البلاغ الجنائي بين النظام والواقع
خالد بن محمد العنقري
صبيحة يوم في لندن كنت أسير برفقة أحد الأصدقاء، وأثناء استخدامه لأحد أجهزة الصرف الآلي تعرض صاحبي لمحاولة سرقة بطاقة الصرف الآلي فقمت بالاتصال على الشرطة وحضرت فرقة من الدوريات الأمنية إلينا، وسمعت أقوال صديقي في مكان الحادث وأركبته في سيارتها للبحث عن المجرمين بالقرب من الموقع، وطلبت عنوانه في بريطانيا ليصل إلينا بريد باسمه بعد أسبوع من الحادثة فيه اعتذار عن عدم التمكن من القبض على المجرمين وقفل القضية مع إحاطته بجميع حقوقه إن كان ثمة تقصير.
هذا السيناريو الذي تتعامل معه الشرطة في الدول المتقدمة، وتسجل فيه حضورها وقيامها بالبحث والتحري والتعرف على شهود الواقعة وتدوين شهادتهم، هو تطبيق عملي للمبدأ القانوني المعروف أن عبء الإثبات في القضايا الجنائية يقع على عاتق جهة التحقيق كما أن هذا الواقع أسهم كثيرا في الحد من انتشار الجريمة.
ما أهدف إليه من هذه المقدمة هو تسليط الضوء على آلية التعامل مع البلاغ لدينا الذي يضطر المتعرض لجريمة في حال عدم وجود الجاني في مسرح الجريمة أن يتقدم لمركز الشرطة صاحب الاختصاص المكاني لتدوين البلاغ أو الشكوى بشكل رسمي والانتظار لعدة ساعات لتدوين ذلك،؛ والسؤال هنا هل هذا الإجراء قانوني أم لا؟ ولقد وصل الأمر بأن يجلب المدعي سيارته المتعرضة للسرقة للمركز لرفع البصمات منها! بل إن تحديد المركز المختص مكانيا قد يستغرق ساعات ومراجعات مع أن الفقرة 2 من المادة 15 من اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية قد نصت على قبول البلاغ في هذه الحالة وإحالته للجهة المختصة.
بالنظر إلى نص المادة 27 من نظام الإجراءات الجزائية نجد أنه نص على وجوب قبول الشكاوى والبلاغات وفحصها وجمع المعلومات المتعلقة بها، كما نصت الفقرة 3 من المادة 15 في اللائحة التنفيذية للنظام على أن يشتمل سجل البلاغات والشكاوى على الإجراءات المتخذة بشأنه.
وبالرجوع إلى المادة 27 من النظام نجد أنها نصت على وجوب انتقال رجل الضبط الجنائي بنفسه إلى مكان الحادث للمحافظة عليه، وضبط كل ما يتعلق بالجريمة..، وفي الحقيقة أن ذلك لا يحدث عندنا إلا في القضايا المهمة جدا مع أن النظام لم يستثن شيئا وكل حادثة هي مهمة عند المتضرر منها. إن البلاغ أو الشكوى المقدم هاتفيا لا يعد بلاغا حسب علمي إلا إذا تم إثباته في مركز الشرطة، وبهذا سينخفض عدد البلاغات عن الجرائم المرتكبة في إحصائيات الجريمة وسيترتب على ذلك خلل في الخطط الاستراتيجية لمكافحة الجريمة.
إن تفعيل مثل هذه المواد وعدم الانتقائية في العمل بها حتما سينعكس إيجابا على أمن المجتمع وردع المجرمين، كما أن إغلاق مثل هذه البلاغات أيا كانت هو حق مشروع كفله النظام للمواطن والمقيم، ولا يعفي ذلك قلة الكوادر وضعف التأهيل، كما أن أي ضرر يترتب على التقصير في أداء الواجب المنوط موجب للمسؤولية وهو ما نصت عليه المادة 25 من نظام الإجراءات الجزائية حيث نصت على إشراف هيئة التحقيق والادعاء العام على رجال الضبط فيما يتعلق بالضبط الجنائي ولها طلب رفع الدعوى التأديبية دون إخلال برفع الدعوى الجزائية.
إن الهدف من سن الأنظمة وتعدد جهات الاختصاص هو ضمان سير العدالة وتحقيق التوازن الذي يضمن سير العمل وفق الآلية المنشودة، كما أن نص النظام على تدوين الإجراءات المتخذة بشأن البلاغ والشكوى ووجود الجهات الرقابية التي تمثل الحق العام يعزز ما تمت الإشارة إليه، وكل ذلك يصب في أمن المجتمع وتحقيق الرخاء للجميع. وبالله التوفيق.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً