مدخل لحقوق الإنسان و التزامات السعودية
مفهوم حقوق الإنسان وتطبيقاته بها الكثير من التعقيدات الناتجة عن كثرة المواثيق، وعالميتها، وتعدد الجهات التي تتفاعل مع هذه المواثيق، ومع بعضها، وقد ينشأ عن هذا التعقيد تشويش لدى الراغبين في معرفة أبعاد هذا المفهوم. يحاول هذا المدخل، لحقوق الإنسان، حل هذا التعقيد، فهو يبدأ بشرح موجز عن ماهية حقوق الإنسان، ثم ينتقل إلى محطات تاريخية عن تطور هذه الحقوق، ويلي ذلك توضيح بعض مفاهيم حقوق الإنسان.
يغطي المدخل بعدها تعزيز حقوق الإنسان من خلال استعراض موجز لأهم الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، والجهات الخمس التي تتفاعل معها، ومع بعضها، وفي الختام يغطي المدخل علاقة السعودية بمواثيق حقوق الإنسان.
ما هي حقوق الإنسان؟
“حقوق الإنسان” هي تلك المعايير الأساسية التي تجعل الأفراد يعيشون بكرامة كبني بشر. هذه الحقوق هي لجميع البشر من رجال ونساء وأطفال. وهي لكل زمان ومكان. يستحق البشر هذه الحقوق منذ ولادتهم بحكم انسانيتهم المشتركة، فهي ليست منحة لهم من أشخاص آخرين، أو من أي حكومة. كرامة الإنسان هي قيمة أصيلة لكل كائن بشري، ولذلك لا يحق لأحد أن يتنازل عن هذا الحق، كما لا يجوز لأحد أن يصادره منه. “حقوق الانسان” تفرض على الحكومات، والمؤسسات، والأفراد مسئولية احترام وحماية حقوق الآخرين.
محطات تاريخية
حقوق الإنسان في شكلها الحالي، ليست وليدة لحظة معينة في تاريخ البشرية، أو نتاج حضارة واحدة، إنما هي نتاج التفاعل البشري عبر آلاف السنين التي مرت على المجتمع البشري؛ فمنذ تدوين التاريخ البشري وحقوق الإنسان كانت همّ الأديان السماوية، والفلاسفة، والمبادئ، والقوانين الوضعية. وفيما يلي سرد لبعض المحطات التاريخية التي توضح تطور مفهوم حقوق الإنسان، وتظهر اشتراك المجتمع البشري في تطويره حتى وصل إلى صورته الحالية:
* شريعة حمورابي – 1750 قبل الميلاد: كان حمورابي حاكماً لبابل، وقد أصدر شريعة عرفت باسمه، وهي من أولى الوثائق القانونية في العالم. غطت هذه الشريعة جوانب عملية كثيرة مثل التجارة، والعمل، والملكية، وشئون الأسرة، والعبودية، وقوانين العقوبات من خلال موادها الـ 282، ورغم بدائية هذه الشريعة إلا أنها حمت الناس من الأحكام، والعقوبات العشوائية.
* اليهودية: العهد القديم (التوراة) – 1200 قبل الميلاد: اليهود لديهم العديد من الكتب المقدسة يطلق عليها مجتمعة “العهد القديم”. تحتوي هذه الكتب على الوصايا العشر التي أعطاها الله لنبيه موسى عليه السلام على جبل سيناء، وهي التي أمرت بني إسرائيل باحترام الحياة، والملك الخاص، والغريب، والجار من خلال فرض واجبات مثل عدم القتل، وإعطاء الأمان لمن التجأ بالكنيس، وبراءة المتهم حتى تثبت إدانته.
* البوذية (سدهارثا جواتاما) في الهند 563 قبل الميلاد: آمن بوذا بأن الحياة تحوي على الكثير من الآلام، منذ الولادة وحتى الوفاة، وأن الآلام لا تنتهي بوفاة الإنسان حيث كان يؤمن بتناسخ الأرواح، وبأن الموت يؤدي إلى حياة جديدة، وآمن بمجموعة من الأخلاق التي تؤدي إلى كبت هذه الآلام، وعكسها في مجموعة مبادئ مثل “لا تؤلم الآخرين بطرق تجدها مؤلمة لذاتك”.
* كونفيشوس في الصين 551-479 قبل الميلاد: عاش كونفيشوس في أوقات اضطراب اجتماعي، وكان فيلسوفا لديه رسالة للحكومة، والإصلاح الاجتماعي، وكانت فلسفته تتمحور حول “جن”, أو فعل الخير، والذي ربطه بثنائيات مثل “لا تفعل للآخرين ما لا تود أن يُفعل لك”، و”افعل للآخرين ما تود أن يُفعل لك”. وكان يؤمن بأن الناس يجب أن يمارسوا مبادئ “جن” على من هم تحتهم، وأن الحكومة يجب أن تتبع مبادئ جن بدل استخدام القوة.
* المسيحية العهد الجديد (الإنجيل): أتى السيد المسيح عليه السلام بمجموعة مبادئ إنسانية شملت “تحرير السجناء، وتخليص المقموعين”، وجاء في الإنجيل أن السيد المسيح تعامل مع النساء، والغرباء، والفقراء بشكل يحفظ كرامتهم. وبيّن أن الصلاحيات تأتي معها المسئوليات، وأوصى مريديه بأن يوفروا الطعام للجائعين، ويكسوا العريانين، ويتسامحوا مع الأعداء.
* الإسلام – 644 بعد الميلاد: أتى الإسلام ونبي الرحمة عليه وعلى آله الصلاة والسلام بالكثير من المبادئ الإنسانية، والتي يصعب الإحاطة بها في هذه العجالة.
سوف يتم الإكتفاء باستعراض بعض ما جاء في القران الكريم والسنة النبوية الشريفة، وسير بعض الخلفاء الراشدين مما يشير الى اهتمام الإسلام بحقوق الإنسان وكرامته:
قال تعالى:
* ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ الإسراء 70
* ﴿وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين﴾ الأنبياء 107.
* ﴿ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ النحل 125.
* ﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي﴾ البقرة 256.
* ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ المائدة 32.
* ﴿و لا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى﴾ المائدة 8
* ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الممتحنة 8
* ﴿ولا تجسّسّوا ولا يغتب بعضكم بعضاً﴾ الحجرات 13
من اقوال رسولنا الكريم عليه وعلى اله افضل الصلاة وازكى التسليم:
* «إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا».
* «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».
* «لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى».
* «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه».
عندما بويع الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: «أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني».
في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما فتح بيت المقدس عاهد أهله بحرية التعبد بالدين المسيحي والإبقاء على الكنائس.
في تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية العربية (النسخة العربية) للعام 2002 استشهد التقرير بأقوال للإمام على بن أبي طالب عليه السلام حول الحكم من بينها:
* وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد.
* لا خير في الصمت عن الحكم كما انه لا خير في القول بالجهل.
* المتقون فيها من أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير.
* الماجنا كارتا في انجلترا – 1215 م: أساء الملك الانجليزي جون الأول استخدام السلطة فبالغ في فرض الضرائب وكان باذخاً في مصاريفه وتورط في حروب فاشلة ولم يحترم سلطة البابا. تكاتف النبلاء ورجال الدين وفرضوا عليه سلطة القانون من خلال “الميثاق العظيم للحريات” أو ما عرف “بالماجنا كارتا”. برغم ان “الماجنا كارتا” ضمنت حقوق البارونات فقط وليس سائر الناس كما أن الملك نقضها سريعاً، إلا إنها اعتبرت في حينها وعلى نطاق عالمي الملهم للكثير من المواثيق التي تلتها. من بين قوانين الماجنا كارتا: تحرر الكنيسة من تدخل الحكومة، وحق المواطنين الأحرار في التملك وتوارث الأملاك وحمايتهم من الضرائب المجحفة ومساواتهم امام القانون، وحظر الرشوة والفساد الإداري.
* ظهور فلاسفة “الحقوق الطبيعية” 1600 – 1700م: قبل هذه الفترة كان ينظر إلى الفرد على أساس مسئولياته تجاه مجتمعه وتجاه الناس الآخرين ولم يكن هناك تعريف واضح لحقوقه الشخصية. ظهر في هذه الفترة فلاسفة مثل جروتيوس وهوبس وروسو ولوك وكتبوا فيما أطلق عليه “الحقوق الطبيعية للبشر” والتي تحدثت عن حق الانسان في حماية روحه وحريته واملاكه. ترى هذه الفلسفات ان هذه الحقوق تحتاج لحكومة لحمايتها وأن الحكومات تؤَسس على عقد اجتماعي يكون المواطن بموجبه مجبر على طاعة الحكومة فقط عندما تلتزم الحكومة بحماية حقوقه الطبيعية.
* “وثيقة الحقوق” في إنجلترا 1689: اعتقد الملك “جيمز الثاني” كما اعتقد كثير من الملوك قبله أن القوانين غير مريحة وعادة ما أعفى نفسه من الالتزام بها. هذا قاد إلى الإطاحة به واصدار البرلمان “وثيقة الحقوق”. جعلت هذه الوثيقة الملك يلتزم بالقوانين مثل أي مواطن آخر وطالبته باحترام قوة البرلمان المنتخب وصلاحيته في للتحكم في أموال الدولة وأملاكها، وعالجت المواضيع المتعلقة بالعدالة والكفالات والغرامات المبالغ فيها والعقوبات العنيفة والغير اعتيادية والمحاكمات غير العادلة ونزاهة واستقلال القضاء وحرية التعبير في البرلمان.
* ظهور مصطلح “حقوق الانسان” 1700-1800: سقط التأييد لمصطلح الحقوق الطبيعية ولكن مفهوم عالمية الحقوق تجذر. فقد وسع الفلاسفة مفهوم حقوق الانسان في بحوثهم. ومن البحوث المهمة ”حقوق الرجل“ لتومس بين و”مقالة عن الحربة“ لجون ستيورت مل و”التمرد المدني“ لهنري ديفيد ثورو والذي كان اول من استخدم مصطلح (حقوق الانسان). وصار لهذه البحوث اثر كبير على عدد من النشطاء مثل مهاتما غاندي ومارتن لوثر كنج الذَين طورا أفكارهما للمقاومة السلمية ضد التصرفات الحكومية الاأخلاقية.
* “اعلان الاستقلال”، الولايات المتحدة – 1776: ثار الناس في المستعمرات الأمريكية ضد الملك البريطاني الذي أنكر عليهم التمثيل في مجلس العموم وبالغ في فرض الضرائب، فحاربوه على اسس مبادئ حقوق الإنسان، ونتج عن هذه الثورة تأسيس الولايات المتحدة الامريكية على أساس ممثليه الشعب الامريكي وتوافقوا على وثيقة مدنية عرفت باسم ”اعلان الاستقلال“.
* “اعلان حقوق الرجل”، فرنسا – 1789: ثار الفرنسيون ضد حكم الملك لويس السادس عشر الاستبدادي واجبر الثوار الملك على توقيع “اعلان حقوق الرجل” والذي ضمن الحقوق الأساسية المتعلقة بالحرية والملكية والمساواة والامن.
* اتفاقيات جنيف، الصليب الاحمر الدولي – 1864، 1949: في عام 1859 حدثت معركة بين الايطاليين والفرنسيين عرفت بمعركة سلفرينوا راح ضحيتها 40،000 شخص بين قتيل وجريح. وعلى اثرها نشر الكاتب السويسري جين جونانت كتابه “ذكرى سلفرينو” والذي وصف فيه معاناة الجنود الجرحي. كان الكتاب مؤثرا ونتج عنه حملة انسانية اسست الصليب الاحمر الدولي وتلاها اعتماد اتفاقيات جنيف التي اهتمت بالتعامل مع الجرحى والاسرى والمدنيين في أوقات الحروب. وكانت هذه الاتفاقيات هي أولى القوانين الدولية التي تحكم تصرفات الدول وتحمي كرامة الانسان في أوقات الحروب.
* منظمة العمل الدولية 1919: اسست المنظمة بعد الحرب العالمية الأولى كجزء من اتفاقيات فرساي للسلام لعصبة الامم. تهدف المنظمة تحسين ظروف العمل وتعزيز العدالة الاجتماعية ومراقبة حماية الاتفاقيات الخاصة بالعمال وحماية حقوقهم بما في ذلك صحتهم وسلامتهم. في عام 1946 اصبحت المنظمة احدى الهيئات المتخصصة في الامم المتحدة.
* تأسيس الامم المتحدة، سان فرانسيسكو – 1945: هال الناس كمية الدمار والقتل الذي حدث اثناء الحرب العالمية الثانية. فقد أودت مجازر الهوليكوست النازية بحياة ستة ملايين من البشر لكونهم يهود أو غجر أو معاقين جسمياً أو عقلياً أو لأنهم معارضين للنازية. كما وتم التعامل بوحشية مع اسرى الحرب في اسيا وأوربا وتمت الكثير من المذابح الجماعية على المدنيين. وضربت القنبلتين النوويتين التين أوديتا بحياة ألاف البشر ودمرتا مدنهم. حل كل هذه الدمار بسبب انتماء الإنسان لعرق أو دين أو منطقة أو دولة معينة. عدد من تعرضوا للانتهاك كان كارثي مما ادى إلى تجمّع خمسة واربعين دولة وتأسيس الامم المتحدة التي تعهدت في ميثاقها بتعزيز “الاحترام الدولي لحقوق الإنسان واحترام حريات الإنسان الأساسية”.
* الاعلان العالمي لحقوق الإنسان – 1948: البنود المتعلقة بحقوق الإنسان في ميثاق الامم المتحدة غامضة، فتقرر تشكيل لجنة لتوضيح مقاصد هذه الحقوق. شملت اللجنة 8 اشخاص من 8 دول ومنها لبنان (السيد / شارل مالك). عملت اللجنة لسنتين وصاغت اعلان عالمي احترم الحقوق والحريات الأساسية للإنسان والحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وانكر التمييز بجميع اشكاله. تم التصويت على الاعلان واقراره عام 1948. عدد اعضاء الامم المتحدة حين التصويت كان 58 دولة. صوتت 48 دولة بالموافقة وامتنعت 8 دول عن التصويت وغابت دولتان ولم تعترض أي دولة. الدول الاسلامية التي صوتت لصالح الاعلان هي افغانستان ومصر وايران والعراق ولبنان وباكستان وسورية وتركيا وامتنعت السعودية عن التصويت.
* تأسيس أول منظمة غير حكومية – 1961: حُكم على طالبين جامعيين من البرتغال بالسجن لمدة 20 عام نتيجة رفع نخب “للحرية” في حانة. تشكل على اثر هذه الحادثة تجمع من الكتّاب والصحفيين والمحامين وغيرهم واصدروا نداء عفو. شمل النداء ستة سجناء ضمير من خلفيات سياسية ودينية مختلفة حول العالم حاولوا التعبير عن اراءهم بشكل سلمي. النداء نما بشكل غير متوقع ونتج عنه تكوين “منظمة العفو الدولية” وبذلك ولدت حركة حقوق الإنسان الحديثة والمنظمات غير الحكومية.
* المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا – 1993: حضر هذا المؤتمر اكثر من 170 دولة وتم فيه اقرار التزام الدول بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعالمية هذه الحقوق وعدم قابليتها للتجزئة وتم اعتماد برنامج عمل لتعزيز هذه الحقوق. الدول الاسلامية التي حضرت هذا المؤتمر هي افغانستان والجزائر والبحرين وبنجلادش ومصر واندونيسيا وايران والعراق والاردن والكويت ولبنان وليبيا وماليزيا والمغرب وعُمان وباكستان وقطر والسعودية والصومال والسودان وسوريا وتونس وتركيا والامارات العربية المتحدة واليمن وكازاخستان.
مبادئ ومفاهيم أساسية متعلقة بحقوق الإنسان:
هناك مجموعة من المبادئ والمفاهيم المتعلقة بحقوق الإنسان والتي يؤدي فهمها إلى تحسين استيعاب هذه الحقوق.
* الملكية العامة لحقوق الإنسان: ملكية واحقية حقوق الإنسان هي لكل المجتمع البشري. فنحن نشترك في حقوق المساواة وعدم التمييز على قواعد غير مقبولة، وكلنا لنا حقوق الحياة والحرية وعدم التعذيب وممارسة الشعائر الدينية والخصوصية وتكوين الاسرة وحرية التعبير والحق في التعليم والوصول إلى الماء والغذاء واستحقاق العناية الصحية والبيئة النظيفة والمحافظة على كرامتنا الإنسانية. وجود وتعزيز حقوق الإنسان تجعل منا مجتمع انساني حقيقي وتجعل من مجتمعاتنا مكان مناسب للعيش فيه.
* خصوصية حقوق الإنسان: كون حقوق الإنسان الأساسية هي ملك للجميع، لا ينفى ان تكون هناك خصوصية في بعض الظروف تستدعي التركيز على جوانب معينة لهذه الحقوق لبعض الجماعات والافراد مثل المعاقين والاطفال واللاجئين والنساء والاقليات العرقية والسكان الاصليين للحديث عن بعض خصوصياتهم بصياغة اتفاقيات خاصة بهم.
* التوقيع والمصادقة على الاتفاقيات: توقيع الدوله على صك دولي يعني موافقة الحكومة من حيث المبدأ على مضمونه دون التزام قانوني عليها. اما المصادقة فتعني التزام قانوني بتطبيق بنود الاتفاقية، وقد يشمل ذلك موافقة الجهات التشريعية مثل البرلمان على الاتفاقية ومراجعة وتعديل القوانين المحلية للدولة.
* التحفظ على الاتفاقيات: التحفظ هي الاحكام او البنود التي لا تقر الدولة الالتزام بها، على ان لا تلغي هذه التحفظات روح الاتفاقية.
* حقوق الانسان والعرف الدولي: في وقتنا الحاضر، اصبحت مفاهيم حقوق الإنسان ومن ثم الصكوك الدولية المتعلقة بها جزء من الاعراف الدولية. وبذلك، فجميع دول العالم يقع عليها التزام غير رسمي باحترام جميع هذه الاعلانات والاتفاقيات حتى ولو لم تصادق عليها.
* مسؤوليات الحكومات: جاء في المادة الأولى من اعلان فيينا عام 1993 “… حماية وتعزيز حقوق الإنسان وحرياته الأساسية والتي يكتسبها البشر منذ ولادتهم هي المسئولية الأولى الملقاة على عاتق الحكومات. “. فالحكومات مسئولة ان لا تنتهك هي حقوق الانسان وان لا تسمح بانتهاك حقوق الانسان على اراضيها، وذلك يستدعي من الحكومة ان تؤسس لنظام قانوني لحماية وتعزيز حقوق الإنسان.
* السيادة الوطنية: جاء في اعلان فيينا “تعزيز وحماية حقوق الإنسان هو مسألة ذات أولوية للمجتمع الدولي”. رغم ان جميع دول العالم تسعى إلى تجنب التدخل في شانها الداخلي، إلا ان التدخل الدولي فيما يخص موضوع حقوق الإنسان اصبح اليوم حقيقة لا يمكن الفرار منها سواء صادقت الدولة على مواثيق حقوق الانسان ام لم تفعل. يستند هذا التدخل الى الاعراف الدولية المتعلقة بحقوق الانسان.
* مسؤوليات البشر: عند مطالبتنا بحقوقنا، فكل واحد منا تقع عليه مسئولية اخلاقية بعدم التعدي على حقوق الآخرين ودعم حقوق الاشخاص المنكرة أو المنتهكة حقوقهم. من الاقوال المأثورة في هذا المجال:
«الساكت عن الحق شيطان اخرس» رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
“في المانيا، اتى النازيون على الشيوعيين وانا لم ادافع عنهم لأنني لم اكن شيوعياً. ثم اتوا على اليهود ولم ادافع عنهم لأنني لم اكن يهودياً. ثم اتوا على النقابات التجارية ولم ادافع عنهم لأنني لم اكن نقابياً. ثم اتوا على الكاثوليك ولم ادافع عنهم لأنني لم اكن كاثوليكيا. ثم اتوا علي، وحينها، لم يبقى احد ليدافع عني.” المفكر والقس مارتن نيمولر من الكنيسة الالمانية الانجيلية (اللوثرية)
“ان الظلم اينما كان يهدد العدل في كل مكان” مارتن لوثر كنج
* الحقوق والمسؤوليات: كقاعدة عامة، عندما يطلب صاحب حق حقه، ينتج عن ذلك التزام على طرف اخر. حق ان يستمع اليك احد يؤدي إلى التزام احدهم بالإنصات. حق ان تكون لك خصوصية ينتج عنه التزام احدهم بعدم التدخل في خصوصياتك. الحق في ان تعامل بالتساوي يعني التزام من قبل مسئول بعدم التمييز على أساس الجنس أو العنصر أو الاعاقة. وبذلك، كلما تزايدت مطالبات المجتمع لحقوقه، يجب على افراد المجتمع ومؤسساته ان يكونوا جاهزين لتحمل الالتزامات الناتجة عن هذه المطالبات.
* عالمية حقوق الإنسان: هو مفهوم يعني ان حقوق الإنسان هي حق لجميع البشر ولكل المجتمعات، وبذلك، فكل انسان يمتلك نفس الحقوق الأساسية.
تحتج بعض المجتمعات على حقيقة كون حقوق الإنسان عالمية. فأصحاب هذا الرأي بنوه على أساس الخصوصية الثقافية وان قوانين حقوق الإنسان هي نتاج فكري غربي صالح للتطبيق في المجتمع الأوربي وانه يتضادد مع القيم والثقافة الشرقية. اما اصحاب رأي العالمية فيرون ان حقوق الإنسان اتت نتيجة للتجربة الإنسانية لجميع ألأديان والثقافات والحضارات وان صياغة الاتفاقيات وتعزيزها تم باشتراك معظم دول العالم واصبحت مفاهيم هذه الحقوق اعراف دولية لا يمكن لأحد ان يتنكر لأسسها.
“انه لمن المخجل ان نجتهد لاستخدام القيم الاسيوية لتبرير ممارسة الاستبداد ولنكران الحقوق الأساسية والحريات المدنية للإنسان. قولنا بان حريات الإنسان هي ثقافة غربية أو غير اسيوية هو انتهاك لتقاليدنا ولأسلافنا الذين ضحوا بحياتهم لمقاومة الاستبداد والظلم.” انور ابراهيم، رئيس الوزراء السابق لماليزيا.
* الفروق الثقافية وحقوق الإنسان: الحقوق الثقافية هي احدى حقوق الإنسان الأساسية. إلا انه، لا يمكن ان تفسر هذه الحقوق على أساس انها مبرر لانتهاك حقوق الإنسان والحريات الأساسية الاخرى. فعلى سبيل المثال، لا يمكن لأي ثقافة ان تمارس العبودية رغم انه وعبر التاريخ، مارست الكثير من الحضارات تلك العبودية. كما ان الحقوق الثقافية لا يمكن ان تبرر التمييز على أساس الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين. تبرير هذه الانتهاكات بناءاً على الحقوق الثقافية يعتبر سؤ استخدام لهذه الحقوق.
* حقوق الإنسان غير قابلة للتحويل: تعني ان حقوق الإنسان هي ملك لجميع الناس ولا يمكن ان تؤخذ منهم أو ان يتنازلوا عنها تحت أي ظرف كان.
* حقوق الإنسان والترابط وعدم التجزئة: تعني ان كل قوانين وبنود حقوق الإنسان مهمة. فلا يمكن لأحد ان ينكر حق للإنسان بحجة ان هذا الحق غير مهم أو غير ضروري. فعلى سبيل المثال، حق المشاركة في الحكومة مرتبط بشكل مباشر بحق التعبير، ويؤثر ذلك بشكل مباشر على الحصول على حق التعليم وحتى على الحصول على ضروريات الحياة.
* التعارض والتصادم بين قوانين حقوق الإنسان المختلفة: لا يمكن عزل الحقوق المختلفة للإنسان عن بعضها البعض. فهي في بعض الاحيان تتكامل وفي احيان اخرى تتنافس. فعلى سبيل المثال، الحق في حرية التعبير أو في محاكمة علنية قد يصطدم مع الحق في الخصوصية. والحق الثقافي والديني قد يصطدم مع الحق في عدم التمييز على بعض الاسس. بسبب هذا التعارض، تركت بعض درجات المرونة للدول لمعالجة مدى حماية هذه الحقوق.
احترام وتعزيز حقوق الإنسان:
الهدف الرئيسي من النشاط الحقوقي هو السعي إلى تغيير القوانين والممارسات الوطنيه بحيث يتم احترام وتعزز حقوق الإنسان. تغيير القوانين الوطنية يتم في ضوء صكوك حقوق الانسان. اما تغيير الممارسات فيتم بتفاعل عدة جهات مع بعضها البعض.
صكوك حقوق الإنسان:
لعبت الصكوك الدولية دوراً محورياً في تطور مفهوم حقوق الإنسان حيث وحدت الرؤى العالمية لمفاهيم حقوق الإنسان وجعلت البشر في شبه اتفاق حول هذه المفاهيم. كما وأسست لمشاريع الدفاع عن حقوق الإنسان العابرة لحدود الدول من خلال التحرك الدولي او بتحرك المنظمات غير الحكومية. وهناك عدة تقسيمات لصكوك حقوق الإنسان:
بحسب الالزامية:
1. صكوك ملزمة ولها قوة قانونية على الدول الموقعة عليها وتسمى عهود او مواثيق.
2. صكوك ملهمة للدول الموقعة عليها وتسمى اعلانات او مبادئ او قواعد. هذه الصكوك ورغم افتقارها للقوة القانونية إلا انها بدأت تأخذ قوة جديدة من خلال تحولها إلى عرف دولي.
بحسب التغطية الدولية:
1. صكوك دولية: وهي التي تصدر عن الامم المتحدة ويمكن لجميع اعضاء الامم المتحدة الانضمام لها.
2. صكوك اقليمية: وهي التي تصدر عن منظمات اقليمية مثل ”الاعلان الاسلامي لحقوق الإنسان“ و”الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب“ و”الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان“.
بحسب تخصص الصك:
1. صكوك شمولية: مثل ”الاعلان العالمي لحقوق الانسان“.
2. صكوك شبه شمولية: مثل ”العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية“ و”العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية“.
3. صكوك متخصصة: مثل ”اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة“ و”اتفاقية حقوق الطفل“.
أشهر الصكوك الدولية:
أشهر الصكوك الدولية هي تلك الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة المختلفة. سوف يتم فيما يلي سرد موجز لبعض هذه الصكوك:
1) الصكوك الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أ- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (اقر في 10 ديسمبر 1948): هو اول اعلان عالمي متعلق بحقوق الإنسان وهو الملهم لكل الصكوك التالية له والصادرة من الامم المتحدة أو من المجتمع الدولي. رغم عدم الزاميته، إلا ان كثير من بنوده اصبحت شبه الزامية اما من خلال تحولها إلى عرف دولي أو بسبب تبنيها في دساتير كثير من دول العالم. اهتم في مواده الثلاثين، بالحقوق والحريات الأساسية التي يتمتع بها كل انسان بغض النظر عن عنصره أو لونه أو جنسه أو دينه أو رأيه السياسي أو أصله الوطني أو الاجتماعي أو أي وضع آخر. من الحقوق التي شملها حق الحياة والحرية وحرية الفكر والوجدان والدين والحق في العمل والتعليم والتحرر من الاضطهاد.
ب- العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (اقر عام 1966، ودخل حيز التنفيذ عام 1976): يشمل هذا العهد حق تقرير المصير، وحق العمل، والحق في تكوين والانضمام إلى نقابات مهنية، والحق في الضمان الاجتماعي، والحق في حماية ومساعدة الاسرة، والحق في مستوى معيشي مناسب بما في ذلك توفر الطعام والملبس والمسكن، والحق في توفر اعلا مستوى ممكن من الصحة الجسمية والعقلية، والحق في التعليم، والحق في المشاركة في الحياة الثقافية والعلمية. تراقب تنفيذ هذه الاتفاقية لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ت- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (اقر عام 1966 ودخل حيز التنفيذ عام 1976): يشمل هذا العهد الحق في الحياة وحظر التعذيب، وحظر العبودية وعمال السخرة، وحظر الاعتقال أو الحجز التعسفي، وحق الاشخاص المنتزعة حرياتهم في معاملة انسانية، وحق حرية التنقل، وحق تساوي الجميع امام القضاء وحظر التشريعات الجنائية بأثر رجعي، وحظر التدخل التعسفي في خصوصية الافراد، وحق حرية الفكر والوجدان والدين والرأي والتعبير وتكوين الجمعيات السلمية، وحق حماية الاسرة وحق المشاركة في الشئون العامة وحق تمتع الاقليات بثقافتهم وممارسة ديانتهم واستخدام لغتهم. يراقب تنفيذ هذه الاتفاقية مجلس حقوق الإنسان.
ويطلق على الصكوك الثلاثة السابقة الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
ث- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري (اقرت عام 1965 ودخلت حيز التنفيذ عام 1969): تحظر هذه الاتفاقية التمييز العنصري. ويعرّف التمييز العنصري بأنه ”أي تمييز أو اقصاء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس من العنصر أو اللون أو النسب أو الاصل القومي أو الاصل العرقي“. وتطالب هذه الاتفاقية الدول بان تقضي على جميع اشكال التمييز العنصري وان تعزز التفاهم بين جميع الطوائف الذين يقعون ضمن مسئوليتها. يقوم بمراقبة تطبيق هذه الاتفاقية لجنة القضاء على التمييز العنصري.
ج- اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة (اقرت عام 1979 ودخلت حيز التنفيذ عام 1981): تدين وتحظر هذه الاتفاقية التمييز ضد المرأة. ويعرّف التمييز ضد المرأة بأنه “كل تمييز واقصاء وتقييد مبني على أساس الجنس” والذي يقيد استمتاع المرأة بحقوقها كإنسانة وحرياتها الأساسية. يقوم بمراقبة هذه الاتفاقية لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة.
ح- اتفاقيه مناهضه التعذيب وغيره من ضروب المعامله القاسية أو اللا انسانية أو العقوبة أو المعامله المهينة (اقرت عام 1984 ودخلت حيز التنفيذ عام 1987): تضع هذه الاتفاقية حظر رسمي وبدون تحفظ على ممارسه التعذيب. ويعرّف التعذيب على انه “اي عمل ينتج عنه الم أو عذاب شديد، جسديا كان أو عقليا ويلحق عمداً بشخص ما”. اللجنة المراقبة لهذه الاتفاقية هي لجنه مناهضه التعذيب.
خ- اتفاقية حقوق الطفل (اقرت عام 1989 ودخلت حيز التنفيذ عام 1990): بمصادقة 195 دولة عليها اصبحت هذه الاتفاقية هي الاكثر مصادقة عليها. تكفلت هذه الاتفاقية بحق الطفل في الحياة والهوية والصحة والتعليم والتربية والترفيه والعائلة وحرية التعبير وحمايته من كل أشكال التمييز ودعم نموه ونمائه وحمايته من كافة أشكال العنف والإيذاء البدني والعقلي والاستغلال الجنسي. اللجنة المراقبة لتطبيق هذه الاتفاقية هي لجنة حقوق الطفل.
2) الاتفاقيات الصادرة من منظمة العمل الدولية: تنص هذه الاتفاقيات على التزام الدول التي صادقت عليها بحقوق العمال وحمايتهم. تراقب ”لجنه الخبراء“ و”لجنه مؤتمر تطبيق الاتفاقيات والتوصيات“ تنفيذ هذه الاتفاقيات. والاتفاقيات المتعلقة بهذا الشأن هي:
أ- اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي.
ب- حق التنظيم والتفاوض الجماعي.
ت- اتفاقية التمييز في التوظيف والمهن.
ث- اتفاقية الغاء عمال السخرة.
ج- اتفاقيه مساواة الاجور.
ح- اتفاقيه حد السن الأدنى.
3) اتفاقيات جنيف: وتعرف ايضاً بالاتفاقيات الانسانية وهي القوانين الدولية التي تحكم تصرفات الدول في أوقات الحرب وهي:
أ- اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولين الاضافيين لعام 1977.
ب- اتفاقيه جنيف لتحسين حال الجرحي والمرضي في القوات المسلحه.
ت- اتفاقيه جنيف الخاصة بمعامله اسري الحرب.
ث- اتفاقيه جنيف الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب.
الجهات المتفاعلة: هناك عدة جهات تتفاعل مع صكوك حقوق الانسان وتتفاعل مع بعضها لتحقيق اهداف حقوق الانسان وهي:
المجتمع: المجتمع هو المستفيد الأول من احترام وتعزيز حقوق الإنسان والخاسر الاكبر من انتهاك هذه الحقوق. نشر ثقافة حقوق الإنسان بين الناس تجعل المجتمع يطالب ويدافع عن كرامته وكرامة الآخرين ويؤثر على المشرعين لتبني القوانين الحامية لهذه الحقوق. حتى لو كان هناك نظام قانوني يضمن حقوق الإنسان، فان اثره يصبح ضئيل حين لا تكون هناك ثقافة وايمان بهذه الحقوق في أوساط المجتمع.
حكومات الدول:
تعد الحكومات المنتهك الرئيسي لحقوق الإنسان، فممارسات الحكومات تحكمها طائفة واسعة ومتشابكة من المصالح الجماعية والفردية والتي قد لا يتطابق بعضها ومبادئ حقوق الإنسان. والحكومات هي الجهة الاقدر على حماية حقوق الإنسان، فهي التي تمتلك الموارد اللازمة للقيام بذلك من قدرات تشريعية وقضائية وتنفيذية واعلامية ومادية. الوضع المثالي لأي دولة لاحترام وتعزيز حقوق الإنسان هو ان تقوم بالمصادقة على جميع الصكوك الدولية والاقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان وان تتبنى بنود هذه الصكوك في تشريعاتها وقوانينها المحلية وان تحمي تلك التشريعات والقوانين من خلال سلطتها القضائية والتنفيذية. لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، يعمل النشطاء الحقوقيون على المستوى الدولي والاقليمي والوطني اما بالتعاون مع الحكومات أو باستخدام شبكات الضغط لجعل الحكومات تصادق على صكوك حقوق الإنسان وتلتزم بها. شبكات الضغط تعتمد أساساً على قوه الاعلام ونشر الانتهاكات ومحاوله احراج الحكومة واجبارها على تحسين اوضاع حقوق الانسان على اراضيها لتجنب تشويه صورتها على المستوى الدولي.
الامم المتحدة:
تضطلع هيئات الامم المتحدة الكثيرة بموظفيها الذين يزيد عددهم عن 50،000 شخص بالعديد من المهام التي تهدف الى تعزيز وحماية حقوق الانسان. فهيئات الامم المتحدة تنقسم الى عدة فئات بحسب طبيعة مهامها:
* هيئات الميثاق وهي الهيئات التي انشأت لرعاية ميثاق الامم المتحدة وتشمل الجمعية العامة ومجلس الامن ومحكمة العدل الدولية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والامانة العامة ومجلس الوصاية.
* هيئات المعاهدات والتي أوجدت لرعاية وحماية معاهدات الامم المتحدة وقد تم التطرق لها حين الكلام عن الصكوك.
* المحاكم الخاصة بجرائم الحرب وهي محاكم تشأ في حال وجود حاجة لها وتنتهي بمجرد انهاء مهامها مثل محكمة يوغسلافيا ومحكمة راوندا.
* الهيئات المتخصصة ومنها: منظمة العمل الدولية واليونسكو ومنظمة الصحة العالمية ومنظمه الاغذية والزراعة والبنك الدولي.
و تتعدد مهام هيئات الامم المتحدة المتعلقة بحماية وتعزيز حقوق الانسان لتشمل:
* صياغة الصكوك.
* مراقبة تنفيذ الصكوك.
* مساعدة الدول على تطبيق بنود الاتفاقيات.
* الضغط على الدول المنتهكة لحقوق الانسان.
* التدخل في الدول لإيقاف الانتهاكات الصارخة.
* عقد المؤتمرات والندوات المتعلقة بحقوق الانسان.
* محاكمة مجرمي الحرب والابادة الجماعية.
* تهيئة الظروف المناسبة لحياة كريمة.
منظمات حقوق الانسان:
المنظمات غير الحكومية هي منظمات تتكون من اشخاص من خارج الحكومة وهي غير ربحية وتعتمد في تمويلها على الاشتراكات والتبرعات. يقوم على هذه المنظمات مجموعة من المتطوعين من ذوي الاهتمامات المشتركة بهدف تقديم خدمات ووظائف انسانية للمجتمع. تتمحور هذه المنظمات حول مواضيع محددة مثل حقوق الإنسان أو الشئون البيئية أو الشئون الصحية او الرياضة او الاعمال الخيرية.
منظمات حقوق الانسان الاهلية هي من المنظمات غير الحكومية. ولتعزيز حقوق الإنسان، تتبع منظمات حقوق الإنسان عدد من الاليات منها:
* العمل على تبني تشريعات وطنية تحترم حقوق الانسان ودعم هذه التشريعات قضائياً لملاحقة المنتهكين لهذه الحقوق.
* مراقبة ورصد التشريعات والممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان.
* ممارسة النشاط الاعلامي والتدريب والتعليم لخلق وعي حقوق الإنسان في المجتمعات.
* عمل البحوث التي تساعد على تعزيز حقوق الإنسان.
* المشاركة في المؤتمرات والندوات لتنمية مفاهيم جديدة وانشاء مواثيق واعلانات وبرامج عمل تعزز حقوق الإنسان.
* رفع تقارير عن أوضاع حقوق الإنسان في بعض الدول لهيئات المعاهدات في الامم المتحدة لتكون تقارير موازية لتلك التي ترفعها الحكومات.
* التعاون مع جهات حقوقية واعلامية داخل وخارج أوطانها للضغط على الحكومات لتحسين أوضاع حقوق الإنسان لديها.
منظمات حقوق الإنسان تحترم جميع المواثيق الدولية وتحترم حقوق الإنسان اينما كان. لكن وبسبب سعة الانشطة الحقوقية ومحدودية امكانات المنظمات، تميل هذه المنظمات إلى تحديد نطاق عملها في الدفاع عن مواضيع ونطاق جغرافي محدد يطلق عليه (الولاية). وكمثال على ذلك، ان تكون ولاية منظمة معينة “العنف ضد المرأة في محافظة الاحساء” أو ان تكون ولاية منظمة اخرى “الدفاع عن سجناء الرأي والضمير في كل العالم”.
حين تكتشف المنظمات الحقوقية وتفضح انتهاكات الحكومات أو الافراد من ذوي السلطة أو المصالح، قد يتعرض اعضائها للمخاطر الشخصية. وقد تنبه المجتمع الدولي لذلك واكد على وجوب واهمية تامين الحماية لهم. فقد جاء في اعلان مؤتمر فيينا “يجب ان تحظى المنظمات غير الحكوميه واعضاءها الملتزمين بتعزيز حقوق الإنسان بالحقوق والحريات المعترف بها في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان وبحماية القانون الوطني”.
لمنظمات حقوق الانسان تأثير كبير على وضع سياسات الامم المتحدة وبرامجها من خلال التشاور والابحاث التي تعدها المنظمات الحقوقية.
كما وتدعى المنظمات الحقوقية بشكل دائم للاضطلاع بدور رائد في مؤتمرات الامم المتحدة. وتعتمد الامم المتحدة على المنظمات الحقوقية للمساعدة في مجال المعلومات في شئون تهم الامم المتحدة ومنها التقارير الموازية التي ترفع إلى هيئات المعاهدات.
من الامثلة على منظمات حقوق الانسان:
* منظمه العفو الدوليه (Amnesty International).
* مراقبة حقوق الانسان (Human Rights Watch).
* الجمعية الوطنية لحقوق الانسان بالسعودية.
* حقوق الانسان اولاً بالسعودية.
المجتمع الدولي:
المجتمع الدولي عبارة عن دول العالم منفردة أو تجمعاتها الاقليمية او الدولية. يساهم المجتمع الدولي بفعالية في تعزيز حقوق الإنسان لدوافع تشمل:
* مصادقة كثير من دول العالم على صكوك حقوق الانسان جعل بنود هذه الصكوك تتحول الى عرف دولي يشاء المجتمع الدولي ان يتم احترامها.
* ضغوط منظمات المجتمع المدني على الحكومة للمساهمة في تعزيز حقوق الإنسان داخل وخارج حدودها كما هو حال الكونجرس الامريكي مع الحكومة الامريكية.
* الاتفاقيات الاقليمية التي تفرض الالتزام بمعايير حقوق انسان معينة لمن يريد الانضمام لهذا التجمع مثلما هو حال تركيا مع الاتحاد الأوربي.
* مراعاة الدول لمصالحها في دول اخرى. فانتهاك صارخ لحقوق الإنسان في دولة معينة قد يؤدي إلى هجرة جماعية إلى دول الجوار وتضرر مصالح هذه الدول. مثال على ذلك، تدخل الاتحاد الافريقي في قضية دارفور في السودان.
أكبر تجمع دولي هو الامم المتحدة وما تقوم به عبارة عن مشاركات وارادات الدول اما بشكل اجماعي أو بشكل ارادة الاغلبية. ولكن هناك ايضاً فعاليات متعلقة بحقوق الإنسان على مستوى الدول منفردة كما هي حال الولايات المتحدة الامريكية أو من خلال تجمعات اقليمية مثل الاتحاد الافريقي والاتحاد الأوربي.
السعودية ومواثيق حقوق الإنسان:
لقد حضرت السعودية التصويت على الاعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 وامتنعت حينها عن التصويت. ولكن وفي مؤتمرات دولية لاحقة ومنها مؤتمر فيينا عام 1993، قامت السعودية بالمصادقة على اعلانات هذه المؤتمرات والتي تم فيها اعادة التأكيد على عالمية الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما ان السعودية اصبحت عضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مؤخراً. وقد صادقت السعودية على العديد من اتفاقيات حقوق الانسان وهي:
* اتفاقيه منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها وقد انضمت اليها في 13 يوليو 1950.
التحفظات: لا توجد.
* الاتفاقية الدوليه للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري وقد انضمت اليها في 23 سبتمبر 1997
التحفظات:
* تحفظ على البنود المتعارضة مع احكام الشريعة الاسلامية.
* رفض تحويل أي خلاف بين دولتين إلى محكمة العدل الدولية إلا بموافقتها.
* اتفاقيه القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وقد انضمت اليها في 7 سبتمبر 2000.
التحفظات: لا توجد.
* اتفاقيه مناهضه التعذيب وغيره من ضروب المعامله اللا انسانية أو المهينه وقد انضمت اليها في 23 سبتمبر 1997.
التحفظات:
* رفض الطريقة المتبعة للتأكد من دقة المعلومات المقدمة منها.
* رفض تحويل أي خلاف بين دولتين إلى التحكيم او محكمة العدل الدولية إلا بموافقتها.
* اتفاقيه حقوق الطفل وقد انضمت اليها في 26 يناير 1996.
التحفظات: تحفظ على البنود المتعارضة مع احكام الشريعة الاسلامية.
كما وتجري الحكومة السعودية دراسات في الوقت الراهن للمصادقة على ”العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية“ و”العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية“.
نظام الحكم في السعودية:
بمراجعة نظام الحكم في السعودية، يمكن ملاحظة تطابق عدد من مواده بشكل كلي أو جزئي لبنود المواثيق الدولية لحقوق الانسان. فقد جاء في مواده:
* المادة 8: يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية.
* المادة 10: تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.
* المادة 13: يهدف التعليم إلى غرس العقيدة الاسلامية في نفوس النشء وإكسابهم المعارف والمهارات وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم، محبين لوطنهم معتزين بتاريخـه.
* المادة 18: تكفل الدولة حرية الملكية الخاصة وحرمتها ولا ينزع من أحد ملكه إلا للمصلحة العامة على أن يعوض المالك تعويضاً عادلاً.
* المادة 19: تحظر المصادرة العامة للأموال ولا تكون عقوبة المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي.
* المادة 22: يتم تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق خطة علمية عادلة.
* المادة 26: تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية.
* المادة 27: تكفل الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة وتدعم نظام الضمان الاجتماعي وتشجع المؤسسات والافراد على الإسهام في الأعمال الخيرية.
* المادة 28: تيسر الدولة مجالات العمل لكل قادر عليه وتسن الأنظمة التي تحمي العامل وصاحب العمل.
* المادة 29: ترعى الدولة العلوم والآداب والثقافة وتعنى بتشجيع البحث العلمي وتصون التراث الإسلامي والعربي وتسهم في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية.
* المادة 30: توفر الدولة التعليم العام وتلتزم بمكافحة الأمية.
* المادة 31: تعنى الدولة بالصحة العامة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن.
* المادة 32: تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها.
* المادة 36: توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها ولا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام.
* المادة 37: للمساكن حرمتها ولا يجوز دخولها بغير إذن صاحبها ولا تفتيشها إلا في الحالات التي يبينها النظام.
* المادة 38: العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي.
* المادة 40: المراسلات البرقية والبريدية والمخابرات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال مصونة ولا يجوز مصادرتها أو تأخيرها أو الاطلاع عليها أو الاستماع اليها إلا في الحالات التي يبينها النظام.
* المادة 43: مجلس الملك ومجلس ولي العهد مفتوحان لكل مواطن ولكل من له شكوى أو مظلمة ومن حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة فيما يعرض له من الشؤون.
* المادة 46: القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية.
* المادة 47: حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة ويبين النظام الاجراءات اللازمة لذلك.
* المادة 81: لا يخل تطبيق هذا النظام بما ارتبطت به المملكة العربية السعودية مع الدول والهيئات والمنظمات الدولية من معاهدات واتفاقيات.
و قد قامت السعودية بتبني ما جاء في نظام الحكم في انظمتها ولوائحها التطبيقية. فنظام الاجراءات الجزائية هو انعكاس لتنفيذ الالتزامات المترتبة على نظام الحكم.
اترك تعليقاً