جرائم غسل الأموال
منصور الزغيبي
من الملاحظ في الأعوام الأخيرة اتساع نطاق جرائم غسل الأموال في كثير من دول العالم، لذلك فالمرحلة الراهنة تقتضي مجابهة هذه الجرائم ومعالجتها قانونياً، والمملكة تقوم بدور كبير في مواجهة ذلك. وكما هو معلوم فإن جريمة غسل الأموال عند فقهاء القانون جريمة تبعية ذات أركان مستقلة، ولأجل اكتمال بنيانها القانوني لا بد من أن تكون مسبوقة بوقوع جريمة أخرى من الناحية الزمنية. والمنظم السعودي يُعد من التشريعات التي أخذت ذات النهج المطلق في تحديد الجرائم الأصلية التي سارت عليها بعض الدول. ومن أبرز هذه الجرائم التي اعتُبرت عمليات غسل أموال «الجريمة المنظمة، وابتزاز الأموال، الإرهاب وتمويله، الاتجار في البشر وتهريب المهاجرين، الاستغلال الجنسي، الاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية، وتجارة الأسلحة غير المشروعة، الفساد والرشوة، النصب وتزييف العملة، قرصنة المنتجات وتزييفها، جرائم البيئة، القتل، السرقة …»
ويعتبر مصطلح جريمة غسل الأموال من المصطلحات الحديثة نسبياً، ويعتريه شيء من عدم الوضوح عند البعض، وهو في اللغة يقصد به تنظيف الأموال، أو تطهير الأموال. والمنظم السعودي عرَّف غسل الأموال بقوله: «ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه، ويقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافاً للشرع أو النظام، وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر»، وفقاً للفقرة الأولى من المادة الأولى.
إن جريمة غسل الأموال من الجرائم الخطرة وعالية المخاطر، ولها آثار سلبية في جميع المستويات، والبعض من المهتمين قاموا برصد هذه المخاطر وتحليلها في مؤلفاتهم، وقسموها إلى أنواع، فمنها مخاطر اقتصادية تسهم في انخفاض الدخل القومي، وانخفاض معدل الادخار والاستثمار، وارتفاع معدل التضخم، وتدهور قيمة العملة الوطنية، وتشويه صورة الأسواق المالية، وعدم دقة السياسة الاقتصادية، وغيرها.
ومن آثارها من الناحية الاجتماعية، البطالة، وتدني مستوى المعيشة، وإعاقة أصحاب الكفاءات من دون تبوؤ مجالات العمل، واستغلال الأيدي العاملة متدنية الأجر، وانعدام القيم والروابط الاجتماعية، وانتشار الأوبئة، وغيرها من النواحي الأخرى.
لذلك، نجد أن المنظم السعودي في قانون مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/31) وتاريخ 11-5-1433هـ، شدد في العقوبات وجعل عقوبة السجن لا تزيد على 15 عاماً وغرامة مالية لا تزيد على 7 ملايين ريال، إذا اقترنت الجريمة بأي من الحالات التالية: إذا ارتكب الجاني الجريمة من خلال عصابة منظمة، أو استخدم العنف أو الأسلحة، أو شغل وظيفة عامة، واتصال الجريمة بهذه الوظيفة، أو ارتكابه الجريمة مستغلاً سلطاته أو نفوذه، أو قام بتغرير النساء أو القصّر واستغلهم، أو ارتكب الجريمة من خلال مؤسسة إصلاحية أو خيرية أو تعليمية أو في مرفق خدمة اجتماعية، أو تم صدور أحكام محلية أو أجنبية سابقة بالإدانة في حق الجاني، وبوجه خاص في جرائم مماثلة»، وفقاً للمادة الـ19 من النظام.
والجهة المختصة بالفصل هي المحكمة الجزائية، والجهة المختصة التي تتولى التحقيق والادعاء أمام المحكمة المختصة هي هيئة التحقيق والادعاء العام.
خلاصة القول، من الضروري نشر الوعي بمخاطر هذه الجريمة، والحذر من أساليب واستغلال هذه العصابات الإجرامية التي تريد تمرير جرائمها بشكل غير مباشر، وتحاول أن تعطيها صبغة قانونية وتستغل الثغرات، وهي في الأصل أموال قذرة نتاج أعمال إجرامية غير مشروعة، ومن الواجب التعاون مع الجهات المعنية لمحاربة هذه الجريمة والقضاء عليها.
والأنظمة أعطت للمبلّغ ضمانات، منها الحصانة، وإعفاء المبلّغ صاحب حسن النية في حال عدم ثبوت ذلك، إضافة إلى المكافآت المادية. وأي إنسان لديه ذرة من الإيمان والوطنية لا يرضى أن يصمت عن كل من يكسر القوانين ويرتكب الجرائم وينكر جميل الوطن.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً