مفهوم جريمة غسيل الأموال في القانون العراقي
المحامية / منال داود العكيدي
استعمل اصطلاح غسيل الاموال لأول مرة في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات التي عقدت في فيينا عام 1988 وقد بينت المادة الثالثة من الاتفاقية المذكورة صورا متعددة من غسيل الاموال منها : ( أن غسيل الأموال يتمثل إما في تحويل الأموال أو نقلها مع العلم بأنها من نتاج جرائم المخدرات أو في إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال أو مصدرها أو في اكتساب أو حيازة أو استخدام الأموال مع العلم وقت تسليمها أنها من حصيلة جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية ) .
وفي عام 1994 انعقد مؤتمر في ايطاليا وكانت من مقرراته توسيع دائرة الجرائم المتعلقة بغسيل الاموال وليس قسرها فقط على جريمة الاتجار بالمخدرات وهذه الجرائم هي تجارة الاسلحة والذخائر والسرقة والابتزاز والاختطاف والاحتيال والتجارة غير المشروعة في الاثار وتجارة الرقيق الابيض والدعارة والقمار . وقد عد بعض الكتاب ان اصل تسمية تبييض او غسيل الاموال يعود الى عصابات المافيا الشهيرة في الثلاثينيات عندما تم القبض على زعيم هذه العصابات الذي يدعى ( آل كوبوني ) بتهمة التهرب من الضريبة وهي التهمة الوحيدة التي تم اثباتها عليه ثم قامت تلك العصابات بتأسيس اعمال مشروعة استخدمت فيها تلك الاموال المتحصلة من جرائمها لتمرر الارباح التي حصلت عليها من الجرائم التي ارتكبتها وهذه كانت اول عملية غسيل اموال في التاريخ .
وقد اورد فقهاء القانون تعريف لجريمة غسيل الاموال وهي ( الاموال الناتجة عن جميع الجرائم و الاعمال غير المشروعة وليس فقط تلك الناتجة عن تجارة المخدرات والمؤثرات العقلية ، كما تم تعريف هذه الجريمة في المادة الثالثة من امر سلطة الائتلاف رقم ( 93 ) لسنة 2004 قانون مكافحة غسيل الأموال ومكافحة التمويل الإجرامي على انها (كل من يدير أو يحاول أن يدير تعاملا ماليا يوظف عائداته بطريقة ما لنشاط غير قانوني عارفاً بأن المال المستخدم هو عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني أو كل من ينقل أو يرسل أو يحيل وسيلة نقدية أو مبالغ تمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عارفاً بأن هذه الوسيلة النقدية أو المال يمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني ) اما قانون مكافحة غسيل الاموال و الارهاب العراقي الصادر بتاريخ 16 / ايلول عام 2015 فانه لم يورد تعريفا لجريمة الارهاب و انما قام بإيراد صور لها وذلك بقوله:
المادة 2 : يعد مرتكبا لجريمة غسل أموال كل من قام بأحد الأفعال الاتية :
أولاً – تحويل الأموال ، أو نقلها ، أو استبدالها من شخص يعلم او كان عليه ان يعلم أنها متحصلات جريمة لغرض أخفاء او تمويه مصدرها غير المشروع او مساعدة مرتكبها او مرتكب الجريمة الاصلية أو من اسهم في ارتكابها او ارتكاب الجريمة الأصلية على الإفلات من المسؤولية عنها .
ثانيا – أخفاء الأموال او تمويه حقيقتها أو مصدرها أو مكانها أو حالتها أو طريقة التصرف فيها أو انتقالها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها ، من شخص يعلم او كان عليه ان يعلم أنها متحصلات من جريمة .
ثالثاً- اكتساب الأموال أو حيازتها أو استخدامها ، من شخص يعلم او كان عليه ان يعلم وقت تلقيها أنها متحصلات جريمة).
ويعد فقهاء القانون الجزائي ان جريمة غسيل الاموال هي جريمة تبعية لانه لا بد من وقوع جريمة اخرى اصلية سابقة عليها وهي الجريمة التي جرى بوساطتها تحصيل الاموال المراد تبييضها او غسيلها ولكنها بنفس الوقت هي جريمة مستقلة عن الجريمة الاولى استقلالا موضوعيا ما يترتب عليه امكانية ملاحقة الفاعل ومعاقبته حتى ان كان فاعل الجريمة الاولى غير معاقب لقيام موانع المسؤولية الجزائية في حقه ، وقد ترتكب جريمة غسل الاموال داخل حدود دولة واحدة فتعد جريمة محلية او قد ترتكب في عدة دول من خلال انتقال الاموال المتحصلة من العمليات الاجرامية التي ذكرها القانون عبر الحدود الدولية وبذلك فأنها تعد مرتكبة في عدة دول فتكون عندئذ جريمة منظمة ويمكن لأي من هذه الدول التي وقعت فيها معاقبة مرتكبيها طبقا للاختصاص الشامل لقانون العقوبات .
وتقوم جريمة غسيل الاموال بقيام ركنيها المادي والمعنوي فالركن المادي يتمثل في المادة 2 / فقرة اولا و ثانيا وثالثا من القانون الصادر في 16 ايلول لسنة 2015 التي ذكرناها سابقا وهي : تحويل الاموال او نقلها او استبدالها لغرض اخفاء او تمويه مصدرها غير المشروع او مساعد مرتكبها او مرتكب الجريمة الاصلية او من اسهم في ارتكابها او ارتكاب الجريمة الاصلية او اخفاء الاموال او تمويه حقيقتها او مصدرها او مكانها او حالتها او طريقة التصرف فيها او اكتساب الاموال المتحصلة من جريمة او حيازتها او استخدامها . اما الركن المعنوي للجريمة فهو ارادة ماديات الجريمة والعلم بها وهي كما اوردها قانون مكافحة غسيل الاموال علم الشخص بان الاموال التي يستخدمها بإحدى الطرق الواردة في الفقرات اولا وثانيا وثالثا بكونها متحصلة من جريمة .
ويضيف بعض فقهاء القانون الجنائي الى الركن المعنوي وهو القصد الجرمي قصدا خاصا وهو نية تنصرف الى غرض او الدافع الى الفعل بباعث معين وهو ارادة اخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة او العلم بان الاموال غير مشروعة و اخفاء او تمويه مصدرها او ارادة تملك الاموال غير المشروعة او حيازتها مع العلم بان مصدر تلك الاموال غير مشروع .
افرد المشرع العراقي في القانون الفصل الحادي عشر من القانون الصادر في 16 / ايلول 2015 للعقوبات التي تفرض على مرتكبي جريمة غسيل الاموال اذ نصت المادة ( 36 ) على انه (يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد على ( 15 ) خمسة عشر سنة وبغرامة لا تقل عن قيمة المال محل الجريمة ولا تزيد على خمسة اضعاف كل من ارتكب جريمة غسل اموال ) .كما نصت ان المادة ( 38 ) الفقرة اولا الزمت القاضي بالحكم على مرتكب هذه الجريمة بمصادرة الاموال محل الجريمة ومتحصلاتها وكذلك الاشياء التي استعملت في ارتكابها او التي كانت معدة لاستعمالها فيها او ما يعادلها في القيمة في حال تعذر ضبطها او التنفيذ عليها سواء اكانت في حوزة المتهم ام شخص اخر . كما نصت المادة ( 42 ) على انه ( يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن (3) ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن (10000000) عشرة ملايين دينار و لا تزيد على (500000000) خمسمائة مليون دينار او بأحدى هاتين العقوبتين كل من أنشأ مصرفا صوريا في جمهورية العراق ، وتعد المحاولة في حكم الشروع).
كما ان المشرع الزم في المادة ( 45 ) الجهات الرقابية باتخاذ جملة من الاجراءات الاحترازية في حالة مخالفة المؤسسة المالية او الاعمال والمهن غير المالية المحددة ، لإحكام هذا القانون او الانظمة او التعليمات او البيانات او الضوابط او الاوامر الصادرة بموجبه ومن دون الاخلال بالعقوبات الجزائية وهذه الاجراءات هي : (اصدار امر بإيقاف النشاط المؤدي الى المخالفة و سحب ترخيص العمل وفقاً للقانون والانذار ويكون بأشعار الجهة المخالفة بوجوب ازالة المخالفة خلال مدة مناسبة يحددها لذلك و منع الاشخاص من العمل في القطاع ذي الصلة لمدة تحددها الجهة الرقابية و تقييد صلاحية الرؤساء او طلب استبدالهم و استيفاء مبلغ مالي لا يقل عن (250000) مئتين وخمسين الف دينار ولا يزيد على (5000000) خمسة ملايين دينار عن كل مخالفة .
وقد اعفى المشرع من بادر بإبلاغ اية سلطة متخصصة بوجود اتفاق جنائي لأرتكاب جريمة غسل اموال وتمويل الارهاب وعن المشتركين فيه قبل وقوع الجريمة وقيام السلطات المتخصصة بالبحث والاستقصاء عن اولئك الجناة. وللمحكمة الإعفاء من العقوبة او تخفيفها اذا حصل البلاغ بعد وقوع الجريمة بشرط ان يسهل القبض على الجناة وضبط الاموال محل الجريمة المادة ( 47 ) من القانون . وكذلك نص في المادة ( 48 ) على عدم المساءلة (جزائيا او انضباطيا) كل من قام بحسن نية بالإبلاغ عن اي من العمليات المشتبه بها الخاضعة لأحكام هذا القانون او بتقديم معلومات او بيانات عنها و لو ثبت انها غير صحيح .
ان هذا القانون وان كان سيسهم الى حد بعيد في الحد من جرائم غسيل الاموال فانه يبقى عاجزا على القضاء عليها نهائيا اذا لم ترافقه مجموعة من الاجراءات الفاعلة التي تؤدي ذلك الغرض ومن هذه الاجراءات هي تفعيل دور مفوضية النزاهة في مكافحة غسيل الاموال و احالة مرتكبي تلك الجرائم الى القضاء فضلا عن التنسيق مع الانتربول الدولي عبر وزارة الداخلية ومجلس القضاء الاعلى وكذلك تفعيل دور الادعاء العام في حماية الاموال العامة كما ان دور الاعلام في الكشف عن قضايا غسيل الاموال وتعرية مرتكبيها امام الرأي العام يسهم كثيرا في القضاء عليها وتحجيمها فضلا عن تشديد الرقابة والمتابعة على العقود والمناقصات الحكومية .
اترك تعليقاً