الاستراتيجية القضائية التي وضعتها السلطة القضائية هي منظومة اصلاح شامل للعمل القضائي / للقاضي ناصر عمران الموسوي / نقلا عن جريدة البينة
في خضم الخلافات بين مجلسي النواب والوزراء وبين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان وبعد الكشف عن الاتفاقيات السرية التي تم نشرها على صفحات الصحف والمواقع الالكترونية والتي تمت الاشارة الى الاصلاح القضائي فيها، آثر مجلس القضاء الاعلى الاعلان عن ستراتيجية مستقبلية للعمل القضائي حتى العام 2016 ويأتي اعلان ستراتيجية عمل السلطة القضائية استناداً الى نص المادة (4ص7) من الدستور العراقي الذي يؤكد الفصل بين السلطات الاتحادية وهي: السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. وتَحمل الستراتيجية نظرة راهنة مفادها ان اصلاح النظام القضائي وتطوير عمله هو من صميم عمل السلطة القضائية ولا يجوز لأية سلطة اخرى ان تفرض رؤيتها على القضاء ، وهو امر يؤكد فيه مجلس القضاء الاعلى على استقلالية القضاء والقضاة وان الخضوع الوحيد للقضاء هو للقانون الذي تقوم السلطة القضائية بتطبيقه ، وقد تضمنت الستراتيجية القضائية على اهداف ثمانية وهي :
استقلال القضاء : ان استقلال القضاء هو المحور الاهم في الستراتيجية القضائية والذي آثرت فيه الخطة تعزيز استقلال القضاء عبر محاور متعددة ابرزها الثقافة القانونية والتعريف بطبيعة العمل القضائي ، فكثيرا ما يحدث لبس كبير لدى الكثيرين بين عمل السلطة القضائية وهي السلطة التطبيقية للقانون والتي يخرج عملها عن طريق المحاكم ويمتلك فيها القضاة اصدار القرارات والاحكام والأوامر عند نظرهم للقضية او الطلبات الاخرى التي تقدم للقضاء ، وبين عمل السلطة التشريعية التي تقوم بتشريع القوانين او التمييز بين عمل السلطة القضائية كسلطة مستقلة وبين وزارة العدل التابعة للسلطة التنفيذية، والقضاء يسعى الى ان تكون الثقافة القانونية هي ثقافة تربوية وتعليمية بمعنى انها تكون جزءاً مهما من الجانب التربوي في مختلف المراحل الدراسية ، ضمن المنهج الجامعي في المعاهد والجامعات العراقية، اضافة الى العمل عن طريق الدفع بالتعريف بعمل القضاء ونشر ثقافة العمل القضائي، وأشارت الستراتيجية الى تطوير العلاقات بين السلطة القضائية والقضاء في الاقليم بما يعزز وحدة السلطة القضائية وضمان هيبة واستقلالية السلطة القضائية والنأي بها عن الاسقاطات والخلافات السياسية، كما انها اكدت على الرؤية والعمل الجديد لعلاقة القضاء العراقي بالقضاء والمحاكم الدولية وبخاصة تسليم المجرمين والعمل على القضاء على الجرائم الدولية بالتنسيق والتعاون بين القضاء الدولي والقضاء العراقي وبخاصة جرائم الاتجار بالبشر(تجارة الرقيق) والمخدرات وجرائم الارهاب وغيرها من الجرائم الدولية الخطيرة.
2 – تعزيز القدرة المؤسسية للسلطة القضائية عبر زيادة قدرة وفاعلية الاقسام الجديدة في السلطة القضائية والتي اهمها المؤسسة الاعلامية التابعة للمجلس ورفدها بالكفاءات والعمل على اصدار نشرة ومجلة خاصة بمجلس القضاء الاعلى. التنمية البشرية للمؤسسة القضائية وذلك عن طريق خطة متكاملة للاحتياجات الوظيفية والعمل على تطوير فاعلية الجانب الاحصائي في السلطة والذي بدوره يشكل عصب الانجازات القضائية التي تنجزها المحاكم التابعة للسلطة القضائية ، كما تم تحديد الحاجة خلال السنوات القادمة والمحددة لعدد القضاة والادعاء العام ب) 300_ 500 ( خلال هذه السنوات وتعزيز المكاتب القضائية ورفدها بمحققين قضائيين وزيادة عدد المبلغين القضائيين.
4 – العمل على تبسيط اجراءات التقاضيعبر تفعيل دور الادعاء العام وزيادة حسم الدعاوى والمعاملات التي تقدم الى القضاء بالشكل الذي يحقق القضاء العاجل والعادل واستخدام التقنيات الالكترونية ، متزامنا مع تبسيط اجراءات المعاملات وتطوير اساليبها على وفق الاساليب العلمية الحديثة ، و اصدار دليل خاص بالإجراءات لمختلف انواع
المعاملات القضائية.
5 – اعداد قاعدة بيانات العدالة الجنائية، والاستمرار بنشر مبادئ الاحكام التي تصدرها المحاكم على قاعدة البيانات المنشورة عبر موقع السلطة القضائية وتحديثها دوريا.
6 – الاهتمام بالبنية التحتية عن طريق الاهتمام بالمحاكم وإعادة تأهيل وترميم دور العدالة والجانب العمراني وإقامة دورات تطويرية للقضاة في المحافظات.
7 – تطوير العمل الرقابي والإشراف عبر فتح مكاتب للإشراف القضائي في جميع محاكم الاستئناف وزيادة عدد المشرفين القضائيين في كافة الدوائر وربطه بشبكة الكترونية لسرعة ايصال الاجابات إضافة الى زيادة ملاك متخصص من المدققين القضائيين لتدقيق حسابات المحاكم وزجهم في دورات تطويرية.
8 – استحداث محاكم جديدة في عدد من المحافظات بما يؤدي الى سعة رقعة العمل القضائي الامر الذي ينعكس على تقديم الخدمة للمواطن من جانب وبسط سيادة القانون من جانب آخر.ان الاهداف الثماني التي تضمنتها الستراتيجيةً القضائية عكست رؤية السلطة القضائية والتي ترجمت الكثير منها على ارض الواقع ، الا اننا نرى بان هناك اموراً مهمة تحتاج الى مزيد من الدفع باتجاه تحصين السلطة القضائية واستقلاليتها التي لابد من وضع اسس مهمة لها في خضم مران مهم في بناء النظام الديمقراطي ،الذي تشكل فيه استقلالية السلطة القضائي حجر الزاوية والضمانة المهمة في بناء دولة المؤسسات وسيادة القانون ، ونرى بان ذلك يتحقق عبر قنوات مهمة هي:
1 – عقد مؤتمر قضائي اول للسلطة القضائية ويكون بشكل مستمر سنويا تتم فيه مناقشة الشأن القضائي ويتم الاعداد له بشكل كبير ويحمل رؤى السلطة القضائية في عملها المستقبلي تضاف الى خطتها الستراتيجية ، وذلك عن طريق إعداد برنامج للمؤتمر يوضح بالإضافة للرؤية العملية للقضاء ، موقف السلطة القضائية وعلاقتها بالسلطة التنفيذية والقضائية، ويعمل على ان يكون الشأن القضائي شأنا قضائياً وعملية الاصلاح القضائي تتم من خلال عمل قضائي مكثف تشكل له لجان مختصة تأخذ بنظر الاعتبار التطور القضائي للأنظمة القضائية في العالم وبمساعدة المنظمة الدولية والاتحاد الاوربي الذي لمست السلطة القضائية اهتمامه الواسع بالقضاء العراقي عن طريق الدورات التي اقامها الاتحاد للقضاة العراقيين والتي شكلت انعطافة كبيرة في الرؤية والثقافة لدى القاضي العراقي بعد التلاقح العملي والثقافي بين القضاء العراقي والقضاء الاوربي. ويتم خلال المؤتمر اعداد مسودة لقانون جديد للسلطة القضائية حيث ان اهداف الخطة الستراتيجية تضمنت بوضوح ان القانون المقدم امام مجلس النواب للتصويت لا يلبي طموحات وعمل السلطة القضائية. كما ان القضاء عانى كثيرا في الموافقة على ترشيح قضاة محكمة التمييز ، وظهرت بوادر كثيرة حاولت نقل ادران المحاصصات السياسية للعمل القضائي ، ونرى ان العاصم الكبير في ذلك هو ان تكون رئاسة مجلس القضاء في المرحلة القادمة بالانتخاب من قبل السلطة القضائية ، الامر الذي سيكون ضامنا لاستقلالية القضاء ، ففي الوقت الذي يخرج الكثير من النواب بمحاولات النيل من السلطة القضائية وجرها الى مناخات خارج اطار عملها كونه منتخبا من الشعب، فان رئاسة السلطة القضائية ستكون أيضاً منتخبة من السلطة القضائية واي تعد او تجاوز على القضاء والقضاة يشكل تجاوزاً على خيارات السلطة القضائية اضافة الى المس باستقلالية القضاء العراقي ، كما ان المناقشات والحوارات السنوية للشأن القضائي وبشكل عام تغني المسيرة والتوجه القضائي بشكل ناجع وتحقق استقلاليته. ونرى كذلك بان وجود جهاز تنفيذي خاضع للسلطة القضائية مختص بتنفيذ الاحكام والقرارات والأوامر القضائية يمنح القرار القضائي تنفيذا وقوة وبالتالي ردعا اكثر بما يحقق سيادة القانون ، وان اللجان القضائية المنبثقة من المؤتمر والمكلف بتحقيق برامج المؤتمر المعد قضائيا ستكون هي مدار مراجعة ومتابعة من قبل لجنة رئاسية للمؤتمر القضائي ، ونرى بان انعقاد مثل هكذا مؤتمرات يعزز من دور القضاء ويضمن استقلالية القضاء اضافة الى الزامية مقرراته الخاصة بالشأن القضائي بمقابل السلطات الاتحادية الاخرى وذلك يتأتى عبر اعادة النظر في المادة الدستورية.
2- تطوير البنى التحتية للسلطة القضائيةالمتمثلة بالعمل على الاهتمام بالمحاكم وتأهيلها وتطويرها بشكل يلبي طموحالقضاء ويحفظ هيبته والتوسع بفتح محاكم جديدة ، والاهتمام بمنتسبي السلطة القضائية وبخاصة القضاة عبر ايجاد الحمايات الكافية للقاضي وافراد عائلته وتوفير العجلات التي تساعد القاضي في انجاز عمله وبخاصة ان الكثير من القضاة واعضاء الادعاء العام في زيارات مستمرة الى المواقف والسجون ومراكز الاحتجاز ، اضافة الى الموظفين الاخرين كالمحققين القضائيين والمعاونين القضائيين والموظفين الاخرين بالشكل الذي يؤمن التواصل والعمل ويحقق هيبة واستقلال السلطة القضائية.
3 – تطوير العمل القضائي عبر الدورات التطويرية لمنتسبي السلطة القضائية كلا حسب اختصاص عمله بالشكل الذي يجعل العمل القضائي اكثر قربا من المهنية والحرفية القضائية.
4 – تفعيل دور الادعاء العام عبر تحقيق اهدافه المقررة قانونا ، والتي تتمثل بالمحافظة على النظام الديمقراطي والمال العام والمساهمة في التشريعات التي تصدر ورؤية الادعاء العام في تقييم التشريعات والقوانين النافذة ، كما لايخفى دوره الوقائي والرادع عبر تشخيص الظواهر الجرمية التي تشكل ظاهرة اجتماعية بحاجة الى المعالجة والردع ، وذلك لا يتأتى إلا عبر رؤية جديدة لدور الادعاء العام وإيجاد قانون جديد للادعاء العام يأخذ بنظر الاعتبار الواقع الديمقراطي العراقي والحاجة لوجود جهاز للادعاء العام ضامن لهيبة الدولة وراعي لمصالحها اضافة الى تعزيزه لاستقلال القضاء وتفعيل دور الادعاء العام بحيث يتناسب مع مهامه الجسيمة ، آخذين بنظر الاعتبار تطور الادعاء العام في الدول الاخرى.ان الستراتيجية القضائية التي وضعتها السلطة القضائية هي منظومة اصلاح شامل للعمل القضائي الذي خضع للتمحيص والتدقيق والتلاقح والتواشج الرؤيوي القانوني والقضائي ووضع رسم خارطة جديدة مؤمنة بالتطور على اسس ثابتة وراهنية حققت وتحقق انجازها السامي في مجالات العدالة وضمان الحقوق والحريات للافراد والمجتمعات ضمن اطار الدولة المؤسساتية .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً