لا تزوير للانتخابات إلاّ بحكم قضائي
هادي عزيز علي
ما إن هدأت عاصفة الانتخابات وقبل أن يتمكن أعضاء مجلس المفوضين من التقاط أنفاسهم بعد هذا المخاض العسير، وإذا بعاصفة أخرى أشد ضراوة تضرب المفوضية مستخدمة العديد من القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة، ولهول المفاجأة، ظهر أعضاء مجلس المفوضية في حالة ذهول أمام عصف ما وجّه إليهم من غيض واحتجاج ووقفوا موقف المتلقي للتهم، وأمّا الأجوبة المقدّمة من قبلهم فلم تكن حازمة رغم قانونية العديد منها، وحاول المناوؤون للمفوضية أن يجعلوها في الموقف الضعيف وأحياناً العاجز عن طرح الحلول مستغلين ضعف البناء المعرفي لدى بعض الأعضاء .
عديدة هي التهم التي وجهها هؤلاء الى أداء المفوضية، ولعلّ تهمة تزوير الانتخابات تأتي في المقدمة، فضلاً عما قيل عن الخروق التي قامت بها بعض الجهات المتنفذة سياسياً أو غير ذلك والممتشقة للسلاح في بعض الأحيان، والتلاعب بالنتائج، وحرمان البعض من حق التصويت. ووقوف المفوضية موقف المتفرج من طوفان الدعاية الانتخابية المبالغ فيها من جهة والمخالفة لتعليماتها من جهة أخرى، وغياب موقفها من موضوع شراء البطاقات والذمم، اضافة الى ما قيل عن ملء الصناديق ببطاقات لا ناخبين لها، فضلاً عن الاستخدام المفرط للزبائنية الانتخابية المخالفة للقانون، وعدم اتخاذ ما يلزم لدفع المواطنين لتجديد بياناتهم الانتخابية مما جعل العديد من هؤلاء خارج النشاط الانتخابي.
ما قيل وما قد يُقال، صحَّ ذلك القول ام بطُلْ، يلزم ألا تُترك هذه الأمور والأفعال والنشاطات تحدث خارج المنظومة التشريعية التي تنظّم هذا النشاط، إذ لا يصح للشخص أن يتخذ من نفسه موقف الضحية والقاضي في الوقت نفسه، فكل ما قيل عن التزوير والاختراقات وشراء البطاقات الانتخابية وحشو الصناديق ببطاقات زائدة وتزوير النتائج وغيرها من الأمور الأخرى التي شكّلت العاصفة الثانية الموجّهة ضد المفوضية، يمكن أن يندرح تحت توصيف قانوني دأبت التشريعات على تسميته بـ (الشكوى). إذن كل ما قيل واندرج تحت وصف التهمة الموجهة للمفوضية يصلح أن يكون محلاً للشكوى، وحيث أن الأمر كذلك، فقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رسم طريق الشكوى الواجبة التقديم، والمراحل التي تمر بها، فضلاً عن رسم طريق الطعن تمييزاً.
إذن على من يدّعي التزوير وسواه من الأمور الأخرى، أن يتقدم بالشكوى الى مجلس المفوضين يشرح فيها ما أصابه من حيف أو غمط للحقوق أو ما تلقاه من ضرر، وعلى المجلس أن يبت في الطلب استناداً للنصوص القانونية الآمرة المنظمة لذلك، فإنّ قبلت ماجاء بالشكوى فبها ونعمت، أما اذا رفضتها، فيجب أن يكون قرارها مسبباً ومعللاً لكي يتمكن المشتكي من الطعن به، وأن تنشر قرارها في الشكوى في (3) صحف يومية ولمدة ثلاثة أيام على الأقل وباللغتين العربية والكردية ليتمكن المشتكي من الطعن بقرار المجلس خلال مدة ثلاثة أيام من تاريخ النشر في الصحف لدى الهيئة التمييزية القضائية، وذلك بدلاً من الانشغال المستمر بوسائل الإعلام، إذ يمكن طرح المشاكل من خلالها ولكنها ليست الجهة المختصة بالفصل في المنازعات .
إن قانون المفوضية وفي المادة الثامنة منه وبفقراتها المختلفة قد نصَّ على: (تقوم محكمة التمييز بتشكيل هيئة تسمى الهيئة القضائية للانتخابات تتألف من ثلاثة قضاة غير متفرغين للنظر في الطعون المحالة اليها من مجلس المفوضين او المقدمة من قبل المتضررين من قرارات المجلس مباشرة الى الهيئة القضائية التي يجب أن تبت بالطعون خلال مدة لا تتجاوز العشرة أيام من تاريخ احالة الطعن إليها، وهذه الهيئة هي الجهة القضائية الوحيدة التي لها حق الفصل في الطعون وبيان فيما اذا كان الفعل المنسوب للمفوضية تشوبه شائبة التزوير من عدمه، ولا يحق لأية جهة اخرى سواها الفصل في هذا الموضوع . فضلاً عن ما تقدم فإن القرار الذي تصدره الهيئة القضائية التمييزية يكون نهائياً وغير قابل للطعن بأي شكل من الأشكال) .
هذا لا يعني أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات خالية من العيوب والمآخذ، لا بل إنها كذلك، فالقانون الذي ينظمها شرّعته السلطة الممسكة بالحكم وفصلت أحكامه على مقاساتها من أجل الجلوس في السلطة والاستمرار فيها وتعزيزها بمريديها واتباعها تحقيقاً لأهدافها، إذن والحالة هذه فالعيب يبدأ أولاً في قانونها الذي لا ينسجم وأحكام المواطنة والنزوع نحو دولة المؤسسات، ويكفي أن قانونها هذا هو الذي أفرز لنا التشكيلة السياسية التي قادت البلد منذ تشريعه ولغاية الآن ونشرت الفساد والخراب في كل أرجاء الوطن وبالطريقة التى اكتوى فيها العراقيون والتي لا تخفى على أحد.
القانون وحده ليس السبب الوحيد لهذا الخراب الكبير، بل إن طريقة المحاصصة التي يتم من خلالها اختيار اعضاء مجلس المفوضين وتقاسم الكعكة بين الأحزاب ذات الخطاب السياسي الديني والاختيار الذي يتم على أساس الولاء الحزبي والطائفي، ومهما تدنى المستوى المعرفي للمرشح لمنصب المفوض بدلاً من معايير المواطنة والتخصص في هذا النشاط، فلو أن اعضاء مجلس المفوضية يمتلكون الحرفية والمهنية والتخصص في هذا النشاط لما وقفوا موقف المتهم أمام وسائل الإعلام .
أمام هذه التجربة التي وضعت المفوضية على المحك وقبل أن تداهمنا انتخابات مجالس المحافظات التي هي ليست بالبعيدة، يلزم أن يعاد النظر بقانونها أولاً، والتشكيل البنيوي لأعضائها وكوادرها، إذ من غير المقبول أن نُلدغ من ذات الجحر مرات عدة.
إعادة نشر بواسطة محاماه نت
اترك تعليقاً