مقال متميز حول سيادة الأمة و السلطة الحاكمة
القاضي
سالم روضان الموسوي
تشير معظم الدراسات في القانون الدستوري أن أساس فكرة الدستور كانت لحماية الحقوق العامة والخاصة للأفراد تجاه تغول واستبداد سلطة الحاكم، إذ كان يرى بعض من منظري هؤلاء الحكام إلى إن الدولة تعني السلطة وإنها الوسيلة التي تميز بين الحاكم والمحكوم فمن يملك السلطة ويبسط نفوذه يكون حاكم بعنوان دولة ويبرر له ما يرتكب من أفعال، ويشرع لانعدام إرادة الإفراد، والحاكم اخذ أوصاف وعناوين متعددة منها التفرد الشخصي والاستحواذ الجمعي والتحكم الفئوي وكان وعاظهم يسوغون لهم أفعالهم بمسميات شتى منها القواعد العرفية أو المشروعية الثورية وغيرها ، ونتيجة لنضال الشعوب وسعيها للتحرر وتقديمها للتضحيات، ظهرت فكرة الدستور الذي ينظم السلطة وكيفية ممارستها والحقوق الأساسية للأفراد، وعدت هذه القواعد ذات علوية على جميع القواعد القانونية حتى إن بعض فقهاء القانون الدستوري جعلوا من فكرة جمود الدستور وسيلة لحمايته من الخضوع للإرادة السياسية المتغيرة للحاكمين في الدولة ، ثم تطور الأمر إلى وضع آليات حماية الدستور من الخرق ويرى بعض الفقهاء إن فكرة الحماية تلك أساسها حمايته من السلطة التشريعية لأنها تملك أدوات تشرع فيها قوانين فاعلة على الأرض والتي تنظم العمل اليومي للأفراد، لان القواعد الدستورية مبادئ عامة يدور في فلكها القانون الذي يشرع وأي خروج له يعد خرق ومخالفة دستورية ، ومن ذلك انطلقت فكرة الرقابة الدستورية على القوانين التي تعددت صورها بين الرقابة اللاحقة والرقابة السابقة او الرقابة السياسية والرقابة القضائية وهناك مسمى بالرقابة الشعبية ، وجميعها تهدف الى حماية الدستور من الخرق والانقلاب عليه من القائمين على السلطة وليس الخوف من الأفراد لان مصالح هؤلاء مع وجوده لا مع نقضه وخرقه ، ومثلما أشرت سلفا إن الحماية الدستورية وجدت لحماية الدستور من المشرع الاعتيادي الذي يشرع القانون وليس من التنفيذي لان المشرع (السلطة التشريعية) اذا ما شرع قانون فيه مخالفة لمبدأ دستوري ستوفر غطاء المشروعية القانونية لفعل السلطة التنفيذية ويكون التنفيذي بمنأى عن المساءلة القانونية عند اعتدائه على الحقوق الأساسية للأفراد ، أما التخوف من السلطة التنفيذية في هذا الباب يكاد يكون منعدم لان أي فعل تنفيذي فيه مخالفة لحكم القانون بإمكان صاحب المصلحة من الطعن فيه أمام القضاء العادي أو الإداري لنقضه أو إلغائه واغلب الدعاوى التي تقام على الدوائر والمؤسسات الحكومية تعد طعن في عدم مشروعية أداء السلطة التنفيذية تجاه المواطن ، وصدرت آلاف القرارات القضائية التي قضت بإلغاء او إبطال او تعديل قرارات وأوامر وزارية او إدارية صدرت من السلطة التنفيذية، ولهذا السبب يرى البعض ان الرقابة الدستورية (القضائية والسياسية ) توجه ضد السلطة التشريعية دون السلطة التنفيذية ويدعي بعض من لا يملك المعرفة تجاه العمل الرقابي للمحاكم الدستورية إن تلك المحاكم تساير العمل الحكومي دون التشريعي ، لان قصور المعرفة عنده خلق صورة غير حقيقية في ذهنه،
إذ لو جال فكره في عالم القانون الدستوري لوجد ان القوانين التي حكم بعدم دستوريتها اقل بكثير من القوانين التي شرعت ونفَذَت لان عمل الرقابة الدستورية استثنائي ويكون عند الحاجة من أصحاب المصلحة ، وفي العراق لو اعددنا إحصائية لعدد القوانين التي شرعها مجلس النواب بجميع دوراته منذ فترة ما بعد عام 2003 ولغاية الآن لوجدنا نسبة القوانين المطعون في عدم دستوريتها لا تشكل إلا نسبة ضئيلة تكاد لا تذكر ، إلا ان أثرها وصداها يكون مدوي حينما توظف لمصالح حزبية او فئوية من المتصارعين في السلطة ، وفات على هؤلاء المتقولين ،إنهم إن كانوا في السلطة التشريعية التي تملك الرقابة على العمل والنشاط التنفيذي، قد قصروا في عملهم تجاه حماية سيادة الأمة من تغول السلطة التنفيذية لأنهم لم يمارسوا أدوارهم التي رسمها الدستور ومنها أهم وسيلة من وسائل العمل البرلماني وهو سحب وحجب الثقة عن الحكومة اجمعها او عن بعض إفرادها، اذ لم يبادر البرلمان ولو لمرة واحدة على اتخاذ مثل هذه الخطوة والجميع يظهر للإعلام ويبرر ان ذلك بسبب التوافقات السياسية وينسى دوره الذي أدى عليه القسم العظيم بان يحمي ويصون الدستور والحقوق ، لان القرار يتخذ منهم لا من سواهم وعليهم ان يبادروا الى مثل هذا الإجراء ان توفرت أسبابه، لكن سياسة الحفاظ على المكاسب والمصالح هي السائدة في لغة الصراع بين أطراف اللعبة السياسية ، فلا يجرؤ احد منهم على تلك الخطوة لان الآخر سيحل البرلمان وبالتالي سيفقدون الامتيازات التي سطروها لأنفسهم ، وبذلك قد ساهموا في خرق الدستور مما يبرر وجود الرقابة الدستورية على القوانين التي تمثل وسيلة الأمة في تعزيز سيادتها تجاه الحاكم على السلطة باي عنوان كان مشرع او تنفيذي أو كلاهما .
القاضي
سالم روضان الموسوي
اترك تعليقاً