لا مساغ دستوري لتأجيل انتخابات مجلس النواب
هادي عزيز علي
كثيرة هي الأسئلة التي لا جواب لها في ثنايا النصوص الدستورية ضمن أحكام دستور 2005، حتى ولو كانت تلك الاسئلة تتضمن أمراً وطنياً ملحّاً يمسّ حقوق المواطنين، ومما يزيد الطين بلة، أن دستورنا هذا من اكثـر دساتير العالم جموداً لدرجة تكون فيه تعديل أحكامه أمراً متعذراً، إن لم يكن مستحيلاً في ظروف العراق الحالية، خلافاً لدساتير العالم التي تضع نصوصاً تعالج الظروف الاستثنائية بمفهومها الفلسفي والدستوري. فضلاً عن النصوص الأخرى التي تعالج الأزمات الوطنية.
إذ أن دساتير العالم تضع أحكاماً دستورية مفصّلة تعالج فيها الظروف الاستثنائية والأزمات الوطنية مع وجود متسعٍ من المساحة في تلك الدساتير التي تتحرك فيها نظرية الضرورة الدستورية، إلاّ أن المشرّع لدينا، اكتفى بالنص على اعلان حالة الحرب والطوارئ لمدة ثلاثين يوماً، وبأغلبية الثُلثين وبناءً على طلب مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وإن تلك المدة قابلة للتمديد. (المادة 61 / تاسعاً / أ وب) من الدستور. هذه هي بضاعتنا الدستورية وليس لدينا ما سواها . هذه البضاعة يتذكرها البعض من السياسيين بحماس عندما تلجأهم مصالحهم إليها فيتمسكون بالنصوص الدستورية مع ضجيج مألوف في وسائل الإعلام، وبخلافه فإن ذاكرتهم للنصوص الدستورية تكون ضعيفة جداً، إن لم تكن منعدمة عندما تكون مصالحهم في مأمن وبعيدة عن مرمى حجر الخصوم .
وقد تعلق الأمر بالانتخابات والتوقيتات المحدّدة لها وكيفية التعامل معها، فإن النصوص الدستورية المعالجة لها هي نصوص صماء، لا تتيح لأيّ فرد أو مؤسسة أو تنظيم سياسي حرية الحركة ولا تضعه أمام اكثر من خيار لصرامة النصوص التي لم تترك سوى خيار واحد هو خيار الطاعة للنص الدستوي غير قابل للاجتهاد ومن دون نقاش . فما لدينا من نصوص صارمة وشحيحة جداً في هذا الموضوع سكبت أحكامها في نص المادة 56 من الدستور بفقرتيها الأولى والثانية المتضمنة:
إن مدة (الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة لمجلس النواب وتنتهي بنهاية السنة الرابعة. على أن يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسة وأربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة). وبموجب هذه النصوص الشحيحة، فلا مناص والحالة هذه سوى الامتثال لتلك المدد ولا خيار دستوري لمدد أخرى. واستناداً الى هذا القيد الدستوري، يصبح من المتعذر جداً التفكير في مدد أخرى، لكونه نصاً واجب الطاعة ولا يجوز تجاوزه .
يعلّق البعض الآمال على المحكمة الاتحادية العليا، ويطمح الى اتخاذها أحكاماً أو قرارات تحدّ من غلواء صرامة النصوص تلك، بحثاً عن مدد بديلة لتلك التي أوردتها المادة 56 من الدستور علّها تجد حلاً لهذا الموضوع وتتوصل الى السبيل الذي يمكّنها من إضفاء الليونة على تلك النصوص، ويلبي تلك الطموحات النازعة نحو تأجيل موعد الانتخابات وإبداله بمواعيد أخرى، إلاّ أن الرأي لدينا، إن لا سلطة للمحكمة الاتحادية العليا لإضفاء الليونة على تلك النصوص الصارمة، إضافة الى أن المبدأ القانوني يقول: (لا مساغ للاجتهاد في مورد النص) . وبالنظر لوضوح النص الدستوري، فإن الاجتهاد فيه غير جائز، ويفهم كما هو وارد . هذا فضلاً عن أن المحكمة الاتحادية العليا، سبق لها وأفتت في هذا الموضوع، وبيّنت الرأي في الدورة الانتخابية والتوقيتات التي تتطلبها تلك النصوص، وبناءً على استفسار من مجلس النواب ذاته في الدورة السابقة.
فإن المحكمة الاتحادية العليا نظرت في طلب الاستفسار هذا وتمّ البت في هذا الموضوع بالذات، وبيّنت رأيها في مدة الدورة الانتخابية والتوقيتات التي تتطلبها العملية الانتخابية. بناءً على طلب مجلس النواب الموجّه الى المحكمة الاتحادية العليا بكتابه المرقم م. ر \ 12 المؤرخ 3 \ 9 \ 2009 ذكر فيه، إن احكام الفقرة (أولاً) من المادة 56 من الدستور التي نصت على أن مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية تبدأ بأول جلسة لها وتنتهي بنهاية السنة الرابعة، وإن الفقرة (ثانياً) من المادة المذكورة المتعلقة بانتخاب مجلس النواب الجديد، يجب أن تجري قبل خمسة وأربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة. وإن الجلسة رقم (1) للمجلس انعقدت بتاريخ 22 \ 4 \ 2006، فطلب الرأي القانوني بصدد انتهاء الدورة الانتخابية لمجلس النواب في دورته تلك والتاريخ المحدّد لإجراء انتخابات مجلس النواب الجديد .
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها المرقم 29 \ اتحادية \ 2009 في جلستها المنعقدة 13 \ 5 \ 2009 وأصدرت قرارها المتضمن: (إن السنوات الأربع المنصوص عليها في المادة (56 \ أولاً) من الدستور، تبدأ بأول جلسة يعقدها المجلس برئاسة اكبر الأعضاء سناً… حيث أن الجلسة التي عقدها المجلس بتاريخ 16 \ 3 \ 2006 بعد توجيه الدعوة إليه هي الجلسة الأولى المقصودة في المادة الدستورية أعلاه، حيث أن مفهوم السنة التقويمية الوارد ذكرها، ينصرف الى السنة الميلادية ومدتها (365) ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً ( المادة 9 من القانون المدني)، وبناءً عليه، يكون تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية الحالية لمجلس النواب هو 15 \ 3 \ 2010، ويكون التاريخ المحدّد لإجراء انتخابات مجلس النواب الجديد هو 30 \ 1 \ 2010 .
هذا هو رأي المحكمة الاتحادية وهو عبارة عن قراءة حرفية ومهنية للنص الدستوري الواردة في المادة (56) من الدستور . وهو التطبيق الأمثل للنص، إذ لا اجتهاد في مورد النص، ذلك النص الصارم الوارد في تلك المادة الذي لم يترك للمحكمة الاتحادية العليا مجالاً للاجتهاد سوى تلك القراءة المبسوطة في قرارها المرقم 29 \ اتحادية \ 2009، عليه فإن النص الدستوري وقرار المحكمة الاتحادية العليا المفسر له والملزم للكافة، يجعل أمر التفكير في طرح الموضوع مجدداً من قبل مجلس النواب أمام المحكمة الاتحادية العليا أمراً لا قيمة قانونية له، لسبق البتّ فيه، وما القول بطرحه مجدداً أمامها، فإن ذلك لا يجدي نفعاً لأنه يندرج تحت عنوان ( اللغو) .
وعليه فإن الجلسة الأولى لمجلس النواب الحالي والتي انعقدت برئاسة الراحل مهدي الحافظ بكونه اكبر الأعضاء سناً في حينه، هي المعيار الوحيد لتحديد الأربع سنوات التقويمية. ويجب حتماً إجراء انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسة وأربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية الحالية، وذلك بالاستناد الى الدستور الوارد في نص المادة (56) بفقرتيها وتفسير المحكمة الاتحادية العليا لها.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً