العناصر القانونية للجريمة و أركانها
أ/ محمد سليمان الخوالدة
في القانون الجزائي عندما يتحدث الشارع عن جريمة معينه فإنه في الحقيقة يفصح عن أمور ثلاثة:
[color=”red”]الأمر الأول: نوع الحق الذي يريد الشارع حمايته أو طبيعة المصلحة التي يراها الشرع جديرة بالحماية.
الأمر الثاني: نمط السلوك البشري الذي يراه الشارع مضرّا بهذا الحق أو مضرا بالمصلحة التي يريد الشارع حمايتها.
الأمر الثالث: الجزاء الذي يفرضه المشرع على من يقدم على الاعتداء على هذا الحق أو المصلحة, و يطلق على ذلك الاعتداء أو الفعل الضار اسم (الجريمة).[/color]
و على هذا فإن كل تحليل علمي دقيق لأي نص من نصوص من قانون العقوبات يستلزم ما يلي:
أولاً: أن يبحث الباحث عن ماهية الحق الذي هو محل (موضوع) الجريمة, أي الحق الذي استهدفه الاعتداء. فمحل الاعتداء مثلاً في جريمة القتل هو حق الحياة , و ينصب الفعل المكون لجريمة القتل على الجسم الإنساني الحي. و محل جريمة السرقة هو حق الملكية, و فعل الاعتداء في هذه الجريمة يستهدف المال المنقول الذي يملكه الغير. و هكذا.
ثانياً: أن يُعنى الباحث بتحديد اركان الجريمة و عناصرها. و قد درج الفقه الجزائي على ان يجعل للجريمة ثلاث اركان:
أ- الركن القانوني
و هو النص على الجريمة و عقابها, أي أن ينص المشرع على ذكر الجريمة في قانون العقوبات و يجرمها و يحدد عقوبتها.
ب – الركن المادي
و هو الفعل الجرمي, او الواقعة الإجرامية , او هو الاعتداء المادي الذي ينصب على الشيء المحمي بالقانون. و هذا هو الجانب الموضوعي للجريمة.
ج – الركن المعنوي
و يتجلى في حرية الإرادة في اختيار ارتكاب الجريمة من عدمها. و هذا هو الجانب الذاتي للجريمة.
و قد حاول بعض الفقهاء ان يضيف ركناً رابعا سموه (ركن البغي) و معناه أن لا يكون الفعل الذي يشكل الاعتداء على الحق , أي الفعل المعاقب عليه ان لا يكون قد تم اقترافه في معرض ممارسة واجب او في سبيل استعمال الحق.
و من اجل تحديد اركان كل جريمة تحديدا دقيقا يجب دراسة هذه الاركان
فالركن القانوني: يعتبر تواجده في كل جريمة امراً بديهياً, فمن غير المتخيل وجود جريمة من غير ركن قانوني (أي نص يجرمها) فتحديد هذا الركن سهل و لا يثير أي صعوبة , فمتى توافر فعل الاعتداء نبحث عن نص قانوني يجرمه . فإذا توافر هذا النص جرمنا الفعل, و في حال عدم توافره نزيل عن الفعل صفة الجريمة تطبيقاً لقاعدة لا جريمة و لا عقوبة من دون نص.
أما ركن البغي: فيتوفر هذا الركن إذا لم يكن هناك أي سبب من أسباب التبرير او أسباب الإباحة كما يطلق عليها الفقهاء المصريون. فأسباب الإباحة هي التي تبيح للشخص ارتكاب فعل الاعتداء دون ان تعطي لهذا الاعتداء صفة الجريمة , فيغدو الفعل مبرراً و مباحاً, فالقتل دفاعاً عن النفس لا يعد جريمة, و كذلك الضرب التأديبي الذي ينزله الآباء بأولادهم لا يعد اعتداءا يجرمه القانون, طالما إن هذا الضرب ضمن حدود العرف و المنطق. و كذلك أعمال العنف التي تقع أثناء المباريات الرياضية إذا روعيت شروط و قواعد اللعبة, و العمليات الجراحية لا تعد اعتداءا على الجسد طالما ان هذه العملية قد تمت حسب اصول الفن و المهنة. ففي كل هذه الحالات لا يعد ركن البغي موجوداً و بالتالي تفقد الجريمة أحد أركانها و يمتنع العقاب على فاعلها.
نقد: يرى بعض الفقهاء إن الركن القانوني و ركن البغي لا يعدون ركناً من اركان الجريمة, و يعللون قولهم في ذلك إن القانون هو الذي يخلق الجريمة و يصنعها , فالقانون هو الخالق و الجريمة هي المخلوق , فلا يجوز أن يكون الخالق ركناً أو عنصرا من عناصر المخلوق, و لعل رأيهم على صواب, فطالما نحن نتحدث عن ركن من اركان الجريمة ,فإذاً هناك جريمة , فمن البديهي أن يكون هناك قانون قد أوجدها و نص عليها , و إذا لم يكن هناك قانون ينص على الفعل و يجرمه , فهذا يعني إنه ليس هناك جريمة و بالتالي من غير المجدي ان نبحث عن اركان فعل لا يعتبر جريمة , و لهذا الأمر لا يمكن ان نعتبر النص القانوني ركناً من اركان جريمة هو قد خلقها, و ينطبق نفس الأمر على أسباب التبرير, فإذا وجدت أسباب التبرير فليس هناك جريمة , و بالتالي من غير المنطقي أن نقول بعدم توافر ركن البغي في فعل ما طالما أنه لا يعتبر جريمة في حال توافر أسباب التبرير أو أسباب الإباحة.
و لعلنا الآن أدركنا انه لأركان الجريمة ركنين أساسيين
فالفعل الذي نص عليه القانون على انه فعل اعتداء مجرم و يعتبر جريمة و ليس هناك ما يبرره أو يبيحه . فنصبح هنا أمام جريمة يتضمنها ركنين أساسيين و هما الركن المادي و الركن المعنوي.
فبعد ان حددنا ركني الجريمة الأساسيين فلنبحث في الركن المادي أولاً.
الركن المادي للجريمة:
يقوم الركن المادي للجريمة على ثلاث عناصر و هي:
1. الفعل و هو النشاط الجرمي أو السلوك الإجرامي.
2. النتيجة و هي النتيجة الضارة التي تنجم عن هذا الفعل
3. علاقة السببية و هي العلاقة التي تربط بين ذاك الفعل و بين تلك النتيجة.
فلكل ركن مادي ثلاثة عناصر هي الفعل و النتيجة و العلاقة السببية.
الفعل: و قد يكون إيجابياً او سلبياً, فهو ايجابي إذا قام الشخص بحركات جسدية معينة لإحداث أثر معين. كأن يمد الشخص يديه ليستولي على المال , او يستخدم زراعيه و قدميه في ضرب الآخرين, او يستخدم أصابعه في التزوير او فمه و لسانه في السب و القدح و التحقير أو إفشاء الأسرار الممنوعة. او يستخدم لسانه في تحريض الآخرين على ارتكاب الجرائم , حيث ان التحريض يعتبر جريمة .
كل هذه الحالات التي ذكرناها تعتبر نشاط ايجابي يشكل الفعل كعنصر من عناصر الركن المادي .. و لكن السؤال هنا هو كيف يكون النشاط السلبي عنصرا من عناصر الفعل .. أي كيف يمكن ان ترتب الجريمة بفعل سلبي طالما ان النشاط الإيجابي هو القيام بحركات معينة بينما النشاط السلبي هو عدم القيام بأي حركات تحدث أثراً في المحيط.
يكون ذلك بالامتناع عن القيام بفعل قد فرضه القانون تحت طائلة العقاب, كالامتناع عن دفع النفقة للزوجة , أو الامتناع عن الإخبار او تبليغ السلطات عن الجرائم و المجرمين,او الامتناع عن قبول التعامل بالعملة الوطنية, او الامتناع عن اسعاف او اطعام شخص يشرف على الهلاك بقصد قتله و تركه يموت. كل هذه الأفعال تعتبر نشاطا سلبيا يفضي إلى جريمة.
النتيجة: النتيجة هي غير الفعل, و هي منفصلة عنه. و ذلك لأن الفعل المجرّم هو النشاط الذي يصدر عن الفاعل, بينما النتيجة هي الأثر الذي يحدثه ذلك النشاط في العالم الخارجي.فإطلاق النار مثلاً هو الفعل, و موت الضحية هي النتيجة لذلك الفعل.
و لا تكون الجريمة تامة إلا إذا حصلت النتيجة,فالنتيجة إذا هي شرط في كل جريمة تامة.و الشرع في أكثر الجرائم يستلزم أن تقع نتيجة ضارة بشكل فعلي كما هي الحال في جرائم القتل و السرقة و الاغتصاب. و تدعي هذه الجرائم (جرائم الضرر) و في بعضها الآخر يكتفي المشرع باحتمال حدوث الضرر دون أن يقع فعلاً كما في جرائم حمل سلاح من غير ترخيص و المؤامرة و التحريض على ارتكاب الجرائم و يدعى هذا النوع من الجرائم ب (جرائم التعريض للخطر).و أخيرا غني عن البينان إن من هذه الجرائم ما يكون له وجود مادي محسوس كالموت في جريمة القتل و منها له وجود معنوي غير محسوس سنبحثه لاحقاً.
علاقة السببية: لا يكفي لقيام الجريمة أن يكون هناك فعل و نتيجة ضارة لهذا الفعل , و إنما يجب أن يكون هناك علاقة سببية تربط بين هذا الفعل و تلك النتيجة. فيجب ان يتصل الفعل بالنتيجة صلة العلة بالمعلول و المسبب بالسبب, و ذلك كي يتحمل الفاعل عبء النتيجة التي أفضى إليها فعله. و إذا لم يتوافر عنصر السببية فلا يكتمل الركن المادي للفعل. و تكون العلاقة السببية بين الفعل و النتيجة متوفرة متى كان هذا الفعل صالحاً – في الظروف التي ارتكب فيها- لإحداث تلك النتيجة وفقاً لمجرى الأمور العادي.
نجد ان علاقة السببية كي تعتبر متوفرة لا يشترط ان تكون في الجرائم المقصودة فقط و انما يجب توفرها في الجرائم المقصودة و غير المقصودة, فهي لا غنى عن توفرها في القتل قصداً و القتل عن طريق الخطأ.
الركن المعنوي للجريمة:
إذا كان الركن المادي للجريمة يمثل الجانب الموضوعي و يعبر عن النشاط المادي للفاعل , فإن الركن المعنوي يمثل الجانب الذاتي للجريمة و يعبر عن الصلة بين النشاط الذهني للفاعل و بين نشاطه المادي.
و الركن المعنوي يعد متوفراً متى صدر الفعل عن إرادة آثمة. و على ذلك فإن دراسة الركن المعنوي يعبر عن دراسة العلاقة بين إرادة الفاعل من جهة و بين الفعل الذي ارتكبه و النتيجة التي افضت اليه فعله من جهة ثانية. ففي بعض الجرائم قد تنصرف إرادة الفاعل إلى ارتكاب الفعل و إحداث النتيجة الضارة كمن يطلق النار على انسان بقصد قتله , و هنا الركن المعنوي يأخذ صورة القصد الجرمي, و تعتبر الجريمة “جريمة مقصودة”. و احيانا قد تنصرف إرادة الفاعل إلى ارتكاب الفعل فقط دون ان يقصد حدوث النتيجة الضارة التي حصلت عن فعله , و هنا يأخذ الركن المعنوي صورة الخطأ و تكون الجريمة هنا جريمة غير مقصودة.
و بذلك نكون انتهينا من وضع خطوط عريضة عن اركان الجريمة و عناصرها
اترك تعليقاً