أهمية تقنين قواعد نظامية لعقد الامتياز التجاري
د. محمد عرفة
لقد فرض الواقع الاقتصادي والتجاري المعاصر للمملكة العربية السعودية, خاصة بعد انتهاجها مرحلة الانفتاح الاقتصادي والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية, وجود عقد من العقود التجارية المهمة التي أصبح لها دور مهم في الحياة التجارية, وهو عقد الامتياز التجاري ( الفرنشايز أو الفرنشيز), حيث يتعهد شخص طبيعي أو معنوي (يسمى مانح الامتياز), بأن يضع مشروعه التجاري لمدة معينة في خدمة تاجر آخر (يسمى متلقي الامتياز), وذلك بهدف احتكار تصنيع أو توزيع منتجات صاحب الامتياز أو خدمته المتميزة داخل دائرة جغرافية معينة, نظير جعل مادي محدد.
ويُعد متلقي الامتياز الطرف الضعيف في هذا العقد, أما مانح الامتياز فهو الطرف القوي؛ حيث يلتزم متلقي الامتياز بأن يتقيد بالتعليمات التي يفرضها عليه المانح؛ بحيث لا يجوز له أداء عمله إلا بالشكل والمواصفات والأسلوب الذي يُحدده له؛ كما يلتزم متلقي الامتياز بقصر نشاطه على المنتجات الخاصة بمانح الامتياز دون غيرها من المنتجات المماثلة داخل دائرة جغرافية محددة, مع ضرورة تحقيق حد أدنى من المبيعات وفقاً للبرنامج الذي يُحدده ويعتمده مانح الامتياز؛ ويلتزم متلقي الامتياز باستثمار مبلغ مالي في المشروع يُحدده مانح الامتياز؛ فضلاً عن أن متلقي الامتياز يلتزم بأن ينفذ العقد بحُسن نية, وذلك بأن يبذل أقصى جهده في العمل والترويج والمحافظة على أسرار المنتج الصناعية والتجارية؛ فضلاً عن وضع حسابات منتظمة للمنشأة تحت تصرف المانح؛ ويلتزم متلقي الالتزام كذلك بإزالة العلامة التجارية أو الصناعية لمنتج المانح أو الإشارة الدالة عليها من على كل مهمات التوزيع بمجرد انتهاء العقد.
ويتمتع المانح بحق إنهاء العقد في أي وقت دون إبداء الأسباب, وذلك نظير مهلة يمنحها لمتلقي الامتياز, حيث يتضمن العقد غالباً نصاً يُقرر تنازل هذا الأخير عن أي حق في التعويض قبل مانح الامتياز نتيجة للإنهاء المبتسر للعقد, كما أن للمانح الحق في عدم تجديد عقد الامتياز التجاري دون أن يستطيع متلقي الامتياز أن يُلزمه بذلك.
ويتميز هذا العقد بأنه يسعى إلى تحقيق مصلحة طرفيه, بأن يستفيد المانح من انتشار منتجاته في أسواق مختلفة ومتنوعة ما كان ليصل إليها دون استثمار أموال طائلة؛ كما يستفيد متلقي الامتياز من سمعة أو شهرة المانح أو سمعة وشهرة منتجاته, ومن ثم يُحقق شهرة وسمعة وأرباحا ما كان ليُحققها بمفرده في وقت وجيز. وقد ترتب على ذلك أن انتشر هذا النوع من العقود انتشاراً سريعاً في الدول ذات الاقتصاد الحر؛ بحيث أصبح يحتل نصيب الأسد في العلاقات التجارية الداخلية والدولية على حد سواء ومن ثم فعقد الامتياز التجاري, وإن كان بحسب الأصل يسعى إلى تحقيق مصلحة طرفيه, إلا أن شروطه تميل إلى تحقيق مصلحة مانح الامتياز على حساب مصلحة متلقي الامتياز.
ومن أهم الشروط التي تُثير إشكالات في الواقع العملي الشرط الذي يُعطي للمانح الحق في رفض تجديد العقد, ما يُثير التساؤل عن مدى أحقية متلقي الامتياز في التعويض عن عدم تجديد العقد, خاصة أن متلقي الامتياز يكون قد استثمر أموالاً ضخمة في المشروع واضعاً في اعتباره أن المشروع سيستمر سنوات طويلة. ومن المعلوم أنه لا توجد قواعد نظامية في السعودية يُمكن تطبيقها في هذا الفرض, اللهم إلا القواعد العامة في الشريعة الإسلامية المستقاة من الكتاب والسنة, مثل مبدأ الضرر يُزال ومبدأ لا ضرر ولا ضرار, وغيرها من مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء.
ومع ذلك فإن وجود عنصر دولي في هذا النوع من العقود, وذلك عندما يسعى مشروع تجاري أو صناعي أجنبي إلى منح تاجر سعودي امتياز توزيع منتجاته في السعودية, يُثير إشكالية في الفرض الذي يتم فيه تطبيق قانون أجنبي على عقد الامتياز التجاري, أو عندما تُرفع المنازعات الناشئة عنه لقضاء دولة أجنبية أو للتحكيم التجاري الدولي؛ إذ يلزم في هذا الفرض وجود قواعد قانونية واضحة يتم تطبيقها على العقد؛ بحيث لا يُترك متلقي الامتياز دون حماية قانونية؛ بأن يفرض عليه المانح شروطه التعسفية. وبالرجوع إلى أحكام القضاء في بعض الدول الأجنبية مثل القضاء الفرنسي نجد أنه يُميز بين حق مانح الامتياز في عدم تجديد العقد, وحق متلقي الامتياز في طلب التعويض بسبب عدم تجديد العقد؛ حيث تواترت أحكام هذا القضاء على أن لمانح الامتياز الحق في عدم تجديد العقد عند نهاية مدته, ولا يرد على هذا الحق سوى قيد وحيد يتمثل في ضرورة احترامه مهلة الإخطار المتفق عليها, إذا كان العقد غير محدد المدة؛
ولكن القضاء الفرنسي يُلزم مانح الامتياز بتعويض المتلقي إذ كان هناك تعسف واضح من جانبه في رفضه طلب التجديد, حيث يؤسس حق متلقي الامتياز في التعويض على نظرية التعسف في استعمال الحق أو على نظرية الوكالة المشتركة المصلحة. أما بعض القوانين العربية, مثل القانون المدني المصري, فتتضمن نصوصاً تشكل إطاراً عاماً, ومن ثم يُمكن إعمالها في حال طلب متلقي الامتياز تجديد العقد ورفض المانح تجديده؛ من هذه النصوص نص المادة الخامسة التي تُقرر أن استعمال الحق يكون غير مشروع في أحوال ثلاثة: إذا لم يُقصد به سوى الإضرار بالغير, وإذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية, بحيث لا تتناسب البتة مع ما يُصيب الغير من ضرر بسببها, أو إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة. وعلى ذلك فإننا نرى أهمية وضع قواعد نظامية تحمي متلقي الامتياز التجاري في السعودية, خاصة أنه يكون غالباً مؤسسة أو شركة سعودية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً