بحث في عضل الولي والكفاءة في الزواج
يشترط في الولي باتفاق الفقهاء شرطان:
الأول: أن يكون كامل الأهلية – بأن يكون حراً بالغاً عاقلاً.
الثاني: أن يكون متحداً في الدين مع المولى عليه.
وبعد هذا هل يشترط في الولي العدالة بحيث لا يملك الفاسق أن يزوج غيره؟
يرى الشافعي وأحمد في أحد قوليهما أنها شرط لحديث ” لا نكاح إلا بولي مرشد”.
وفسروا المرشد بالرشيد والفاسق ليس برشيد.
ويذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنها ليست شرطاً ويوافقهما الشافعي وأحمد في القول الآخر وعلى هذا يجوز للفاسق أن يتولى عقد الزواج لمن في ولايته.
ولاحتمال تهاونه في تقديمه المصلحة قالوا:
إنه إن كان فاسقا متهتكاً لا يبالي بقبح ما يصنع يشترط لتنفيذ عقد زواجه لابنته أن تتوافر فيه المصلحة بأن يكون الزواج من الكفء وبمهر المثل فإن لم يكن كذلك لا ينفذ ويكون حكمه في ذلك حكم الأب المعروف بسوء الرأي والاختيار وهو عدل فإنه لا تسلب ولايته على أبنته الصغيرة بسوء رأية ولكن عقده لها مشروط بالمصلحة.
والجعفرية يوافقون أصحاب الرأي الثاني في ولاية الأب والجد فلا تشترط العدالة فيها لكنهم شرطوها في الحاكم والوصي.
أحكام الاسرة في الاسلام/د: محمد مصطفى شلبي – صـ 243- 275.
الرجل البالغ العاقل يملك أن يزوج نفسه بأي امرأة سواء كانت مكافأة له أو أقل منه بمهر المثل أو بأكثر منه دون أن يكون لأحد الاعتراض عليه في ذلك أما المرأة البالغة العاقلة بكراً كانت أم ثيباًَ فقد أختلف الفقهاء في ثبوت هذه الولاية لها ومن ثم اختلفوا في صحة الزواج بعبارتها .
– فذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وابن حنبل في المشروعية إلى أنه لا يجوز لها أن تباشر عقد الزواج لا لنفسها ولا لغيرها بل إذا وكلت رجلاً غير وليها بتزويجها لا يصح هذا الزواج لأنها لا تملك تزويج نفسها فلا تستطيع تمليك غيرها ما لا تملكه وهذا مروي عن عدد من فقهاء الصحابة .
أحكام الأسرة في الإسلام/ د: محمد مصطفى شلبي – صـ276.
وذهب أبو حنيفة إلى اشتراط الولي في الصغيرين والكبير المجنون لا البالغة فقال : تزوج البالغة العاقلة نفسها لكن إذا وضعت نفسها مع غير كفء أو بمهر أقل من مهر مثلها فلوليها الاعتراض وفسخ النكاح وخالفة صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن فقالا لا نكاح إلا بولي إلا أن أبا يوسف قال إذا أجاز الولي عقدها صح وإن أبى والزوج كفء أجازه القاضي وقال محمد إن لم يجزه الولي مع الكفاءة استأنف القاضي العقد من جديد لا متناع الولي.
أحكام الأحوال الشخصية من فقه التربية الإسلامية – الجزء الأول/ محمد بن يحيى بن المطهر – صـ 82.
وإذا أمتنع الولي صاحب الحق عن التزويج فإذا امتنع لسبب ظاهر عدم كفاءة الزوج أو لأن المهر أقل من مهر المثل أو لوجود خاطب آخر يفوق الأول في مزاياه لا يعد عاضلاً في هذه الحالة ولا تنتقل الولاية لغيره فليس لمن بعده من الأولياء تولي العقد كما لا يملك القاضي توليه لعدم الظلم في هذه الحالة.
أما إذا امتنع من غير سبب يبيح له ذلك كان في هذه الحالة عاضلاً أي ظالماً وحينئذ لا تنتقل الولاية لمن بعده من الأولياء لعدم سقوط ولاية الممتنع بل تنتقل إلى القاضي فيتولى العقد نيابة عنه لأن ما فعله ظلم يؤدي إلى تنازع الأولياء وهو مكلف به مع الظلم.
ويعد الولي عاضلاً إذا امتنع عن التزويج عند حاجة المولى عليها إليه كما إذا طلبت الحرة البالغة العاقلة النكاح من كفء موجود راغب فيها بمهر المثل فإنه يجب عليه التزويج لأن امتناعه ظلم وهو منهي فإذا لم يفعل تولي القاضي نيابة عنه.
وكذلك تنتقل إلى القاضي فيما إذا وجد أولياء في درجة واحدة وتنازعوا وخيف أن يؤدي تنازعهم إلى فوات الخاطب الكفء لقول الرسول ( ص) فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له).
أحكام الأسرة في الإسلام/د: محمد مصطفى شلبي صـ 292.
– إذا صدر من الولي عضل بأن منعها من النكاح أو امتنع من العقد بها لا لسبب مشروع انتقلت الولاية إلى من يليه ، ومن صور السبب المشروع لامتناعه ما يلي:
(أ) إذا كانت صغيرة أو مجنونة ولا مصلحة لهما في الزواج فلا يعد عاضلا ، اما إذا كانت المصلحة واضحة كأن تكون الصغيرة فقيرة أو محتاجة إلى من يكفلها وليس في مستطاع الولي القيام بذلك ، او يقرر الطبيب أن المجنونة إذا تزوجة زال جنونها أو خف ووجد من يتقدم للزواج بأيهما والتزامه بكفالتهما ورعايتهما وكان كفؤا صالحاً فإن الولي إذا امتنع من العقد كان عاضلاً .
(ب) إذا طلب المهلة الكافية عادة ليتعرف على الخاطب وكفاءته لعدم معرفته به أو أتى أليه الخاطب وهو في عمل فطلب إمهاله حتى يكمل عمله اليومي الذي هو فيه أو حتى يصلي فإنه لايعد عاضلاً لأن هذا مما يتسامح به ويجري به أعراف الناس وعاداتهم .
(ج) إذا كان الخاطب غير كفء لها فلا يكون عاضلاً وكذا إذا كانت غير راضيه ولو كان كفؤا أما إذا كانت راضية ونازعت وليها في دعواه عدم كفاءة الزوج فعليه برهان عدم الكفاءة وإلا كان عاضلاً .
ومن صور العضل مايلي :
(أ) إذا امتنع من العقد بها على الكفء الصالح لها حتى تهب له مهرها أو تسقط له حصتها من الإرث المشترك بينهما مثلاً انتقلت الولاية عليها إلى من يليه لأنه صار بذلك عاضلاً .
(ب) إذا امتنع من العقد بها حتى يسلم له الخاطب الكفء أويسدد له مبلغاً من المال كشرط في مقابل موافقته أو إجرائه للعقد فإنه يكون عاضلاً أما إذا طلب منه ما يمكنه به تجهيزها مما يعتاد أوساط الناس عمله تكريماً للمرأة وتجري به المروءة دون أن يطلب زيادة على ذلك فلا يكون بذلك عاضلاً
(ت) إذا طلب الولي المهلة حتى يعزم لأداء فريضة الحج وكان قد تقدم إليه الخاطب قبل أن يحرم بالحج وقبل أن يتضيق عليه الأحرام كان امتناعه لذلك عضلاً تنتقل به الولاية إلى من بعده .
هذه صور من العضل التي نهى الله الأولياء عن ممارستها ، يقاس عليها غيرها مثل:
أن يمتنع الولي من زواجها بأقل من مهر مثلها مع ارتضائها بذلك فهذا عضل لأن الهر حق لها ولها أن تضع منه ما تشاء بل تؤجر على ذلك وتكون مستجيبه لما ندب إليه الشارع من عدم المغالاة في المهور فقد روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة)
وعن أبي العجفاء قال : قال عمر رضي الله عنه :
(ألا لا تغلو في صدق النساء فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند اللله كان أولاكم رسول الله (ص) ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشر أوقية وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه)
فكيف لا يجعل بعض العلماء من العضل امتناع الولي حتى يصدقها الخاطب مهر المثل مع رضاها بأقل منه؟ فهل له منعها من الاقتداء برسول الله في التيسير فالحق أن المهر حق لها وليس للولي المنع من العقد مع ارتضائها بأقل من مهر المثل وإلا عد عاضلاً مخالفاً للشرع وانتقلت ولايته إلى من بعده من الأولياء .
لا يقبل قول المرأة إن وليها عضلها لتسقط بذلك ولايته عليها إلا ببينة تحضرها إلى الحاكم للحكم بسقوطها لأن الولاية محققة بوجود ولي لها وإنما تدعى سقوطها لعضله.
أحكام الأحوال الشخصية في فقه الشريعة الإسلامية/ محمد يحيى بن المطهر- ج1 صـ95 ،96
الكفاءة : هي المماثلة والتساوي.
وفي أصطلاح الفقهاء أي المطلوبة في الزواج : يراد بها مساواة خاصة وهي المساواة أو المقاربة بين الزوجين في أمور مخصوصة بحيث لو أختلف كانت الحياة الزوجية غير مستقرة لما يلحق الزوجة وأولياءها من التعيير والأذى.
أحكام الأسرة في الإسلام/د: محمد مصطفى شلبي صـ309
واتفق العلماء على اعتبارها بين الزوجين في الدين- واختلفوا فيما عدا ذلك على اراء عدة.
الرأي الأول: لزيد بن علي ومالك وبعض الأئمة وهو أقواها وأعدلها وهو أنها معتبرة في الدين والإخلاق فقط لا في النسب ولا في الصنعة ولا المال ولا الحرفة فلا يكون الفاسق كفؤ للمؤمنة المحافظة على تعاليم الدين.
هذا والاقتصاد على اعتبار الكفاءة في الدين والخلق هو قول كثير من العلماء منهم عمرة وابني مسعود وقال به ابن سيرين وعبيد بن عمير وعمر بن عبدالعزيز وابن عون وحكاه في اللجنة عن مالك وأحمد قولي الناصر .
الرأي الثاني: ذكره في الروض النضيد عن القاسم بن ابراهيم والهادي وابن العباس وابي طالب والمؤيد بالله وهو قول سفيان الثوري وروى عن ابن عباس وسلمان الفارسي أنه يعتبر الدين مع النسب والحرفة عند أصحابنا إذا حصل التضرر منها كالنسب فلا يكون العجمي كفوا للعربي ولا المولى للحر ولا الوضيع للشريف.
واختلف هؤلاء هل تعتبر الكفاءة في النسب إذا اسقطها الولي والمرأة فقال بعضهم هي حق للاولياء والمرأة فإذا اسقطوها سقطت – وقال الثوري- وأحمد إذا انكح المولى العربية يفسخ النكاح .
الرأي الثالث: للحنفية نقلا من كتاب الفقه على المذهب الاربعة وغيره.
قالت الحنفية أن الكفاءة مساواة الرجل للمرأة في أمور مخصوصة وهي ستة كما يلي:
النسب- الاسلام- الحرية – الحرفة – الديانة – المال.
أما الحرفة : وهي أن تكون حرفة أهل الزوج مكافئة لحرفة أهل الزوجة بحسب العادة والعرف فإذا كانت مثلا حرفة الخياطة أرقى من حرفة الحياكة بين الناس لم يكن الحائك كفوء لبنت الخياط.
اما الديانة: وهي عامة في العرب والعجم فإذا كان الخاطب فاسقا فلا يكون كفؤ للصالحة بنت الصالح وإذا كانت صالحة وابوها فاسق فلا يحق لابيها الاعتراض إذا رضيت به لأنه فاسق مثله وكذا إذا كانت فاسقة وابوها صالح فتزوجت من فاسق فإنه يصح وليس لابيها حق الاعتراض لأن العار الذي يلحقه من فسق ابنته اكبر من العار الذي يلحقه بصهره .
أما الكفاءة في المال: فهي تساويهما في الغنى والفقر فإذا كان الخاطب فقيراً فليس كفؤ للغنية هذا عند بعضهم وقال بعضهم يكفي أن يكون قادراً على دفع ما اتفقوا عليه من معجل المهر وأن يكون موجودا لديه كفاية شهر أو ستة اشهر أو سنة على الخلاف بينهم إن لم يكن صاحب حرفة.
هذا وقد اختلفوا في تأثير الكفاءة على العقد – قال بعضهم أنها شرط في نفاذ العقد ولزومة على الولي فإذا زوجت نفسها بمن دونها في الامور الستة المذكورة أو بأقل من مهر مثلها كان لوليها عند العقد حق الاعتراض على العقد فلا ينفذ حتى يرضى من له الولاية عند العقد فلا ينفذ حتى يرضى من له الولاية عند العقد والا فيفسخه الحاكم إلا إذا سكت عن الاعتراض حتى ولدت سقط حقه ولو لم يعلم الا بعد الولاية.
وقال بعضهم إن الكفاءة شرط في صحة العقد فيكون باطلاً من أول الأمر إذا تزوجت بغير كفء ولم يرضه الولي قبل العقد أما إذا رضي به قبل العقد وامتنع بعده فلا يؤثر امتناعه في صحة العقد.
الرأي الرابع للشافعية:
قالوا الكفاءة : أمر يوجب عدمة عاراً واعداد بها مساواة للزوجة في كمال أو خسة ما عدا السلامة من عيوب النكاح فإن المساواة فيها يوجب أن يكون كل منهما كفؤ لصاحبه واستوائهما في العيوب لا يصحح الكفاءة لأن الانسان يكره من غيره ما لا يكره من نفسه – وأعتبروا الكفاءة في اربعة أنواع النسب والدين والحرية والحرفة ولم يشترط الشافعية الكفاءة في المال.
الرأي الخامس للحنابلة:
قالوا: الكفاءة المساواة في خمسة أمور : الديانة والنسب والحرية والصناعة واليسار في المال.
فأما الديانة فلا يكون الفاجر الفاسق كفواً للصالحه العفيفه .
أما النسب فالأحمد بن حنبل روايتان احداهما أن غير قريش من العرب لا يكافئها وغير بني هاشم لا يكافئهم .
الرواية الثانية : أن العرب بعضهم لبعض اكفاء والعجم كذلك بعضهم لبعض اكفاء.
أما الحرية فلا يكون العبد كفواً للحرة.
أما الصناعة فيها روايتان : احداهما ان الكفاءة في الصناعة شرط فمن كان من أهل الصنائع الدنيئة فليس بكفء لبنات ذوي المروءات وأصحاب الصنائع الجليلة ورواية أخرى انها ليست بشرط ، أما اليسار قالوا وفيه روايتان.
احداهما أنه شرط في الكفاءة فلا يكون الفقير كفؤ للغنية قالوا لأن على الميسورة ضرراً في اعسار زوجها.
ورواية ثانية أنه ليس بشرط قالوا لأن الفقير شرف في الدين واليسار المعتبر ما يقدر به على الانفاق عليها حسب ما يجب لها.
أحكام الأحوال الشخصية من فقه الشريعة الإسلامية /الجزء الأول- محمد بن يحيى المطهر صـ 160 – 172.
اختلف فقهاء المسلمين في جعل الكفاءة شرطا في الزواج كما أن الشارطين لها اختلفوا فيما تعتبر فيه الكفاءة والسبب في ذلك أن القرآن لم يعرض لهذا الأمر بل جاء فيه ( إن أكرمكم عند الله اتقاكم) والسنة جاءت موافقة له في قول رسول الله ( ص) ( ليس لعربي فضل على اعجمي الا بالتقوى).
فالقرآن والسنة متفقان على أنه لا فضل على أحد على غيره إلا بالدين والخلق- وقد قال رسول الله (ص) ( إذا اتاكم من ترضوه دينه وخلقه فانكحوه الا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير).
وعلى هذا الاصل امر رسول الله (ص) بني بياضة ان يزجوا ابا هند وكان حجاماً ومن ذلك ترى أن الاساس في الكفاءة الزوجية على عهد رسول الله (ص) هو الدين والخلق وعلى هذا القدر اقتصر بعض فقهاء الصحابة والتابعين.
وإذا اضفنا إلى ذلك أن الناس على عهد رسول الله (ص) ما كانوا يتفاخروا إلا بالسبق في الاسلام ومنزلة الرجل فيه ولم يكن المال عندهم إلا وسيلة للحياة فلم يكن بينهم تعير بفقر ولا فخر بغني ومثل ذلك يقال في الحرف وما كان الواحد منهم بأنف من أن يزوج ابنته لفقير او صاحب حرفه بسيطة ما دام دينه سليما وخلفه مرضيا.
أحكام الأسرة في الإسلام /د: محمد مصطفى شلبي – 310- 311.
وقد نص قانون الأحوال الشخصية اليمني في المادة رقم (19) على ما يلي:
( يعتبر الولي عاطلاً إذا أمتنع عن تزويج المرأة وهي بالغة عاقلة راضية من كفء إلا أن يكون ذلك منه تريثا للتعرف على حال الخاطب على أن لا تزيد مدة التريث على شهر ).
ونص في المادة (18/2) على أن الولي إذا عضل المرأة أمره قاضي بتزويجها فإن أمتنع زوجها القاضي بمهر أمثالها لرجل كفء لها .
وفي الكفاءة نص في المادة (48) على أن:
( الكفائة معتبرة في الدين والخلق وعمادها التراضي ولكل من الزوجين طلب الفسخ لإنعدام الكفاءة).
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً