الفرقة الزوجية في الشريعة الإسلامية
التّعريف :
الفُرقة – بضمّ الفاء – اسم من المفارقة ، ومعناها في اللّغة : المباينة ، وأصلها من الفرق بمعنى الفصل ، يقال : فرق بين الشّيئين فرقاً وفرقاناً : فصل بينهما ، وافترق القوم فرقةً : ضدّ اجتمعوا .
والفِرقة – بالكسر – جماعة منفردة من النّاس .
وفي الاصطلاح : يذكر الفقهاء هذه الكلمة ويريدون بها انحلال رابطة الزّواج ، والفصل والمباينة بين الزّوجين ، سواء أكانت بطلاق أم بغيره .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ – الطّلاق :
الطّلاق لغةً : الحلّ ورفع القيد ، يقال : طلقت المرأة وأطلقت : سرّحت .
وفي الاصطلاح : هو رفع قيد النّكاح في الحال أو في المآل بألفاظ مخصوصة أو ما يقوم مقامها .
والعلاقة بين الطّلاق والفرقة هي أنّ الطّلاق من أنواع الفرقة ، والفرقة أعمّ من الطّلاق لأنّها قد تكون فسخاً
ب – الخلع :
الخلع – بالفتح – مصدر ، وبالضّمّ اسم ، ومعناه في اللّغة : النّزع والإزالة .
وفي الاصطلاح : الخُلع بالضّمّ : فرقة بعوض مقصود لجهة الزّوج بلفظ طلاق أو خلع . والعلاقة بين الخلع وبين الفرقة هي أنّ الخلع نوع من أنواع الفرقة ، والفرقة أعمّ من الخلع .
ج – الفسخ :
الفسخ لغةً : النّقض والإزالة .
وفي الاصطلاح حلّ رابطة العقد ، وبه تنهدم آثار العقد وأحكامه الّتي نشأت عنه .
والعلاقة بين الفرقة والفسخ العموم والخصوص من وجه ، فيجتمعان في فسخ عقد النّكاح ، والفرقة أعمّ من الفسخ في بعض صورها كما في الفرقة بالطّلاق ، وهو أعمّ من الفرقة في بعض الصّور ، كالفسخ في عقود البيع والإجارة ونحوهما .
ما يتعلّق بالفرقة من أحكام :
أوّلاً : أسباب الفرقة :
أ – الفرقة بسبب الشّقاق بين الزّوجين :
الشّقاق هو النّزاع بين الزّوجين ، فإذا وقع وتعذّر الإصلاح بينها يبعث حكم من أهل كلّ واحد منهما للعمل في الإصلاح بينهما بحكمة ورويّة ، مطابقاً لقوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا } . فإن نجحا في الإصلاح ، وإلاّ جاز لهما التّفريق بين الزّوجين إمّا بشرط التّوكيل والتّفويض لهما على ذلك كما ذهب إليه الحنفيّة والحنابلة في قول ، أو دون حاجة إلى التّوكيل والتّفويض بل بموجب التّحكيم ، كما قال به المالكيّة والحنابلة في قول آخر ، وعلى تفصيل عند الشّافعيّة .
ب – الفرقة بسبب العيب :
ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التّفريق بسبب العيب في الرّجل أو المرأة على سواء ، وخصّ الحنفيّة جواز الفرقة بينهما بعيوب في الزّوج ، وهي : الجبّ والعنّة والخصاء فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وزاد عليها محمّد : الجنون .
واختلف الجمهور في أنواع العيوب الّتي تجوز بسببها الفرقة بين الزّوجين بين موسّع ومضيّق .
ج – الفرقة بسبب الغيبة :
اختلف الفقهاء في حكم الفرقة بين الزّوجين بسبب الغيبة بناءً على اختلافهم في حكم استدامة الوطء ، هل حقّ للزّوجة كالزّوج ، أو لا ؟
فذهب الحنفيّة والشّافعيّة وهو قول القاضي من الحنابلة إلى أنّ حقّ المرأة في الوطء قضاء ينتهي بالوطء مرّةً واحدةً ، فإذا غاب الزّوج عنها بعد ذلك وترك لها ما تنفقه على نفسها لم يكن لها حقّ طلب الفرقة .
وذهب المالكيّة إلى أنّ هذا الحقّ ثابت للزّوجة مطلقاً ، وعلى ذلك فلها طلب التّفريق منه بسبب الغيبة ، سواء أكان سفره لعذر أم لغير عذر .
وذهب الحنابلة – فيما عدا القاضي – إلى أنّ استدامة الوطء حقّ للزّوجة ما لم يكن في الزّوج عذر مانع ، كالمرض ونحوه ، فإذا غاب الزّوج عن زوجته بغير عذر كان لها طلب التّفريق .
د – الفرقة بسبب الإعسار :
الإعسار إمّا أن يكون بالصّداق ، أو يكون بالنّفقة .
أمّا الإعسار بالصّداق فاختلف الفقهاء في حكمه كالتّالي :
ذهب الحنفيّة إلى عدم جواز الفرقة بالإعسار بالمهر أو غيره ، لكنّهم قالوا : للزّوجة قبل الدّخول منع تسليم نفسها للزّوج حتّى تستوفي معجّل صداقها .
وأجاز المالكيّة الفرقة بين الزّوجين بسبب إعسار الزّوج عن معجّل الصّداق إذا ثبت عسره ، ولا يرجى زواله .
أمّا الشّافعيّة والحنابلة فلهم في المسألة تفصيل تختلف أحكامه حسب اختلاف الأحوال .
أمّا الإعسار بنفقة الزّوجة فإذا ثبت بشروطه وطلبت الزّوجة التّفريق بينهما بسبب ذلك يفرّق بينهما عند جمهور الفقهاء ، خلافاً للحنفيّة الّذين قالوا بالاستدانة عليه ، ويؤمر بالأداء من تجب عليه نفقتها لولا الزّوج .
هـ – الفرقة بسبب الإيلاء :
إذا حصل الإيلاء من الزّوج كأن حلف باللّه تعالى أن لا يقرب زوجته أربعة أشهر أو أكثر ، أو علّق على قربانها أمراً فيه مشقّة على نفسه كأن يقول : إن قربتك فللّه عليّ صيام شهر ، أو نحو ذلك ، وتحقّقت شروط الإيلاء ، وأصرّ الزّوج على عدم قربان زوجته ، كان ذلك داعياً إلى الفرقة بينه وبين زوجته ، لأنّ في هذا الامتناع إضراراً بالزّوجة ، فكان لها الحقّ في مطالبته بالعودة إلى معاشرتها ، وإلاّ فللزّوجة أن ترفع الأمر إلى القاضي فيأمر الزّوج بالرّجوع عن موجب يمينه ، فإن أبى أمره بتطليقها ، فإن لم يطلّق طلّقها عليه القاضي ، وهذا عند الجمهور .
وقال الحنفيّة : إنّ الطّلاق يقع بمجرّد مضيّ أربعة أشهر إذا لم يقربها ، ولا يتوقّف على الرّفع إلى القضاء
و – الفرقة بسبب الرّدّة :
ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الرّدّة سبب للفرقة بين الزّوجين فوراً ، واختلفوا في كيفيّة الفرقة ، فقال الحنفيّة : إذا ارتدّ أحد الزّوجين المسلمين بانت منه امرأته مسلمةً كانت أو كتابيّةً ، دخل بها أو لم يدخل ، ويكون ذلك فسخاً عاجلاً لا يتوقّف على قضاء.
واستثنى المالكيّة حالة ما إذا قصدت المرأة بردّتها فسخ النّكاح ، فلا تفسخ الرّدّة في هذه الحالة النّكاح ، معاملةً لها بنقيض قصدها .
وعند الشّافعيّة لا تقع الفرقة بينهما فوراً حتّى تمضي عدّة الزّوجة قبل أن يتوب ويرجع إلى الإسلام ، فإذا انقضت العدّة وقعت الفرقة ، وإن عاد إلى الإسلام قبل انقضاء العدّة فهي امرأته .
وذهب الحنابلة إلى أنّ الرّدّة إن كانت قبل الدّخول يفرّق بين الزّوجين فوراً ، وإن كانت بعد الدّخول ففي رواية تنجز الفرقة ، وفي رواية أخرى تتوقّف على انقضاء العدّة .
ز – الفرقة بسبب اختلاف الدّار :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ مجرّد اختلاف الدّار لا يعتبر سبباً للفرقة بين الزّوجين ما لم يحصل بينهما اختلاف في الدّين .
وقال الحنفيّة : إنّ اختلاف داري الزّوجين حقيقةً وحكماً موجب للفرقة بينهما ، فلو دخل حربيّ دار الإسلام وعقد الذّمّة وترك زوجته في دار الحرب انفسخ نكاحهما ، وكذا العكس
ح – الفرقة بسبب اللّعان :
ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا قذف الرّجل زوجته قذفاً موجباً للحدّ ، أو نفى حملها وولدها منه ، فإنّه يلاعن بينهما ، لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } .
وإذا حصلت الملاعنة بين الزّوجين يفرّق بينهما لقوله صلى الله عليه وسلم : « المتلاعنان إذا افترقا لا يجتمعان » .
ولا تحتاج هذه الفرقة إلى حكم القاضي عند المالكيّة وهو رواية عند الحنابلة ، لأنّ سبب الفرقة قد وجد فتقع .
وذهب الحنفيّة – وهو ظاهر مذهب الحنابلة – إلى أنّه لا تتمّ الفرقة بين المتلاعنين إلاّ بحكم القاضي لما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : « فرّق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين وقال : حسابكما على اللّه » ، لكن يحرم الاستمتاع بينهما بعد التّلاعن ولو قبل الفرقة .
وقال الشّافعيّة : يتعلّق بلعان الزّوج فرقة مؤبّدة ، وإن لم تلاعن الزّوجة أو كان كاذباً .
ط – الفرقة بسبب الظّهار :
إذا ظاهر الرّجل من امرأته بأن قال لها : أنت كظهر أمّي : وتوافرت شروط الظّهار ، تحرم المعاشرة الزّوجيّة قبل التّكفير عن الظّهار ، وهذه الحرمة تشمل حرمة الوطء اتّفاقاً ، وحرمة دواعي الوطء عند جمهور الفقهاء .
وذهب الشّافعيّة في الأظهر وبعض المالكيّة وأحمد في رواية إلى إباحة دواعي الوطء .
فإن امتنع الزّوج عن التّكفير كان للزّوجة أن ترفع الأمر إلى القاضي ليجبره على التّكفير أو الطّلاق .
ثانياً : آثار الفرقة :
الفرقة طلاق أو فسخ أو انفساخ ، حسب اختلاف الأسباب والأحوال ، وتختلف أحكام الطّلاق عن أحكام الفسخ والانفساخ كما يختلف الحكم على الفرقة بأنّها طلاق أو فسخ حسب اختلاف أسباب الفرقة ، وإجمال ذلك في الآتي :
الفرقة بسبب الشّقاق بين الزّوجين حكم الحكمين طلاق بائن عند الجمهور ، ولا يرى الحنفيّة الفرقة في هذه الحالة إلاّ بالتّوكيل .
والفرقة بالعيب طلاق بائن عند الحنفيّة والمالكيّة ، وفسخ عند الشّافعيّة والحنابلة .
والفرقة بسبب غيبة الزّوج طلاق عند المالكيّة ، وفسخ عند الحنابلة في رواية ، وهي تحتاج إلى حكم القاضي ، ولا يرى الحنفيّة والشّافعيّة والقاضي من الحنابلة الفرقة بسبب الغيبة أصلاً .
والفرقة بسبب الإعسار بالمهر فسخ عند الشّافعيّة ، طلاق عند المالكيّة .
والفرقة بسبب الخلع طلاق بائن اتّفاقاً إذا وقع بلفظ الطّلاق أو نوى به الطّلاق ، وإلاّ فهي طلاق عند الجمهور ، وفسخ عند الحنابلة في المشهور .
والفرقة بسبب الرّدّة فسخ عند الجمهور ، وطلقة بائنة عند المالكيّة في المشهور .
والفرقة بسبب اللّعان طلاق عند الحنفيّة ، وفرقة مؤبّدة عند الشّافعيّة ، وفسخ عند المالكيّة والحنابلة .
ثالثاً : ما يترتّب على الفرقة باعتبارها طلاقاً أو فسخاً :
أ – من حيث عدد الطّلقات :
من المقرّر عند الفقهاء أنّ الزّوج له على زوجته ثلاث طلقات ، لا تحلّ له بعدها حتّى تنكح زوجاً غيره ، لقوله تعالى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } ، وقولـه سبحانه وتعالى : { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } .
وعلى ذلك ، فإذا اعتبرت الفرقة طلاقاً رجعيّاً أو بائناً ينقص بذلك عدد الطّلقات المستحقّة للزّوج على زوجته ، بخلاف ما إذا اعتبرت الفرقة فسخاً ، حيث يبقى العدد المستحقّ بعد الفرقة كما كان قبلها .
ب – من حيث العدّة :
لا يختلف الطّلاق عن الفسخ في أصل وجوب العدّة عند الفقهاء ، لكن يختلف حكم المعتدّة من الطّلاق عن المعتدّة من الفسخ في الجملة ، وذلك لأنّ المعتدّة من الطّلاق الرّجعيّ أو البائن بينونةً صغرى تعتبر صالحةً لوقوع الطّلاق الآخر ، بخلاف المعتدّة من الفسخ ، فلا يقع عليها الطّلاق إلاّ في حالات خاصّة ، كالفسخ بسبب ردّة أحد الزّوجين ، أو إباء الزّوجة غير الكتابيّة عن الإسلام .
ج – من حيث ثبوت النّفقة أثناء العدّة :
اتّفق الفقهاء على وجوب النّفقة للمعتدّة من طلاق رجعيّ ، كما اتّفقوا على وجوبها للمعتدّة من طلاق بائن إذا كانت حاملاً ، وفي غير الحامل عندهم خلاف .
واختلفوا في المعتدّة من الفسخ ، فقال الحنفيّة : إذا كان الفسخ من قبل الزّوج ، أو كان من قبل الزّوجة في غير معصية ، فلها النّفقة ، وإن كان من قبل الزّوجة بسبب المعصية كالرّدّة ، فلها السّكنى فقط دون النّفقة ، وذهب الحنابلة إلى عدم وجوب النّفقة للمعتدّة عن الفسخ إذا لم تكن حاملاً .
د – من حيث وجوب الإحداد :
اتّفق الفقهاء على عدم الإحداد على المطلّقة طلاقاً رجعيّاً وزوجها غير متوفّىً .
وأمّا المعتدّة من طلاق بائن بينونةً صغرى أو كبرى فقد اختلف فيه الفقهاء على اتّجاهين : الأوّل : أنّ عليها الإحداد ، والثّاني : أنّه لا إحداد عليها .
وأمّا المفسوخ زواجها ، فذهب الجمهور إلى أنّه لا إحداد عليها .
اترك تعليقاً