري (الوسيط في شرح القانون المدني / مصادر الالتزام) ، ج1 ، ط2 ، دار النهضة العربية ، القاهرة،1964 ، ص ص 1444-1461 .

1[1]- د. أحمد ثابت عويضة (ضريبة الارباح التجارية والصناعية) مصدر سابق ، ص436 .

2[1]- يستخدم مصطلح (ورد) للتعبير عن القرار الاداري الصادر عن السلطات الضريبية لتحديد مبلغ الضريبة على مكلف معين وقد شاع استعمال هذا المصطلح لدى الفقه الضريبي المصري .

3[1]- انظر هذه الآراء في :

– د. عبد المنعم فوزي وآخرين (النظم الضريبية) مصدر سابق ، ص156 ومابعدها .

– د. محمد طه بدوي ود. محمد حمدي النشار (اصول التشريع الضريبي المصري) ، مصدر سابق ، ص87 .

– د. يونس البطريق (النظم الضريبية) ، الدار الجامعية ، بيروت ، 1984 ، ص208 .

4[1]- د. عادل أحمد حشيش (الوسيط في الضرائب على الدخل المعاملة الضريبية لدخول الاشخاص الطبيعيين وما يلحق بها وارباح شركات الأموال وفقاً لأحكام التشريع الضريبي المصري) دار الجامعات المصرية ، الاسكندرية ، 1988 ، ص128 وما بعدها .

5[1]- د. ماهر صالح علاوي (مبادئ القانون الاداري / دراسة قانونية) ، دار الكتب للطباعة والنشر ، جامعة الموصل ، 1996 ، ص156 .

6[1]- عرف مجلس الدولة المصري القرار الاداري بأنه (إفصاح الادارة عن إرادتها الملزمة بمالها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث مركز قانوني معين متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه إبتغاء مصلحة عامة) .

انظر في ذلك : د. محمد باهي أبو يونس (احكام القانون الاداري – القسم الخاص) ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 1996 ، ص212 ؛ ود. ثروت بدوي (تدرج القرارات الادارية) دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1968 -1969 ، ص7 ؛ ود. سعاد الشرقاوي (الوجيز في القضاء الاداري) ج1،(مبدأ المشروعية – مجلس الدولة) دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص ص 257-258 .

7[1]- د. يونس البطريق (النظم الضريبية) ، مصدر سابق ، ص222 .

8[1]- د. قدري نقولا عطية (ذاتية القانون الضريبي) القاهرة ، 1960 ، ص106 .

19- د. أحمد ثابت عويضة (ضريبة الارباح التجارية والصناعية) مصدر سابق ، ص109 .

20-ومما يدعم هذا الرأي في مصر الحكم الذي أصدرته إحدى الدوائر التجارية في محكمة القاهرة القضية المرقمة 138 التي جاء فيها (يعتبر دين الضريبة مستحقاً ، ويبدأ سريان التقادم بشأنه من اللحظة التي تولد فيها الواقعة المنشئة للضريبة ، ذلك أن تلك القاعدة تولد، مع مولد الايراد الخاضع للضريبة ، فكل إيراد يولد ويأتي الى عالم الوجود يكون محملاً بدين الضريبة) أنظر :

د. كمال الجرف (المبادئ القانونية في الاحكام الضريبية) المجموعة السادسة ، 1950 ، ص367 .

النتائج المترتبة على الواقعة المنشئة للضريبة :

تظهر أهمية تحديد الواقعة المنشئة للضريبة بالنسبة إلى بعض المسائل التي تتصل بطرفي الالتزام الضريبي ، وتنظيم العلاقة بينهما ، ومن أهم النتائج التي تتعلق بالواقعة المنشئة(1) :-

أولاً – عند قيام الواقعة المنشئة للضريبة يتحدد نطاق سريان الضريبة على الدخل ، سواء من حيث الاشخاص (لكونها تسري على الاشخاص الطبيعيين) أم من حيث الأموال ، بحيث أن تغيير الجنسية أو الإقامة أو الموطن أو نقل الأموال التي تسري عليها الضريبة الى خارج البلاد أو ادخالها إليها ، لا يغير من الأمر شيئاً مادامت هذه الأموال تسري عليها الضريبة وقت تحقق الواقعة المنشئة لها .

ثانياً – ترتبط الواقعة المنشئة للضريبة بالقانون السائد وقت تحققها فإذا ما ألغى أحد عناصر مكونات وعاء الضريبة (بصدور قانون بعدم سريان الضريبة عليه) بقانون جديد بعد تحقق الواقعة المنشئة للضريبة ، فإنه يتعين على الإدارة الضريبية استكمال الإجراءات لتحصيل دين الضريبة مادام تاريخ ثبوت الواقعة سابقاً لتاريخ إلغاء ذلك المصدر(2).

ثالثاً – العبرة في تقدير وعاء الضريبة ثم تحديد مقدارها تكون بوقت تحقق الواقعة المنشئة ، بحيث لا يلتفت الى أي تغيير قد يحدث بعد تحقق هذه الواقعة في وعاء الضريبة .

رابعاً – يتوقف سعر الضريبة وفئاته على تحديد الواقعة المنشئة لها ، فإذا تغير سعر الضريبة بعد توافر الواقعة المنشئة ، فإن السعر الذي يطبق هو السعر القديم الذي كان سائداً وقت تحقق الواقعة المنشئة .

خامساً- تتوقف عمليات ربط الضريبة وتحصيلها على تحديد الواقعة المنشئة ووقت تحققها(3). كما تبدأ من ذلك المواعيد التي تحدد الإجراءات المطلوب اتخاذها من الإدارة الضريبية ومن المكلف .

سادساً – يبدأ مع تحقق الواقعة المنشئة للضريبة سريان مدة التقادم التي يسقط حق الخزانة بعدها فيما لم تطالب به من دين الضريبة .

______________________

[1]- د. عادل الحياري (الضريبة على الدخل العام) مصدر سابق ، ص ص115-116 .

2- ذلك لأنه لايوجد ما يمنع من ربط الضريبة على الدخول التي تحققت قبل ذلك الألغاء إلا إذا تبين اتجاه قصد المشرع الى الأخذ بخلاف ذلك : انظر : د. عادل الحياري ، المصدر نفسه ، ص116 .

3- بالرغم من أنه في قانون ضريبة الدخل رقم (52) لسنة 1927 العراقي لم تتحقق الواقعة المنشئة في ظل هذا القانون فإن المشرع شملها بالضريبة بأثر رجعي وهذا خلافاً لقاعدة (عدم رجعية القانون على الماضي في القوانين الجنائية) أي سريان القانون من تاريخ نفاذه وعلى المستقبل ولكن القانون أخضع دخول تحققت في الماضي .

د. حكمت عبد الكريم الحارس (السياسة الضريبية وتطور النظام الضريبي في العراق) مصدر سابق ، ص ص 101-102 .

المؤلف : عبد الباسط علي جاسم الزبيدي
الكتاب أو المصدر : وعاء ضريبة الدخل في التشريع الضريبي العراقي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .