التعريف بالتنفيذ وبيان مضمونه :
لا يوجد في القانون تعريف للتنفيذ ولكن يمكن أن نعرفه بأنه التحقيق العملي للشيء المراد تنفيذه أو للفكرة المطلوب تجسيدها بحيث تخرج عن نطاق التصور إلى مجال التطبيق الواقعي الملموس. وينصب التنفيذ عادة على الأحكام والأوامر القضائية، ولكنه قد يلحق كذلك بأوراق أخرى معتبرة في مقامها ومثالها العقود الرسمية ولذلك يطلق عليها كما يطلق على الأحكام والأوامر اسم “السندات التنفيذية”.
فالسند التنفيذي قد يكون حكماً أو أمراً قضائياً وقد يكون عقدا رسمياً محرراً أمام الموثق وقد يكون ورقة أخرى من الأوراق التي تعتبر سندات تنفيذية. ولكنا نأخذ بالغالب ونمثل للسند التنفيذي عادة بالحكم القضائي لأن الأحكام هى أغلب السندات التنفيذية وأعلاها مرتبة. وقد يتم تنفيذ الحكم (أو السند التنفيذي أياً كان) طوعاً واختياراً وهو ما لا يثير أية صعوبة.
أما إذا امتنع المدين (المحكوم عليه) عن تنفيذ ما ألزمه بالحكم أو الأمر القضائي فإنه يحق للدائن (المحكوم لصالحه) عندئذ أن يلجأ إلى الدولة لإرغام المدين على التنفيذ بالقوة الجبرية وهو ما يسمى بالتنفيذ الإجباري أو الجبري. وقد وضع المشرع قواعد لهذا النوع من التنفيذ حتى يتسنى قهر المدين وإجباره على أن يؤدى إلى الدائن حقه كاملاً غير منقوص دون أن يكون في ذلك مساس بحقوق الغير أو بحقوق المدين نفسه.
وإنما نلاحظ مبدئياً أنه لا يجوز للدائن أن يقتضى بالتنفيذ الجبري أكثر من حقه كما أنه لا يجوز له أن يقتضى حقه لنفسه بيده بل يجب أن يلجأ إلى السلطات العامة لكى تقتضى له حقه من غريمه. فالدولة طرف ضروري في كل تنفيذ جبري: وهى تقوم بواجبها في هذا الشأن عن طريق جهزها المخصص لهذا الغرض وهو جهاز المحضرين الذى يتكون من عمال التنفيذ الذين يباشرون مهمتهم في هذا المجال تحت إشراف قاضى التنفيذ وتؤازرهم في ذلك السلطات المختلفة المختصة في الدولة كرجال الشرطة بل ورجال الجيش عند الاقتضاء وذلك لإخضاع المدين العاصي الذى يأبى الخضوع لإجراءات التنفيذ، ولإرغامه بالقوة على أداء ما هو مطلوب منه. والقوة هنا ليست قوة الأفراد وإنما هى قوة منظمة ومنسوبة إلى المجتمع بأسره – أي أنها قوة الدولة. وليس المحضر إلا الآلة التي تستخدمها الدولة في التنفيذ أو أن شئت فقل أنه ممثل الدولة في هذا المجال وأنه يقوم بالعمل باعتباره عضواً من أعضاء الدولة بمعنى أن نشاطه يكون منسوباً إليها ويعتبر امتداداً لشخصيتها أو بالأصح تعبيراً عن هذه الشخصية وتحقيقاً أو تجسيداً لها.
وغالباً ما يتم التنفيذ عن طريق الحجز على أموال المدين (المحكوم ضده) إلا أن هنالك أحكاماً لا تنفذ ولا يمكن أن تنفذ عن طريق الحجز لأن طبيعتها تأبى عليها ذلك كما في أحكام الطرد والغلق والازالة – إذ ينفذ الحكم “عينا” أي أن الذى ينفذ في هذه الحالة هو “عين ما امر به الحكم” ويسمى التنفيذ عندئذ بالتنفيذ العيني أو التنفيذ المباشر. وذلك بالمقابلة للتنفيذ بطريق الحجز – الذى يعتبر تنفيذاً غير مباشر: إذ يصل فيه الدائن إلى حقه عن طريق ضبط وحفظ بعض الأموال المملوكة للمدين ثم بيعها بالمزاد العلني لتحويلها إلى مبلغ من النقود يعطى للدائن – أو يقتضى الدائن حقه منه. وظاهر من ذلك أن الدائن لا يأخذ حقه مباشرة من ذات المال المحجوز المملوك للمدين وإنما من ثمن ذلك المال بعد بيعه وتحويله إلى نقود. فالتنفيذ في هذه الصورة تنفيذ غير مباشر: ويمر بمرحلتين أولاهما مرحلة الحجز وثانيتهما مرحلة البيع. وفى المرحلة الأولى يقتصر الأمر على ضبط المال وتجنيبه أو حفظه لحساب الدائن.
فإذا لم يتم البيع فلا يمكن أن يعتبر التنفيذ قد تم بل يقف الأمر عند حد الحجز: وهو المرحلة الأولى من مراحل التنفيذ: وقد يسقط الحجز أو يتنازل عنه صاحبه – فلا ننتقل إلى المرحلة الثانية وهى مرحلة البيع بل يقتصر الأمر على الحجز وحده. ولذلك فإن الحجز في حد ذاته ليس هو التنفيذ الكامل بل يجب أن يعقبه بيع المال المحجوز ولذلك كان التعبير عن التنفيذ غير المباشر بأنه “التنفيذ بطريق الحجز” تعبيراً ناقصاً – ويجب لكى يكون الكلام دقيقاً أن نقول أنه هو التنفيذ بطريق “الحجز والبيع” – وإنما جرت العادة على تسميته التنفيذ بطريق “الحجز” من باب الاختصار: ولأن الحجز يعقبه البيع في أغلب الحالات: فأخذنا بالغالب استصحاباً وعلى تقدير أن معظم الحجوز تنتهى ببيع المال المحجوز – وحتى لا نثقل العبارة، أو نزحمها بكلمتي (الحجز والبيع) فرؤى أن أولاهما تكفى في الدلالة على المقصود أي أننا في هذا المقام اكتفينا بكلمة واحدة للتعبير عن الأمرين معاً.
ويلاحظ أن المشرع قد حدد طرق التنفيذ على سبيل الحصر وأنها لا تختلف من حيث طبيعتها وانما يرجع الاختلاف فيما بينا أما إلى طبيعة المال المنفذ عليه وإما إلى (مكمنه) أي مكان وجوده: مما يؤدى إلى اختلاف الإجراءات بحسب الأحوال. فإن كان المال المنفذ عليه عقاراً كان التنفيذ عقارياً تتبع في شأنه الإجراءات المقررة بالنسبة للعقارات، وان كان منقولاً كان التنفيذ عليه بطريق حجز المنقول. وأن كان ديناً في ذمة الغير أو منقولا موجوداً في حيازة الغير وجب التنفيذ عليه بطريق حجز مال المدين تحت يد الغير.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً