الأعمال التجارية
الأعمال التجارية les actes de commerce هي الأعمال التي تتعلق بالوساطة في تداول السلع والثروات بقصد تحقيق الربح شريطة أن يقع بعضها على وجه الاحتراف، وهي أيضاً كل عمل يجريه التاجر لحاجات تجارته.
أهمية التفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني
لما كان لا غنى للنشاط التجاري عن مراعاة عنصري السرعة والائتمان في إتمام معاملاته، فإن المشرع قضى بإخضاع الأعمال المكونة لهذا النشاط إلى تنظيم قانوني يختلف عن التنظيم الذي تخضع له الأعمال المدنية. وفيما يلي أهم النقاط التي يختلف فيها التنظيم القانوني للأعمال التجارية عن الأعمال المدنية:
الإثبات: إذا كانت القاعدة العامة للإثبات في المواد المدنية هي وجوب الإثبات بالكتابة في التصرفات القانونية التي تزيد قيمتها على خمسمئة ليرة سورية أو تكون قيمتها غير محددة، فإن الالتزام التجاري يجوز إثباته مهما كانت قيمته، بجميع طرق الإثبات، مثل الشهادة والقرائن وغيرها، وذلك باستثناء ما استوجب القانون إثباته بالكتابة كعقد الشركة مثلاً.
الفائدة القانونية: يختلف سعر الفائدة القانونية التي تجب على المدين عند تأخره عن الوفاء بالتزامه في الموعد المحدد، بحسب كون الدين مدنياً أو تجارياً. فهذا السعر هو 4% في المسائل المدنية و5% في المسائل التجارية.
ويعود السبب في ارتفاع سعر الفائدة في المسائل التجارية إلى أن النقود تدر أرباحاً أكثر جرّاء استغلالها تجارياً.
تضامن المدينين: القاعدة العامة في المعاملات المدنية أن التضامن بين المدينين لا يفترض إنما يكون بناء على اتفاق أو نص في القانون، وهذا بخلاف المعاملات التجارية إذ قرر المشرع أن الملتزمين في دين تجاري يُعدون متضامنين في هذا الالتزام، بحيث يتمكن دائنهم من مطالبة أي منهم بكامل قيمة الدين.
الإفلاس: إذا توقف التاجر عن دفع ديونه التجارية خضع لنظام الإفلاس. أما إذا امتنع المدين عن وفاء دين مدني فإنه يخضع لنظام أخف وطأة هو نظام الإعسار.
مهلة الوفاء: تجيز القواعد العامة للقاضي أن يمنح المدين بدين مدني مهلة معقولة لتنفيذ التزامه إذا استدعت حالته ذلك شريطة ألا يلحق الدائن من هذا التأجيل ضرر جسيم. أما القانون التجاري فقد حظّر على القاضي منح مثل هذه المهلة في وفاء الديون التجارية إلا في حالات استثنائية، وذلك لما تتطلبه الحياة التجارية من سرعة التنفيذ.
التنفيذ على المال المرهون: في الرهن المدني الذي يعقد لضمان دين مدني، على الدائن المرتهن أن يحصل على حكم من القاضي للتنفيذ على الشيء المرهون. أما في الرهن التجاري المعقود لوفاء دين تجاري، فإن للدائن عند عدم الدفع في الاستحقاق، أن يراجع دائرة التنفيذ ويطلب إرسال إخبار إجرائي إلى مدينه، وبعد مرور ثمانية أيام على وقوع التبليغ، يقوم رئيس التنفيذ ببيع الأشياء المرهونة بالمزايدة العلنية ويستوفي الدائن دينه من الثمن بطريق الامتياز.
التقادم: الأصل أن جميع الحقوق في المسائل المدنية تتقادم بمضي خمس عشرة سنة على استحقاقها، عدا الحالات التي ينص فيها القانون على مددٍ أخرى، في حين جعل المشرع مدة التقادم في المسائل التجارية عشر سنوات إن لم يعين أجل أقصر، ذلك أن المعاملات التجارية تستوجب وضع حد للمنازعات المتعلقة بها في أقصر وقت ممكن.
معيار العمل التجاري
بحث الفقه عن معايير يمكن بها تحديد طبيعة العمل التجاري ووضع عدة نظريات في هذا الشأن. فيما يلي أهمها:
نظرية المضاربة: المضاربة هي السعي وراء تحقيق الربح المادي. وبمقتضى هذه النظرية التي من أنصارها ليون كان ورينو Lyon Caen et Renault، يعدّ العمل تجارياً إذا كان الهدف منه الحصول على كسب مادي. فشراء السلعة بقصد بيعها بربح هو أول صورة أوردها المشرع للأعمال التجارية.
ويعاب على النظرية أنها ليست صحيحة على إطلاقها. فهي واسعة أحياناً، إذ إن معظم أوجه النشاط الإنساني يستهدف الربح. فالمحامي والطبيب والمعلم يسعون جميعهم إلى تحقيق ربح مادي ومع ذلك لا يُعد عملهم تجارياً. وهي ضيقة أحياناً أخرى، إذ إن هنالك من الأعمال مايعدّ تجارياً ولو لم يتوافر قصد الربح فيه كالبيع بخسارة بقصد القضاء على منافس.
نظرية التداول: يتخذ الفقيه الفرنسي تالير Thaller من التداول محوراً تدور حوله الأعمال التجارية. فالتجارة كما يراها تتمثل في تداول السلع والنقود. والعمل التجاري هو العمل الذي يتناول هذه الثروات عند حركتها ونقلها من يد إلى يد، منذ خروجها من يد المنتج إلى وقت وصولها إلى يد المستهلك.
يؤخذ على النظرية أن هناك أعمالاً يتجلى معنى التداول فيها مع أنها تعدّ أعمالاً مدنية كما هو الحال في عمل الجمعيات التعاونية التي تشتري السلع لتبيعها إلى أعضائها بسعر التكلفة.
نظرية المشروع: يرى إسكارّا Escarra عميد هذه النظرية أن فكرة المشروع هي ضابط التمييز بين العمل التجاري والعمل المدني. فالعمل يعدّ تجارياً إذا تمت ممارسته على شكل مشروع، أي على سبيل التكرار والاعتياد. ويتميز المشروع عادة ببعض المظاهر الخارجية التي تدل عليه كفتح مكتب واستخدام عدد من العمال والفنيين وغير ذلك.
لكن يعيب هذه النظرية أن المشرع عدّ بعض الأعمال تجارية ولو وقعت مرة واحدة، كما هو الحال في شراء المنقول بقصد البيع بربح. وهناك بعض المهن تمارس على شكل مشروع مع أنها تعدّ أعمالاً مدنية كمهنة المحاماة والطب.
يظهر مما تقدم أن كل نظرية اشتملت على قسط من الحقيقة يمكن بوساطته الكشف عن بعض خصائص العمل التجاري من دون أن ترقى النظرية إلى مرحلة اتخاذها أساساً فريداً لتحديد طبيعة جميع الأعمال التي يعدها القانون تجارية.
أنواع الأعمال التجارية
تقسم الأعمال التجارية إلى قسمين رئيسين: الأعمال التجارية بطبيعتها، والأعمال التجارية بالتبعية.
الأعمال التجارية بطبيعتها: تتفرع الأعمال التجارية بطبيعتها أو بحكم ماهيتها، إلى فرعين: أعمال تثبت لها الصفة التجارية ولو وقعت مرة واحدة، وأعمال لا تعد تجارية إلا إذا صدرت في إطار مشروع.
1ـ الأعمال التجارية المنفردة: تشمل الأعمال التجارية المنفردة مايلي:
ـ الشراء لأجل البيع أو التأجير: عدَّت المادة السادسة من قانون التجارة السوري شراء البضائع وغيرها من المنقولات المادية وغير المادية لأجل بيعها بربح، سواء بيعت على حالتها أو بعد شغلها وتحويلها أو شراء تلك الأشياء المنقولة لأجل تأجيرها، أعمالاً تجارية بحكم ماهيتها الذاتية. وهكذا تتطلب المادة المذكورة ثلاثة شروط مجتمعة ليعدّ العمل تجارياً.
الشرط الأول هو الشراء: والشراء شرط ضروري ليعدّ العمل تجارياً. فمن يبع مالاً حصل عليه عن طريق الإرث مثلاً، أو كان ثمرة إنتاجه الذهني أو الفني لا يعدّ عمله تجارياً.
الشرط الثاني هو ورود الشراء على منقول: لقد قصر المشرع العمل التجاري على الشراء الواقع على منقول سواء كان هذا المنقول مادياً كالغلال والسلع، أو معنوياً كحقوق الملكية الأدبية والفنية وبراءات الاختراع. أما شراء العقار لأجل بيعه بربح فلا يعد عملاً تجارياً إذا وقع مرة واحدة.
الشرط الثالث الشراء بقصد البيع أو التأجير بربح: لا يكون العمل تجارياً إلا إذا كان المقصود من الشراء إعادة بيع الشيء المشترى أو تأجيره للغير بغية تحقيق الربح. ويستوي في ذلك أن تتم هذه العمليات على الشيء المشترى بحالته الأصلية نفسها أو بعد تصنيعه أو تحويله، كبيع القمح بعد طحنه دقيقاً.
ـ الاستئجار لأجل التأجير ثانية: فمن استأجر سيارة وغايته نقل الركاب بالأجرة يعدّ عمله تجارياً.
ـ أعمال الصرافة ومعاملات المصارف: تقوم عمليات الصرافة على مبادلة نقد بنقد آخر كمبادلة نقود سورية بنقود لبنانية. أما أعمال المصارف فتقوم على تسليف النقود وفتح الحسابات والاعتمادات وتقديم الكفالات وغيرها.
ـ الأعمال المتعلقة بالتجارة البحرية: أضفى التشريع السوري الصفة التجارية على الأعمال المتعلقة بالتجارة البحرية كإنشاء السفن أو شرائها لاستثمارها أو بيعها، وإجارة السفن والتزام النقل عليها وعقود استخدام الرّبان والملاحين وغير ذلك. ومعظم هذه الأعمال يعدّ تجارياً ولو بوشر مرة واحدة، غير أنه يندر وقوعه كذلك. فالأعمال البحرية تتم على الأغلب ضمن إطار مشروعات لشركات مساهمة كبيرة.
2ـ المشروعات التجارية: لم يسبغ المشرع الصفة التجارية على بعض الأعمال إلا إذا تمت عن طريق مشروع. والمشروعات التجارية متعددة:
ـ مشروع تقديم المواد (مشروع التوريد): وهو التعهد الذي يلتزم بموجبه شخص أن يقدم إلى شخص آخر موادَّ معينة بصفة دورية ومنتظمة في مدة محددة من الزمن وذلك بمقابل مبلغ متفق عليه: كتعهد توريد الأغذية للمطاعم والمستشفيات.
ـ مشروع المصانع: يعدّ مشروع المصانع عملاً تجارياً ولو كان مقترناً باستثمار زراعي، إلا إذا كان تحويل المواد يتم بعمل يدوي بسيط. ويقصد بمشروع المصانع قيام المستصنع بالأعمال التي تؤدي إلى تحويل المواد من هيئتها الأصلية إلى هيئة أخرى أكثر صلاحاً لقضاء حاجات البشر كصناعة السكر من الشمندر مثلاً.
ـ مشروع النقل براً أو جواً أو نهرياً: إن جميع عمليات نقل البضائع والأشخاص التي تتم براً بوساطة القطار أو السيارات أو غير ذلك، أو تتم جواً بوساطة الطائرات، أو نهرياً بوساطة المراكب وغيرها، تعد أعمالاً تجارية إذا بوشرت من خلال مشروع.
ـ مشروع الوكالة بالعمولة والسمسرة: الوكيل بالعمولة هو الشخص الذي يتعهد بأن يعقد باسمه لحساب موكله بيعاً وشراء وغيرهما من العمليات التجارية بمقابل عمولة. أما السمسار [ر. السمسرة] فهو من يتوسط بين متعاقدين لإبرام صفقة معينة بمقابل أجر يكون عادة نسبة مئوية من قيمة الصفقة. إنه لايتدخل في العلاقة القانونية التي تنشأ بينهما مباشرة، بل يقتصر عمله على تقريب وجهات نظرهما فقط.
ـ مشروع التأمين: يقصد بالتأمين [ر] تعهد شخص يدعى المؤمِّن، (وغالباً ما يكون شركة) بأن يؤدي للمؤمَّن له مبلغاً من المال عند تحقق الخطر المؤمَّن منه بمقابل قسط يؤديه المؤمَّن له للمؤمِّن.
ـ مشروع المشاهد العامة: يتناول تعبير المشاهد العامة كل ما أعد لتسلية الجمهور بمقابل عوض كدور السينما والمسارح والمقاهي، وهذه الأعمال تعدّ تجارية إذا تمت ضمن إطار مشروع منظم ومستمر يضارب على عمل الآخرين. لذلك إذا قامت فرقة جامعية بتمثيل رواية، فإن عملها ليس تجارياً ولو دفع المشاهدون مبلغاً بمقابل تمتعهم بمشاهدتهم.
ـ مشروع التزام الطبع: ويقصد به مشروع النشر. والناشر هو من يشتري إنتاج غيره العلمي أو الأدبي أو الفني بقصد نشره عن طريق الطباعة أو التصوير أو التسجيل وتحقيق الربح من بيعه للجمهور.
ـ مشروع المخازن العامة: المخازن العامة هي المحلات التي تودع فيها البضائع بمقابل أجر. ويتسلم المودعون فيها سنداً يسمى سند التخزين. والسند إذ يمثل البضاعة المودعة، يمكّن صاحبه عن طريق النزول عنه للغير من بيع البضاعة أو رهنها من دون إخراجها من المخزن.
ـ مشروع المناجم والنفط: تتناول هذه المشروعات استخراج الفحم والمعادن والنفط مباشرة من الطبيعة. وتعدّ هذه المشروعات تجارية سواء أكان القائم بها مالكاً للأرض التي تقع فيها المناجم والآبار أم مستأجراً لها.
ـ مشروع الأشغال العقارية: يقصد بالأشغال العقارية الالتزام بتشييد المباني والطرق والجسور والأنفاق والمطارات والمرافئ والسدود وغيرها.
ـ مشروع شراء العقارات لبيعها بربح: إن الشخص الذي يشتري عقاراً مرة واحدة، ليبيعه بربح يعد عمله مدنياً. أما إذا مارس هذا العمل ضمن نطاق مشروع أي على وجه التكرار والاحتراف، فإن أعماله تصبح تجارية ويكتسب وصف التاجر.
ـ مشروع وكالة الأشغال: وكالات الأشغال أو الأعمال هي المحلات التي تنشأ للاهتمام بأعمال الغير وتقديم الخدمات لهم بمقابل أجر معين. ويدخل في عداد هذه الوكالات المكاتب التي تقوم بتأجير عقارات الغير، أو تحصيل الديون لأصحابها.
الأعمال التجارية بالتبعية:
1ـ أساس النظرية: جميع الأعمال التي يقوم بها التاجر لحاجات تجارته تعد تجارية في نظر القانون.
فالأعمال التجارية بالتبعية هي في الأصل أعمال مدنية بطبيعتها ولكنها تصبح تجارية بسبب صدورها من تاجر لحاجات تجارته. إذن مصدر تجارية هذه الأعمال ليس في طبيعتها وإنما في مهنة القائم بها.
وتقوم هذه النظرية على اعتبارات منطقية تقضي بإسباغ الصفة التجارية على عمل يكون تابعاً لحرفة التاجر حتى يطبق نظام قانوني واحد على العمل الأصلي والعمل التابع وفقاً للمبدأ القائل إن الفرع يتبع الأصل في الحكم.
وبالمقابل، ومن المنطلق المذكور، يمكن القول إن الأعمال التجارية تنقلب إلى أعمال مدنية متى أجراها غير التاجر لتكمل حرفته المدنية، فيعدّ مثلاً عملاً مدنياً بالتبعية شراء المزارع للأكياس التي يعبئ فيها محصوله ويبيعها مع المحصول.
2ـ تطبيقات النظرية:
ـ على العقود: إن سائر العقود التي يبرمها التاجر بمناسبة تجارته تكتسب الصفة التجارية: فشراء التاجر أثاثاً لمحله التجاري هو عمل تجاري.
ـ على العمل غير المشروع: تشمل نظرية الأعمال التجارية بالتبعية التزامات التاجر التي تجب على العمل غير المشروع الذي يقع في معرض ممارسته لحرفته. فيعدّ عملاً تجارياً بالتبعية مثلاً التزام التاجر بالتعويض عن أعمال المنافسة غير المشروعة التي قد تقع منه إضراراً بتاجر آخر.
ـ على الإثراء بلا سبب: وتنطبق النظرية أيضاً على التزامات التاجر المستندة إلى الفُضالة أو الإثراء بلا سبب، إذا تعلقت هذه الالتزامات بحرفته التجارية. فلو دفع شخص لتاجر، خطأ، مبلغاً أكبر مما يستحقه فإن التزام التاجر برد المبلغ غير المستحق يكون عملاً تجارياً بالتبعية.
اترك تعليقاً