الاختصاص بين القضاء العام والعمالي
الكاتب/ المستشار حاتم الحميلي
من الأمور المستقر لدى القضاء فيما يخص المنازعات المتفرعة عن علاقة العمل، وهي قضايا العجز المالي في عهدة العامل، وفي مثل تلك القضايا يتجه العامل إلى إقامة دعوى عمالية لدى الهيئات العمالية فيتجه رب العمل إلى القضاء العام لطلب الحكم برد العجز على عهدته، وربما يكون رب العمل أسبق في دعواه عن العامل.
وقد درج القضاء في المملكة عن اختصاص الهيئات العمالية بنظر النزاعات المتعلقة بحقوق العمال، والالتفات عن أي مطالبات بالعجز المالي في عهدة العمال على اعتبار ان الاختصاص ينعقد للمحكمة العامة باعتبارها صاحبة الولاية العامة .
إلا أنه في الآونة الأخيرة خرجت بعض الدوائر عن هذا المسلك، وقضت بعدم اختصاص المحكمة العامة ولائياً بنظر تلك الدعاوى وأن الاختصاص ينعقد للهيئات العمالية ، استنادا إلى أن النزاع ناشئ عن عقد عمل ، مستندا في ذلك إلى المادة (224) من نظام العمل ونص الحاجة منها على: ((تختص الهيئة الابتدائية بما يأتي :1- ……..2- بالفصل ابتدائيا في الآتي : 2/1- الخلافات العمالية التي تتجاوز قيمتها عشرة آلاف ريال ،2/2- خلافات التعويض عن إصابات العمل ، مهما بلغت قيمة التعويض،2/3- خلافات الفصل عن العمل ، 2/4- فرض العقوبات المنصوص عليها في هذا النظام على المخالفة التي تتجاوز عقوبتها المقررة خمسة آلاف ريال ، وعلى المخالفات التي تتجاوز عقوباتها المقررة في مجموعها خمسة آلاف ريال 0 2/5- فرض العقوبات على المخالفات المعاقب عليها بالغرامة مع عقوبة تبعية)).
ولأني أرى على خلاف ما ذهب إليه بعض أصحاب الفضيلة، فقد رأيت أن أدلي بدلوي في تلك المسألة وهو جهد المقل، وتأصيلاً لتلك المسألة أقول:
الأصل أن القضاء العام هو صاحب الولاية العامة في نظر كافة القضايا إلا ما استثنى بنص خاص، وبالنظر إلى ظاهر نص المادة المشار لها أن الاختصاص ينعقد للهيئات العمالية باعتبارها الجهة المناط بها نظاماً النظر في النزاع الناشئ عن الخلافات العمالية.
ولكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة : هل قضايا العجز المالي هي من الخلافات العمالية التي يناط بالهيئات العمالية النظر فيها؟ أو هل هي من القضايا ناشئة عن عقد العمل؟ ولعل الإجابة على هذا السؤال يتيج لنا تحديد الجهة المختصة بالنظر في تلك القضايا؟ بالمثال يتضح المقال، هبّ أن عامل يعمل لدى شركة في وظيفة مندوب مبيعات، وبتلك الصفة يقوم بالبيع باسمها واستلام البضاعة وتسليمها إلى عملائها، وبتلك الصفة يقبض الثمن نيابة عنها لتسليمه إلى الشركة ، فإذا حدث العجز في عهدته فإلى أي الجهات القضائية تتجه الشركة ؟ما أراه في هذا المثال السابق فإن العامل في علاقته برب العمل لا يستند إلى عقد العمل وإنما إلى عقد الوكالة!! ،، ذلك أنه يبيع باسم رب العمل واستلامه للمبالغ من العملاء بصفته وكيلاً عنه،
وفي مثل هذه الأحوال سريان أحكام عقد العمل وأحكام عقد الوكالة كلٌ في نطاقه حيث تسري أحكام العقد الأول في العلاقة بين العامل والشركة ومن ثم يستفيد العامل من أحكام عقد العمل وما يترتب عليه من حقوق كحقه في الأجر والعمولة وغيرها، وحق رب العمل في أن يضع العامل نفسه تحت تصرف رب العمل وأن يبذل الجهد الواجب عليه وألا يقصر في العمل، وتسري أحكام العقد الثاني الوكالة في العلاقة مع الغير إذ يعتبر العامل ممثلاً لرب العمل في تصرفاته القانونية التي يقوم بها ومن ثم تنصرف آثرها المباشرة إلى رب العمل.وبالرجوع إلى نص المادة (224) من نظام العمل المشار لها سلفا، فأقول أنه ليس معنى أن تكون الهيئات العمالية هي المختصة بالمنازعات التي تنشأ عن العلاقة العمالية، أن تكون هذه الهيئات مختصة بالمنازعات أيا كانت التي ترفع من العامل على رب العمل أن التي ترفع من رب العامل على العامل ، وإنما المناط في الاختصاص أو عدم الاختصاص هو أن تكون المنازعة ناشئة عن تطبيق أي من نصوص نظام العمل.
وشتان بين الأمرين، فإذا استند رب العمل على نصوص نظام العمل فهي المختصة أما إذا استند إلى أحكام عقد الوكالة فالمحكمة العامة هي المختصة .من هذا التأصيل القانوني السابق يتراءى ليّ أن رب العمل لا يستند في مطالباته للعامل بالعجز المالي استناد إلى عقد العمل ولا إلى نصوص العمل، وإنما إلى عقد الوكالة وأحكامها، وطالما أن رب العمل يستند في دعواه إلى أحكام عقد الوكالة فإنها تكون خارجة عن الاختصاص النوعي للهيئات العمالية، وينعقد الاختصاص للمحكمة العامة باعتبارها صاحبة الولاية العامة.- هذا رأي في تلك المسألة فإن أحسنت فمن الله وإن أسأت فمن نفسي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً