مكافحة الفكر الدموي الإجرامي
منصور الزغيبي
< من أقسى الأخبار على النفس، وأكثرها حزناً وألماً حينما تستيقظ على تصريح رسمي يعلن حدوث عمل إرهابي استهدف حماة الوطن. فهو من دون أدنى درجات الشك، عمل إجرامي يعبر عن موت ضمائر منفذيه، وتشوه مفاهيمهم وفسادها وانحطاطها.
إن هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية تستحق الدراسة بعمق وعناية فائقة، من جميع الزوايا النفسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والسياسية من الخبراء والباحثين والمختصين بطريقة مختلفة عن كل الدراسات السابقة؛ بسبب تغير كثير من المفاهيم والظروف، فهي أعمال شاذة وغريبة ومحيرة لدرجة من الاستحالة وصفها، فكيف ينتقم المجرم من ذاته أولاً، ولم يحترم النفس العظيمة التي بين جنبيه، ويكون عوناً للعدو ضد وطنه، وضد الأرواح المعصومة البريئة المؤمنة، وهي بلا شك أقل ما يقال عنها إنها نتاج تشوهات وأمراض وكيد وخيانة، من خلفها عصابات مزروعة ومستخدمة لنشر الفتن والكراهية والرعب والإساءة للإنسان والدين والوطن في المنطقة العربية.
إن الدين في أساسه جاء لخدمة الإنسان، ولتنظيم حياته وحمايته من جميع الشرور والتعدي عليه تحت أي مبرر ومسبباته. كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقوم إذا مرت به جنازة، فقيل له ذات يوم: «إنها جنازة يهودي». فقال: «أليست نفساً»، رواه البخاري. هذا النص يعزز ويؤكد أن قيمة الإنسان تتصدر كل الأولويات الحياتية، وأن قيمته حاضرة، وروحه مقدسة، وجسده محترم، وفيه تجاوز لكل أنواع الخلفيات الدينية والثقافية والاجتماعية، وهذا يعبر عن عمق الحس الإنساني، ويعبر عن عمق تقدير الإنسان في مضامين النصوص الشرعية.
ضرورة خلق وعي ديني يتجاوز تأثير المفاهيم السلبية، ولا بد من معالجة انفصال التعليم الديني عن الواقع والحياة بشكل ناضج، من أجل إبراز كل جماليات الإسلام شبه المغيبة عند بعضهم. وتنشئة الأجيال على مبدأ إعطاء الإنسان قيمته العالية بغض النظر عن خلفيته الدينية والاجتماعية. والجهاز التعليمي مسؤول عن معالجة الكثير من الإشكالات التعليمية والتربوية ولاسيما في ما يخص هذه الأزمة الفكرية وتحصينهم فكرياً ضد لوثات الواقع.
وكذلك الأسرة مسؤولة بالدرجة الأولى ومطالبة بالوعي وحماية أبنائها من الاختطاف الفكري الظلامي والوهمي، الذي يتغذى في الظلام على الكراهية والجهل والعصبية والانتقام.
خلاصة القول: ضرورة الوعي بالأزمة الراهنة، والعمل على تأسيس مشاريع وبرامج تسهم في بناء الشباب فكرياً، من مؤسسات التعليم وغيرها؛ لأن الشباب هم العمود الفقري وروح الوطن، فلا بد من تقوية جهاز المناعة لديهم أمام التحديات الإقليمية والدولية، والانفتاح الكوني، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، ومعالجة المآزق الحضارية الراهنة التي تقتل آمال الشباب وتجعل الإحباط واليأس والتشاؤم يسكنهم، وتخلق منهم نفوساً مسكونة بالهزيمة والضعف والجمود، وأكبر المآزق الحضارية في الواقع الذي نعيشه هو انفصال القول عن العمل.
ومن الضروري كذلك تحميل الشباب مسؤولية التغيير الإيجابي، وتغذية شعور الانتماء الوطني، فمن المعلوم أن هناك علاقة جدلية بين الانتماء الوطني والفكر، وأيضاً القياس المستمر للمتغيرات والتحديات الراهنة الإقليمية والدولية ومعرفة حاجات الشباب بطريقة علمية منهجية والعمل على تلبيتها لهم.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً