أهمية القانون و أهدافه
أ/ مشعل محمد القاد
ضرورة القانون وأهدافه
أولاً: ضرورة القانون :
من خلال تعرضنا لمعنى القانون في المطلب الأول على أنه مجموعة من القواعد التي تحكم سلوك الأفراد في الجماعة والتي يتعين عليهم الخضوع لها ولو بالقوة إذا لزم الأمر نجد أن القانون ظاهرة اجتماعية بل نستطيع القول بأنه ضرورة اجتماعية فلا يتصور وجود قانون من غير مجتمع ، أو مجتمع من غير قانون ، وهذه فرضية الواقع .
حيث أن الفرد لا يمكن أن يعيش بمعزل عن الجماعة بدافع الغرائز التي تسيّره للجوء إلى العيش في كنف الجماعة لتلبية حاجاته ومتطلباته الأساسية لتمكنه من الاستمرار والبقاء، وفي حال انخراط الفرد بالجماعة تظهر العديد من العلاقات المختلفة والمتنوعة نتيجة تفاعل الفرد مع بقية أبناء جنسه ، وأينما وجدت هذه العلاقات وجد الصراع والتنافس للاستئثار بالمصالح ، لأن هذه إحدى النزعات الإنسانية ، فالإنسان بطبعيه أناني يحب مصالحه ويقدمها على مصالح غيرة ، ومن هنا نجد نتاج عيش الفرد مع الجماعة يتمخض عنه أمرين هما التعاون والتنافس وأول من قال بذلك العالم أبن خلدون (1) .
فالأفراد عند تجمعهم مع بعضهم يكونون مجتمعاً، وهذا المجتمع لا يمكن ضمان استمراره إلى بوجود نظام يحكم تكوينه فمن هنا يأتي القانون كنظام لإرساء أساس هذا التكوين والمحافظة عليه من الفناء و رسم صورة محكمة له.
ونتجه لتجمع الأفراد في مجتمع مع بعضهم تبدأ نشوء العلاقات التعاونية فيما بينهم فالفرد لوحدة لاستطيع الإحاطة بجميع قطاعات الإنتاج فيختص كل فرد بنوعية من الإنتاج ، والإنتاج الواحد لا يكفي الفرد فهو بحاجة لإنتاج غيره ، فنجد أن الأفراد في المجتمع الواحد يتعاونون فيما بينهم لتبادل إنتاجهم عن طريق علاقات تبادل للإنتاج وهذه العلاقات بحاجة لقواعد تنظمها وتضمنها فيأتي القانون كضرورة اجتماعية لتنظيم هذه العلاقات .
إن أحد الأسباب الرئيسة لانضمام الفرد للجماعة هو حاجته للأمن من المخاطر وهي حاجة ملحة لضمان استمرار حيات الفرد ، ولتحقيق هذا الهدف لابد من تضافر جهود أفراد الجماعة وتعاونهم لدرء المخاطر التي تهددهم وهذا يتطلب مساهمة من كل فرد للمحافظة على أمن الجماعة وهذا أحد أشكال التعاون الذي يحتاج إلى تدخل قواعد لتنظيمه فيتدخل القانون هنا كضرورة اجتماعية لتنظيم هذا التعاون لتحقيق أمن الجماعة وضمان بقائها.
ومن العلاقات التي تنتج عن اجتماع الأفراد بغيرهم الروابط الأسرية فبحكم وجود الذكر والأنثى في المجتمع و ارتباطهم برابط الزوجية وهو التفاعل المنتج للأسرة التي تغذي المجتمع بأبنائه وما يترتب على استمرار الحياة من آثار نتيجة فناء الفرد فلا بد من وجود قواعد تنظم هذه الروابط ومن هنا يدخل القانون كضرورة اجتماعية لوضع الأسس السليمة والمنظمة لهذه الروابط .
ولما تتمتع به النفس البشرية من نزعة الأنانية وحب الذات نجد أن كل فرد يتطلع إلى خيرات غيره للاستئثار بها لنفسه فتظهر داخل المجتمع البشري نزاعات وتضارب للمصالح ، فنجد أن القوي يتعدى على ملكيات وخيرات غيرة مما ينشئ الاستبداد والتعدي الذي يهدد أمن الجماعة ، فينزح الفرد الضعيف عن الجماعة مما يؤدي إلى خطر تفكك الجماعة وزواله وعودة الإنسان للعيش منفرداً مما يهدد حياته فلضمان عدم ظهور التعدي والاستبداد لابد من قواعد تمنع تعدي القوي على حقوق الضعيف بل لابد من الإلزام ووجود العقاب الرادع لضمان التزام الأفراد حدودهم وعدم تجاوزهم لحدود غيرهم ، فيظهر القانون نتيجة لهذه الضرورة الاجتماعية لينظم المصالح المتضاربة ويضع حداً لتعدي الأفراد على حقوق بعضهم مما يضمن بقاء كيان الجماعة وحفظ أمنها بالقوة إذا لزم الأمر.
ومن نزاعات الإنسان حبه للحرية ورفض القيود ، فالإنسان ينزع إلى ممارسة نشاطه وحرياته وفق ما يحقق مصالحة ومأربه غير آبه بمصالح وحريات غيره مما يؤدي إلى تداخل أُطر الحريات وتعدي الأفراد على حريات غيرهم ، ومن هنا وكضرورة اجتماعية كان لا بد من ظهور قواعد تبين وتحدد إطار الحريات الممنوحة للإفراد التي يمارسون نشاطاتهم وحرياتهم داخلها ، فيأتي القانون محدداً لهذه الأُطر ويمنع تداخلها لضمان الحريات وقيام المساواة بين أفراد الجماعة.
وخلاصة القول أن القانون سيد العالم لأن القانون لازم لقيام الجماعة والجماعة لازمة لاستمرار الحياة (1) فأينما وجدت الجماعة تقوم الضرورة إلى وجود قانون لتنظيم العلاقات بين أفراد الجماعة ، وبما أن العلاقات وطبيعة هذه الروابط بين الأفراد تختلف باختلاف نواحي الحياة وباختلاف الزمان والمكان ، كان لا بد من اختلاف القواعد القانونية وفقاً لهذه العلاقات والروابط المختلفة ، إلا أن هذا الاختلاف لا يؤثر في الفكرة الأساسية وهي لزوم قواعد القانون كضرورة لبقاء المجتمع وقيامه.
ومن مجمل ما ذكر نستنتج أنه لتنظيم حياة الفرد مع غيره يجب أن تكون القواعد المنظمة لحياة الأفراد تحمل صفة الإلزام بتضمنها مجموعة من الأوامر والنواهي تمتلكها سلطة معينة في المجتمع تدير شؤون الجماعة وتدبر أمورها ، وتأتي هذه الصلاحية من خلال تنازل أفراد الجماعة عن جزء من حرياتهم المطلقة لصالح مجموعة من أفراد الجماعة تمارس سلطة النهي والأمر على أفراد المجتمع لتحقيق مصالحهم دون تعارض وضمان حرياتهم دون تعدي والمحافظة على أمن ونظام المجتمع .
ثانياً : وظيفة القانون وأهدافه :
وجدنا أن السبب الرئيس لظهور القانون هو تواجد الأفراد في ظل جماعة تسعى في عيشها مع بعض لوجود مجتمع منظم يكفل قيام كيانها و استمراره ، فيأتي القانون بدوره لتحقيق هذه الضمانة من خلال قيامة بالعديد من الوظائف تعمل على تنظيم المجتمع تنظيماً يكفل صون حريات الأفراد وحقوقهم ومصالحهم ، وحفظ كيان المجتمع وتنظيمه بما يحقق المصلحة العامة ، فالهدف الأسمى للقانون هو تحقيق الأمن والسلام الاجتماعي .
وإن أبرز الأهداف التي يسعى القانون إلى تحقيقها تتمثل بالأهداف التالية:
1. فرض الأمن والنظام في المجتمع :
يتحقق هذا الهدف ببيان الحدود التي يستطيع الفرد من ممارسة نشاطاته وحرياتها ضمنها (1) ، فعندما يتدخل القانون بوضع قواعد كأساس تتكون علية الجماعة ، ولا تسمح لأي فرد المساس بهذا التكوين للجماعة ككل فهو يضمن أمن هذا الكيان للجماعة فقواعد القانون تمنع أي فرد في ظل المجتمع عن ممارسة أي نشاط قد يضر أو يخل بأمن المجتمع ، وبهذا يكون القانون ضمن بقاء الجماعة وعدم المساس بسلامة أفرادها .
ونجد أن القانون يعمل على توفير الظروف الملائمة للفرد في ممارسة نشاطه واستثمار وجوده في المجتمع لتحقيق مصالحة عن طريق مد جسور التعاون مع بقية أفراد المجتمع من خلال بناء العلاقات المتنوعة وتبادل المنافع عن طريق رسم وتوضيح نطاق العلاقات والمعاملات بين الأفراد ، فالقانون يبين لكل فرد ماله من حقوق وحريات وما علية من واجبات والتزامات تجاه المجتمع وأفراده ، ولا يجيز لأي فرد تعدي حدود حقوقه وحرياته ويلزمه بأداء واجباته وما عليه من التزامات تجاه المجتمع وأفراده فهو ينظم أطراف العلاقة ، ويسمح للجميع من تحقيق أهدافه ومصالحة دون أدنى تعارض ، فلا يسمح لتداخل الحريات وجحد الالتزامات ويمنع تعدي القوي على الضعيف ، فقيام القانون ببيان حدود الحريات والنشاطات للأفراد وضمان نمط السلوك الاجتماعي ، وإعمال الجزاء في من يمس بهذه الأسس من خلال السلطة العامة المختصة يحقق الطمأنينة والاستقرار لدى الأفراد والذي تنعكس نتيجته على المصلحة العامة للمجتمع فيتحقق الأمن والنظام في المجتمع وهذا يشجع الأفراد إلى الانصراف للممارسة نشاطهم وحرياتهم وتوطيد سبل التعاون بينهم .
2. توفير العدالة الاجتماعية:
يأتي القانون بقواعد تبين ما للفرد من حقوق وحريات ويعمل على ضمانها وحمايتها ، وببيان هذه الحقوق والحريات يتساوى جميع أفراد المجتمع ، وينظم القانون العلاقات الناشئة بين الأفراد فيمنع القوي من التعدي على حقوق وحريات الضعيف في مختلف الظروف ، فنجد أن القانون يتدخل لمنع هذا التعدي وتحقيق التوازن فيعطي لكل فرد حقه ،ويلزمه بالمقابل بتنفيذ ما عليه من التزامات ، وبهذا يزل القانون مخاوف الأفراد ، فيمارسون أعملهم بطمأنينة لثقتهم بوجود العدالة .
3. العمل على تقدم المجتمع ورقيّه :
بقيام القانون بفرض الأمن والنظام في المجتمع، و توفير العدالة الاجتماعية ، نجد أن الأفراد يقبلون على أداء أعمالهم ونشاطاتهم براحة لثقتهم بوجود الأمن والسلام والعدالة والمساواة ، فلا عائق أمامهم يمنعهم من الإقبال على ممارسة نشاطهم وبناء العلاقات التي تحقق مصالحهم ومصالح المجتمع ، وهذا بدوره يدفع عجلة النمو التي تؤدي لازدهار المجتمع ومواكبته للتطور و ارتقائه .
وقد تلجأ المجتمعات التي ينظمها القانون إلى التدخل مباشرة بفرض وسائل تكفل تطور المجتمع ورقية ، كأن تعمد لتشيع قطاعات إنتاج معينة بسن تشريعات تعفي وسائل الإنتاج لهذا القطاع من الضرائب أو تعمل على إعفاء متحصلات هذا القطاع من الضرائب ، وقد تعمل على زيادة الضرائب المفروضة على المنتج الأجنبي المنافس لتشجيع الإقبال على المنتجات المحلية ، وهذا بدوره يؤدي إلى ازدهار الحياة الاقتصادية والتي تنتج أثرها على تقدم المجتمع ورقيّه .
اترك تعليقاً